إقالة صنع الله من رئاسة «النفط الليبية» تُعيد المؤسسة لدائرة الصراع

توقع بدخول أطراف دولية على خط الأزمة لوقف تفاقمها

وزير النفط والغاز الليبي محمد عون (المكتب الإعلامي للوزارة)
وزير النفط والغاز الليبي محمد عون (المكتب الإعلامي للوزارة)
TT

إقالة صنع الله من رئاسة «النفط الليبية» تُعيد المؤسسة لدائرة الصراع

وزير النفط والغاز الليبي محمد عون (المكتب الإعلامي للوزارة)
وزير النفط والغاز الليبي محمد عون (المكتب الإعلامي للوزارة)

دخلت مؤسسة النفط الليبية دائرة الصراع مجدداً، بعد إصدار وزير النفط والغاز محمد عون، قراراً بإقالة رئيسها مصطفى صنع الله، لأسباب عديدة، من بينها «عدم تواجده الدائم في البلاد، وتغيبه عن العمل».
وشهدت مؤسسة النفط خلال السنتين الماضيتين، صراعات طاحنة مع (معسكر شرق البلاد) بسبب إغلاق إنتاج وتصدير النفط، مدة ثمانية أشهر على خلفية الحرب على طرابلس، ما كبد البلاد عشرة مليارات دولار، وفقاً لتقرير ديوان المحاسبة الأخير، فضلاً عن اتهامات متبادلة بين صنع الله ورئيس المصرف المركزي الصديق الكبير، حول إهدار عائدات النفط.
وأصدر وزير النفط والغاز الليبي قراراً مساء أول من أمس، بإقالة صنع الله من رئاسة المؤسسة، وكلف جاد الله حمد العوكلي عضو مجلس إدارة المؤسسة بدلاً منه، لتدخل المؤسسة في صراع جديد.
وأرجع عون هذا القرار، «لغياب صنع الله عن العمل»، لكن العوكلي الذي ذهب لتسلم مهامه الجديدة اصطدم برفض واسع من الموالين لصنع الله، الذي يحظى بدعم أطراف دولية عديدة من بينها أميركا وبريطانيا، فضلاً عن مساندة من أطراف داخلية.
وعادة ما يصطدم أي مسؤول يتم تعيينه في ليبيا بمعارضة شديدة من سلفه، أو الموالين له في المؤسسة الحكومية، باستثناء السلطة التنفيذية المكونة من المجلس الرئاسي، وحكومة «الوحدة الوطنية»، التي تولت المسؤولية بعد عملية تسليم وتسلم سلسة.
واشتكى العوكلي من الصعوبات التي واجهته عندما ذهب لتسلم مهامه في مؤسسة النفط، وأرسل للوزير عون ليطلعه على جانب من هذه المعوقات، وقال: «لم أتمكن من ممارسة صلاحيات التكليف رغم إحالته إلى مدير مكتب رئيس مجلس إدارة مؤسسة النفط»، وأضاف «اتضح لدينا أن رئيس مجلس الإدارة رغم علمه بالتكليف أبلغ مدير مكتبه بأنه مستمر في ممارسة عمله بصورة اعتيادية من مكان تواجده خارج البلاد».
وانتهى العوكلي إلى أنه بهذه الإفادة «أخلى مسؤوليته عما قد يترتب من إرباك في سير العمل أو أي التزامات قانونية».
أحد جذور الأزمة، بحسب المتابعين لما يدور في كواليس الوزارة والمؤسسة، هو تعارض الاختصاصات، فضلاً عما وصفوه بـ«تعالي صنع الله على عون وتجاهله»، وهو ما عبر عنه الأخير صراحة في تصريحات صحافية: «لا يستجيب لنا ولا يعتد كثيراً بما نطلبه منه» (...) إنه «مدعوم من سفارتي أميركا وبريطانيا».
وأشار المتابعون إلى أن المؤسسة لا بد أن تكون خاضعة لوزارة البترول، ومن ثم يحق لوزيرها تغيير مجلس إدارة المؤسسة على اعتبار أن ذلك عمل سيادي له.
وإقالة صنع الله ليست بالأمر المفاجئ، إذ تطرق إليها رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة، في حديثه مع وكالة «بلومبرغ» قبل أسبوع، كما وجه عون رسالة إلى الدبيبة 14 أغسطس (آب) الجاري، يخبره بأن «تشكيل مجلس إدارة مؤسسة النفط تم بصورة مخالفة للقوانين والتشريعات المنشئة للمؤسسة والمنظِّمة لأعمالها».
وللتقليل من شرعية مجلس إدارة شرعية المؤسسة الحالي، رأى عون أن تكليف هذا المجلس جاء من قبل وكيل وزارة النفط المكلف في عام 2014، وليس من الوزير أو من مجلس الوزراء المخول بتعيين مجلس الإدارة وفق القانون، وزاد: «صنع الله لم يتعاون مع وزارة النفط ومجلس النواب بشأن صفقة بيع حصة شركة «ماراثون» الأميركية في شركة «الواحة» إلى شركة «توتال» الفرنسية عندما طلبت لجنة الطاقة بالمجلس من المؤسسة معلومات عن الصفقة التي استكملت في عام 2020.
وكانت بعض المنصات الإلكترونية تداولت تشكيلاً جديداً لمجلس إدارة المؤسسة بدعوى أنه مقترح من عون، يتكون من ستة أعضاء برئاسة طاهر رمضان حمد القطعاني، وعضوية كل من وكيل وزارة النفط والغاز، وأحمد الجيلاني الغزال، والدوكالي رمضان الزريقي، ومحمد علي عبد الله دنقو.
ويرى المتابعون أن الدبيبة فتح الباب أمام عون لإقالة صنع الله، ومجلس إدارته، لكنهم يتوقعون دخول السفيرين الأميركي والبريطاني على خط الأزمة لإعادة التهدئة إلى المرفق الذي تعرض لهزات عنيفة من قبل واحتواء الأمر قبل تفاقمه. وسبق للدبيبة قول: «لم أدرس بعد تغيير رئيس مؤسسة النفط مصطفى صنع الله، كما اقترح وزير النفط»، ثم عاد وقال: «صنع الله قد يتغير وقد لا يتغير، كل شيء ممكن»، وستكون هناك بعض التغييرات، لكن ليس بالشكل الذي طلبه الوزير.
في هذه الأثناء التي يحتدم فيها الجدل في المؤسسة الحيوية، أعلنت شركة الخليج العربي للنفط أن الشركة أصبحت «عاجزة تماماً» عن الاستمرار في مواصلة نشاطها وتنفيذ أعمالها بدون تخصيص الأموال اللازمة لذلك، لافتة إلى أنها كانت تسير أعمالها مع عدم إحالة ميزانيتي عامي 2020 و2021 لها، رغم الوعود المستمرة بتوفير الأموال المطلوبة ما أدى لتراكم الديون والالتزامات وعجزها عن توفير متطلبات التشغيل والإنتاج، وعدم قدرتها على مواصلة الالتزامات التعاقدية.
وانتهت شركة الخليج العربي قائلة إنها «لن تستطيع الاستمرار في العمل بدون توافر الميزانيات لتسيير أعمالها، وستضطر مجبرة لتعليق جميع الأنشطة والأعمال ما لم يتم إمدادها بالأموال اللازمة لإعادة الإنتاج».



أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
TT

أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)

قرب ركام مبنى ما زال الدخان يتصاعد منه في مدينة صور، تحمل عائلة حقائب وتصعد على سلم مظلم إلى شقة خُلعت أبوابها ونوافذها، ولا يوجد فيها ماء ولا كهرباء، بعد أن استهدف القصف الإسرائيلي البنى التحتية والطرق، إضافة إلى الأبنية والمنازل.

في اليوم الثاني من سريان وقف إطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل، كانت مئات العائلات صباح الخميس تتفقّد منازلها في أحياء استهدفتها الغارات الإسرائيلية، وحوّلتها إلى منطقة منكوبة.

لم تسلم سوى غرفة الجلوس في شقة عائلة نجدة. تقول ربّة المنزل دنيا نجدة (33 عاماً)، وهي أم لطفلين، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، بينما تقف على شرفتها المطلة على دمار واسع: «لم نتوقّع دماراً إلى هذا الحدّ. رأينا الصور لكن وجدنا الواقع مغايراً وصعباً».

وغطّى الزجاج أسرّة أطفالها وألعابهم، في حين تناثرت قطع من إطارات النوافذ الحديدية في كل مكان. وتضيف دنيا نجدة: «عندما وصلنا، وجدنا الدخان يتصاعد من المكان، وبالكاد استطعنا معاينة المنزل».

على الشرفة ذاتها، يقف والد زوجها سليمان نجدة (60 عاماً)، ويقول: «نشكو من انقطاع المياه والكهرباء... حتى المولدات الخاصة لا تعمل بعد انقطاع خطوط الشبكات».

ويقول الرجل، الذي يملك استراحة على شاطئ صور، الوجهة السياحية التي تجذب السكان والأجانب: «صور ولبنان لا يستحقان ما حصل... لكن الله سيعوضنا، وستعود المدينة أفضل مما كانت عليه».

وتعرّضت صور خلال الشهرين الماضيين لضربات عدّة؛ دمّرت أو ألحقت أضراراً بمئات الوحدات السكنية والبنى التحتية، وقطعت أوصال المدينة.

وأنذرت إسرائيل، خلال الأسابيع القليلة الماضية، مراراً سكان أحياء بأكملها بإخلائها، ما أثار الرعب وجعل المدينة تفرغ من قاطنيها، الذين كان عددهم يتجاوز 120 ألفاً.

لن يحصل بنقرة

خلال جولة في المدينة؛ حيث تعمل آليات على رفع الردم من الطرق الرئيسة، يحصي رئيس بلدية صور واتحاد بلدياتها، حسن دبوق لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «أكثر من 50 مبنى، مؤلفة من 3 إلى 12 طابقاً دُمّرت كلياً جراء الغارات الإسرائيلية»، غير تضرّر عشرات الأبنية في محيطها، بنسبة تصل إلى 60 في المائة. ويضيف: «يمكن القول إنه يكاد لم يبقَ أي منزل بمنأى عن الضرر».

وشهدت شوارع المدينة زحمة سير مع عودة المئات من السكان إلى أحيائهم، في حين أبقت المؤسسات والمحال التجارية والمطاعم أبوابها موصدة.

ويوضح دبوق: «يتفقّد السكان منازلهم خلال النهار، ثم يغادرون ليلاً بسبب انقطاع الماء عن أنحاء المدينة والكهرباء عن الأحياء التي تعرّضت لضربات إسرائيلية قاسية».

ويقول إن الأولوية اليوم «للإسراع في إعادة الخدمات إلى المدينة، وتأمين سُبل الحياة للمواطنين»، مقرّاً بأن ذلك «لن يحصل بنقرة، ويحتاج إلى تعاون» بين المؤسسات المعنية.

ويضيف: «من المهم أيضاً إزالة الردم لفتح الشوارع حتى يتمكّن الناس من العودة».

واستهدفت غارة إسرائيلية في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) شركة مياه صور، ما أسفر عن تدميرها، ومقتل موظفيْن، وانقطاع المياه عن 30 ألف مشترك في المدينة ومحيطها، وفق ما قال رئيس مصلحة مياه صور وليد بركات.

ودمّرت الغارة مضخّات المياه وشبكة الأنابيب المتفرّعة منها، وفق ما شاهد مراسلو «وكالة الصحافة الفرنسية»، الخميس، في إطار جولة نظمها «حزب الله» للصحافيين في عدد من أحياء المدينة.

وتحتاج إعادة بنائها إلى فترة تتراوح بين 3 و6 أشهر، وفق بركات، الذي قال إن العمل جارٍ لتوفير خيار مؤقت يزوّد السكان العائدين بالمياه.

ويقول بركات: «لا صواريخ هنا، ولا منصات لإطلاقها، إنها منشأة عامة حيوية استهدفها العدوان الإسرائيلي».

قهر ومسكّنات

بحزن شديد، يعاين أنس مدللي (40 عاماً)، الخيّاط السوري المُقيم في صور منذ 10 سنوات، الأضرار التي لحقت بمنزله جراء استهداف مبنى مجاور قبل ساعة من بدء سريان وقف إطلاق النار. كانت أكوام من الركام تقفل مدخل المبنى الذي تقع فيه الشقة.

ويقول بأسى: «بكيت من القهر... منذ يوم أمس، وأنا أتناول المسكنات جراء الصدمة. أنظر إلى ألعاب أولادي والدمار وأبكي».

وغابت الزحمة، الخميس، عن سوق السمك في ميناء المدينة القديمة، الذي كان يعجّ بالزبائن قبل الحرب، بينما المراكب راسية في المكان منذ أكثر من شهرين، وينتظر الصيادون معجزة تعيدهم إلى البحر لتوفير قوتهم.

بين هؤلاء مهدي إسطنبولي (37 عاماً)، الذي يروي أنه ورفاقه لم يبحروا للصيد منذ أن حظر الجيش اللبناني في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) حركة القوارب في المنطقة البحرية جنوب لبنان.

ويقول: «لم يسمح الجيش لنا بعد بالخروج إلى البحر حفاظاً على سلامتنا» باعتبار المنطقة «حدودية» مع إسرائيل.

ويقول إسطنبولي: «نراقب الوضع... وننتظر»، مضيفاً: «نحن خرجنا من أزمة، لكن الناس سيعانون الآن من أزمات نفسية» بعد توقف الحرب.

ويقول أب لأربعة أطفال: «أحياناً وأنا أجلس عند البحر، أسمع صوت الموج وأجفل... يتهيّأ لي أن الطيران يقصف. نعاني من الصدمة».