متمردو تشاد يرغبون في «الحوار»... وانقلابيو مالي يفرجون عن الرئيس

رئيس الوزراء المالي السابق يعبّر عن سعادته لاستعادة {حق التنقل بحرية}

محمد إدريس دبي نجل الرئيس السابق الذي تولى قيادة البلاد وهو جنرال في الجيش يبلغ من العمر 38 عاماً (رويترز)
محمد إدريس دبي نجل الرئيس السابق الذي تولى قيادة البلاد وهو جنرال في الجيش يبلغ من العمر 38 عاماً (رويترز)
TT

متمردو تشاد يرغبون في «الحوار»... وانقلابيو مالي يفرجون عن الرئيس

محمد إدريس دبي نجل الرئيس السابق الذي تولى قيادة البلاد وهو جنرال في الجيش يبلغ من العمر 38 عاماً (رويترز)
محمد إدريس دبي نجل الرئيس السابق الذي تولى قيادة البلاد وهو جنرال في الجيش يبلغ من العمر 38 عاماً (رويترز)

قالت جبهة التغيير والوفاق في تشاد، وهي حركة مسلحة متمردة أعلنت قبل أشهر مسؤوليتها عن مقتل الرئيس التشادي إدريس دبي، إنها مستعدة للمشاركة في «الحوار الوطني» الذي اقترحه المجلس العسكري الانتقالي الذي يحكم تشاد، بقيادة نجل الرئيس الراحل الجنرال محمد إدريس دبي. ونقلت (رويترز) عن المتحدث باسم الجبهة قوله: «إذا كانت هناك مبادرات سلمية لبناء تشاد ديمقراطية جديدة، تخلو من الديكتاتورية والمصادرة المطلقة للسلطة، فإننا سننضم إليها بالتأكيد»، فيما قال زعيم الجبهة محمد مهدي علي: «لقد تجاوزنا مرحلة الاقتتال، وبلغنا مرتبة التفاوض ما بين الإخوة».
ومهدي عسكري تشادي مخضرم كان يقاتل في ليبيا منذ سنوات، نقلت عنه صحف فرنسية قوله: «نحن نطالب بحوار وطني في تشاد منذ 2016»، وكان مهدي قد عبر الحدود بين ليبيا وتشاد مطلع العام الجاري، على رأس مئات المقاتلين المدججين بالسلاح، وأعلن التمرد على نظام الرئيس إدريس دبي، الذي حكم تشاد لثلاثة عقود، وخاض المتمردون معارك عنيفة ضد الجيش التشادي شهر أبريل (نيسان) الماضي، قتل فيها دبي، ليتولى نجله قيادة البلاد، وهو جنرال في الجيش يبلغ من العمر 38 عاماً، فواصل الحرب على المتمردين وألحق بهم خسائر كبيرة، واعتقل منهم المئات. وسبق أن رفض المجلس العسكري الانتقالي أي تفاوض مع الجبهة، بسبب تورطها في مقتل الرئيس دبي، فيما لم يعرف موقفه من استعدادها للمشاركة في «الحوار الوطني» الذي يسعى المجلس العسكري لتنظيمه كخطوة مهمة لتسيير مرحلة انتقالية تنتهي بتنظيم انتخابات رئاسية تعيد البلاد إلى وضع دستوري طبيعي.
وقبل أسبوع شكل محمد إدريس دبي «لجنة فنية» مكلفة بالتحضير للحوار، تضم في عضويتها شخصيات سياسية وأخرى عسكرية، ويرأسها الرئيس التشادي الأسبق قوكوني ويدي، وأعلن المجلس العسكري الانتقالي أن «إخواننا السياسيين والعسكريين مدعوون إلى مفاوضات صريحة وأخوية ومباشرة لطي صفحة العنف الذي طالما أحزن عائلاتنا وأبطأ تطورنا».
في غضون ذلك أعلن الرئيس التشادي أن المجلس العسكري «سيترجم حسن نيته في إجراءات ملموسة، تتعلق بالعفو والإفراج عن أسرى الحرب وإعادة ممتلكاتهم إليهم، ودمجهم في المجتمع، وفق جدول زمني دقيق سيتم الإعلان عنه»، ورحب المتمردون بهذا التصريح حين أعلنوا استعدادهم للمشاركة في الحوار.
