أدى تمسك مجلس النواب الليبي بضرورة امتثال حكومة «الوحدة الوطنية» برئاسة عبد الحميد الدبيبة، للاستجواب أمامه اليوم، إلى انقسام بين مؤيدين لهذا الإجراء ومعارضين له، وسط تخوف من تأثير هذه الخطوة على مسار الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، ومن ثم تأجيل الاستحقاق المزمع إجراؤه في الرابع والعشرين من ديسمبر (كانون الأول) المقبل.
واعتبر عضو مجلس النواب الليبي عمر تنتوش، أن الإقدام على سحب الثقة من الحكومة لا يدعم إجراء الانتخابات في موعدها، ملمحاً إلى أن هذا الإجراء «قد يتحول إلى عرقلة جديدة توضع في طريق الانتخابات، وبالمشهد الليبي عموماً».
وتساءل تنتوش في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «كيف نتحدث عن مساءلة الحكومة، ونتهمها بالتقصير في عملها دون إقرار ميزانيها؟»، مضيفاً: «ما يحدث هو محاولة لخلط الأوراق لأهداف سياسية، ربما منها عرقلة إجراء الانتخابات».
وتابع: «إذا ما توفرت الشروط والإجراءات القانونية لعملية سحب الثقة فعلياً، ما هو الوقت الذي سيحتاجه البرلمان لتشكيل حكومة جديدة ثم منحها الثقة مجدداً؟» فضلاً «عما تتطلبه عملية التشكيل من موافقة المجلس الأعلى للدولة»، وذهب إلى أنه «من الأولى بالسادة النواب المطالبة بسحب الثقة من الوزراء الذين سبق لهم أن قاموا بتزكية أسمائهم للدبيبة خلال عملية تشكيله للحكومة».
ورأى زياد دغيم، عضو مجلس النواب وعضو «ملتقى الحوار السياسي» الليبي، أنه من النضج ممارسة الليبيين إدارة خلافاتهم السياسية بالطرق السلمية وبشكل مؤسسي، معتبراً أن مطالبة 29 عضواً من أصل 51 يمثلون إقليم (برقة) بنغازي، بسحب الثقة من الحكومة، «يعد مؤشراً خطيراً... كون ذلك جاء انعكاساً لانتقادات واسعة وُجهت للحكومة من قبل قوى سياسية وعسكرية في الشرق الليبي على مدار الأشهر الثلاثة الماضية».
وأضاف «كثيرون في شرق ليبيا يرون أن الحكومة منحازة جهوياً وسياسياً، بل يرون أنها مارست سياسات تصفية الحسابات ضدهم، وأنها لم تكن أبداً حكومة وحدة وتوحيد، وبالتالي من الصعب تحملها وخصوصاً في المرحلة الراهنة التي لا يزال الجميع (بسببها) يلملم جراحه ومعاناته من القتل والتدمير».
ورأى دغيم أن «سحب الثقة يتطلب، بعد تضمين الاتفاق السياسي في الإعلان الدستوري، عقد جلسة صحيحة بنصاب 85 عضواً وموافقة (الأغلبية +1)، وبكل تأكيد في حال تحقق ذلك سيقوم البرلمان بالمشاورات لتكليف شخصية قوية قادرة على تسلم الحكم بطرابلس، وفق منهجية مناسبة... وقد تظهر خلافات بناءً على هذه الخطوة، ويمكن لـملتقى الحوار السياسي معالجتها بتشكيل حكومة ائتلافية».
وتابع دغيم: «قبل كل هذا، واجبنا في ملتقى الحوار السياسي، الجامع لكل الأطراف الليبية، هو الاجتماع والاتفاق على انتخابات رئاسية، أو الاتفاق على تسوية جديدة وحكومة ائتلافية، للحفاظ على استقرار البلاد واستمرار تصدير النفط، لأن الانقسام هذه المرة لن يقتصر على حكومتين كما كان سابقاً، وإنما في دولتين».
أما المحلل السياسي الليبي حافظ الغويل، فاستبعد أن تقبل أي شخصية بتشكيل حكومة بديلة لن يتعدى عمرها ثلاثة أشهر، وقال في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن «المجتمع الدولي لا يزال يتحدث عن الانتخابات في موعدها المقرر، قبل نهاية العام، فمن سيقبل المجازفة بنفسه لتشكيل أو الاشتراك في حكومة جديدة عمرها قصير؟»، مضيفاً «قد يكون الأمر مقبولاً لو تغير الحديث عن موعد الانتخابات وتم التوصل لاتفاق وموعد جديد للانتخابات، وبالتالي يمكن تشكيل حكومة تتمتع بعمر أطول».
واعتبر الغويل أن أصوات المعارضين للدبيبة داخل البرلمان لن تكفي لسحب الثقة خاصة في ظل عدم إقرار الميزانية، واصفاً الأمر بكونه «مجرد تلويح لزيادة المخصصات العسكرية، ولتضمين أسماء مقربة من الشرق في حركة السفراء الجديدة التي يعتزم الدبيبة تنفيذها».
في المقابل، تصدى رئيس مجموعة «العمل الوطني» الليبي خالد الترجمان، لتفنيد ما يُطرح حول عدم موضوعية مساءلة الحكومة قبل إقرار الميزانية، رافضاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» تصوير الاستجواب على أنه عرقلة للانتخابات.
وتساءل: «هل البديل إنفاق الأموال على مشروعات ترويجية لرئيس الحكومة، من مشاريع إعادة إعمار تتطلب سنوات وتزويج شباب، بدلاً من أن يعمل ويطالب بوضوح بإخراج المرتزقة وحل التشكيلات العسكرية، وهما أبرز عراقيل الانتخابات؟».
من جانبه، يرى عضو المجلس الأعلى للدولة سعد بن شرادة، أن الشعب الليبي هو الخاسر الوحيد فيما يحدث، خصوصا أن الجميع يدعون للانتخابات، لكنهم لا يعملون فعلياً للوصول إليها.
ولفت بن شرادة في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى «احتمال الدخول في حالة فوضى، خصوصاً مع عدم التوافق على القاعدة الدستورية والقوانين المنظمة للانتخابات، وإذا حدث وتجاوزنا موعد الانتخابات، فالبلاد ستتجه للانقسام أو الحرب».
واستبعد بن شرادة تدخل المجتمع الدولي لوقف أو رفض عملية سحب الثقة من الحكومة، خصوصاً إذا ما تمت بشكل قانوني، إلا أنه أشار إلى أن «عزوف أطراف كثيرة عن التدخل بالأزمة يعود لتوقعهم عدم تمكن البرلمان من سحب الثقة، في ظل اشتراط خريطة الطريق ضرورة موافقة مجلس الدولة على تلك الخطوة، والجميع يعرف حجم الفجوة بين البرلمان والمجلس».
انقسام حول إخضاع حكومة الدبيبة للاستجواب البرلماني
سياسيون يتخوفون من تأثير المساءلة على موعد الانتخابات
انقسام حول إخضاع حكومة الدبيبة للاستجواب البرلماني
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة