تحديات أمنية لإسرائيل لم يبلورها بنيت

في عهد إدارة أميركية ديمقراطية تختلف توجهاتها عن ترمب

تحديات أمنية لإسرائيل لم يبلورها بنيت
TT

تحديات أمنية لإسرائيل لم يبلورها بنيت

تحديات أمنية لإسرائيل لم يبلورها بنيت

حمل رئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد نفتالي بنيت بالأمس معه إلى العاصمة الأميركية واشنطن رؤية حكومته لما تعتبرها أولوياتها ورؤيتها لمستقبل في ظل الأوضاع السياسية والأمنية المتسارعة. ومما لا شك فيه أن الجديد في الأمر، ليس فقط أنه لأول مرة هناك رئيس حكومة إسرائيلي جديد منذ مارس (آذار) 2009 يحمل ملفاتها إلى الإدارة الأميركية، بل أن في البيت الأبيض أيضاً إدارة ديمقراطية تحمل مقاربات – إن لم يكن سياسات – مختلفة عن سابقتها الجمهورية تحت رئاسة دونالد ترمب. ثم إن لقاء بايدن - بنيت يأتي أمام خلفيات إقليمية مهمة، في مقدمها الملف الإيراني النووي الذي عادت واشنطن إلى التفاوض بشأنه، وتولي المتشدد الجديد إبراهيم رئيسي منصب الرئاسة في إيران، ومستقبل نفوذ طهران في العراق وسوريا ولبنان وغزة، وأخيراً، لا آخراً، الانسحاب الأميركي الإشكالي من أفغانستان، ما قد يعني إطلاق يد «حركة طالبان» والقوى المتعاطفة معها في الشرق الأوسط.
في الوقت الذي كانت المعارضة الإسرائيلية تهاجم نفتالي بنيت وحكومته، لأنها لم ترد على صاروخ أُطلق باتجاه إسرائيل من قطاع غزة، وتعتبره «متهرباً من المواجهة مع (حماس)»، هرع بنيت مهرولاً إلى مقر قيادة فرقة غزة في اللواء الجنوبي للجيش الإسرائيلي، التي تقف على أهبة الاستعداد لمواجهة أي توتر حربي جديد.
بنيت أخذ معه في حينه وزير الأمن في حكومته، الجنرال بيني غانتس، ورئيس أركان الجيش، أفيف كوخافي، ورئيس هيئة الأمن القومي في مكتب رئيس الوزراء، الدكتور إيال حولاتا، وقائد المنطقة العسكرية الجنوبية اللواء إليعيزر توليدانو، وقائد فرقة غزة العميد نمرود ألوني، ومسؤولين في المخابرات. واعتبرها يومذاك جلسة طارئة تحمل العنوان «تقييم الأوضاع في الحدود مع غزة»، وأطلق التصريح: «سنعمل في الوقت والمكان المناسبين، وفي الظروف المناسبة لنا، وليس لأي طرف آخر».
ثمة مَن حسب أنه يهدد «حماس»، إلا أنه في الواقع كان يخاطب الداخل الإسرائيلي أكثر. لقد حاول توضيح أن سكوته على الصاروخ لم يكن ضعفاً، بل لأنه اقتنع برسالة «حماس»، التي حاولت بعدة طرق وعن طريق أكثر من وسيط، تأكيد أنها لم تكن على علم بنية إطلاق هذا الصاروخ، وتنصلت منه بشكل تام.
كان بنيت قد اتخذ قراراً بألا يرد هذه المرة على الصاروخ، والجيش وافق معه. لكن هذا الموقف يبدو متناقضاً مع السياسة الجديدة التي وضعها بنيت نفسه وتباهى بها على الملأ في أعقاب الحرب الأخيرة على القطاع. وبموجبه، صار يرسل طائراته المقاتلة لقصف غزة، حتى بعد إطلاق بالونات متفجرة.

