«شاركت هوليوود في كل حرب خاضـتها الولايات المتحدة من حرب الاستقلال والحرب الأهلية مروراً بالحربين العالميتين وحربي فييتنام والعراق وصولاً إلى أفغانستان. لكن هذه المرة هناك اختلاف... ما هو؟»
منذ أن اندلعت الثورة الأميركية ضد البريطانيين (والأوروبيين كافة) سنة 1775. أمضت الولايات المتحدة معظم سنوات استقلالها في الحروب. حسب الناقد الأميركي روبيرت نعيمي في مقدّمة كتابه الجامع «أعظم 100 فيلم حربي»، فإن عدد السنوات التي أمضتها الولايات المتحدة في شتى الحروب منذ ثورة الاستقلال (التي انتهت بإعلان الولادة الدستورية لأميركا عام 1783 قبل 245 سنة) هو 222 سنة.
هذه نسبة كبيرة لأي بلد ومميّزة بالمقارنة مع السنوات التي أمضتها كل الدول الأخرى حول العالم في الفترة ذاتها. لا بد أن هناك أسباباً لذلك، لكن البحث في هذه الأسباب السياسية والاقتصادية والآيديولوجية غالباً سيقودنا إلى موضوع مختلف ليس له مجال هنا.
- حروب متواصلة
مع انسحاب القوّات الأميركية من أفغانستان هذه الأيام، وهي التي كانت دخلتها سنة 2001 في عداد ما عُرف بـ«الحرب على الإرهاب»، يسدل الستار - ولو مبدئياً - على آخر هذه الحروب ولو أنها لن تكون، بالضرورة الأخيرة. خلالها تم لهوليوود إنتاج بضع عشرات من الأفلام التي دارت في رحى الحرب الأفغانية. أما عدد الأفلام الأميركية التي تناولت كل الحروب التي خاضتها الولايات المتحدة فإنه يقترب من ألف فيلم على أقل تقدير.
هذا لا يعني أن السينما الأميركية لم تتحرّش بالموضوع الأفغاني قبل سنة 2001. في الواقع، هناك أفلام متناثرة تعود إلى الخمسينات من بينها «زاراك» (Zarak) لترنس يونغ الذي موّلته كولمبيا. حينها تناول الفيلم الاحتلال البريطاني لتلك البلاد وتشابه في منواله أفلام مغامرات عديدة وقعت أحداثها في الهند عندما كانت، بدورها، محتلّة من قِبل البريطانيين.
أما حديثاً فإنه من الممكن حتماً اعتبار «رامبو 3» بمثابة رأس حربة هوليوود في مضمار الأفلام التي تناولت الحرب في بلاد الأفغان. كان ذلك سنة 1988 وسلفستر ستالون كان حارب في أميركا بعد عودته من فييتنام عبر فيلم «دم أول» (1982) ثم حارب في فييتنام بعد عودته إليها من أميركا في «دم أول - 2» (1985).
ذلك الجزء الثالث من حروب ستالون في بلاد الغرائب كان في الواقع مع الأفغانيين وليس ضدهم. ستالون (عبر شخصيته المعروفة بـرامبو) يتطوّع في «رامبو3» لمساندة المحاربين الأفغان ضد الاحتلال الروسي وعلى نحو يُظهر أن أفغانستان لم يكن لتتحرر من ذلك الاحتلال لولا تدخل ستالون وتصديه للعدوان الروسي.
إذ حلّت الولايات المتحدة محل الروس (والروس محل سواهم قبلهم) سنة 2001 تطلّب الأمر بضع سنوات قبل أن تبادر هوليوود للصرف على أفلام حربية تقع في تلك البلاد. في الواقع الفيلم الأول الذي عُرض عالمياً حول تلك الحرب لم يكن أميركياً على الإطلاق، بل دنماركياً ممهوراً بتوقيع المخرجة سوزان باير وبعنوان «أخوة». لاحقاً كانت هناك حفنة من الأفلام الدنماركية كون الدنمارك شاركت بالمجهود العسكري في أفغانستان من بينها واحد بعنوان «حرب» (2015) لتوبياس لندهوم الذي كان أكثر من الفيلم السابق حضوراً في حكايات الحرب ومواقفها.
دخول هوليوود تلك الحرب تأخر حتى سنة 2007 عندما قام روبرت ردفورد بتحقيق «أسود كحملان» (Lions for Lambs) الذي عرض بالفعل لفضل من المشاهد حول جنديين أميركيين يخوضان قتالاً غير متكافئ في أفغانستان. لكن باقي الفيلم ناقش تلك الحرب (وتلك الأخرى في العراق مدموجتان بتحليل السياسة الأميركية في كلا البلدين) ولم ينصرف للتوسع في تصوير المعارك.
