«الحشد الشعبي».. الولاء المزدوج

تأسست بفتوى من السيستاني لمقاتلة «داعش».. لكن انتهاكاتها حيرت العراقيين فتساءلوا: من العدو

«الحشد الشعبي».. الولاء المزدوج
TT

«الحشد الشعبي».. الولاء المزدوج

«الحشد الشعبي».. الولاء المزدوج

خلال حضوره جلسة برلمانية سابقة، كشف رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي عن تعاون من نوع جديد بين جماعات أو فصائل مسلحة عابرة للطائفية. وفي سياق تحليله لقضية اختطاف النائب في البرلمان العراقي زيد الجنابي مع عمه الشيخ قاسم سويدان الجنابي (سني) من قبل ميليشيات شيعية، ومن ثم مقتله مع نجله وإطلاق سراح النائب، قال العبادي إن التحقيقات التي تجريها جهات أمنية في هذه الحادثة تشير إلى أن هناك أكثر من طرف متورط بهذه الحادثة، في إطار خلط الأوراق أمام المواطن العراقي الذي لم يعد يعرف من هو العدو.
ومع أن تلك الحادثة أدت إلى تعليق تحالف القوى العراقية (الكتلة السنية في البرلمان) مشاركته في جلسات البرلمان احتجاجا على ما عدته انفلاتا أمنيا وعدم قدرة الحكومة على السيطرة على الأوضاع بسبب انتشار السلاح بيد الميليشيات إلا أن العبادي وإن لم يقل كل شيء إلا أنه أضاف، ربما دون أن يقصد، هما جديدا إلى هموم العراقيين عندما اعترف بوجود جماعات جديدة خارجة عن القانون.

رئيس الوزراء العراقي والقائد العام للقوات المسلحة حيدر العبادي يسعى جاهدا لإجراء عملية فك ارتباط بين عناصر الحشد الشعبي وفصائله، وبين ما يشاع عما تقوم به الميليشيات التي كثيرا ما تختلط صورتها المشوهة في ذهن المواطن العراقي مع الحشد الشعبي الذي تحاول الحكومة والطبقة السياسية العراقية لا سيما الشيعية منها رسم صورة جيدة عنه.
العبادي وفي إطار مداخلة برلمانية أكد أن الحشد الشعبي مؤسسة عراقية ضمن منظومة الأمن الوطني العراقي. لكن العبادي اعترف في المداخلة ذاتها بوجود من وصفهم بالمندسين الذين «يحاولون الإساءة إلى انتصاراتنا بارتكاب جرائم على أمن المواطنين». ومع أن العبادي وصف الجرائم المرتكبة بأنها خطيرة إلا أنه هاجم في الوقت ذاته من يحاول «استغلال هذه التجاوزات أبشع استغلال بالكذب ونرى هذا في مواقع التواصل الاجتماعي هناك تزوير في محاولة للإساءة لقواتنا».
هذه النظرة انسحبت على سير المعارك التي يقوم بها الجيش العراقي وفصائل الحشد الشعبي في المحافظات الغربية ذات الغالبية السنية من العراق على إثر احتلال تنظيم داعش لمحافظات نينوى وصلاح الدين وأجزاء واسعة من الأنبار حيث كان ولا يزال «الحشد الشعبي» ويضم المتطوعين الشيعة هو العنوان الأبرز لهذه المواجهة مع تنظيم داعش. وفي الإطار أيضا مقاتلون من أبناء نفس المحافظات تحت مسميات كان الأبرز فيها هم «ثوار العشائر» يقاتلون «داعش» أيضا، وبالتالي بدا عنوان المواجهة في بعض صفحاته طائفيا. وقد جرت بالفعل سلسلة انتهاكات تحت هذا العنوان الطائفي في عدة مناطق من هذه المحافظات.