أسئلة إسرائيلية
وإذا كانت الصحافة الإسرائيلية تتعاطى مع بنيت وحكومته بقفازات من حرير، باعتبار أنه لم تمر 100 يوم بعد، ولا تجوز مهاجمتها، فإن المعارضة بقيادة بنيامين نتنياهو راحت تهاجمه بشدة، وتطرح تساؤلاً لاذعاً، وتقول؛ إذا كان بنيت يخاف من «حماس»، فماذا سيفعل عندما يطلق «حزب الله» 1000 صاروخ في اليوم، ويدفع بقوات الكوماندوز عنده للتسلل إلى البلدات الإسرائيلية لتنفيذ عمليات؟ والسؤال الصعب؛ ماذا ستفعل عندما تفتح الميليشيات الإيرانية جبهة جديدة على إسرائيل في الشمال الشرقي؟ بل ماذا ستفعل عندما تقرر إيران، وهي بقيادة رئيس يميني محافظ ومتطرف مثل إبراهيم رئيسي؟
الحقيقة أن هذه التساؤلات تدور أيضاً داخل أروقة الحكومة وبين أقطابها، ولم يجدوا جواباً عليها حتى الآن. فهم عندما شكلوا هذه الحكومة كانوا يهدفون أولاً وقبل كل شيء للتخلص من حكم بنيامين نتنياهو. بعضهم رأوا أنه حكم فاسد يجب التخلص منه. وبعضهم اتخذ موقفاً عدائياً منه، فانضم إلى الهبة المتصاعدة بغرض التغيير، مجرد التغيير. وبعضهم دخلها حرباً انتقامية. وآخرون لمسوا اتجاه الريح في واشنطن، فقرّروا دخول السباق للفوز بقلبها، ولذلك هاجموا كل قوى التطرف من حزب كهانا، برئاسة إيتمار بن جبير، الممثل بـ6 مقاعد في الكنيست، حتى «طالبان».
وبنيت، الذي يعرف مكانة الولايات المتحدة في قلوب الإسرائيليين، سيبحث في واشنطن مع الرئيس جو بايدن، وحشد من القادة الآخرين في الخارجية والدفاع جملة من القضايا. وستوجه إليه عدة أسئلة في هذه القضايا، بدءاً من الموضوع الإيراني حتى موضوع أفغانستان. وكذلك سوريا ولبنان... حتى الصين. وستوجه إليه أسئلة في الموضوع الفلسطيني أيضاً. ولكي يجيب، يفترض أن يكون قد حدد مع وزرائه وجيشه ومخابراته رؤية استراتيجية واضحة.

التحديات الجدّية
بنيت قبل التوجه إلى واشنطن أعرب عن رغبته في وضع قضية إيران على رأس سلم أولويات مباحثاته في واشنطن. وهناك سيقول إن طهران استغلت انسحاب إدارة دونالد ترمب من الاتفاق النووي واكتسبت المعرفة والخبرة اللازمتين للاقتراب من تطوير الأسلحة النووية. فهي حققت تقدماً في تخصيب اليورانيوم إلى مستويات عالية وتشغيل أجهزة طرد مركزي متقدمة، وبدأت في إنتاج اليورانيوم المعدني. وسيضيف إنه من غير الواضح بعد إذا كانت طهران في عهد الرئيس الجديد، إبراهيم رئيسي، مهتمة بالعودة إلى الاتفاق.
التقديرات الإسرائيلية تقول إن القيادة الإيرانية تماطل وتكسب الوقت في «لعبة الاتهامات»، ولذا يجب التعامل مع السيناريوهات المحتملة بصرامة وحزم. وسيحاول وضع الدور الإيراني في الساحة الإقليمية، باعتبار أنها تواصل ترسيخ نفوذها السياسي والعسكري والاقتصادي في العراق وسوريا ولبنان واليمن، وتدير دفتر حسابات مفتوحاً مع إسرائيل.
حكومة بنيت أحدثت بالفعل تغييراً ملموساً في الموقف الذي وضعه رئيس الحكومة السابق، بنيامين نتنياهو، من الاتفاق النووي. وبنيت يرى اليوم ضرورة التعاون الوثيق مع واشنطن، لا الصدام معها. وبدلاً من معارضة أي اتفاق جديد سيسعى للتأثير على موقفها بحيث يجري إدخال بنود تلائم السياسة الإسرائيلية من جهة... كأن يكون هذا اتفاقاً «أوضح أطول وأقوى وأشد قيوداً»، مع الحفاظ على حرية إسرائيل في العمل. ويريد أيضاً ضمانات لوجود خيار عسكري إسرائيلي ذي مصداقية تجاه إيران والتحسب لسيناريوهات الفشل في الوصول إلى اتفاق، والوصول إلى «عتبة قريبة» حتى تحقيق «اختراق (النووي)». ويريد إدخال بند يتعلق بأنشطة إيران الإقليمية وتقييد إنتاج الصواريخ الباليستية.
موضوع الساحة الحربية المحيطة بإسرائيل، والخاضعة لتأثير مباشر لإيران، مرشح للبحث جدياً. فمع ظهور التطورات الجديدة في أفغانستان، سيعيد قول ما سبق وطُرح في التصريحات الإسرائيلية. ففي تل أبيب يرون في هذه الأحداث برهاناً على أنه «لا يمكن الوثوق بالاتفاقيات مع تيارات إسلامية شبيهة بـ(حركة طالبان)، من إيران حتى (حزب الله) و(حماس) وغيرهما». وسيعبر عن القلق الإسرائيلي من الأوضاع في لبنان؛ حيث يسود انهيار اقتصادي وسلطوي ويسيطر على المشهد صراع القوى الذي لا ينتهي، وتبدو فيه إيران مصرة على التدخل والحسم لصالحها. لديها «حزب الله»، الذي يبدو منضبطاً أمام إسرائيل ومنفلتاً في دفع المصالح الإيرانية... وقد تنشأ أوضاع ودينامية للتصعيد الحربي.

حالة «حزب الله»
يورام شفايتسر، الباحث في معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب، يرى أن «قيام (حزب الله) بإطلاق 19 صاروخاً على قطاع جبل روس (في مزارع شبعا) في 6 أغسطس (آب) الحالي، رداً على غارة جوية شنتها القوات الجوية الإسرائيلية على لبنان، وبعد صمته على نيران المدفعية الإسرائيلية على جنوب لبنان في اليوم السابق، كان أمراً غير عادي. فمن جهة تجرأ على إطلاق صواريخ، وفي المقابل، أكد أنه غير معني بحرب... بل وجّه صواريخه إلى مناطق مفتوحة، تعبيراً عن ضبط النفس». ويضيف الباحث؛ ينبع ضبط النفس الطوعي الذي ينتهجه «حزب الله» من الوضع المتردي في لبنان المنهار، الذي يؤثر عليه أيضاً. هناك تفسير يدعي أن «حزب الله» مهتم حالياً بتسخين الحدود من أجل ترسيخ مكانته الحصرية كـ«مدافع عن لبنان» أمام منتقديه في الساحة الداخلية، وصرف الأنظار عن انتقاده اللاذع لدوره في فساد المؤسسات وانهيار الاقتصاد اللبناني والنظام السياسي، وكذلك بفعل الادعاءات بشأن مسؤوليته عن الانفجار الرهيب في مرفأ بيروت قبل عام بالضبط. ومن ناحية أخرى، هناك الادعاء الحاسم ضده بأن تأجيج النار المتعمد مع إسرائيل لا يخدم التنظيم، خاصة في ظل اتساع الاحتجاجات ضده، لأن ذلك يجرّ لبنان إلى مواجهة مع إسرائيل، لا يريدها أحد، خدمة لرعاته الإيرانيين.
الجولة الأخيرة عززت هذا الادعاء، بل إن خصومه باتوا يجرؤون على انتقاده علناً أكثر مما كان عليه في الماضي. وتجلى التعبير الملموس عن معارضة تحركاته في حادثة وقعت في قرية شويا الدرزية، عندما هاجم سكانها بغضب عناصر «حزب الله» العائدين من إطلاق الصواريخ على إسرائيل، بحجة أن القصف من محيط القرية كان من الممكن أن يؤدي إلى هجوم إسرائيلي عليها. وأثار نشر الفيديوهات الخاصة بالحدث على مواقع التواصل الاجتماعي ردود فعل غاضبة ضد «حزب الله»، لكن في المقابل، كان هناك من سارع للدفاع عن «المقاومة» اللبنانية، من أجل تهدئة التوتر بين الدروز والشيعة. وقام نصر الله الذي خشي من تضرر صورة التنظيم داخل لبنان، بتبني لهجة تصالحية في خطابه الأخير، وأوضح أن إطلاق النار وقع في منطقة مفتوحة وغير مأهولة، بل نشر مقطع فيديو يظهر أن إطلاق النار تم من بين أشجار كثيفة وليس من داخل البلدة. لكن رجال «حزب الله»، قاموا في الوقت نفسه، بإرسال رسائل تهديد إلى القرية الدرزية لردع سكانها عن القيام بعمل مماثل في المستقبل ودفع قادتهم إلى تهدئة النفوس في صفوف الطائفة.

