وصف مراقبون ومحللون سياسيون في إقليم كردستان العراق زيارة رئيس «ائتلاف دولة القانون» نوري المالكي لزعيم «الحزب الديمقراطي الكردستاني» مسعود بارزاني في أربيل أول من أمس (الأربعاء)، بأنها «خطوة استراتيجية سياسية جديدة للمالكي لكسب دعم الأطراف السياسية كافة، للعودة مرة ثالثة إلى رئاسة الوزراء العراقية بعد الانتخابات» النيابية المقررة في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل.
المكتب الإعلامي لزعيم «الحزب الديمقراطي الكردستاني» أكد، في بيان مشترك، أن «الاجتماع سلط الضوء على الانتخابات المقبلة في العراق، وأكد الجانبان على ضرورة إجراء الانتخابات في موعدها المحدد من أجل تحقيق الاستقرار، وتصحيح مسار العملية السياسية»، مضيفاً أن «الطرفين أكدا على ضرورة إجراء انتخابات نزيهة وحرة وعادلة في بيئة سليمة ومستقلة، فضلاً عن احترام جميع الأطراف لنتائجها، وإرادة الشعب».
وعن أهداف الزيارة ونتائجها، قال المرشح عن «الحزب الديمقراطي الكردستاني» ماجد سنجاري، لـ«الشرق الأوسط» إن «زيارة المالكي متوقعة؛ لأنه يعلم أن مفتاح تشكل الحكومات يجب أن يمر عبر أربيل، وإن السياسة لا يوجد فيها عداء دائم؛ إنما هناك مصالح دائمة، وقد يكون من مصلحته ومصلحة الدولة العراقية أن يكون هناك تفاهم بينه وبين البارزاني»، مستدركاً أنه «ليست هناك أي تحالفات؛ إنما هي تفاهمات ومقاربات وتنسيق مواقف، خصوصاً في ما يتعلق بتأكيد إجراء الانتخابات في موعدها. أما التحالفات فستكون بعد الانتخابات وبعد التوافق على البرنامج والرؤى في تشكيل الحكومة وبناء عراق مختلف عمّا جرى فيه حتى الآن».
وعن تأثير زيارة المالكي على التقارب بين «الحزب الديمقراطي الكردستاني» و«كتلة سائرون» و«التيار الصدري»، قال سنجاري إن «العلاقة بين (التيار الصدري) و(الحزب الديمقراطي) ليست بتحالف؛ إنما هي أيضاً تفاهمات سياسية، لذلك من المحتمل أن نشهد زيارات أخرى لأطراف سياسية عراقية؛ لأن العراق يشهد مخاضاً عسيراً يحتاج إلى التكاتف والتعاون لبناء حكومة جديدة مختلفة عن سابقاتها»، مبيناً أن «الحديث عن دعم (الديمقراطي الكردستاني) ترشيح نوري المالكي لولاية ثالثة في رئاسة الوزراء سابق لأوانه، حيث يعتمد ذلك على نتائج الانتخابات والتوافقات التي ستحدث بعد الانتخابات».
أما المحلل السياسي، هفال زاخويي، فيرى أن زيارة المالكي تأتي «ضمن خطوات (دولة القانون) في إصلاح البين وإعادة العلاقات إلى مجراها الطبيعي بين الطرفين بعد الخلافات والفتور، والتي شهدتها العلاقة في فترة الولاية الثانية للمالكي». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «المالكي يبحث عن تحالفات ودعم للحصول على ولاية ثالثة في رئاسة الوزراء، وهو يرى أن لـ(الحزب الديمقراطي) ثقلاً سياسياً في الساحة الكردية والعراقية، ويعمل على كسب مساندته والتحالف معه، خصوصاً بعد إعلان (التيار الصدري) - الذي كان بينه وبين (الحزب الديمقراطي) تفاهمات - انسحابه من العملية الانتخابية؛ حيث يسعى المالكي ليستغل هذا الفراغ ويتوجه لخلق اتفاقات وتفاهمات مع (الحزب الديمقراطي)».
وأضاف أن «التصدع الذي حدث داخل صفوف (الاتحاد الوطني الكردستاني) وتعدد مركز القرار فيه مؤخراً ربما يكون أحد أسباب توجه المالكي لتقارب مع (الحزب الديمقراطي الكردستاني) الذي يعدّ من أكثر الأحزاب المتماسكة وفيه مركزية للقرار، وهو ما يشجع على التحالف معه، بعكس (الاتحاد) الذي عانى من تشظٍ وانقسامات تصعب من الاتفاق وتوحيد الرؤى، مما دفع بالمالكي و(دولة القانون) إلى البحث في إعادة النظر في الحسابات مع (الاتحاد الوطني الكردستاني)».
وعمّا يمكن أن يقدمه المالكي للإقليم، قال زاخويي: «أعتقد أن المشكلات السابقة ذاتها بين الإقليم وبغداد ستستمر، ولن تجد لها حلاً؛ لأن جميع الاتفاقات بين الأحزاب السياسية؛ وضمنها (دولة القانون) و(الديمقراطي الكردستاني)، قائمة على أساس مصالح آنية بهدف الوصول إلى السلطة وتحقيق مصالح حزبية، وحتى في حال تحالف (دولة القانون) و(الديمقراطي الكردستاني) ورغبة المالكي في تقديم حل لهذه المشكلات، فلن يتمكن من تحقيق شيء؛ لأن القرار في بغداد متعدٍّ سلطة رئيس الوزراء، وتتحكم فيه جهات متعددة».