الحرب من زاوية جانبية أيضاً وردت في فيلم «آيرون مان» سنة 2008 الذي تم فيه الحديث عن والد راي ستارك (روبرت داوني جونيور) الذي قضى في أفغانستان مما جعل ابنه هذا يقرر الدفاع عن العدالة أينما تعرضت للاعتداء.
- أفلام مع وأفلام ضد
بعد ذلك تداعت الأفلام العسكرية - الحربية. تلك التي تتناول الحرب كفعل قتال مستمر بين المجموعة التي يوكل إليها بطولة الفيلم (أميركيون غالباً) وتلك التي يوكل إليها لعب دور العدو. في هذا النطاق نجد «رمال حمراء» (2009) و«ثلوج حمراء» (2019) و«الدورية» (2013) لجانب أفلام أخرى.
ازداد عدد هذه الأفلام في السنوات الثلاث الأخيرة فشاهدنا «الموقع» و«الحارس القديم» و«6 تحت الأرض» و«12 قوياً» و«فريق القتل» و«ويسكي تانغو فوكستروت»، وهذا الأخير مال لحكاية شخصية بنكهة كوميدية سوداء.
على السطح ليس هناك ما يختلف في هذا التيار من الأفلام عن تلك التي تم تحقيقها حول الحرب الفيتنامية مثلاً، أو حول الحرب العالمية الثانية.
الفيلم الحربي، كحال أنواع أخرى من الأفلام كالبوليسي والوسترن وأفلام الكوميكس والمغامرات) يحيل المشاهد إلى احتلال موقع يعرف أنه لا يستطيع القيام به. رغباته القريبة من السطح أو تلك التي في أعماق نفسه، يبلورها بطل الفيلم. هذا إلا إذا كانت لدى هذا المشاهد استقلاليته الفكرية ورأيه المختلف حيال الواقع. حضوره في هذا الإطار هو حضور الأقلية، وهوليوود لا تصنع أفلامها للأقليات، بل للسواد من الناس، وهذه تريد الإثارة وتريد الانتصار ولو كان بعيداً كثيراً عن الواقع.
لكن المختلف في هذا الشأن أهم من أن يتم تجاوزه تحت أي منظور شخصي أو مفهوم جمعي.
ففي مقابل أفلام مؤيدة للحرب ضد اليابانيين والألمان خلال الحرب العالمية الثانية، وأخرى مؤيدة للغزو الأميركي لفيتنام، ثم أخرى مؤيدة للحرب في العراق، كانت هناك مجموعة كبيرة من الأفلام تعارض تلك الحروب بطرق مختلفة.
مثلاً لا يمكن التغاضي عن دور «دكتور سترانجلف أو كيف تعلمت التوقف عن القلق وحب القنبلة» لستانلي كوبريك (1964). في هذا الفيلم مفهوم ساخر معاد لأي حرب يتنبأ بأنها لن تنتهي إلا بحرب كونية. المخرج ذاته عاد إلى موضوع الحرب في «سترة معدنية واقية» Full Metal Jacket سنة 1987. هذه المرّة بجدية كاملة ألقاها على طريقة إعداد الفرد الأميركي لخوض الحرب من ناحية وعلى عنف الحرب من ناحية ثانية.
يمكن ضم أفلام أخرى من ثلاثينات القرن الماضي في هذا المضمار بدأت على نحو فاعل بفيلم لويس مايلستون «كل شيء هادئ على الجبهة الغربية» سنة 1930.
حتى الحرب العراقية شهدت أفلاماً ضدها مثل Stop - Loss لكمبرلي بيرس (2008) والفيلم التسجيلي Restrepo (تناول الحربين العراقية والأفغانية) و«منقحة» (Redacted لبريان دي بالما.
المختلف، إذن، أن الحرب الأفغانية التي استمرّت عشر سنوات، لم تضع على الشاشة أفلاماً مناوئة على النحو المشار إليه.
هل يعود ذلك إلى إيمان النسبة الغالبة من الأميركيين بها أو يعود إلى عدم الاكتراث لها، خصوصاً أنه ليس من بين كل الأفلام التي وردت هنا، أو لم ترد، ما حقق نجاحاً كبيراً باستثناء «آيرون مان»، الذي مال صوب الوضع ولم يدخله؟
لا ننسى أن معظم الأفلام الحربية، في شتى المراحل، تُصنع لغاية النجاح الجماهيري موظّفة الحس الوطني أو أي حس آخر كحب الإثارة. لكن الجانب السيء من هذا الصنع هو أن الدفاع عن المفاهيم المتفق عليها كالحرية والديمقراطية والعدالة تسقط كضحية حين توظيفها لخدمة الترفيه.