طريق ميقاتي لتشكيل الحكومة تصبح سالكة بعدم مطالبة عون بـ«الثلث الضامن»

TT

طريق ميقاتي لتشكيل الحكومة تصبح سالكة بعدم مطالبة عون بـ«الثلث الضامن»

قال مصدر سياسي مواكب لما آلت إليه الجولات السابقة من مشاورات تأليف الحكومة بين رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف نجيب ميقاتي إنه لم يفاجأ بطلب الأخير تأجيل اجتماعه بعون الذي كان مقرراً أن يُعقد أول من أمس، وعزا السبب إلى أن الظروف لم تكن مواتية لتحقيق تقدُّم لإخراج عملية تأليفها من التأزُّم، غامزاً رئيس الجمهورية الذي لا يزال يتمسك بشروطه، وأبرزها حصوله على الثلث الضامن في التشكيلة الوزارية.
وأكد المصدر لـ«الشرق الأوسط» أن طلب ميقاتي بتأجيل موعد اللقاء لا يعني أنه يوصد الأبواب أمام التشاور مع عون، وإنما لإدراكه سلفاً أن الأجواء ليست مواتية لتحقيق تقدُّم من شأنه أن يزيل العقبات بدلاً من أن ينتهي إلى مزيد من المراوحة وصولاً للعودة بالمشاورات إلى المربع الأول، ولفت إلى أن اجتماعهما المقبل يجب أن يحقق نقلة نوعية على طريق وضع اللمسات قبل الأخيرة إن لم تكن الأخيرة على التشكيلة الوزارية التي لا تعطي أي طرف سياسي الثلث الضامن.
وسأل المصدر؛ إذا كان طلب ميقاتي بتأجيل موعد اجتماعه بعون يعود إلى ما أدت إليه المراسلات غير المباشرة بينهما، والتي يتولّاها أكثر من صديق مشترك لا يتمتع بصفة رسمية، وكان آخرها قبل أن يتوجّه إلى بعبدا، وقال إن العرض الذي حمله لا يدعو للتفاؤل، ليس لأنه ينمّ عن إصرار عون على إدخال تعديل في الأسماء فحسب، وإنما لأنه يريد اجتياح التشكيلة الوزارية بحصوله على الثلث الضامن، وهذا ما يُفقدها الانسجام والتعاون ويقطع عليها الطريق لتطل على اللبنانيين بفريق عمل متجانس.
كما سأل إذا كانت باريس التي تتفرّغ من خلال المستشار الرئاسي للرئيس إيمانويل ماكرون باتريك دوريل بمواكبة المشاورات الجارية بين عون وميقاتي قد أُحيطت علماً بالأجواء التي حالت دون توجّه ميقاتي إلى بعبدا للقاء عون، ما استدعى تدخّلاً من دوريل لدى الأخير ووريثه السياسي رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل.
ورجّح المصدر نفسه أن يكون لدوريل دور في تأجيل اللقاء ريثما يتحرك باتجاه عون وباسيل لتذليل العقبات التي تؤخر تشكيل الحكومة لئلا ينعقد اللقاء في أجواء سلبية، من شأنها أن تؤدي إلى حصول اشتباك سياسي يمكن أن ينعكس على مواصلة التشاور بين الرئيسين.
ورأى أن دوريل يتواصل منذ الثلاثاء الماضي بكلٍ من ميقاتي وعون وباسيل لحثّهم على تزخيم التعاون من جهة، ووجوب سحب الشروط التي تؤخر تشكيل الحكومة، وكشف أن دوريل لم يتواصل مع الأطراف السياسية الأخرى المعنية بتأليفها، لأنها تبدي استعدادها لتسهيل مهمة الرئيس المكلّف.