جبهتا فلسطين وسوريا
من جهتها، تقول أورنا مزراحي، الباحثة في المعهد نفسه، إن النيران المتقطعة التي أطلقتها الفصائل الفلسطينية على الحدود، في الآونة الأخيرة، حلقة في سلسلة عمليات «محور المقاومة» بقيادة إيران، في إطار المواجهة مع إسرائيل... وشملت تجنيد «حماس» و«الجهاد الإسلامي» الفلسطيني، سواء أكان ذلك في قطاع غزة أو في التجمعات الفلسطينية في لبنان. ثم إن مشاركة زعيم «حماس» إسماعيل هنية في حفل تنصيب رئيسي في طهران، وإعلانه أن تنظيمه يعتبر نفسه شريكاً في محور المقاومة، إلى جانب زياد النخالة زعيم «الجهاد الإسلامي» في فلسطين، نعيم قاسم، نائب نصر الله، صورٌ تعبّر عن تعاون أوثق بين مركبات هذا «المحور». ويبدو تورط إيران أخيراً في تسخين الحدود الإسرائيلية اللبنانية، من قبل الفصائل الفلسطينية بديهياً تقريباً. إذ درّبت إيران مبعوثيها؛ «حزب الله» و«الجهاد الإسلامي» الفلسطيني و«حماس» (جنباً إلى جنب مع الميليشيات الشيعية في سوريا والعراق واليمن)، طوال سنوات وحثّتها على مضايقة إسرائيل وخلق شعور لديها بالحصار، وكان آخر ذلك فتح جبهة أخرى ضدها من لبنان. هذا، في ظل تصاعد التوترات بين إيران وإسرائيل في سوريا وفضاء «السايبر» والحلبة البحرية.
أيضاً، في إسرائيل هناك جهد يكرس لمتابعة التطورات في سوريا أيضاً؛ حيث تصرّ إيران على التموضع فيها عن طريق ميليشيات خاصة بها جلبتها من أفغانستان وباكستان والعراق، فضلاً عن ضباط «الحرس الثوري» وطبعاً «حزب الله». وهي - حسب التقديرات في الجيش الإسرائيلي - تعمل على بناء جبهة حربية مباشرة مع إسرائيل؛ خصوصاً في الجولان ودرعا وغيرهما من مناطق الجنوب السوري. ومع أن سلاح الجو الإسرائيلي ينفذ مئات الغارات الحربية على مواقع هذه الميليشيات ومخازن الأسلحة وقوافل نقل الأسلحة، تدرك إسرائيل أن جهودها يمكن أن تعطل وتعرقل وتؤخر... لكنها لن تمنع نشوء هذه الجبهة في النهاية.

