البرازيل تحتاج للعودة إلى مسار الإصلاح

TT

البرازيل تحتاج للعودة إلى مسار الإصلاح

تراجعت الآمال الاقتصادية البرازيلية كثيرا مع خروج أكثر من مليون مواطن غاضب إلى الشوارع يوم الأحد الماضي، مطالبين بمساءلة السيدة ديلما روسيف رئيسة البلاد. وتزيد تلك الاحتجاجات من احتمالات التراخي السياسي، وتضيف زخما جديدا إلى تيار الرياح المعاكسة - النمو الضعيف، والتضخم المرتفع، وانهيار العملة المحلية مع فضائح الفساد - التي تواجهها البرازيل.
بعد اللحاق بالأرجنتين على مسار العجز الاقتصادي في عام 2002، تمكنت البرازيل من التعافي بصورة مذهلة تحت حكم الرئيس المنتخب حديثا حينها لويس ايناسيو لولا دا سيلفا. حيث تسارعت وتيرة النمو الاقتصادي وتعزز الاحتياطي الأجنبي مع تدفق الاستثمارات. ومع تقدير العملة المحلية، فإن التحدي المتمثل في تزايد التدفقات النقدية لرؤوس الأموال قد استبدل المخاوف من هروب الاستثمارات إلى الخارج. وبمزيد من الأهمية، انخفضت معدلات الفقر مع توافر فرص العمل الجديدة، إلى جانب التركيز الحكومي الشديد على الرعاية الصحية والتعليم.
حاز الاقتصاد البرازيلي المكثير من الزخم، حيث كان أول اقتصاد يتعافى من الأزمة المالية العالمية عام 2008. فقد كان التحول السريع يمثل تناقضا صارخا عند مقارنته بالحلقات السابقة من عدم الاستقرار على مستوى العالم، والذي أخرج الاقتصاد البرازيلي عن مساره لفترة طويلة من الزمن. غير أن ذلك كان آخر لمحة من لمحات الأخبار الجيدة لفترة من الوقت.
بدلا من الإفادة من التقدم الذي أحرزه لولا دا سيلفا، فقدت السيدة روسيف، وهي خبيرة اقتصادية في التدريب، أعصابها وتحولت إلى العادات السيئة القديمة من النزعة الدولانية. على سبيل المثال، فقد وسعت بشكل كبير من دور ونطاق البنك الوطني للتنمية، (مؤسسة الحكومية) الذي لا يشهد له أحد بالكفاءة. كما أخرت التعامل مع التأثيرات المضادة للنمو في النظام الضريبي. كما عجزت عن التركيز على الإصلاحات القطاعية، ومن بينها المعاشات وأسواق العمل. ونتيجة لما تقدم، انفرط عقد النمو وباءت جهوده بالفشل.
تقف البرازيل حاليا على أرض هشة. كما تتفاقم مشكلاتها الداخلية إثر اثنين من أهم التأثيرات السلبية الخارجية البعيدة عن متناول وسيطرة البلاد. أولا، انخفاض أسعار السلع الأساسية، وسرقة عائدات التصدير والاستثمار الأجنبي والمحلي في البلاد.
ثانيا، غيرت الكثير من رؤوس الأموال الأجنبية التي تدفقت إلى البلاد من مسارها، مما أفرغ اقتصاد البرازيل من الأكسجين بطريقة كانت مفاجئة كما كانت خارج السيطرة تماما.
جاءت الاستجابة الحكومية على استحياء إثر الضغوط الذاتية من تباطؤ معدلات النمو، وارتفاع التضخم والعملة المحلية الضعيفة، ولم يكن أمام البنك المركزي البرازيلي من خيار إلا رفع أسعار الفائدة. وما كانت إلا مسألة وقت قبل أن يتبدى الضعف الكامن في اقتصاد البلاد أمام الجميع، بدءا من الفساد واسع الانتشار في شركة بتروبراس، وهي شركة النفط والغاز البرازيلية المملوكة للحكومة.
تكمن المهمة الملحة الآن في عكس الديناميات الاقتصادية والمالية والسياسية ذاتية التعزيز، والتي تسبب التآكل الشديد في المكاسب المهمة التي تحققت في البرازيل منذ عام 2002.
أما الأخبار الجيدة فتفيد بأن الحكومة تمتلك تحت تصرفها مجموعة من السياسات والتكنوقراط من ذوي الخبرات العميقة، التي سوف تدخل حيز التنفيذ. وليس ينقصها إلا الإرادة السياسية للمضي قدما.
ينبغي أن تكون احتجاجات يوم الأحد بمثابة عامل محفز لحكومة السيدة روسيف من أجل المضي قدما في الإصلاحات، والتي من شأنها الإفراج عن الطاقات الضخمة، ولكن غير المستغلة، للبلاد. فإذا ما دفعت الاحتجاجات، بدلا من ذلك، الحكومة لاتخاذ سياسات أكثر خجلا وأكثر ترددا من زاوية الاقتصاد، كما أخشى تماما، فسوف ينتهي الأمر بالبرازيل على منحنى الهبوط، والدخول في دوامة الركود التضخمي والتي سوف تشعر بآثارها كافة الدول النامية في العالم.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»



الاقتصاد البريطاني ينكمش بشكل غير متوقع بـ0.1 % في أكتوبر

ريفز في مركز التحكم خلال جولة في مستشفى مايدستون جنوب شرقي إنجلترا (أ.ف.ب)
ريفز في مركز التحكم خلال جولة في مستشفى مايدستون جنوب شرقي إنجلترا (أ.ف.ب)
TT

الاقتصاد البريطاني ينكمش بشكل غير متوقع بـ0.1 % في أكتوبر

ريفز في مركز التحكم خلال جولة في مستشفى مايدستون جنوب شرقي إنجلترا (أ.ف.ب)
ريفز في مركز التحكم خلال جولة في مستشفى مايدستون جنوب شرقي إنجلترا (أ.ف.ب)

انكمش الاقتصاد البريطاني بنسبة 0.1 في المائة في أكتوبر (تشرين الأول)، في الفترة التي سبقت أول موازنة للحكومة الجديدة، وهو أول انخفاض متتالٍ في الناتج منذ بداية جائحة «كوفيد - 19»، مما يؤكد حجم التحدي الذي يواجهه حزب العمال لتحفيز الاقتصاد على النمو.

فقد أظهرت أرقام مكتب الإحصاء الوطني أن الانخفاض غير المتوقع في الناتج المحلي الإجمالي كان مدفوعاً بتراجعات في البناء والإنتاج، في حين ظلَّ قطاع الخدمات المهيمن راكداً.

وكان خبراء الاقتصاد الذين استطلعت «رويترز» آراءهم يتوقَّعون نمو الاقتصاد بنسبة 0.1 في المائة. ويأتي ذلك بعد انخفاض بنسبة 0.1 في المائة في سبتمبر (أيلول) ونمو بطيء بنسبة 0.1 في المائة في الرُّبع الثالث من العام، وفقاً لأرقام الشهر الماضي.

وقال رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، الأسبوع الماضي، إن «هدف الحكومة هو جعل المملكة المتحدة أسرع اقتصاد نمواً بين دول مجموعة السبع، مع التعهد بتحقيق دخل حقيقي أعلى للأسر بحلول عام 2029».

رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر (إ.ب.أ)

لكن مجموعة من الشركات قالت إنها تخطِّط لإبطاء الإنفاق والتوظيف بعد موازنة حزب العمال في أكتوبر، التي تضمَّنت زيادات ضريبية بقيمة 40 مليار جنيه إسترليني.

وقال خبراء اقتصاديون إن الانكماش الشهري الثاني على التوالي في الناتج المحلي الإجمالي يعني أن الاقتصاد نما لمدة شهر واحد فقط من الأشهر الخمسة حتى أكتوبر، وقد يعني ذلك أن الاقتصاد انكمش في الرُّبع الرابع ككل.

وقالت وزيرة الخزانة راشيل ريفز، إن الأرقام «مخيبة للآمال»، لكنها أصرَّت على أن حزب العمال يعيد الاقتصاد إلى مساره الصحيح للنمو.

أضافت: «في حين أن الأرقام هذا الشهر مخيبة للآمال، فقد وضعنا سياسات لتحقيق النمو الاقتصادي على المدى الطويل، ونحن عازمون على تحقيق النمو الاقتصادي؛ لأنَّ النمو الأعلى يعني زيادة مستويات المعيشة للجميع في كل مكان».

واشتكت مجموعات الأعمال من أن التدابير المعلنة في الموازنة، بما في ذلك زيادة مساهمات التأمين الوطني لأصحاب العمل، تزيد من تكاليفها وتثبط الاستثمار.

وانخفض الناتج الإنتاجي بنسبة 0.6 في المائة في أكتوبر؛ بسبب الانخفاض في التصنيع والتعدين والمحاجر، في حين انخفض البناء بنسبة 0.4 في المائة.

وقالت مديرة الإحصاءات الاقتصادية في مكتب الإحصاءات الوطنية، ليز ماكيون: «انكمش الاقتصاد قليلاً في أكتوبر، حيث لم تظهر الخدمات أي نمو بشكل عام، وانخفض الإنتاج والبناء على حد سواء. شهدت قطاعات استخراج النفط والغاز والحانات والمطاعم والتجزئة أشهراً ضعيفة، وتم تعويض ذلك جزئياً بالنمو في شركات الاتصالات والخدمات اللوجيستية والشركات القانونية».

وقال كبير خبراء الاقتصاد في المملكة المتحدة لدى «كابيتال إيكونوميكس»، بول ديلز، إنه «من الصعب تحديد مقدار الانخفاض المؤقت، حيث تم تعليق النشاط قبل الموازنة».

وأضاف مستشهداً ببيانات مؤشر مديري المشتريات الضعيفة: «الخطر الواضح هو إلغاء أو تأجيل مزيد من النشاط بعد الميزانية... هناك كل فرصة لتراجع الاقتصاد في الرُّبع الرابع ككل».

وأظهرت الأرقام، الأسبوع الماضي، أن النمو في قطاع الخدمات المهيمن في المملكة المتحدة تباطأ إلى أدنى معدل له في أكثر من عام في نوفمبر (تشرين الثاني)؛ حيث استوعبت الشركات زيادات ضريبة الأعمال في الموازنة.

ريفز في مركز التحكم خلال جولة في مستشفى مايدستون جنوب شرقي إنجلترا (أ.ف.ب)

وسجَّل مؤشر مديري المشتريات للخدمات في المملكة المتحدة الذي يراقبه من كثب «ستاندرد آند بورز غلوبال» 50.8 نقطة في نوفمبر، بانخفاض من 52.0 نقطة في أكتوبر.

وفي الشهر الماضي، خفَض «بنك إنجلترا» توقعاته للنمو السنوي لعام 2024 إلى 1 في المائة من 1.25 في المائة، لكنه توقَّع نمواً أقوى في عام 2025 بنسبة 1.5 في المائة، مما يعكس دفعة قصيرة الأجل للاقتصاد من خطط موازنة الإنفاق الكبير لريفز.