* انتهاكات ممنهجة

* يعترف عضو البرلمان العراقي عن محافظة صلاح الدين مشعان الجبوري في حديثه لـ«الشرق الأوسط» عن وجود «حالات انتقام حصلت أثناء عملية تحرير مدن محافظة صلاح الدين.. ورغم أننا حذرنا ودعونا إلى المزيد من الدقة لكن من غير المعقول ضبط أعداد هائلة وبعضها لديها حس انتقامي مسبق لأسباب مختلفة».
يضيف الجبوري قائلا إن «هناك عمليات اعتقال حصلت في الدور وعندما سألنا الجهات المعنية قالوا إن الذين جرى اعتقالهم وعددهم لا يزيد عن المائة إنما تم لأغراض التحقيق معهم كونهم استمروا في البقاء مع (داعش) ولم يخرجوا الأمر الذي جعل الشبهات تحوم حولهم» مبينا أن «أحدا لا يعرف متى يطلق سراحهم أو سيعاقبون أننا في كل الأحوال نريد للعملية أن تجري بطريقة سليمة». لكن رئيس لجنة حقوق الإنسان في البرلمان العراقي أرشد الصالحي يقول لـ«الشرق الأوسط» إنه يسمع بمثل «هذه الانتهاكات وقد تم تشكيل لجان متابعة لها ولكن اللجنة لم تتلق حتى الآن أية شكوى بهذا الشأن سواء من قبل مواطنين هناك قيل إن دورهم أحرقت أو قتلوا ولا حتى من قبل نواب صلاح الدين».

* الأزهر يندد

* وإذا كانت عمليات ما عرف بالانتقام في معركة صلاح الدين قد حملت الأزهر على إصدار بيان تنديد بما اعتبره عمليات انتقام ضد أهل السنة فإن التداخل بين متطوعين شيعة يعترف العبادي بأن فيهم «مندسون» لأغراض الانتقام وبين عشائر سنية اختلفت مع بعضها بسبب «داعش»، وبالتالي حصلت عمليات انتقام متبادلة بينها خصوصا في منطقة البوعجيل، حيث يقول نائب رئيس اللجنة الأمنية في مجلس محافظة صلاح الدين خالد الخزرجي في حديث لـ«الشرق الأوسط» إن «الممارسات والانتهاكات في هذه المناطق أو سواها من مناطق صلاح الدين أو الأنبار أو نينوى هي تلك التي قام بها تنظيم داعش عبر عمليات الحرق والتفخيخ والتفجير».
وأضاف الخزرجي أن «هناك مواطنين قام تنظيم داعش بحرق منازلهم وتهجير عوائلهم وقد بدأت بعض عمليات الانتقام بين أبناء المنطقة الواحدة». مع ذلك فإن محافظة ديالى كانت هي العنوان الأبرز للانتهاكات خلال الشهور الماضية. وهنا يرى الشيخ مازن الخيزران شيخ قبيلة العزة في محافظة ديالى حيث وقعت فيها «مجزرة بروانة» في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إن «القبائل السنية في ديالى تقع اليوم بين مطرقة الميليشيات وسندان تنظيم داعش». ويضيف الخيزران: «ديالى واقعة بالفعل تحت تأثير (داعش) من جهة والميليشيات المسلحة من الأحزاب والقوى الشيعية من جهة أخرى غير أن ما يمكن قوله بهذا الصدد أن المعادلة غير متكافئة لأن الجماعات الشيعية المسلحة تملك غطاء حكوميا للتحرك بينما تبدو القاعدة و(داعش) وكل الفصائل السنية المسلحة مطاردة بوصفها حركات إرهابية وهو ما جعل عشائرنا ضحية للطرفين معا».
وفي السياق نفسه يرى الناشط السياسي في محافظة ديالى تراث محمود في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إن «محافظة ديالى وإن كانت ذات أغلبية سنية لكن هناك هيمنة مشتركة شيعية - كردية على مفاصل القرار في المحافظة، وهو ما أدى إلى احتقان مضاعف ومع تراجع هذا الدور فقد تم تأسيس صحوات في بعض المناطق لغرض مسك الأرض لكن الحكومة شنت حملة كبيرة ضد الصحوات وحولتها إلى خصم، الأمر الذي انعكس على وضع العرب السنة في المحافظة الذين بدأوا يتذمرون ويبحثون عن أية قوة يمكن أن تخلصهم من هذا الواقع المزري، وهو ما استثمرته الميليشيات الخارجة عن القانون التي تستر الكثير منها بالحشد الشعبي وراح يمارس عمليات قتل وخطف واغتصاب بالإضافة إلى عملية هدم للمساجد السنية التي تم تدمير العشرات منها من قبل هذه الميليشيات».

