لم تنتظر أميركا طويلاً في أعقاب «هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001» التي نفذها تنظيم «القاعدة» في واشنطن ونيويورك، واندفعت في حرب عالمية على الإرهاب، بدأتها بالهجوم على أفغانستان، ثم العراق، وها هي أميركا قد سحبت كامل قواتها من أفغانستان تقريباً، كما أكد الرئيس الأميركي، جو بايدن، نهاية الشهر الماضي أن بلاده ستنهي مهمتها القتالية في العراق بحلول نهاية العام الحالي، مع استمرار بعض قوات تتولى تدريب الجيش العراقي وإمداده بالاستشارات العسكرية.
وأثار بروس هوفمان، الكاتب الأميركي والأستاذ في «كلية والش للخدمة الخارجية» بجامعة جورج تاون، وخبير مكافحة الإرهاب والأمن الداخلي في «مجلس العلاقات الخارجية الأميركي»، سؤالاً جوهرياً في هذا الشأن، عن التغير الذي يمكن أن يكون قد طرأ على التهديد الذي يمثله الإرهاب بعد 20 عاماً من «هجمات سبتمبر».
ويرى هوفمان، في تحليل نشره «مجلس العلاقات الخارجية»، أن الرد الأميركي على «هجمات سبتمبر» حقق نجاحات بارزة، وأيضاً إخفاقات كارثية، وأنه «مع ذلك؛ فإن التهديد الإرهابي الأخطر حالياً داخلي وليس خارجياً».
وفي معرض حديثه عن تنظيم «القاعدة» وفروعه والتهديد الذي يشكله لأميركا والعالم، قال هوفمان: «ليست (القاعدة) اليوم كما كانت قبل عقدين، فقد مات أسامة بن لادن؛ مؤسسها وزعيمها منذ سنوات. وبعيداً عن بعض الاستثناءات المهمة، مثل أيمن الظواهري خليفة بن لادن، وسيف العدل الضابط السابق في الجيش المصري والخليفة المحتمل للظواهري، لقي تقريباً جميع قادة (القاعدة) حتفهم، أو جرى اعتقالهم. فقد قتل 7 من كبار قادة التنظيم منذ 2019، ويتردد حاليا أن الظواهري نفسه يعاني من تدهور حالته الصحية».
ولسوء الحظ؛ لا تزال الآيديولوجية والدوافع التي يتبناها التنظيم قوية، كما كانت دائماً. وعلى سبيل المثال، فإن عدد الجماعات الإرهابية المتطرفة التي تصنفها وزارة الخارجية الأميركية منظمات إرهابية أجنبية أصبح 4 أمثال ما كانت عليه الحال عقب «11 سبتمبر».
ويشير أحدث تقرير لفريق المراقبة التابع للأمم المتحدة إلى أن «(القاعدة) تنمو في قارة أفريقيا دون عائق، والتنظيم قد رسخ أقدامه في سوريا، وهو يوجد الآن في 15 ولاية أفغانية، على الأقل، فضلاً عن علاقاته المتواصلة مع حركة (طالبان) المسلحة».
وحول ما يتعلق بالنجاحات الأعظم، والإخفاقات التي سجلتها أميركا في مكافحتها للإرهاب على مدار 20 عاماً، يرى هوفمان أن «النجاح الأول كان إحباط جميع محاولات (القاعدة) لتنفيذ هجمات أخرى داخل أميركا، بحجم (هجمات سبتمبر). أما وجه الفشل الأسوأ، بلا أي شك، فقد كان غزو العراق في عام 2003، والذي شهد تحويل موارد أساسية بعيداً عن جهود القضاء على (القاعدة في جنوب آسيا)، في أفضل فرصة أتيحت لذلك. كما أسفر غزو العراق، عن غير قصد، عن سلسلة من الأحداث التي أدت بدورها إلى ظهور تنظيم (داعش)، والذي يمثل نسخة من (القاعدة) أكثر عنفا وانفلاتاً».
وعلى المستوى الأسوأ؛ «يتعين القول إنه في إطار الرد على (هجمات سبتمبر)، وفي سعيها للدفاع عن البلاد ضد التعرض لمزيد من الهجمات، أساءت واشنطن لبعض القيم ومبادئ العدالة الأميركية الأساسية، ومن الأمثلة على ذلك معتقل غوانتانامو، والمواقع السوداء للاستخبارات الأميركية، و(سجن أبو غريب) في العراق».
وعن أهم التحولات التي شهدها جهاز الأمن القومي الأميركي منذ 2001، قال هوفمان إن «البيروقراطية الواسعة في مكافحة الإرهاب، والتي نشأت عقب (هجمات سبتمبر) كانت التحول الأكبر، والأكثر رسوخاً. وعلى سبيل المثال، كشف تحقيق أعدته صحيفة (واشنطن بوست) في عام 2010 عن وجود أرخبيل هائل لمكافحة الإرهاب يضم نحو 1271 كياناً حكومياً و1931 من الشركات الخاصة».
ويقول هوفمان إنه «بالنسبة لحماية أي بلد ضد الهجمات الإرهابية، يتعين تقدير ما يكفي لتحقيق ذلك. وتشير الدلائل إلى أن أميركا ربما بالغت في رد الفعل على (هجمات سبتمبر)، من خلال التكرار، أو منح صلاحيات واسعة لهيئات مختلفة».
والأمر المؤسف، في نظر هوفمان، هو أن «التهديد الإرهابي الذي تواجهه الولايات المتحدة قد صار داخلياً، بعدما كان خارجياً لنحو عقدين بعد (11 سبتمبر)، وهو ما ظهر جلياً في أعمال الشغب التي استهدفت مبنى الكونغرس الأميركي (الكابيتول) في 6 يناير (كانون الثاني) 2021، ولكن التهديدات التي يشكلها تنظيما (القاعدة) و(داعش) لم تنته بعد».
وتتضمن «الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الإرهاب لعام 2018»، و«الاستراتيجية الوطنية الأولى على الإطلاق في أميركا لمكافحة الإرهاب الداخلي»، الصادرة في يونيو (حزيران) 2021، تفسيرات واضحة للنهج المتكامل، الضروري لحماية البلاد من الإرهاب.
ويحذر هوفمان في ختام تحليله من أن «الانقسامات الحزبية المريرة في أميركا، قد تقوض تنفيذ استراتيجية محكمة لمكافحة الإرهاب، حيث لم تعد هناك عناصر الوحدة والهدف المشترك والمصير المشترك، التي وحدت الصفوف عقب (هجمات سبتمبر)، بل على النقيض من ذلك، يمكن لمناخ الاستقطاب السياسي الحالي أن يصيب الحكومة بشلل فعلي فيما يتعلق بالاستعداد للجيل المقبل من التهديدات.
كيف تغيرت التهديدات الإرهابية بعد 20 عاماً من «هجمات سبتمبر»
كيف تغيرت التهديدات الإرهابية بعد 20 عاماً من «هجمات سبتمبر»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة