تقنيات استشعار جوية لتشخيص آفات وأمراض الأشجار المثمرة

رسم الباحثون خريطة دقيقة لحالة أشجار المكاديميا في أستراليا
رسم الباحثون خريطة دقيقة لحالة أشجار المكاديميا في أستراليا
TT

تقنيات استشعار جوية لتشخيص آفات وأمراض الأشجار المثمرة

رسم الباحثون خريطة دقيقة لحالة أشجار المكاديميا في أستراليا
رسم الباحثون خريطة دقيقة لحالة أشجار المكاديميا في أستراليا

في ظل النمو السكاني في العالم، بات من الضروري وجود طرق مُحسنة في إنتاج المحاصيل من أجل تحقيق أقصى إنتاج غذائي لشعوب الأرض حيث يتوقع أن يصل تعداد سكان العالم إلى 9.6 مليار نسمة في عام 2050.

استشعار جوي

ومن هنا، ساعدت زيادة دقة البيانات على إمكانية فحص الأشجار الفردية في المزارع، وهو ما يتيح للمزارعين اتخاذ إجراءات ذات أهداف محددة. وتُعد تقنيات الاستشعار عن بُعد أساسية لتحقيق هذه الأهداف، إذ توفر الوسائل المناسبة لمراقبة سلامة المحاصيل خاصة على مساحات شاسعة.
من هذا المنطلق، أثبت الباحثان البروفسور ماثيو ماكيب، أستاذ العلوم والهندسة والبيئية والدكتور كاسبر جوهانسن من «كاوست» - بالتعاون مع زملائهما في أستراليا - إمكانية فحص الأشجار الفردية باستخدام البيانات المُجمَّعة من الأقمار الصناعية والتحليقات الجوية للطائرات دون طيار (UAV) لرسم خريطة دقيقة لحالة أشجار المكاديميا في مدينة كوينزلاند الأسترالية.
تُعد مكسرات أشجار المكاديميا من الصادرات المهمة لأستراليا، لكن أشجارها تستغرق 15 عاماً لكي تنضج ثمارها وتؤتي أقصى محصول لها، لذا يجب على المزارعين تحديد الأشجار التي تعاني من أي آفة في وقت مبكر قدر الإمكان. يقول جوهانسن: «يعتمد مزارعو المكاديميا حالياً على التقييم القائم على الفحص البصري لكل شجرة ونظام الري الخاص بها، وهو أمر يستهلك كثيراً من الوقت، وغالباً ما تكون نتائجه متضاربة».
وأضاف جوهانسن: «في المقابل، يمكن لتقنيات الاستشعار عن بعد في الطائرات دون طيار والأقمار الصناعية تقييم آلاف الأشجار في آنٍ واحد». وتابع بالقول إن «استخدام تقنية الاستشعار عن بعد في الزراعة الدقيقة، كما هي الحال في دراستنا، سيُحسِّن ممارسات إدارة المزارع والإنتاجية والمحصول بوجه عام»، مؤكداً أن «ذلك سيعمل على تعزيز الأمن الغذائي والمائي».

الزراعة الدقيقة

والزراعة الدقيقة (PA) كما يطلق عليها اختصاراً، تتمحور بالدرجة الأولى حول دقة المعلومات المتعلقة بالتربة والمياه والنبات والهواء، وذلك باستخدام التكنولوجيا مثل الطائرات دون طيار والأقمار الصناعية وأنظمة البرمجيات المتخصصة في جمع وتحليل البيانات المتعلِقة بالبيئة داخل الحقل وخارجه. وتهدف إلى تسهيل اتخاذ القرارات المتعلِقة بإدارة المزرعة بالكامل بناءً على معطيات دقيقة.
درس الفريق البحثي ثلاث مزارع تحتوي على أشجار مختلفة الأعمار والأصناف، وقيَّم مهندس زراعي متمرس حالة كل شجرة على مقياس من خمس نقاط تتراوح بين حالة ممتازة إلى حالة سيئة. كما أطلق الباحثون طائرة دون طيار فوق مواقع المزارع لتسجيل صور طيفية خضراء وحمراء وقريبة من تحت الحمراء، وحصلوا على بيانات عبر عدّة نطاقات طيفية أخرى من قمر الرصد الصناعي «وورلد فيو 3» WorldView - 3.
استعان الفريق البحثي بالبيانات التي حصلوا عليها من التدريب على قراءة البيانات لبضع مئات من الأشجار لتطوير نماذج تربط البيانات الطيفية بالقياسات الأرضية. ونجحت النماذج بعد ذلك في تصنيف أكثر من 98 في المائة من الأشجار الأخرى على نحو صحيح.
ومن المثير للاهتمام أنه رغم أن الأطياف التفصيلية من «وورلد فيو 3» قدمت النماذج الأعلى دقة لسلامة الأشجار، فإن حجم البكسل لها والبالغ 1.2 متر كان رديئاً للغاية فلا يمكن تحديد قمم الأشجار الفردية، وهو ما لا يمكن القيام به إلا باستخدام البيانات عالية الدقة المُسجلة بواسطة الطائرات دون طيار. ويسلّط هذا الوضع الضوء على فوائد النهج الذي يجمع بين الأقمار الصناعية والطيارات دون طيار.
وقد استفاد البحث كثيراً من ارتباطه بمجموعة ماكيب البحثية في «كاوست»، والتي تركز على تطبيقات الاستشعار عن بُعد في الزراعة الدقيقة وتشمل الدراسات ذات الصلة بمزارع الزيتون في المملكة العربية السعودية.
وأشار جوهانسن إلى أن هذا البحث «كان جزءاً من مشروع تعاوني موَّلته الحكومة الأسترالية لدعم صناعات المحاصيل الشجرية، وتحديداً مزارع المكاديميا والمانغو والأفوكادو».


مقالات ذات صلة

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

علوم النموذج تم تطويره باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

أنتجت مجموعة من العلماء هيكلاً يشبه إلى حد كبير الجنين البشري، وذلك في المختبر، دون استخدام حيوانات منوية أو بويضات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم الهياكل الشبيهة بالأجنة البشرية تم إنشاؤها في المختبر باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء يطورون «نماذج أجنة بشرية» في المختبر

قال فريق من الباحثين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إنهم ابتكروا أول هياكل صناعية في العالم شبيهة بالأجنة البشرية باستخدام الخلايا الجذعية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

تمكنت مجموعة من العلماء من جمع وتحليل الحمض النووي البشري من الهواء في غرفة مزدحمة ومن آثار الأقدام على رمال الشواطئ ومياه المحيطات والأنهار.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
علوم صورة لنموذج يمثل إنسان «نياندرتال» معروضاً في «المتحف الوطني لعصور ما قبل التاريخ» بفرنسا (أ.ف.ب)

دراسة: شكل أنف البشر حالياً تأثر بجينات إنسان «نياندرتال»

أظهرت دراسة جديدة أن شكل أنف الإنسان الحديث قد يكون تأثر جزئياً بالجينات الموروثة من إنسان «نياندرتال».

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

توصلت دراسة جديدة إلى نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات على كوكب الأرض مشيرة إلى أن نظرية «تبلور العقيق المعدني» الشهيرة تعتبر تفسيراً بعيد الاحتمال للغاية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

التنشيط الزائد للجهاز المناعي الفطري قد يسبب السرطان

رسم تصويري للإنترفيرون الذي يفرزه نظام المناعة لمحاربة الفيروسات الدخيلة
رسم تصويري للإنترفيرون الذي يفرزه نظام المناعة لمحاربة الفيروسات الدخيلة
TT

التنشيط الزائد للجهاز المناعي الفطري قد يسبب السرطان

رسم تصويري للإنترفيرون الذي يفرزه نظام المناعة لمحاربة الفيروسات الدخيلة
رسم تصويري للإنترفيرون الذي يفرزه نظام المناعة لمحاربة الفيروسات الدخيلة

تؤكد دراسة أميركية جديدة على الدور المزدوج الذي يلعبه الجهاز المناعي الفطري (الطبيعي)، ليس فقط بوصفه حارساً ضد مسببات الأمراض، ولكن أيضاً، من جهة أخرى، بوصفه مساهماً محتملاً في الإصابة بالسرطان عندما يُنشَّط باستمرار بسبب عدم الاستقرار الجيني.

وتلعب الإشارات المناعية عادة دوراً رئيسياً في الحفاظ على استقرار الجينوم خلال تضاعف «الحمض النووي (دي إن إيه - DNA)».

وجاءت نتائج الدراسة لتضيف رؤى حيوية لفهمنا البيولوجيا البشرية الأساسية، كما أنها قد تلقي أيضاً ضوءاً جديداً على بدايات نشوء الورم الخبيث، وتقدم فرصاً محتملة لعلاجات جديدة.

لقد طورت الكائنات الحية مسارات معقدة لاستشعار الحمض النووي التالف وإرسال الإشارات إليه وإصلاحه. وهناك جوانب جديدة حول دور الجهاز المناعي الفطري في الاستجابة للتعامل مع هذا الضرر، سواء في سياق الإصابة بالسرطان، وفي تعزيز صحة الإنسان بشكل عام.

تنشيط الجهاز المناعي... والسرطان

تكشف الدراسة الجديدة، التي قادها المؤلف الأول الدكتور هيكسياو وانغ، من «برنامج البيولوجيا الجزيئية» في «مركز ميموريال سلون كيترينغ للسرطان» الأميركي في نيويورك، ونُشرت في مجلة «Genes & Development» يوم 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2024، عن وجود صلة بين الإشارات المناعية الفطرية وتطور الورم في أنسجة الثدي.

وتشير البيانات البحثية إلى أنه عندما ينشأ عدم الاستقرار في الجينوم، فإن التنشيط المزمن للجهاز المناعي الفطري يمكن أن يزيد بشكل كبير من احتمالات الإصابة بالسرطان.

وركزت الدراسة على مركب بروتيني معقد يسمى «مركب بروتين إصلاح كسور الحمض النووي (دي إن إيه) مزدوج السلسلة (Double-strand break repair protein Mre11)»، وهو إنزيم يرمَّز في البشر بواسطة الجين «MRE11» الذي يلعب دوراً محورياً في الحفاظ على استقرار الجينوم من خلال استشعار وإصلاح «كسور الحمض النووي مزدوج السلسلة».

طفرة بروتينية وتطور الورم

ولدراسة كيف يمكن أن تؤدي المشكلات المتعلقة بهذا البروتين إلى الإصابة بالسرطان، تلاعب الفريق بنسخ من البروتين في «عضويات الأنسجة الثديية (وهي أعضاء نموذجية مصغرة مزروعة في المختبر)»، وقد زُرعت في فئران المختبر.

* تطور الورم: عندما نُشّطت الجينات السرطانية، طورت الفئران التي تحتوي عضويات تحمل «مركب بروتين إصلاح» متحولة مختبرياً، أوراماً بمعدل أعلى بكثير (نحو 40 في المائه) مقارنة بنحو 5 في المائة فقط لدى الفئران الطبيعية. ويؤكد هذا الاختلاف الصارخ على دور «مركب بروتين الإصلاح» في الحفاظ على الاستقرار الجينومي وقمع تكوّن الورم.

* عدوانية الورم: كانت الأورام التي نشأت لدى الفئران التي تحتوي عضويات تحمل «مركب بروتين إصلاح» متحولة، أكثر عدوانية بشكل ملحوظ من تلك الموجودة لدى نظيراتها الطبيعية. وهذا يشير إلى أن فقدان، أو طفرة، «مركب بروتين الإصلاح» لا يزيدان فقط من احتمالية بدء السرطان، ولكنهما قد يساهمان أيضاً في ظهور نمط سرطاني أكثر توغلاً أو سريع التقدم.

كما توفر هذه النتائج رابطاً واضحاً بين أوجه القصور في «مركب بروتين الإصلاح» وعدم الاستقرار الجيني وارتفاع خطر الإصابة بالسرطان؛ مما يسلط الضوء على الدور الحاسم الذي يلعبه المركب في الحماية من تطور الورم. وقد يساعد فهم هذه العلاقة في إعداد استراتيجيات علاجية محتملة لاستهداف ضغوط التكاثر السرطاني ومسارات تنشيط المناعة في تلك السرطانات المرتبطة بخلل في عمل «مركب بروتين الإصلاح».

نقص البروتين يهدد الجينوم

يعتمد هذا البحث الجديد على دراسة سابقة قادها الدكتور كريستوفر واردلو من «برنامج علم الأحياء الجزيئي» في «مركز ميموريال سلون كيترينغ للسرطان» التي نشرت في مجلة «Nature Communications» يوم 10 أكتوبر (تشرين الأول) عام 2022.

وركزت تلك الدراسة على دور «مركب بروتين الإصلاح» في الحفاظ على سلامة الجينوم. ووجدت أنه عندما يكون المركب غير نشط أو ناقصاً فإنه يؤدي إلى تراكم الحمض النووي في سيتوبلازم الخلايا، وتنشيط الإشارات المناعية الفطرية. وكشف هذا الجانب من البحث عن ارتباط مهم بين طفرات «المركب» وتنشيط الاستجابة المناعية.

وأدى «المركب المتحور» إلى زيادة تنشيط الجينات المحفزة بالإنترفيرون (ISGs) وهو ما يشير إلى أنه عندما يكون المركب غير فعال فإن الجهاز المناعي الفطري يُنشَّط بشكل غير طبيعي، حتى في غياب محفز فيروسي أو مسبب للأمراض خارجي نموذجي.

والإنترفيرونات جزيئات إشارات تطلقها الخلايا عادة استجابة للعدوى الفيروسية والتحديات المناعية والضغوط الخلوية، ويشير تنشيطها في سياق طفرات «مركب بروتين الإصلاح» إلى أن الخلية تدرك عدم الاستقرار الجيني بوصفه شكلاً من أشكال الإجهاد يتطلب استجابة مناعية.

إمكانات العلاج

وقد سلطت هاتان الدراستان (وغيرهما) معاً ضوءاً جديداً على كيفية عمل «مركب بروتين الإصلاح» لحماية الجينوم عند تكاثر الخلايا، وكيف أنه يمكن عندما لا يعمل بشكل صحيح أن يحفز الجهاز المناعي الفطري بطرق يمكن أن تعزز السرطان.

وقد يؤدي فهم هذه الآليات إلى استراتيجيات تخفف من «تنشيط المناعة المزمن»، مما قد يمنع تطور الأورام، أو يقدم طرقاً علاجية جديدة، كما يفتح طريقاً واعدة للعلاجات التي قد تمنع سوء التنظيم الجيني، أو تخفف من الاستجابات المناعية الضارة.