بنوك أفغانستان تتأهب للفوضى بعد سيطرة «طالبان» على البلاد

أشخاص يمشون أمام أحد البنوك في العاصمة كابل فبراير الماضي (أرشيفية - رويترز)
أشخاص يمشون أمام أحد البنوك في العاصمة كابل فبراير الماضي (أرشيفية - رويترز)
TT

بنوك أفغانستان تتأهب للفوضى بعد سيطرة «طالبان» على البلاد

أشخاص يمشون أمام أحد البنوك في العاصمة كابل فبراير الماضي (أرشيفية - رويترز)
أشخاص يمشون أمام أحد البنوك في العاصمة كابل فبراير الماضي (أرشيفية - رويترز)

يقول مصرفيون إن بنوك أفغانستان التي لها دور حيوي في انتشال البلاد من أزمتها تواجه مستقبلاً يكتنفه الغموض وسط شكوك في كل شيء من السيولة المالية إلى تشغيل الموظفات بعد وصول حركة «طالبان» إلى السلطة.
وقال متحدث باسم «طالبان» يوم الثلاثاء إنه من المتوقع أن تعاود البنوك فتح أبوابها قريباً وذلك بعد أن ظلت مغلقة نحو عشرة أيام وتعطل النظام المالي بانهيار الحكومة المدعومة من الغرب مع انسحاب القوات الأميركية والقوات الحليفة.
ومع ذلك فلم تظهر أدلة تُذكر حتى الآن على إعادة فتحها أو عودة الخدمات المصرفية إلى طبيعتها وفي الوقت نفسه احتشدت أعداد كبيرة في الشوارع خارج البنوك في كابل يوم الأربعاء.
وقال غزال جيلاني، المستشار التجاري والاقتصادي بالسفارة الأفغانية في لندن: «البنوك لا تزال مغلقة دون مؤشرات واضحة على إعادة فتحها فقد نفد ما لديها من سيولة». وأضاف: «النظام المصرفي في أفغانستان الآن في حالة انهيار ونفد المال لدى الناس».
وتدبر مناطق ريفية كثيرة شؤونها دونما حاجة للبنوك. غير أن إغلاق البنوك في المدن التي تُحوَّل فيها مرتبات العاملين بالحكومة إلى حساباتهم المصرفية يسبب مصاعب في اقتصاد قائم على النقد السائل.
والتوقعات تبدو محفوفة بالخطر بالنسبة إلى البنوك، إذ تَلوح تساؤلات عن مدى استيعاب حركة «طالبان» للنظام المالي وقدرتها على إدارة عجلة الاقتصاد الذي عرقلته حروب على مدار 40 عاماً.
وقال أجمل أحمدي محافظ البنك المركزي السابق، إنه في غياب أي صادرات مهمة باستثناء ما تجلبه المخدرات غير القانونية من دخل، فإن إحدى العقبات المباشرة تتمثل في السيولة في بلد يمثل التعامل بالدولار فيه عنصراً مهماً ويعتمد على وصول شحنات منتظمة من الدولارات الفعلية.
وقال سيد موسى كليم الفلاحي، الرئيس التنفيذي لبنك أفغانستان الإسلامي، أحد أكبر ثلاثة بنوك في البلاد، إن رابطة بنوك أفغانستان تواصلت مع البنك المركزي لتنسيق خطوات العودة إلى النشاط العادي. وأضاف أن البنوك التجارية قررت بصفة جماعية تعليق الخدمات حتى يؤكد البنك المركزي السيولة والترتيبات الأمنية.
وكانت السيولة تمثل مشكلة في الفترة التي سبقت إغلاق البنوك مع إقبال الناس على سحب الأموال.
وقال مصرفي في واحد من أكبر بنوك أفغانستان، مشترطاً إخفاء هويته، إن البنك المركزي وفّر دعماً مالياً للبنوك خلال أزمة السيولة الأسبوع الماضي.
غير أن الغموض يكتنف قدرته على مواصلة هذا الدعم، إذ إن احتياطياته الخارجية التي تبلغ نحو تسعة مليارات دولار ليست في متناول «طالبان» إلى حد كبير.
وأضاف المصرفي: «البنوك ستواجه تحديات كبرى في السيولة لأن مسؤولي البنك المركزي لم يتمكنوا من الوصول إلى الاحتياطيات حتى الآن. ستواجه مشكلات في سيولة النقد الأجنبي، وهو ما سيتسبب في تقلبات هائلة في أسعار الصرف».
وانخفضت قيمة العملة الأفغانية (الأفغاني)، بفعل توقعات ندرة الدولار ومن المتوقع أن تشهد مزيداً من التقلبات، إذ تردد أن فترة تغطية الواردات في أفغانستان انهارت من أكثر من 15 شهراً إلى بضعة أيام فقط.
وقال مصرفي كبير إن بنوك المراسلة في تركيا وروسيا وإسبانيا والإمارات وقطر وباكستان والهند ما زالت تُبدي دعمها لبنكه.
وهذا الأسبوع، قالت «طالبان» إنها عيّنت حاجي محمد إدريس، الموالي لها والذي لم يتلقَّ تعليماً مالياً رسمياً، قائماً بأعمال محافظ البنك المركزي. ودافع أحد كبار قادة «طالبان» عن القرار قائلاً إن إدريس يحظى بالاحترام لخبراته.
ولم يتضح حتى الآن ما إذا كانت بنوك أفغانستان وكلها تقليدية باستثناء بنك واحد ستضطر للتحول إلى العمل المصرفي الإسلامي وهي عملية طويلة باهظة الكلفة.
كذلك يكتنف الغموض مستقبل النساء العاملات في البنوك.
وقال مصرفي بأحد أكبر بنوك أفغانستان: «نتوقع أن نواجه تحديات مثل فقدان موظفين مؤهلين من ذوي المهارات العالية لأن أغلبهم يخططون للفرار من البلاد في أول فرصة».