* الحشد الشعبي.. ولاء مزدوج

* جاء تأسيس الحشد الشعبي على أثر الفتوى التي أصدرها المرجع الشيعي الأعلى آية الله العظمى علي السيستاني في الثالث عشر من يونيو (حزيران) عام 2014 بعد أيام قلائل من احتلال الموصل وصلاح الدين من قبل تنظيم داعش. وعلى إثر هذه الفتوى أعلن مئات آلاف المتطوعين الشيعة من كل الأعمار تطوعهم وهو ما حمل الحكومة العراقية آنذاك إلى تشكيل مؤسسة أطلق عليها «مؤسسة الحشد الشعبي» جرى ربطها بمستشارية الأمن الوطني التي يترأسها مستشار الأمن الوطني فالح الفياض. وفي السياق نفسه فقد وجدت الجماعات والميليشيات والفصائل المسلحة الشيعية نفسها ملزمة بين الاستجابة للفتوى من جهة وبين تحريك عناصرها لمواجهة تنظيم داعش الذي أعلن الحرب على هذه الفصائل سواء بشكل مباشر أو من خلال تهديده للأماكن والعتبات الدينية المقدسة لدى الشيعة وهي حصر مراقد الأئمة سواء في مدينة سامراء التي يحاصرها التنظيم حتى اليوم أو مدن بغداد وكربلاء والنجف. ليس هذا فقط فإن الكثير من هذه الفصائل تقلد مراجع دين شيعة مختلفين، وبالتالي هي ليست ملزمة نصا بفتوى السيستاني لكن الإطار العام لانضمامها إلى الحشد الشعبي جاء في إطار تلبية الدعوة للفتوى. ولفك الاشتباك بين بعض المفاهيم الدينية في إطار مثل هذه الفتاوى كيفية الإلزام بها يقول الأستاذ في الحوزة العلمية حيدر الغرابي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن «ما صدر عن السيد السيستاني فتوى صريحة لأن هناك تهديدا حقيقيا وجديا لا سيما كانت هناك دعوات صريحة من الجماعات الإرهابية بالتوجه إلى المدن المقدسة واستباحتها، فضلا عن أن العراق الآن كله بات مهددا». وأضاف أن «الأمر أصلا لم يكن بحاجة إلى فتوى لأن الدفاع عن الوطن قضية مقدسة ملزمة للجميع، لكن ما يجب لفت الانتباه إليه أن فتوى المرجع حددت الآليات والسياقات وهي بمثابة تعليمات ملزمة لأن المرجعية الدينية تعرف واقع الحال جيدا وبالتالي فإنها تقف على مسافة واحدة من الجميع، موضحا أن «هناك المزيد من التعليمات كانت قد صدرت عن المرجعية بشأن كيفية التعامل مع المواطنين من أبناء تلك المناطق والأهم أن يكون المتطوعون والحشد الشعبي تحت إمرة المؤسسة العسكرية». وفي وقت سعى فيه مرجع ديني مثل السيستاني فك الاشتباك بين ما هو ديني وتحديدا مذهبي وبين الوطن باعتبار الدفاع عنه قضية ملزمة من قبل جميع المواطنين فإن عملية فك الاشتباك بدت صعبة بين من يوالي هذا المرجع الديني أو ذاك من بين المتطوعين، علما أن بعض هؤلاء المراجع إما غير عراقيين أصلا «محمود الشاهرودي مثلا» أو يعيشون خارج العراق منذ عقود «كاظم الحائري مثلا» وبين قدسية الدفاع عن الوطن فإن ما يجري في ساحات القتال إنما هو نوع من تداخل الخنادق والولاءات. وفي الوقت الذي يضم الحشد الشعبي مئات آلاف المتطوعين من عامة المواطنين الشيعة ممن لا يرتبطون رسميا بأي فصيل من الفصائل المسلحة المعروفة لكن من الأهمية بمكان التعريف بأهم الفصائل التي يتكون منها الحشد الشعبي وهي أولا: سرايا السلام ولواء اليوم الموعود والتابعة للزعيم الشيعي مقتدى الصدر والتي كانت تسمى «جيش المهدي» الذي سبق للصدر أن جمده منذ عام 2007 أكثر من مرة. وفي عام 2004 وعلى إثر احتلال الموصل من قبل تنظيم داعش أعلن الصدر عن تأسيس سرايا السلام كجزء من عملية الدفاع عن العراق وحدد مهمتها الأصلية في الدفاع عن مرقدي سامراء. لكن الصدر عاد وأعلن تجميد هذا الفصيل مؤخرا على إثر مقتل الشيخ قاسم سويدان واتهامه الصريح لما