حيرة في مجلس الأمن القومي الإسرائيلي
> في خلفية المداولات التي يجريها مجلس الأمن القومي الإسرائيلي حول هذه التحديات، تظهر حيرة إزاء التعاطي معها، وآراء مختلفة، وفي بعض الأحيان متناقضة، حول سبل العمل. وثمة من يقول إن إسرائيل تواجه تحدياً مزدوجاً.
من جهة، يوجد ضعف في معادلة الردع القائمة التي بموجبها سيقابل أي هجوم إسرائيلي في لبنان بردّ، كما وعد «حزب الله». حرص إسرائيل على الالتزام بقواعد اللعبة هذه ساعد في إرساء هدوء نسبي على مدى العقد الماضي، على طول الحدود اللبنانية، لكنه سمح في الوقت نفسه للمنظمة بمواصلة تعزيز قوتها، لتصبح التهديد العسكري التقليدي الرئيس لإسرائيل في طليعة محور المقاومة الإيراني.
ومن جهة ثانية، يرون محاولة «محور المقاومة» بقيادة إيران، لتحويل الحدود الإسرائيلية - اللبنانية إلى ساحة صراع نشطة، بطريقة تخدم إيران و«حزب الله» و«حماس» على حد سواء، من دون الانجرار إلى مواجهة عسكرية واسعة النطاق... لأن هذا المحور يثق بأن إسرائيل هي التي ستتجنب المغامرة في الظروف الحالية في لبنان، كي لا تتسبب في اندلاع حرب شاملة تشمل القتال على عدة جبهات.
فكيف ستتصرف؟ هل تستمر في الحفاظ على السياسة الحالية، والرد بشكل منضبط، وفقاً لقواعد اللعبة، على أي محاولة لإيذاء جنودها أو مدنيّيها، مع الحفاظ على قواعد اللعبة ضد «حزب الله»، أم تُقدم على تعزيز الردع بالرد على أي عملية من لبنان، لكن بقوة أكبر من ذي قبل، وبشكل أساسي عبر الضربات الجوية الكفيلة بتقويض معادلة الردع التي يحاول «حزب الله» ترسيخها، أم تستغل إسرائيل ضائقة «حزب الله» والمبادرة إلى تحرك عسكري مفاجئ وموضعي، يقوض قدرات التنظيم (مع التركيز على مشروع الدقة الصاروخية)، في محاولة لإعادة الهدوء إلى الحدود بعد جولة قصيرة من الاشتباكات، لكن مع الأخذ بالاعتبار والاستعداد لردّ قاسٍ (هجوم على الجبهة الداخلية) متوقع من «حزب الله»؟
يعتقد الجنرال إسحاق إبريك، وهو عضو سابق في رئاسة أركان الجيش، أن قوة الردع الإسرائيلية تصدّعت من جراء هذه الحيرة. ويرى إبريك، الذي يمثل تياراً في المؤسسة العسكرية والسياسية، أن المحور الإيراني يعد نفسه لحرب شاملة على عدة جبهات في آن واحد. وبالتالي، على إسرائيل استباق الحدث وتوجيه ضربة مسبقة تردع هذا المحور عن الإقدام على حرب كهذه. ويتساءل تيار إبريك: «ما المصلحة في الاستمرار بهذه الحيرة؟ ولماذا ننتظر حتى يكملوا مشروعهم ويجهزوا أنفسهم لحرب كهذه، بينما نحن قادرون على توجيه ضربات رادعة؟».
ثم يجيبون: «إذا كان خوفنا هو من ردّ فعل قاسٍ يفجّر حرباً شاملة بضرب الجبهة الداخلية، وإيقاع إصابات شديدة في صفوف المدنيين الإسرائيليين، فينبغي علينا إذاً أن نعد الجمهور لمثل هذه الحالة، ونوضح أن أي حرب متأخرة ستكون أسوأ، وستكون نتائجها أقسى».
أيضاً، يرى أصحاب هذا التيار ضرورة رفع مستوى التنسيق مع واشنطن، وإعداد الرأي العام العالمي أيضاً لهذه التحديات كي يكون أي حراك إسرائيلي في هذا الاتجاه مفهوماً دولياً ومدعوماً أميركياً بشكل فاعل.
إلا أن الحسم في هذه القضايا لم يأتِ بعد. والآراء في الحكومة الإسرائيلية تبدو منقسمة. وفي كل الأحوال، لم يبلور بنيت بعد موقفاً محدداً منها. وهو يحتاج إلى اللقاءات في واشنطن حتى تتبين له حدود المناورة. وهنا قد يساعده القادة الأميركيون في بعض القضايا... لكن سيكون عليه أن يتوقع أيضاً مواقف أميركية لا تعجبه ولا تعطيه إجابات شافية.