مصدر مقرب من «الاتحاد الوطني» قال لـ«الشرق الأوسط» إن «زيارة المالكي أربيل ولقاءه زعيم (الحزب الديمقراطي الكردستاني) ليست زيارة رسمية؛ إنما هي زيارة حزبية هدفها شق تحالف الصدر والبارزاني من جهة؛ وإحداث شرخ في الصف الكردي من جهة ثانية، في نوع من التكتيك السياسي قبيل الانتخابات بهدف الحصول على الدعم والمساندة لكسب ولاية ثالثة في رئاسة الوزراء».
المصدر؛ الذي رفض الكشف عن اسمه، أعرب عن استغرابه من هذا الاجتماع والتعويل عليه لحل مشكلات الإقليم، قائلاً إن «خلافات الإقليم وبغداد سببها الرئيسي التقاطع بين المالكي والبارزاني، وكل المشكلات الاقتصادية في الإقليم التي نعاني منها حتى الآن بدأت بهذا الخلاف الذي نتج عنه قطع حصة الإقليم من الميزانية الاتحادية منذ عام 2014 وحتى الآن»، مؤكداً أن «الزيارة ليست لها أي علاقة بالمشكلات الداخلية لـ(الاتحاد الوطني الكردستاني)؛ إنما هي استغلال سياسي لقرار انسحاب (التيار الصدري) من الانتخابات، حيث يهدف المالكي إلى إحداث شق بين (الحزب الديمقراطي) و(التيار الصدري) ليضمن ولاية ثالثة في رئاسة الوزراء».
علاء حدادين، عضو «ائتلاف دولة القانون»، قال إن «الزيارة جاءت جزءاً من عملية استكمال البرنامج الذي يعمل عليه المالكي لإعادة الدولة والمسار الصحيح من خلال بث الوفاق بين الكتل السياسية بهدف الاستقرار السياسي من خلال التوافق والوئام بين الكتل السياسية، وهذه الزيارة واحدة من خطوات هذا البرنامج»، مبيناً أن «السياسة لا يوجد فيها مستحيل. مؤشرات العلاقة على المستويين الحزبي والشخصي طيبة ومبشرة، لكن التحالفات دائماً تكون وليدة اللحظات الأخيرة، حيث قد تتدخل أطراف إقليم ودولية وتغير المسارات والتوافقات السابقة كافة».
وعن تأثير التصدعات الداخلية في حزب «الاتحاد الوطني الكردستاني» حليف «دولة القانون»، قال حدادين إن «علاقة (دولة القانون) بـ(الاتحاد الوطني الكردستاني) أوثق وأقوى من (الحزب الديمقراطي) والسيد البارزاني، وهذه العلاقة لا تحتاج إلى زيارة أو لقاءات؛ لأن تفاهماتنا دائمة ومستمرة»، مبيناً أن «المالكي كان عنصراً داعماً ومسانداً للملمة الخلافات الداخلية في (الاتحاد الوطني الكردستاني) من خلال اتصالات ولقاءات دائمة.
الباحث السياسي والخبير الاستراتيجي، محمد العقيلي، يرى أنه «لا غرابة في الزيارة في ظل مبادئ السياسة القائمة على أساس (المتحرك الدائم)، بل يمكن أن تتطور العلاقة أكثر مما عليه الآن، فالبراغماتية هي نموذج للعمل السياسي ومن خلاله يمكن الخروج بنتائج طيبة رغم الخلافات والاختلافات بين الأطراف». وأضاف أن «هذه الزيارة هي بداية لتحالف الأقوياء؛ فالعملية السياسية في العراق القائمة على أساس النظام البرلماني تستوجب وجود كتل سياسية قوية قادرة على اتخاذ وصناعة القرار، وهذا ما كان يعب العملية السياسية في الفترة السابقة وهو عدم وجود كتل قوية قادرة على اتخاذ القرار الذي يمكن من خلاله إصلاح الوضع السياسي وخدمة الدولة».
وعن إمكانية التحالف بين «دولة القانون» و«الديمقراطي الكردستاني»، قال العقيلي لـ«الشرق الأوسط» إن «التحالفات فيها مساحتان: الأولى تكون قبل الانتخابات. والثانية بعد إعلان نتائج الانتخابات. ولكن هذا لا يمنع إمكانية إقامة تفاهمات وتنسيق قبل الانتخابات لما سيحدث بعد الانتخابات، لذلك من الممكن أن تجري تفاهمات وتنسيقات بين (دولة القانون) و(الديمقراطي الكردستاني) لتوحيد الرؤى حول برنامج الحكومة وتشكيلها وكيفية المحافظة على مناخ هادئ ومشجع لإجراء الانتخابات بشكل ديمقراطي وحر».
أجواء أربيل عن زيارة المالكي: عينه على رئاسة الوزراء
محللون رأوا أنه يريد «شق الصف» الكردي والتحالف مع الصدر
أجواء أربيل عن زيارة المالكي: عينه على رئاسة الوزراء
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة