الفنانة المغربية الهولندية لاروسي: حلمي الغناء للشعب العربي

تصور مقطعي فيديو مع المخرج عادل سرحان رغم المعاناة

الفنانة المغربية الهولندية لاروسي
الفنانة المغربية الهولندية لاروسي
TT

الفنانة المغربية الهولندية لاروسي: حلمي الغناء للشعب العربي

الفنانة المغربية الهولندية لاروسي
الفنانة المغربية الهولندية لاروسي

وصل من الفنانة المغربية الهولندية لاروسي بريد يشبه الاستغاثة: «الوضع صعب وأنا مصدومة. بالكاد أغادر الفندق. الناس يعانون: لا كهرباء ولا بنزين. الشوارع مظلمة ليلاً وبعض الطرقات مقطوعة». أهلاً ومرحباً بالضيفة في لبنان! ورحم الله زمناً كان فيه بجوار القمم، وهو اليوم طريح المنخفضات. ترفق لاروسي الشكوى بامتنان: «أحاول التواصل مع فريق عملي، وكل يوم أواجه مشكلة. الاستوديو مقفل لنفاد المازوت ولا نرى بعضنا البعض. دعمي هائل للبنان وشعبه. تعلمنا السعادة والإيجابية من شعب لا يعرف المستحيل». شكراً على المعنويات. وعلى اللطف والتحمل. الرجاء إخبار «الشرق الأوسط» بكل شيء. عنك، عن النشأة والأوطان، وسلة الأحلام.
لا تبدو لاروسي سيئة النية وهي تطلق صرخة رفض المقتلة اللبنانية، فالحديث معها يبين إنسانة حساسة، متألمة على بلد هو في ذاكرتها وطن فيروز وأرض الإلهام. أتت لتسجل أغنيتين جديدتين مع المخرج عادل سرحان، وقد جمعها اللقاء الأول به في لوس أنجليس. «أنا هنا للعمل»، ومن يتحدث معها يدرك أنها لا تمزح. الشابة جدية، لديها طموح وأفكار. أحد أحلامها: أن يتعرف إليها الجمهور العربي أكثر. تقيم حالياً في دبي، وقد وجدت في الإمارة أغلى عطاءين: الانتماء والطمأنينة.
تتعامل مع الكاتب فادي الأسعد لإضافة كلمات بالعربية على أغنياتها: «أردت صناعة مزيج بين اللغتين». تتمرن أيضاً مع مصممة رقص وتدرس العربية لساعتين يومياً. بيروت للاجتهاد والعمل، رغم اللعنات.
تقيم لاروسي في فندق بقلب العاصمة، وتصطدم ببعض ما يطحن الأنفاس على مدار الوقت: استحالة الاستمرار. لا يجدي تكرار ما ورد في بريدها الإلكتروني سوى حك الجرح وتركه من دون دواء. الأفضل، الانتقال إلى النشأة. أخبرينا عن الجذور وخليط الحضارات. رائع بالنسبة إليها المزج بين العوالم: «ترعرعت بين حضارتين جميلتين: الهولندية والمغربية. ثقافتان تغنيان حياتي. أخذت من أمي وأبي أجمل ما فيهما. العقلية الأوروبية واضحة ومباشرة في التعاطي مع الآخرين، سواء في المحادثات أو العمل. العقلية العربية تختلف كلياً. ربما لاختلاف الطبيعة والأرض. أحب في العرب الصفاء وطيبة القلوب. هذه الفضائل مدهشة».
تحتفل منذ صغرها بعيد الميلاد وأيضاً بعيد الأضحى. وعندما بدأت بصناعة الموسيقى، شاءت النفس الميل إلى دمج البوب بالإيقاعات العربية. كما دمج عيدا الميلاد والأضحى فيها. «هكذا تربيت، وهذه أنا اليوم».
عملت في لوس أنجليس مع فيليب لورانس الحاصل على «غرامي» لتسع مرات. تتحدث عن «فريق عمل حالم» يرافق خطواتها. «لطالما كان حلمي التعامل مع هؤلاء العظماء في أميركا»، تقول لاروسي، والأحلام تشترط الاقتران بالأفعال. بالنسبة إليها، «كانت مجازفة» أن تترك عائلتها وأصدقاءها في هولندا وتنتقل للعمل «مع غرباء في مكان آخر». لكنها قررت السفر ومطاردة الآفاق. «الناس في أميركا مختلفون كثيراً عنا. مرات عدة شعرت بالوحدة». تكمل وصف العمل في عمق لوس أنجليس بما يشبه «اللا لالاند»، فالجميع هناك يريد أن يصبح «سوبر ستار». أعاد العيش في دبي الراحة والسكينة إلى قلبها: «رحب بي الشعب العربي وجعلني أشعر كأنني في وطني. هناك اكتشفت شوقي لأن أكون محاطة بمن يمثلني».
تتذكر هولندا: «عشت فيها لسنوات. هي المكان الذي حققت فيه نجاحاتي. قمت بجولات وعروض وحفلات وحصدت أصداء جميلة». حياتها أسفار. في الولايات المتحدة، اكتشفت لاروسي ذاتها. عملت على أغانٍ جديدة لقراءة نفسها من الداخل. تشعر بالفخر وهي تتحدث عن أغنية «Lost». أطلقتها في العام 2018 وحازت نجاحاً في لائحة «بيلبورد دانس». بعدها التقت بالمخرج اللبناني عادل سرحان في لوس أنجليس وعادت إلى دبي لتسجيل فيديو عن القطة والفأر. «كان بداية انطلاقتي لحياة جديدة في الشرق الأوسط». لكن ما حجم هذا الحضور؟ «حتى الآن حضوري ليس كبيراً في العالم العربي. لا أزال مبتدئة وأطلق أغنياتي ببطء. لكني مستمتعة بهذه المغامرة الجديدة. أينما حللت في العالم العربي، أشعر كأنه بيتي. متحمسة للغناء للشعب العربي ومشاركته حب الموسيقى الخاص بي».
تحمل الكثير من طفولتها: «عائلتي من أجمل العائلات، تدعمني دائماً. وعشت طفولة رائعة. في الصيف، كنا نذهب لزيارة عائلة أبي في المغرب. وهي بأكملها تمارس رياضة الركض. ظللت أركض لمدة 10 سنوات، وحصلت على جوائز في مسابقات. في النهاية، ينبغي الاختيار ما بين الركض والغناء. اخترت الغناء. الطريقة التي نشأت فيها بين عائلتي كانت مذهلة. ممتنة للفرص التي أتيحت لي».
لها أختان متزوجتان: «هما صديقتاي المقربتان». ترفض أن يحدد لها أحد انتماءها ويحاول وضعها في زاوية: «أنتمي إلى حضارتين، وأنا مزيج منهما. يضيف هذان العالمان أشياء ثمينة إلى حياتي كل يوم. لدي أحلام كبيرة، واحد منها أن أغني للشعب العربي في الشرق الأوسط وأتعرف على العالم بطريقة أفضل من خلال السفر. الحلم الأكبر، هو الغناء مع فنان عربي. أحب الموسيقى هنا، وسماع غناء وائل كفوري. أغنياته جميلة وصوته عظيم».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».