أكثر من 200 لاجئ أفغاني يريدون العودة لبلدهم... فما السبب؟

لاجئون أفغان عند نقطة العبور الحدودية الباكستانية - الأفغانية في شامان (أ.ف.ب)
لاجئون أفغان عند نقطة العبور الحدودية الباكستانية - الأفغانية في شامان (أ.ف.ب)
TT

أكثر من 200 لاجئ أفغاني يريدون العودة لبلدهم... فما السبب؟

لاجئون أفغان عند نقطة العبور الحدودية الباكستانية - الأفغانية في شامان (أ.ف.ب)
لاجئون أفغان عند نقطة العبور الحدودية الباكستانية - الأفغانية في شامان (أ.ف.ب)

على متن شاحنات محملة بالسجاد والفرش والملابس وحتى برؤوس ماعز، ينظر نحو 200 لاجئ أفغاني في باكستان إلى ما خلف الأفق نحو بلدة سبين بولدك بجنوب أفغانستان في انتظار العودة إلى ديارهم.
وخشية حكم صارم جديد بعد استيلاء «طالبان» السريع على السلطة في أعقاب انسحاب القوات الأميركية، يسعى آلاف الأشخاص للفرار من أفغانستان، وقد خرجت صور ترصد مشاهد الفوضى في مطار كابل.
لكن بعض العائلات تريد العودة إلى ديارها، وتقول إن «طالبان» سترسي الاستقرار في الدولة التي مزقتها النزاعات.
وقال مولوي شعيب لوكالة الصحافة الفرنسية بينما كانت ينتظر عند الحدود: «هاجرنا من أفغانستان خلال القصف والصعوبات وعندما كان المسلمون يواجهون مشكلات. الآن والحمد الله الوضع طبيعي، لذا فسنعود إلى أفغانستان».
والحدود الجبلية التي تفصل سبين بولدك عن شامان في جنوب غربي باكستان هي خندق بعمق 3 أمتار يعلو فيه سياج شائك. ويعبر آلاف الأشخاص طريق التجارة هذه يومياً.
وفي حين يحاول العشرات الفرار من حكم «طالبان»، عززت باكستان التدابير الأمنية على الحدود، مما جعل عملية المرور أكثر صرامة.

وقال محمد نابي: «الناس يريدون العودة، لكن لا يُسمح لهم بالعبور. نطلب من الحكومة الباكستانية السماح لنا بعبور الحدود لأنه ليست هناك حرب، وتم إرساء السلام». وأضاف: «عائلاتنا مع نسائنا وأطفالنا ينتظرون. نريد أن يعبروا الحدود».
استقبلت باكستان أكثر من مليوني لاجئ أفغاني منذ اندلاع الموجة الأولى من الحرب في أفغانستان قبل أكثر من 40 عاماً. وتتغير الأرقام بحسب تفاقم النزاع، لكن السلطات الباكستانية قالت إنها ليست في موقع يسمح لها باستقبال مزيد من اللاجئين.
وكثيراً ما شعر النازحون الأفغان بأنهم غير مرحب بهم، مع منحهم القليل من فرص العمل وحقوق المواطنة.
وكثيرون باتوا بمثابة ورقة مقايضة في اللعبة الدبلوماسية بين الدول التي تتراشق الاتهامات بمساعدة جماعات مسلحة. وكثيراً ما اتُهمت إسلام آباد بحماية «طالبان»، وقد تكون إحدى الحكومات القليلة المرتبطة بعلاقات وثيقة مع النظام الجديد في كابل، حسبما أفادت به وكالة الصحافة الفرنسية.
وفيما كان الغبار ينفث فوق مقتنياتهم والأطفال محشورون بين الأثاث، كانت عشرات الشاحنات متوقفة في الحقول القاحلة في شامان. وكان العائدون يجهزون المستندات اللازمة وينتظرون إذن العبور.

وعلى ظهر إحدى الشاحنات كان مراهق يحتضن طفلاً وحولهما أدوات منزلية مثل دلو وسرير ودراجة. وكان صبي آخر يجلس بجانبه على وسادة صفراء وبينهما رأس ماعز أبيض يتحرك على غير هدى.
يقول العائدون إن حياتهم ستكون أفضل في أفغانستان.
وقال ولي الرحمن لوكالة الصحافة الفرنسية: «سأعود إلى غزني، فقد أُرسي السلام الآن، ونحن سعيدون بالعودة إلى ديارنا. من الأفضل كثيراً العودة والاستقرار هناك».
لكن أقواله تناقض بشكل صارخ المشاهد التي تخرج من مطار كابل حيث تشبث بعض الأشخاص بالجوانب الخارجية لطائرات وقضى شخص على الأقل بعد سقوطه من طائرة مغادرة.
والعديد ممن يحاولون مغادرة أفغانستان يخشون انتقام «طالبان» بسبب عملهم لحساب حكومات أجنبية حاربت المتشددين خلال النزاع الذي استمر 20 عاماً.
لكن نابي قال لوكالة الصحافة الفرنسية إنه واثق بأن نهاية النزاع ستحمل مستقبلاً أكثر إشراقاً. وقال: «هاجرنا إلى باكستان بسبب الحرب المستمرة في أفغانستان. الآن حلّ السلام».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