تاريخ مظلم للقيادات في كوريا الجنوبية

تشون دو - هوان (رويترز)
تشون دو - هوان (رويترز)
TT

تاريخ مظلم للقيادات في كوريا الجنوبية

تشون دو - هوان (رويترز)
تشون دو - هوان (رويترز)

سينغمان ري (الصورة الرئاسية الرسمية)

إلى جانب يون سوك - يول، فإن أربعة من رؤساء كوريا الجنوبية السبعة إما قد عُزلوا أو سُجنوا بتهمة الفساد منذ انتقال البلاد إلى الديمقراطية في أواخر الثمانينات.

وفي سلسلة من التاريخ المظلم لقادة البلاد، عزل البرلمان الرئيسة بارك غيون - هاي، التي كانت أول امرأة تتولى منصب الرئاسة الكورية الجنوبية، ثم سُجنت في وقت لاحق من عام 2016. ولقد واجهت بارك، التي هي ابنة الديكتاتور السابق بارك تشونغ - هي، اتهامات بقبول أو طلب عشرات الملايين من الدولارات من مجموعات اقتصادية وصناعية كبرى.

وفي الحالات الأخرى، انتحر روه مو - هيون، الذي تولى الرئاسة في الفترة من 2003 إلى 2008، بصورة مأساوية في مايو (أيار) 2009 عندما قفز من منحدر صخري بينما كان قيد التحقيق بتهمة تلقي رشوة، بلغت في مجموعها 6 ملايين دولار، ذهبت إلى زوجته وأقاربه.

وعلى نحو مماثل، حُكم على الرئيس السابق لي ميونغ - باك بالسجن 15 سنة في أكتوبر (تشرين الأول) 2018 بتهمة الفساد. ومع ذلك، اختُصرت فترة سجنه عندما تلقى عفواً من الرئيس الحالي يون سوك - يول في ديسمبر (كانون الأول) عام 2022.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ أدين تشون دو - هوان، الرجل العسكري القوي والسيئ السمعة، الملقّب بـ«جزار غوانغجو»، وتلميذه الرئيس نوه تاي - وو، بتهمة الخيانة لدوريهما في انقلاب عام 1979، وحُكم عليهما بالسجن لأكثر من 20 سنة، ومع ذلك، صدر عفو عنهما في وقت لاحق.

بارك غيون- هاي (رويترز)

الأحكام العرفية

باعتبار اقتصاد كوريا الجنوبية، رابع أكبر اقتصاد في آسيا، وكون البلاد «البلد الجار» المتاخم لكوريا الشمالية المسلحة نووياً، تأثرت كوريا الجنوبية بفترات تاريخية من الحكم العسكري والاضطرابات السياسية، مع انتقال الدولة إلى نظام ديمقراطي حقيقي عام 1987.

والواقع، رغم وجود المؤسسات الديمقراطية، استمرت التوترات السياسية في البلاد، بدءاً من تأسيسها بعد نيل الاستقلال عن الاستعمار الياباني عام 1948. كذلك منذ تأسيسها، شهدت كوريا الجنوبية العديد من الصدامات السياسية - الأمنية التي أُعلن خلالها فرض الأحكام العرفية، بما في ذلك حلقة محورية عام 1980 خلّفت عشرات القتلى.

وهنا يشرح الصحافي الهندي شيخار غوبتا، رئيس تحرير صحيفة «ذا برنت»، مواجهات البلاد مع الانقلابات العسكرية وملاحقات الرؤساء، بالقول: «إجمالاً، أعلنت الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية 16 مرة على الأقل. وكان أول مرسوم بالأحكام العرفية قد أصدره عام 1948 الرئيس (آنذاك) سينغمان ري، إثر مواجهة القوات الحكومية تمرداً عسكرياً بقيادة الشيوعيين. ثم فرض ري، الذي تولى الرئاسة لمدة 12 سنة، الأحكام العرفية مرة أخرى في عام 1952».

مع ذلك، كان تشون دو - هوان آخر «ديكتاتور» حكم كوريا الجنوبية. وتشون عسكري برتبة جنرال قفز إلى السلطة في انقلاب إثر اغتيال الرئيس بارك تشونغ - هي عام 1979، وكان بارك جنرالاً سابقاً أعلن أيضاً الأحكام العرفية أثناء وجوده في السلطة لقمع المعارضة حتى لا تنتقل البلاد رسمياً إلى الديمقراطية. نيودلهي: «الشرق الأوسط»