«نداء تونس» تعلن عن انفراج أزمتها السياسية

تصريحات أطراف الصراع داخل الحزب الحاكم هزت صورته أمام التونسيين

«نداء تونس» تعلن عن انفراج أزمتها السياسية
TT

«نداء تونس» تعلن عن انفراج أزمتها السياسية

«نداء تونس» تعلن عن انفراج أزمتها السياسية

تبادلت قيادات حركة نداء تونس (الحزب الحاكم) الاتهامات على مدى أكثر من شهر، وبلغ الخلاف أشده بإعلان الكتلة البرلمانية عن وجود محاولة انقلاب داخل الحزب وإرادة السيطرة على مصيره من قبل الهيئة التأسيسية للحزب المكونة من 14شخصية سياسية. ووقع 64 نائبا برلمانيا عريضة أعلنوا من خلالها عن رفض قرارات الهيئة التأسيسية واتهموها بـ«دكاتوتورية التعامل» مع بقية مكونات الحزب، وخصوصا المنسقين في الجهات.
وذهب بعض النواب إلى حد اعتبار أن المهمة الأساسية للهيئة التأسيسية انتهت بوصول الحزب إلى الحكم، وأن عليها الآن أن تجد طريقة مختلفة في إدارة الحزب وحل الخلافات والتعامل مع أعباء الحكم، وتمسكوا بتشكيل مكتب سياسي يضم مختلف مكونات الحزب توكل له مهمة تسيير حزب النداء إلى غاية عقد مؤتمره الأول في شهر يونيو (حزيران) المقبل.
وتعود الخلافات داخل النداء إلى تاريخ استقالة الباجي قائد السبسي نهاية شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي من رئاسة الحزب، وظهور ما يشبه «حزب الخلافة» على عدة مناصب سياسية داخل النداء، من بينها رئاسة الحزب خلفا للباجي، والأمانة العامة خلفا للطيب البكوش الذي شغل منصب وزير الخارجية، وخلافة محمد الناصر على رأس الحزب بعد تعيينه رئيسا للبرلمان.
ومن خلال التصريحات المتتالية للقيادات السياسية المنتمية إلى حركة نداء تونس، فقد تشكلت 3 دوائر صراع على الأقل، الأولى تشمل مجموعة القصر وهي مكونة من محسن مرزوق المتحدث باسم الرئاسة، ورضا بلحاج مدير الديوان الرئاسي، ورافع بن عاشور المستشار القانوني للرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، وأغلبهم من التيار اليساري. أما دائرة الصراع الثانية فهي تشمل أعضاء البرلمان (86 عضوا)، وقد طالبوا مبكرا بالمشاركة في الحقائب الوزارية بعد أن حاولت الهيئة التأسيسية تجاوزهم في تلك التعيينات، ويقود هذه المجموعة خميس كسيلة، ومعظمهم من التيار الدستوري. وتضم دائرة الصراع الثالثة الهيئة التأسيسية ويقودها حافظ قائد السبسي ابن الرئيس التونسي.
وفي هذا الشأن، دعا بوجمعة الرميلي المدير التنفيذي للحزب في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى عدم تهويل الأمور واعتبر أن الخلافات قد تكون عنوان صحة لكونها تصحح المسارات وتوضح كثيرا من النقاط الغامضة. ولم ينفِ الرميلي غياب رؤية سياسية واضحة في تسيير الحزب الحاكم الفائز في الانتخابات البرلمانية والرئاسية خلال الأشهر الماضية، وقال إن هذه الأزمة على حدتها ستجعل حزب النداء أكثر قوة وأشد صلابة، على حد تعبيره.
ولتجاوز الأزمة الخانقة التي عاشها حزب النداء طوال أكثر من شهر، عقد صلاح البرقاوي نائب رئيس الكتلة البرلمانية للحزب أمس مؤتمرا صحافيا أكد من خلاله انفراج الأزمة داخل الحزب وعودة الوضعية المتماسكة إلى كل هياكله. وأشار إلى التزام الكتلة البرلمانية بقرارات الهيئة التأسيسية وأهمها توسيع دائرة التمثيل داخل المكتب السياسي وعقد انتخابات داخلية يوم الأحد 22 مارس الحالي لتشكيل هذا المكتب.
وبشأن هذه الأزمة قال نور الدين المباركي المحلل السياسي التونسي لـ«الشرق الأوسط» إن الأزمة التي مر بها نداء تونس ستؤكد خلال المرحلة المقبلة فك الارتباط بين الدساترة واليسار. ولم يستبعد استفادة حركة النهضة من الأزمة التي عرفها الحزب الحاكم على الرغم من الموقف العلني تجاه أزمة حركة نداء تونس، وهو أن «الحركة لا تتدخل في الشؤون الداخلية للأحزاب، وأن وحدتها تهمها».
وأشار المباركي إلى أن النهضة دفعت أكثر في اتجاه «عزل اليسار» داخل مجلس نواب الشعب (البرلمان) من خلال الجدل حول رئاسة لجنة المالية، وأن عملية التصويت داخل البرلمان كشفت أن النهضة تدفع أكثر في اتجاه عزل اليسار وترى أنه حافظ على توجهه الاستئصالي، على حد قوله.
ونبه المباركي إلى تصريحات سابقة لرئيس حركة النهضة التي اعتبر من خلالها أن حركة نداء تونس «أعادت رسكلة (تجمّع بن علي)» وأن «النداء أخطر من التشدد السلفي»، وهو ما يؤكد أن التغير على مستوى العلاقة بين الحركتين لم يكن حاسما، وأن المعركة بين الدساترة والإسلاميين لم تنتهِ بعد على حد تعبيره.
وفي السياق ذاته أشار عدد من المحللين السياسيين إلى تأثير الخلافات داخل حزب النداء على الوضع السياسي والاقتصادي العام في تونس، وتأكد هذا الأمر من خلال الكلمة التي توجه بها الحبيب الصيد رئيس الحكومة إلى التونسيين، إذ إنه وبعد نحو شهر ونصف من توليه الحكم أكد على صعوبة الوضع العام في تونس وأن مسائل تعطل برامج التنمية وتواصل التضخم والبطالة وارتفاع الأسعار كلها تبعث على الانشغال. وأبدى في الكلمة التي بثتها القناة الوطنية الأولى الليلة قبل الماضية تفاؤلا حذرا تجاه الوضع الأمني، وقال إنه ما زال هشا وإن خطر الإرهاب ما زال قائما، على حد تعبيره.



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.