ولكن استعداد المتمردين للحوار يتزامن مع اتفاق تشادي - ليبي على «إخراج الفصائل المسلحة التشادية من الأراضي الليبية»، كما يتزامن مع مقترح قدمه الرئيس التشادي إلى الليبيين بتشكيل قوة عسكرية مشتركة لضبط الحدود بين البلدين، وذلك خلال زيارة قام بها نائب رئيس المجلس الرئاسي الليبي موسى الكوني، إلى تشاد قبل أيام، كما يستعد الرئيس التشادي لزيارة الخرطوم. وتعيش تشاد منذ أشهر أوضاعا سياسية استثنائية، رغم محاولة محمد دبي تسيير المرحلة الانتقالية بهدوء، ولكن ذلك فرض عليه الانشغال بالشأن الداخلي على حساب الأدوار الإقليمية التي كان يقوم بها والده، وخاصة فيما يتعلق بالحرب على الإرهاب في منطقة الساحل، إذ سحبت تشاد قبل أيام 600 جندي من المثلث الحدودي بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو، كانت تشارك في القتال ضد «تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى»، وهو أحد أذرع تنظيم «داعش».
ليست تشاد وحدها الغارقة في أزمة سياسية، من بين دول الساحل، بل إن مالي هي الأخرى توجد في وضع سياسي وأمني أسوأ، منذ الانقلاب العسكري الذي وقع أغسطس (آب) 2020، والصعوبات التي تواجه تسيير المرحلة الانتقالية، خاصة بعد الانقلاب الثاني الذي وقع نهاية مايو (أيار) الماضي.
وأفرج انقلابيو مالي أمس (السبت) عن الرئيس الانتقالي باه انداو ورئيس الوزراء مختار وان المعتقلين منذ أكثر من ثلاثة أشهر، في خطوة اعتبرت مهمة لتهدئة الوضع السياسي في البلاد، خاصة أن الفترة الانتقالية تنتهي في غضون ستة أشهر فقط، أي إن الانتخابات الرئاسية يجب أن تنظم في شهر فبراير (شباط) المقبل، وهو ما يبدو أنه صعب التحقق. وبدأ الماليون يتحدثون عن إمكانية «تمديد» المرحلة الانتقالية، رغم أن المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) التي فرضت عقوبات على مالي بسبب الانقلاب، ترفض بشدة أي تمديد للمرحلة الانتقالية، وتلوح بتشديد العقوبات في حالة محاولة الجيش تمديد فترة بقائه في الحكم. ورحبت (إيكواس) الجمعة برفع «كل الإجراءات التقييدية» المفروضة على الرئيس السابق ورئيس الوزراء الانتقاليين.
وقالت إنها «ترحب بقرار الحكومة رفع جميع الإجراءات التقييدية» ضد نداو ووان. واعتقل الرجلان في 24 مايو في انقلاب ثان بقيادة الكولونيل أسيمي غوتا والعسكريين الذين وصلوا إلى السلطة في انقلاب في 18 أغسطس (آب) 2020. وقالت المجموعة إن لجنة تم تشكيلها لمتابعة الانتقال بعد الانقلاب العسكري الأول الذي وقع في أغسطس 2020.
وأكدت الحكومة المالية في تغريدة على تويتر مساء الجمعة أنها «استقبلت بترحيب مهمة المساعي الحميدة» للجنة متابعة المرحلة الانتقالية. وعبرت عن «ارتياحها للنتيجة السارة للخطوات التي قامت بها اللجنة المذكورة» لمراقبة المرحلة الانتقالية، والتي أدت إلى «رفع إجراءات المراقبة الخاصة التي كانت مفروضة» على الرئيس ورئيس الحكومة السابقين.
وأكد رئيس الوزراء الانتقالي السابق مختار في بيان مساء الجمعة أنه «كان سعيدا لاستعادة حق أساسي منصوص عليه في دستورنا، حق التنقل» بحرية. وعبر عن شكره للجنة مراقبة المرحلة الانتقالية التي سمح عملها بـ«تسوية وضع صعب»، على حد تعبيره.



موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
TT

موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)

يشكّل تحديث العقيدة النووية لروسيا الذي أعلنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤخراً، تحذيراً للغرب، وفتحاً ﻟ«نافذة استراتيجية» قبل دخول الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب البيت الأبيض، وفق تحليل لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية.

«إن تحديث العقيدة النووية الروسية يستبعد احتمال تعرّض الجيش الروسي للهزيمة في ساحة المعركة»، بيان صادر عن رئيس الاستخبارات الخارجية الروسية، سيرغي ناريتشكين، لا يمكن أن يكون بياناً عادياً، حسب «لوفيغارو». فمن الواضح، حسب هذا التصريح الموجه إلى الغربيين، أنه من غير المجدي محاولة هزيمة الجيش الروسي على الأرض، لأن الخيار النووي واقعي. هذه هي الرسالة الرئيسة التي بعث بها فلاديمير بوتين، الثلاثاء، عندما وقّع مرسوم تحديث العقيدة النووية الروسية المعتمد في عام 2020.

ويدرك الاستراتيجيون الجيوسياسيون الحقيقة الآتية جيداً: الردع هو مسألة غموض (فيما يتعلّق باندلاع حريق نووي) ومسألة تواصل. «وفي موسكو، يمكننا أن نرى بوضوح الذعر العالمي الذي يحدث في كل مرة يتم فيها نطق كلمة نووي. ولا يتردد فلاديمير بوتين في ذكر ذلك بانتظام، وفي كل مرة بالنتيجة المتوقعة»، حسب الصحيفة. ومرة أخرى يوم الثلاثاء، وبعد توقيع المرسوم الرئاسي، انتشرت موجة الصدمة من قمة مجموعة العشرين في كييف إلى بكين؛ حيث حثّت الحكومة الصينية التي كانت دائماً شديدة الحساسية تجاه مبادرات جيرانها في ما يتصل بالمسائل النووية، على «الهدوء» وضبط النفس. فالتأثير الخارق الذي تسعى روسيا إلى تحقيقه لا يرتبط بالجوهر، إذ إن العقيدة النووية الروسية الجديدة ليست ثورية مقارنة بالمبدأ السابق، بقدر ارتباطها بالتوقيت الذي اختارته موسكو لهذا الإعلان.

صورة نشرتها وزارة الدفاع الروسية في الأول من مارس 2024 اختبار إطلاق صاروخ باليستي عابر للقارات تابع لقوات الردع النووي في البلاد (أ.ف.ب)

العقيدة النووية الروسية

في سبتمبر (أيلول) الماضي، وفي حين شنّت قوات كييف في أغسطس (آب) توغلاً غير مسبوق في منطقة كورسك في الأراضي الروسية، رد فلاديمير بوتين بتحديد أنه يمكن استخدام الأسلحة النووية ضد دولة غير نووية تتلقى دعماً من دولة نووية، في إشارة واضحة إلى أوكرانيا والولايات المتحدة. لكن في نسخة 2020 من الميثاق النووي الروسي، احتفظت موسكو بإمكانية استخدام الأسلحة الذرية أولاً، لا سيما في حالة «العدوان الذي تم تنفيذه ضد روسيا بأسلحة تقليدية ذات طبيعة تهدّد وجود الدولة ذاته».

وجاء التعديل الثاني في العقيدة النووية الروسية، الثلاثاء الماضي، عندما سمحت واشنطن لكييف باستخدام الصواريخ بعيدة المدى: رئيس الكرملين يضع ختمه على العقيدة النووية الجديدة التي تنص على أن روسيا ستكون الآن قادرة على استخدام الأسلحة النووية «إذا تلقت معلومات موثوقة عن بدء هجوم جوي واسع النطاق عبر الحدود، عن طريق الطيران الاستراتيجي والتكتيكي وصواريخ كروز والطائرات من دون طيار والأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت». وحسب المتخصصة في قضايا الردع في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية (إيفري)، هيلواز فايت، فإن هذا يعني توسيع شروط استخدام السلاح النووي الروسي.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يصافح الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب خلال اجتماع على هامش قمة مجموعة العشرين في أوساكا باليابان 28 يونيو 2019 (رويترز)

انتظار عودة ترمب

لفترة طويلة، لاحظ صقور الاستراتيجية الجيوستراتيجية الروسية أن الردع الروسي تلاشى. وبالنسبة إليهم، فقد حان الوقت لموسكو لإعادة تأكيد خطوطها الحمراء من خلال «إعادة ترسيخ الخوف» من الأسلحة النووية، على حد تعبير سيرغي كاراجانوف، الخبير الذي يحظى باهتمام فلاديمير بوتين. ةمن هذا المنظار أيضاً، يرى هؤلاء المختصون اندلاع الحرب في أوكرانيا، في 24 فبراير (شباط) 2022، متحدثين عن «عدوان» من الغرب لم تكن الترسانة النووية الروسية قادرة على ردعه. بالنسبة إلى هؤلاء المتعصبين النوويين، ينبغي عدم حظر التصعيد، بل على العكس تماماً. ومن الناحية الرسمية، فإن العقيدة الروسية ليست واضحة في هذا الصدد. لا تزال نسخة 2020 من العقيدة النووية الروسية تستحضر «تصعيداً لخفض التصعيد» غامضاً، بما في ذلك استخدام الوسائل غير النووية.

وحسب قناة «رايبار» المقربة من الجيش الروسي على «تلغرام»، فإنه كان من الضروري إجراء تحديث لهذه العقيدة؛ لأن «التحذيرات الروسية الأخيرة لم تُؤخذ على محمل الجد».

ومن خلال محاولته إعادة ترسيخ الغموض في الردع، فإن فلاديمير بوتين سيسعى بالتالي إلى تثبيط الجهود الغربية لدعم أوكرانيا. وفي ظل حملة عسكرية مكلفة للغاية على الأرض، يرغب رئيس «الكرملين» في الاستفادة من الفترة الاستراتيجية الفاصلة بين نهاية إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ووصول الرئيس المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، الذي يتوقع منه بوتين مبادرات سلام محتملة لإنهاء الحرب.

يسعى بوتين، وفق الباحثة في مؤسسة «كارنيغي»، تاتيانا ستانوفايا، لوضع الغرب أمام خيارين جذريين: «إذا كنت تريد حرباً نووية، فستحصل عليها»، أو «دعونا ننهي هذه الحرب بشروط روسيا».