بعد فوز ترمب... مطالب عربية بميزات تنافسية بسبب توترات المنطقة

ترمب يتحدث على شاشة بقاعة تداول بورصة «دويتشه» في فرانكفورت بألمانيا (أ.ب)
ترمب يتحدث على شاشة بقاعة تداول بورصة «دويتشه» في فرانكفورت بألمانيا (أ.ب)
TT

بعد فوز ترمب... مطالب عربية بميزات تنافسية بسبب توترات المنطقة

ترمب يتحدث على شاشة بقاعة تداول بورصة «دويتشه» في فرانكفورت بألمانيا (أ.ب)
ترمب يتحدث على شاشة بقاعة تداول بورصة «دويتشه» في فرانكفورت بألمانيا (أ.ب)

عرف الاقتصاد العالمي بوصلته الاقتصادية خلال الفترة المقبلة (أربع سنوات على الأقل)، بفوز دونالد ترمب في الانتخابات الأميركية، وهو الذي يدعم تقليص الضرائب على الشركات، وزيادة حجم الاستثمارات والسياسة النقدية التوسعية.

لكنَّ ترمب يدعم أيضاً الإنتاج المحلي لزيادة معدلات التشغيل والوظائف، وهو ما يحيله إلى «رسوم جمركية كبيرة» كان قد تعهد بها على الشركاء التجاريين خصوصاً من آسيا، مما قد يستلزم رد فعل من هذه الدول قد يسفر عن حرب تجارية تنعكس على التضخم الأميركي والعالمي بالتبعية.

والاقتصاد الأميركي يعاني بالفعل من ارتفاع في الأسعار، حيث أنها لا تزال أعلى مما كانت عليه خلال عامَي 2020 و2021 رغم تراجع معدل التضخم إلى مستوى قريب من مستهدف «الاحتياطي الفيدرالي»، وتباطؤ النمو الاقتصادي وارتفاع البطالة، فضلاً عن بلوغ مستوى الدين حالياً 99 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وسط توقعات بزيادته بناءً على توقعات مكتب الموازنة في الكونغرس؛ وهو ما يفسر أهمية الملف الاقتصادي في حسم هذه الانتخابات.

لكن الشأن الداخلي الأميركي لن يكون الشغل الشاغل لساكن البيت الأبيض الجديد فقط، إذ إن هناك حروباً وتوترات جيوسياسية في أماكن متعددة من شأنها أن تلعب دوراً مهماً في الاقتصاد العالمي، وستنعكس على الاقتصاد الأميركي بالتبعية، وأبرزها أحداث الشرق الأوسط التي فرضت نفسها على أجندات العالم مؤخراً.

دونالد ترمب يخاطب أنصاره في مركز مؤتمرات «ويست بالم بيتش» بفلوريدا الأربعاء (إ.ب.أ)

«الشرق الأوسط» استطلعت آراء خبراء اقتصاديين من عدة دول عربية حول رؤيتهم لأهم الإجراءات التي تجب مراعاتها من رئيس الولايات المتحدة للمنطقة العربية، أو بالأحرى مطالب عربية من الرئيس الأميركي الجديد خلال الفترة المقبلة.

استقرار المنطقة أولوية

يرى الدكتور محمد يوسف، الخبير الاقتصادي من مصر، أن جميع الدول تتفق على أن الاستقرار في المنطقة سينعكس بالضرورة على الأوضاع الاقتصادية، وسيمهد لحل المشكلات العالقة مثل سد النهضة بالنسبة لمصر، وهو ما يلقي الضوء على الدور الأميركي في المنطقة والتهدئة المرجوَّة.

كما يرى ضرغام محمد علي، وهو خبير اقتصادي من العراق، أن هناك تفاوتاً في نسب العلاقات التي تربط المنطقة بالولايات المتحدة، «فبينما يظل لبنان واليمن خارج المعادلة في الوقت الحالي وستظل علاقتهما متوترة بالولايات المتحدة، فإن السودان والصومال بحاجة إلى مِنح دولية لإعمار البنية التحتية وإعادة البناء».

وأضاف علي: «أما السعودية وباقي دول الخليج فتبحث عن مزيد من الاستقرار الاقتصادي عبر تنشيط السوق العالمية بتخفيف القيود على التعامل مع الصين، وزيادة دخول السعودية والإمارات في سوق التكنولوجيا العالمية، إضافةً إلى مزيد من الانفتاح السياحي، وزيادة التبادل العلمي والتقني خصوصاً في تقنيات الأقمار الاصطناعية والفضاء التي تقتحمها الإمارات».

ميزة تنافسية للدول العربية

يقول أحمد معطي، خبير أسواق المال العالمية من مصر، إن تقليل الرسوم الجمركية سيفيد الدول العربية بشكل كبير لأنه سيزيد من تنافسية الإنتاجية بالنسبة إلى دول المنطقة، لكنه أشار إلى زيادة الدين الأميركي لمستويات كبيرة، والذي قد يكون السبب في زيادة الرسوم الجمركية من جانب أميركا لتعزيز الإنتاج المحلي وتقليل فاتورة الاستيراد.

وأكد معطي أن «التوترات الجيوسياسية في المنطقة تستلزم بعض قرارات التحفيز من الجانب الأميركي لبعض الدول العربية، التي لا علاقة لها بما يحدث لكنها متأثرة بشكل كبير مثل مصر والأردن، وهذه مسؤولية تقع على الولايات المتحدة الأميركية، بصفتها أكبر دولة وأكبر اقتصاد في العالم».

حاويات شحن يجري تفريغها من السفن بميناء «لونغ بيتش» في لوس أنجليس (رويترز)

ويرى ضرغام محمد علي أن الرسوم الجمركية «أداة أميركية متغيرة حسب المصالح وليست حسب الرؤساء، فالتسهيلات الجمركية الأميركية انتقائية حسب المصالح خصوصاً مع السوق الآسيوية، التي تعتمد بشكل مهم على الاقتصاد السوقي الأميركي في تصريف منتجاتها... وغالبا ستكون متشددة تجاه الصين والبرازيل وجنوب أفريقيا، بسبب انضمامها إلى تجمع (بريكس)، وأكثر انفتاحاً على اليابان وتايوان وسنغافورة وكوريا الجنوبية».

لكن ضرغام محمد علي لم يغفل ربط كل ذلك بـ«جيوسياسية المنطقة ونتائج الصراع الإسرائيلي مع لبنان وفلسطين وإيران..». وهو ما سيؤثر بدوره في القرارات الأميركية.

أما الدكتور محمد يوسف، مدير عام البحوث بإحدى الشركات الإماراتية، فيقول إن «تخفيف حدة التنافس الأميركي-الصيني المتوقع، سيصبّ في صالح دول المنطقة والاقتصاد العالمي ككل... لأن رفع الرسوم الجمركية على السلع الصينية سيخفض من نمو ثاني أكبر اقتصاد في العالم، الأمر الذي سيترتب عليه تراجع الطلب على السلع الأولية، وأبرزها النفط».

والأمر بسيط بالنسبة إلى الرئيس التنفيذي لشركة «قيمة كابيتال» السعودية، إبراهيم النويبت، الذي توقع تحرك أسعار النفط وأسعار الفائدة بشكل إيجابي يساعد على انتعاش قطاع البتروكيميكال في السوق العالمية، مع انتعاش قطاع التمويل التجاري، مع فوز الجمهوريين بالانتخابات.

الدولار وانعكاساته على المنطقة

وأشار معطي إلى ارتفاع مؤشر الدولار فوق 105 نقاط مقارنةً بسلة العملات الرئيسية الأخرى، «مما يزيد الضغوط على الأسواق الناشئة وأغلبها في الشرق الأوسط ومعظم الدول العربية»، واقترح في هذا الصدد، «إعطاء ميزة نسبية لدول المنطقة، تعويضاً عن الأزمات الموجودة، وذلك بتخصيص أذون خزانة أميركية للدول العربية بفائدة مرتفعة أكثر من نسبة ارتفاع الدولار».

وأشار الخبير العراقي إلى أداء الدولار، الذي «يثير الرعب» بالنسبة إلى الدول التي لديها احتياجات قوية للعملة الأميركية وسط شح في السيولة بالأسواق العالمية، مشيراً هنا إلى أن الدولار حقق خلال فترة تولي ترمب الأولى استقراراً أعلى رغم ارتفاع الدين الأميركي في عهده.

وأوضح علي أن نسب النمو المتدنية في الاقتصاد الأميركي «تحتاج إلى خفض ولو كان قليلاً في سعر الفائدة مع المغامرة باحتمالية زيادة التضخم الأميركي، لكنَّ الاقتصاد بحاجة إلى تسهيل ائتماني مع جرعات تحفيزية للسوق العقارية الأميركية بخطط ورؤى جديدة».

إلى ذلك، يقول يوسف إنه رغم اختلاف أوضاع الدول العربية وعلاقتها بالاقتصاد الأميركي، فإن هناك بعض المطالب يشترك فيها معظم دول المنطقة، وأبرزها: «سعر الدولار وتقليل حدة الانحرافات والتشوهات في سوق رأس المال الدولي، وذلك بتوفير بيئة مواتية، مما يترتب عليه تسريع التيسير النقدي لخفض سعر الفائدة، وبالتالي تشجيع الاستثمارات المحلية في دول المنطقة، وزيادة الاحتياطي النقدي، مع تعزيز القدرة على جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة وغير المباشرة».

تكتل «بريكس»

وتطرق الخبير العراقي إلى مستويات الدين الأميركي المرتفع، وقال: «بشكل عام فإن العالم بأسره ينظر بقلق إلى ازدياد الدين الأميركي، وتباطؤ مستويات النمو... والتوجس من علاقة (بريكس)، التي تأمل دول عربية الانضمام إليه، وهل ستكون هناك حرب اقتصادية باردة؟».

شاشة تعرض لقطات حية لخطاب ترمب بعد نجاحه في سيول بكوريا الجنوبية (أ.ب)

وأشار يوسف أيضاً إلى تكتل «بريكس» الذي سيكون له دور في استقطاب الرئيس الجديد لبعض الدول المنضمة إلى التكتل، وهو ما «قد يُبرز ميزات تنافسية جديدة لدول المنطقة، خصوصاً أن هناك دولاً مثل مصر والإمارات وإيران انضمت حديثاً إلى (بريكس)، في حين أن السعودية ما زالت تدرس ميزات الانضمام».

صندوق النقد الدولي

وخرج معطي عن المألوف وطالب الرئيس الجديد بالضغط على صندوق النقد الدولي وتعديل بعض سياساته بصفته لاعباً كبيراً وأساسياً في الصندوق، وذلك من خلال تقليل الرسوم والشروط على قروض الصندوق.

وقال الخبير الاقتصادي المصري إن «هناك دولاً لا تذهب للتعاون مع الصندوق بسبب الشروط المجحفة التي تهدد الاستقرار السلمي لها، لذا أطالب بفائدة صفر للأعضاء في صندوق النقد الدولي».