مأساة «ذبح جمال» تثير جدلاً حول «القصاص» في الجزائر

القضية أخذت أبعاداً عرقية وأيقظت صراعاً قديماً مرتبطاً بالهوية واللغة

القتيل جمال بن اسماعيل (مواقع على شبكة الانترنت)
القتيل جمال بن اسماعيل (مواقع على شبكة الانترنت)
TT

مأساة «ذبح جمال» تثير جدلاً حول «القصاص» في الجزائر

القتيل جمال بن اسماعيل (مواقع على شبكة الانترنت)
القتيل جمال بن اسماعيل (مواقع على شبكة الانترنت)

في العادة لا يثق الجزائريون في قضاء بلدهم، ويعتبرونه خاضعاً ومتحيزاً للطرف الأقوى في الملفات المطروحة أمامه، خصوصاً إذا كانت الدولة (بمفهوم السلطة) هي صاحبة الشكوى. لكن منذ الجريمة البشعة التي راح ضحيتها الشاب جمال بن إسماعيل في 11 من يوليو (تموز) 2021، لم يعد هناك ما يشغلهم إلا القصاص من عشرات المشتبه بهم، ممن بدأت النيابة باستجوابهم أول من أمس، الذين اعترفوا خلال التحقيقات الأمنية أنهم قتلوه حرقاً، لاعتقادهم أنه هو من تسبب في النيران، التي التهمت مئات الهكتارات من الغطاء النباتي بمنطقة القبائل.
وحسب مصدر قضائي، فقد تم إبلاغ وزير العدل رشيد طبي، بتعليمات صارمة من سلطات البلاد، كي تتعامل النيابة التي تتبع له بصرامة قصوى مع أكثر من 60 شخصاً، جرى اعتقالهم بعد الجريمة النكراء، والذهاب بعيداً في بحثها عن كل الضالعين في قتل جمال حرقاً، وفصل رأسه عن جسده وهو ميت.
وشهدت «محكمة سيدي امحمد» بالعاصمة أول من أمس اقتياد مجموعة أولى من الموقوفين لعرضهم على وكيل الجمهورية. واستمر استجوابهم، أمس، مع انتظار تقديم دفعة أخرى من المشتبه بهم، الذين وجهت لهم تهم «الانتماء إلى منظمة إرهابية والمساس بأمن الدولة، وارتكاب أعمال تخريب، والقتل العمدي، والاعتداء الجسدي والتحريض عليه، إضافة إلى التنكيل بالجثث وحرقها، والاعتداء على مركز الشرطة، والتعدي على رجال الأمن».
كان جهاز الشرطة، الذي تحرى في القضية، قد حدد منذ البداية «المنظمة الإرهابية» بأنها «حركة انفصال منطقة القبائل»، وتنظيم «رشاد» الإسلامي، وكلاهما تم وضعه منذ مايو (أيار) الماضي على لائحة التنظيمات الإرهابية. لكن حسب ما تسرب من التحقيقات الأمنية، فإنه لا أحد من المعتقلين أكد خلال اعترافاته بسحل، وقتل جمال حرقاً، أنه تلقى توجيهاً بذلك من التنظيمين، اللذين يفترض انتماؤهم إلى أحدهما، وهذا يظل أحد الألغاز الكثيرة المحيرة في هذه القضية.
ولم تكتف السلطات باتهام التنظيمين بقتل الشاب، ذي الـ36 عاماً، بل أيضاً بإضرام النيران في غابات القبائل. وقد نفى زعيم الانفصاليين المقيم بفرنسا، فرحات مهني، وحركة «رشاد»، مسؤوليتهما عن قتل جمال وحرق الغابات، الذي أودى بحياة مائة شخص بين مدني وعسكري، بل اتهما السلطات بالوقوف وراء الحادثتين، اللتين أحدثتا جرحاً غائراً في النفوس، وبعثتا إلى الواجهة جدلاً قديماً يتعلق بتنفيذ القصاص.
وأثناء زيارتها لبيت عائلة بن إسماعيل بمليانة (130 كلم غرب العاصمة)، بعد أقل من أسبوع من الجريمة، توقفت «الشرق الأوسط» على مدى إصرار شقيقه التوأم، وأهل الحي وأصدقائه، على الاطلاع على «كل الحقيقة»، خصوصاً من أذاع الخبر الكاذب بأن جمال واحد من الذين أشعلوا الحرائق، بينما المعروف أنه سافر إلى ناثي راثن لمشاركة أصدقاء له من القبائل لإخمادها؟ ومن سلمه للشرطة ومعه صديقان رافقاه في رحلته؟ وما مصيرهما بعد قتل جمال؟ ولماذا تركته الشرطة يواجه مصيره مع مجموعات هائجة، أخرجته من شاحنة الأمن وصبت البنزين على جسده النحيف وأحرقته؟ وكل هذه الأسئلة تظل بمثابة نقاط ظل تحوم حول «المذبحة الداعشية»، تحاشتها الشرطة عندما عرضت المتهمين على شاشات التلفزيونات واعترافاتهم بالقتل.
وحتى وسائل الإعلام تفادت الخوض في هذه التفاصيل، واكتفت بنقل اتهامات السلطات للتنظيمين المعارضين وللمنتمين المفترضين لهم، الذين أكدوا كلهم أنهم قتلوه ونكلوا بجثته لاعتقادهم أنه مضرم النيران في بلدتهم.
وكتب أستاذ العلوم السياسية، محمد هناد، في الموضوع فقال: «لقد بقي جمال شهماً طيلة الفترة التي استغرقتها محنته، وهو يحاول إقناع أشخاص هائجين ببراءته. لقد كان هؤلاء في حالة هستيرية، مدفوعين من أطراف أخرى، على ما يبدو. لكن لماذا تركت الشرطة المحلية تلك الجريمة الشنعاء تقع في مركبتها ضد مواطن، التقطته بعد اتهام بعض سكان المدينة له بإضرام النار؟ ألم يكن عليها، على الأقل، أن تستعمل طلقات تحذيرية؟ فلا بد إذن من إحالة جميع أعوان الشرطة الحاضرين على العدالة، ليس فقط بتهمة الإخلال الموصوف بالواجب المهني، بل أيضاً لعدم الإسراع لنجدة مواطن في حالة خطر تحت أنظارها، وذلك مهما كان العذر الذي يمكن أن يُتذرع به، لا سيما أن الأمر يتعلق بمبدأ القوة العمومية في حد ذاته، الذي لا معنى للدولة من دونه أصلاً. والمدير العام للأمن الوطني الجديد نفسه سيتم الحكم على أدائه من خلال الكيفية، التي سيتعامل بها مع ملابسات هذه الواقعة الأليمة».
كان مدير الشرطة القضائية بجهاز الأمن الوطني، محمد شاقور، قد برر عدم إطلاق عيارات تحذيرية لثني مقترفي العمل الموغل في الوحشية عن ارتكابه، بأنهم «كانوا يخشون من انزلاق الوضع، بينما كانت المنطقة في مواجهة كارثة الحرائق». لكن هذا الكلام لم يقنع المتتبعين، على اعتبار أن الشرطة لا تتوانى في العادة عن التدخل بحزم، عندما تقدر بأن الأحداث تهدد الأمن العام، أو لتفريق متظاهرين واعتقالهم، وهو ما حدث مع المئات من نشطاء الحراك في الأشهر الماضية.
وإلى جانب الجريمة وملابساتها وتوقع ما ستسفر عنه المحاكمة، خلفت الحادثة «أعراضاً جانبية»، تتمثل في سجن أربعة أشخاص على الأقل، بتهمتي «التهديد بالقتل»، و«نشر الكراهية»، وذلك على إثر بث فيديوهات بوسائط التواصل الاجتماعي تحرض على «الانتقام من القبائل الأمازيغ» على أساس أنهم استهدفوا «جمال العربي». كما أخذت القضية أبعاداً عرقية، أيقظت صراعاً قديماً مرتبطاً بالهوية، واللغة، يعود إلى ما قبل الاستقلال عن فرنسا.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».