أسماه بـ«الميليشيات الوقحة» في عملية الاختطاف فإنه عاد وأعلن الأسبوع الماضي عن إعادة تشكيله ولكنه ربطه هذه المرة بالجيش بالكامل ويتلقى أوامره من القائد العام للقوات المسلحة حيدر العبادي. وتضم سرايا السلام عدة آلاف من المقاتلين. ثانيا: منظمة «بدر» (الجناح العسكري) التي انشقت عن المجلس الأعلى الإسلامي قبل نحو 3 سنوات. وتضم «بدر» أكثر من 10 آلاف مقاتل مدربين جيدا وهم الأكثر تنسيقا مع إيران. ويتزعم «بدر» هادي العامري، الذي كثرت إشاداته في الآونة الأخيرة بقائد فيلق القدس الإيراني الجنرال قاسم سليماني إلى حد أنه طالب بإقامة تمثال له في بغداد. ثالثا: كتائب حزب الله وتضم آلاف المقاتلين ولا تعرف لها قيادة واضحة. رابعا: عصائب أهل الحق وكانت قد تاسست عام 2007 بعد انشقاقها عن جيش المهدي ويتزعمها قيس الخزعلي وتعد أكثر الفصائل الشيعية نفوذا لا سيما بعد أن قربها رئيس الوزراء السابق نوري المالكي كثيرا. خامسا: حركة حزب الله «النجباء» وهي إحدى الفصائل التي انشقت عن العصائب. سادسا: كتائب سيد الشهداء وتضم نحو 3 آلاف مقاتل. سابعا: سرايا عاشوراء وهي الجناح العسكري للمجلس الأعلى الإسلامي بزعامة عمار الحكيم وتضم عدة آلاف من المقاتلين. ولعل السؤال الذي يطرح نفسه هنا إلى أي مدى ترتبط هذه الجهات بإيران؟ على هذا السؤال يجيب الأكاديمي ورجل الدين الشيعي عبد الحسين الساعدي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» بالقول إن «العلاقة مع إيران سواء على صعيد الحشد الشعبي أو بشكل عام مع الطبقة السياسية العراقية شديدة الالتباس، فمن ناحية إيران وباعتراف الحكومة العراقية تساعد العراق ضد تنظيم داعش، سواء كان بالسلاح والمال والخبراء الذين هم بمستويات عالية جدا يتقدمهم قائد فيلق القدس نفسه قاسم سليماني.
ومن ناحية أخرى فإن للكثير من فصائل الحشد الشعبي علاقات متميزة مع إيران والكثير منها تتلقى مساعدات مالية وحتى عسكرية مبينا أن «العلاقة مع إيران تبدو هذه المرة مختلفة، ذلك أن وجود إيران في العراق وعلاقتها المباشرة مع القيادات العراقية لا سيما الشيعية منها يجعل من هذه الفصائل أكثر انضباطا حتى على صعيد الصلة مع الجهات الأمنية». وأكد الساعدي أن «الثقل الإيراني واضح الآن وبالتالي فإنها قادرة على التعامل مع هذه الجهات سواء بشكل مباشر حين تريد أو عن طريق الجهات العسكرية في حال وجدت أن ذلك أنفع لها». على صعيد متصل فإنه وفي ضوء هذه الأمور فإن سؤالا آخر يطرح نفسه وهو هل يرتبط الحشد الشعبي سواء بوصفه مؤسسة وطنية مثلما قال العبادي أو فصائل وكتائب مسلحة بالجيش أم لا؟ عن هذا السؤال يقول ضابط عراقي رفيع المستوى برتبة عميد ركن في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، طالبا عدم الإشارة إلى اسمه أو هويته إن «العلاقة غير واضحة المعالم وإذا شئنا الدقة هي علاقة تنسيقية أكثر منها تكاملية، فالحشد الشعبي متعدد القيادات رغم ارتباطه بالأمن الوطني وفي جبهات القتال يجب أن يكون مرتبطا بالمؤسسة العسكرية لكن دخول قيادات سياسية كبيرة تقود الحشد وهي رسميا أكبر من كل القيادات العسكرية المحترفة جعل العملية تأخذ جانب التنسيق وليس التبعية». وأضاف الضابط العراقي أن «من المسائل التي لا بد من الاعتراف بها هي أن الحشد الشعبي يقاتل بطريقة استثنائية حين يتلقى أوامره من مراجعه الدينية أو السياسية كما أنه في الغالب يتقدم الصفوف وهي إحدى الميزات الهامة له».



يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.