وأكد المصدر نفسه أن دوريل يتواصل مع ميقاتي للتداول معه في ضوء الردود التي تأتيه من عون وباسيل، لأنهما هما من يعطلان تشكيلها، وقال إن الرئيس المكلف مع تزخيم التعاون مع عون، وهو يلتقي في هذا المجال مع دوريل. ونفى ما يشيعه عون وفريقه السياسي أن مشكلة ميقاتي ليست معه، وإنما مع رؤساء الحكومات السابقين والأطراف الأخرى المعنية بتأليف الحكومة، وقال إن عون يبدي تفاؤلاً إعلامياً بقرب ولادة الحكومة، رغم أنه يدرك أنه وفريقه السياسي هما اللذان يؤخران تشكيلها؛ خصوصاً أن تفاؤله لا يحدث ارتياحاً لدى المجتمع الدولي، وهذا ما يعكسه عدد من السفراء العرب والأجانب، وبعضهم يتهم عون - بحسب المصدر - بأنه يريد أن تشكّل الحكومة على قياسه واستجابة للشروط التي يضعها باسيل، وإن كان يتعفّف عن المشاركة في الحكومة، وينفي الاتهامات التي توجّه إليه بأنه يدير المشاورات من وراء الستار.
واعتبر أن ميقاتي لا يزال يحبّذ تزخيم تعاونه مع عون، وأن لا قرار آخر لديه حتى الساعة، وإن كانت المهلة التي أعطاها لتأليف الحكومة أخذت تضيق، وسيكون له الموقف المناسب في حال رفض عون التجاوب ورميه مسؤولية التأخير على الآخرين.
ونقل المصدر نفسه على لسان شخصية مقرّبة من رؤساء الحكومات السابقين أنهم ليست لديهم شروط أو مطالب، وأن كل ما يهمهم إنجاح ميقاتي في مهمته، ولديهم ملء الثقة به، ولا مجال للعب على التناقضات، لأنها ليست موجودة، وأكد أنهم يفوّضون الرئيس المكلّف، وهو ينطق باسمهم ولن يتراجع عن الثوابت الوطنية والإصلاحية والمعايير التي حددها لنفسه قبل تكليفه بتشكيل الحكومة وبعدها، وبالتالي فإن المناورات التي «يوزّعها» عون ستنقلب عليه، لأنه يتوخى منها الهروب إلى الأمام.
واعتبر أن مذكرة البحث والتحرّي التي أصدرتها المحامية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون بحق حاكم مصرف لبنان رياض سلامة هي محاولة لصرف الأنظار عن لجوء الفريق السياسي المحسوب على عون إلى تعطيل تشكيل الحكومة؛ خصوصاً أنها تأتي استجابة لطلب عون وباسيل بإقالة سلامة، وهذا ما رفضه ميقاتي الذي يعطي الأولوية للشروع في التدقيق الجنائي، شرط ألا يقتصر على حسابات مصرف لبنان، ويشمل حسابات جميع الوزارات والمجالس والإدارات والصناديق.
وأكد المصدر نفسه أن ميقاتي على استعداد للقاء عون في أي وقت، شرط أن يأتي متلازماً مع إنضاج الظروف لتشكيل الحكومة، وبالتالي لا مانع من عقد لقاء آخر يخصص لوضع اللمسات الأخيرة على التشكيلة الوزارية؛ خصوصاً أن المشكلة لا تكمن فقط في بعض أسماء الوزراء، وإنما في استعداد عون للتخلي عن الثلث الضامن، حتى لو كان مقنّعاً.
وفي هذا السياق، سأل المصدر إلى متى يستمر عون في رهانه بتأخير تشكيل الحكومة؟ وهل سيجد من سيخلف ميقاتي في حال اعتذاره عن تأليفها؟ أم أنه سيُبقي على البلد بلا حكومة؟ ويديره البلد بمنأى عن مشاركة الآخرين استجابة لحسابات باسيل، متذرّعاً بالحفاظ على صلاحياته واسترداده لحقوق المسيحيين، مع أنه يدرك جيداً أن البلد يتدحرج بسرعة نحو الانفجار الشامل، وأن القرارات التي يصدرها لن توقف انهياره.
ويبقى السؤال؛ هل من خيار آخر لدى عون سوى التعاون مع ميقاتي إلا إذا ذهب بعيداً في حروبه «الإلغائية»، ويكون بذلك قد أطاح بآخر فرصة لإنقاذ البلد؟ أما إذا أعاد النظر في حساباته، فتصبح طريق ميقاتي إلى بعبدا سالكة لإنقاذ التشكيلة الوزارية من المأزق.
وعليه، فإن لقاء الأمس بين الرئيسين يشكل اختباراً لعون للتأكد من مدى استعداده لتسهيل مهمة ميقاتي.



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.