كيف تعيد الكارثة تشكيل المشهد اللبناني (تحليل إخباري)

سيارات ودراجات نارية تنتظر أمام محطة للوقود في لبنان وسط أزمة اقتصادية (رويترز)
سيارات ودراجات نارية تنتظر أمام محطة للوقود في لبنان وسط أزمة اقتصادية (رويترز)
TT

كيف تعيد الكارثة تشكيل المشهد اللبناني (تحليل إخباري)

سيارات ودراجات نارية تنتظر أمام محطة للوقود في لبنان وسط أزمة اقتصادية (رويترز)
سيارات ودراجات نارية تنتظر أمام محطة للوقود في لبنان وسط أزمة اقتصادية (رويترز)

يعيد الانهيار اللبناني تشكيل المشهدين، الاقتصادي والسياسي، تشكيلاً جذرياً ستمتد آثاره إلى أعوام طويلة مقبلة.
تدهور الدخل الوطني واضمحلال القدرة الشرائية لدى الأفراد وهجرة عشرات الآلاف من أصحاب الكفاءات ومن الشباب وإعاقة الجماعة الحاكمة لكل محاولات الإصلاح، ناهيك عن صعود الولاءات الأهلية والعصبيات الطائفية والعائلية، والعودة إلى «الحالة الطبيعية» حيث لا قانون ينظم العلاقات بين البشر إلا قانون القوة والعنف، كلها عوامل تشير إلى أن ما يجري في لبنان يكتسي بطابع الديمومة وأن العودة إلى ما قبل أكتوبر (تشرين الأول) 2019. مجرد وهم لا يستند إلى معطى واقعي واحد.
في هذه الأيام تنتهي «جمهورية الطائف» لتبدأ مرحلة انتقالية من المفترض أن تتوج بتقاسم جديد للسلطة بين الطوائف الكبرى عبر «مؤتمر تأسيسي» تحدث عنه أكثر من مرة «حزب الله» المنتصر الأول في الجولة الحالية من الحروب الأهلية الباردة. ويتفكك كذلك النموذج الاقتصادي الذي عرفه لبنان منذ استقلاله وأعيد إحياؤه بعد الحرب الأهلية. القطاعات الخدمية، المصرفية والسياحية، تعيش أيامها الأخيرة. «جمهورية المستوردين» لم يبق لديها مال كاف لتستورد السلع الفاخرة التي كانت السوق اللبنانية تعرفها. أكثرية أصحاب الأموال هرّبت ثرواتها إلى الخارج وتستعد للمغادرة النهائية. السلة الغذائية للمواطن متوسط الدخل باتت تخلو من العديد من المكونات التي اعتاد عليها في السنوات الماضية، من لحوم وفاكهة وسواها.
من جهة ثانية، تظهر في المشهد العام جماعات جديدة من المستفيدين من الوضع الكارثي ومن الساعين إلى إدامته وتوسيع رقعته. عناصر أحزاب السلطة تمارس تهريب المواد المدعومة وتسيطر على محطات الوقود في تأكيد على أن المهيمن على البلد سيقبى هو ذاته. لكنه عوضاً عن ممارسة الفساد من المكاتب وإدارات الدولة ومؤسساتها، نقل نفوذه إلى الشارع مستعيناً بمجاميع من الرعاع والشبيحة الذين لا يتورعون عن إذلال المنتظرين في طوابير طويلة للحصول على الوقود لسياراتهم أو في تقاسم الأرباح مع أصحاب المحطات وشركات التوزيع.
يضاف إلى هؤلاء مافيات جديدة تتحكم باستيراد الأدوية وتوزيعها في موازاة الاحتكارات المنوطة بالشركات التي تملك وكالات «شرعية» للتجارة بالمستلزمات الطبية والمستودعات المقسمة على أحزاب السلطة وأتباعها.
يفضي كل ذلك إلى تبلور أشكال جديدة من الإدارة المحلية والذاتية في القرى والشوارع، حيث تعمل الجماعات، بالاعتماد على العصبية الأهلية، على توفير ضرورات الحياة اليومية من وقود للمولدات الكهربائية والسيارات والماء والطحين وصولاً إلى الحطب الذي استعاد أهميته مع فقدان المحروقات. وكان الحطب وتجميعه من الإحراج، عنوان اشتباك مسلح بين قريتين في عكار، أعلن أن التقوقع ومحاولة حماية الذات سيتضخم في الشهور المقبلة بعد أن كانت الصدامات المسلحة مقتصرة على بعض قرى البقاع وأحياء الضاحية الجنوبية و«أبطالها» تجار ممنوعات يتنافسون على تقسيم دوائر النفوذ.
والأرجح أن انخفاض القدرة الشرائية ذلك الانخفاض الخرافي والحاجة إلى الدفاع عن النفس في وجه «آخر» عنيف ومجهول، سيفرز زعامات محلية شبيهة بأمراء الأحياء أثناء الحرب الأهلية. الكثير من هؤلاء الأخيرين وجدوا أماكنهم في صفوف الأحزاب التي حكمت لبنان بعد الحرب ويحتلون اليوم مناصب رفيعة المستوى في المجلس النيابي والحكومات المتعاقبة والزعامات الطائفية. الآلية التي أنتجت وزراء ونواب ما بعد الحرب تعمل الآن بكامل طاقتها في تصنيع «أمراء حرب» جدد يتمركزون أمام محطات البنزين ومستودعات الدواء وكل السلع التي قد تشح في المستقبل القريب.
الترجمة السياسية لهذا المشهد لن تتأخر. وسواء جرت الانتخابات النيابية في موعدها الربيع المقبل أم أرجئت بسبب الظروف، فإن الطبقة السياسية التي ستبقى في السلطة ستكون أقدر على استغلال الفقر والجوع اللذين يضربان جموع اللبنانيين. وستكون تكاليف شراء الولاء أقل من السابق نظراً لتفاقم حاجة جمهور الناخبين. وإذا كان باب التوظيف في القطاع العام الذي كان رمزاً لصرف النفوذ والزبائنية وإدامة تحكم القوى الطائفية بالمواطنين في العقود الماضية، قد أقفل نظراً إلى إفلاس الدولة وتراجع مواردها، فإن الانقسام الطائفي والجهوي سيتعزز بسبب الخدمات التي يمن بها زعماء الطوائف على أتباعهم والتي باتت تقتصر على بضع لترات من الوقود أو علب الدواء.
التفكك والتعفن تحت سيطرة القوى ذاتها، هو الأقرب إلى المعقول. في حين أن «الوسطاء» بين الجمهور و«ممثليه السياسيين» سيكونون من الرعاع الذين يرثون الآن ممارسات رعاع الحرب الأهلية. أما التغير الجذري فسيبرز في فقدان لبنان أي وظيفة إقليمية ودولية له وسيتكرس كدولة فاشلة تشكل عبئاً على المجتمع الدولي وورقة ابتزاز بيد المحور الإيراني وأرضاً للاقتتال الأهلي المضبوط وغير القابل للتوسع، أي الذي لا ينطوي على تهديد جدي للخارج، على الموارد الشحيحة.



محمد حيدر... «البرلماني الأمني» والقيادي الاستراتيجي في «حزب الله»

صورة متداولة لمحمد حيدر
صورة متداولة لمحمد حيدر
TT

محمد حيدر... «البرلماني الأمني» والقيادي الاستراتيجي في «حزب الله»

صورة متداولة لمحمد حيدر
صورة متداولة لمحمد حيدر

خلافاً للكثير من القادة الذين عاشوا في الظل طويلا، ولم يفرج عن أسمائهم إلا بعد مقتلهم، يعتبر محمد حيدر، الذي يعتقد أنه المستهدف بالغارة على بيروت فجر السبت، واحداً من قلائل القادة في «حزب الله» الذين خرجوا من العلن إلى الظل.

النائب السابق، والإعلامي السابق، اختفى فجأة عن مسرح العمل السياسي والإعلامي، بعد اغتيال القيادي البارز عماد مغنية عام 2008، فتخلى عن المقعد النيابي واختفت آثاره ليبدأ اسمه يتردد في دوائر الاستخبارات العالمية كواحد من القادة العسكريين الميدانيين، ثم «قائداً جهادياً»، أي عضواً في المجلس الجهادي الذي يقود العمل العسكري للحزب.

ويعتبر حيدر قائداً بارزاً في مجلس الجهاد في الحزب. وتقول تقارير غربية إنه كان يرأس «الوحدة 113»، وكان يدير شبكات «حزب الله» العاملة خارج لبنان وعين قادة من مختلف الوحدات. كان قريباً جداً من مسؤول «حزب الله» العسكري السابق عماد مغنية. كما أنه إحدى الشخصيات الثلاث المعروفة في مجلس الجهاد الخاص بالحزب، مع طلال حمية، وخضر يوسف نادر.

ويعتقد أن حيدر كان المستهدف في عملية تفجير نفذت في ضاحية بيروت الجنوبية عام 2019، عبر مسيرتين مفخختين انفجرت إحداهما في محلة معوض بضاحية بيروت الجنوبية.

عمال الإنقاذ يبحثون عن ضحايا في موقع غارة جوية إسرائيلية ضربت منطقة البسطة في قلب بيروت (أ.ب)

ولد حيدر في بلدة قبريخا في جنوب لبنان عام 1959، وهو حاصل على شهادة في التعليم المهني، كما درس سنوات عدة في الحوزة العلمية بين لبنان وإيران، وخضع لدورات تدريبية بينها دورة في «رسم وتدوين الاستراتيجيات العليا والإدارة الإشرافية على الأفراد والمؤسسات والتخطيط الاستراتيجي، وتقنيات ومصطلحات العمل السياسي».

بدأ حيدر عمله إدارياً في شركة «طيران الشرق الأوسط»، الناقل الوطني اللبناني، ومن ثم غادرها للتفرغ للعمل الحزبي حيث تولى مسؤوليات عدة في العمل العسكري أولاً، ليتولى بعدها موقع نائب رئيس المجلس التنفيذي وفي الوقت نفسه عضواً في مجلس التخطيط العام. وبعدها بنحو ثماني سنوات عيّن رئيساً لمجلس إدارة تلفزيون «المنار».

انتخب في العام 2005، نائباً في البرلمان اللبناني عن إحدى دوائر الجنوب.