وزير خارجية البحرين و{إم بي سي} في قائمة الفائزين بقمة رواد التواصل الاجتماعي في دبي

دعوات للاستفادة من مواقع الانترنت بالتغير الإيجابي في الدول العربية

الشيخ خالد بن احمد آل خليفة وزير خارجية البحرين يتسلم جائزته من الشيخ محمد بن راشد أمس ({الشرق الأوسط})
الشيخ خالد بن احمد آل خليفة وزير خارجية البحرين يتسلم جائزته من الشيخ محمد بن راشد أمس ({الشرق الأوسط})
TT

وزير خارجية البحرين و{إم بي سي} في قائمة الفائزين بقمة رواد التواصل الاجتماعي في دبي

الشيخ خالد بن احمد آل خليفة وزير خارجية البحرين يتسلم جائزته من الشيخ محمد بن راشد أمس ({الشرق الأوسط})
الشيخ خالد بن احمد آل خليفة وزير خارجية البحرين يتسلم جائزته من الشيخ محمد بن راشد أمس ({الشرق الأوسط})

دعا مجتمعون من النشطاء العرب في مواقع التواصل الاجتماعي إلى الاستفادة من إيجابيات تلك المواقع، وتفعيلها بشكل أكبر، والاستفادة منها بالتغير الإيجابي بما يخدم القضايا العربية، في الوقت الذي نادى فيه المجتمعون بدعم اللغة العربية لتعزيز استخدامها في الحياة العامة.
وشدد الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، على أهمية ترسيخ الركائز الرئيسية للرؤية المستقبلية لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي بالشكل الأمثل وفق نهج متكامل وشامل عبر زيادة التأثير الإيجابي وتشجيع التفاعل البنّاء عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والتحفيز على التفكير الإبداعي لتطوير القطاعات المختلفة في المجتمع، والاستفادة من تبادل الآراء والخبرات على الصعيد المحلي والعربي والعالمي.
وأضاف الشيخ محمد بن راشد، خلال تصريحات على هامش حفل تكريم الفائزين بجائزة رواد التواصل الاجتماعي العرب، أن «قمة رواد التواصل الاجتماعي العرب بما تحمله من أفكار ورؤى مبتكرة تؤسس لمرحلة جديدة في التعامل مع وسائل الإعلام الاجتماعي، كما أنها ترسخ إلى نهج جديد يقوم على التوظيف الإيجابي والاستفادة الكاملة من قدرات الشباب وخبراتهم في تحقيق الفائدة والتطور المطلوب للمجتمع العربي الذي يحتاج من الجميع إلى العمل جنبا إلى جنب لتخطي التحديات الحالية التي يواجهها». وشهدت مدينة دبي الإماراتية أمس انطلاق فعاليات قمة رواد التواصل الاجتماعي العرب في دورتها الأولى، بمشاركة 1500 ناشط من المؤثرين العرب في مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تختتم أعمالها اليوم. وأظهر تقرير «وسائل التواصل الاجتماعي في العالم العربي»، الذي أطلق أمس في القمة، أن مواقع التواصل الاجتماعي الأكثر استخداما هي «فيسبوك» و«واتسآب»، في الوقت الذي جاء فيه موقعا «تويتر» و«إنستغرام» في المرتبة الثانية، مع وجود اختلافات في معدلات الاستخدام بين الدول وتفاوتها بالنسبة لوسائل التواصل الاجتماعي، والذي يعود إلى تفاوت اهتمامات أفراد المجتمع في كل بلاد.
من جهته، قال الشيخ خالد بن أحمد بن محمد آل خليفة، وزير خارجية البحرين، إن «وجود مواقع التواصل الاجتماعي شيء إيجابي، وإن لها من السلبيات نصيبا حالها كحال أي شي في هذا العالم»، واصفا إيجابيات تلك المواقع بالعظيمة والتي يجب أن تستغل بما يعود بالفائدة على المجتمع العربي.
وبين وزير الخارجية البحريني، في حديث لـ«الشرق الأوسط» أمس على هامش القمة «يمكن لتجمع رواد التواصل الاجتماعي العربي من خلال القمة التي تعقد في دبي تقريب الشعوب العربية»، داعيا إلى تفعيل المشاركة الإيجابية من خلال النقاش الإيجابي عبر مفهوم الوسم أو «الهاشتاغ»، في الوقت الذي شدد فيه على ضرورة استخدام اللغة العربية، والتي يجب أن تكون رئيسية في تلك المواقع. وتابع «إيجابيات مواقع التواصل الاجتماعي أكثر من سلبياتها، ولا ننظر للسلبيات، وكل مجال تعمل فيه سلبيات كما فيه إيجابيات، وإذا كنا ننظر للسلبيات بشكل أكبر فإننا سنخسر مواقع التواصل الاجتماعي».
وأكد الشيخ خالد بن أحمد، الذي فاز بجائزة أفضل شخصية سياسية في جوائز القمة التي وزعت أمس، أن مواقع التواصل الاجتماعي أوجدت عالما افتراضيا، لكن الصحيح سينعكس على الواقع في نهاية الأمر، والشخصية ستظهر على حقيقتها، سواء كانت صادقة أو كاذبة. وقال «أن أتعامل مع شخص يتواصل باسمه الحقيقي أهم بكثير من أن يتخذ الأسماء المستعارة».
وبالعودة إلى التقرير حول مواقع التواصل الاجتماعي في العالم العربي فإن موقع «فيس بوك» يعد أكثر وسيلة تواصل اجتماعي تفضيلا بنسبة 39 في المائة، حيث ذكر 2 من بين كل 5 مستخدمين في العالم العربي أن «فيسبوك» هو وسيلة التواصل الاجتماعي المفضلة لديهم، وقد كان مستوى تفضيل «فيسبوك» الأعلى في الأردن بنسبة 63 في المائة، وفي كل من ليبيا وفلسطين كان النسبة 50 في المائة. ومن جهة أخرى كان «فيسبوك» الأقل تفضيلا في كل من السعودية ولبنان بنسبة 24 في المائة لكل منهما، تليهما البحرين بنسبة 26 في المائة.
إلى ذلك، قال الدكتور علي النعيمي، رئيس جامعة الإمارات «مواقع التواصل الاجتماعي تعكس ما نعيشه نحن، وهو المستقبل، وعند استخدام تلك المواقع فإننا نعبر في الحقيقة عن أحلامنا وهمومنا وآمالنا وأهدافنا، وننقل واقعنا الحقيقي بمعاناته ومشكلاته بالتحديات التي تواجهنا إلى عالم نستطيع أن نتفاعل معه ونتعامل بكل شفافية ومن دون قيود الآخرين علينا».
وحول تفوق الإيجابيات أو السلبيات في مواقع التواصل الاجتماعي قال النعيمي، في حديث لـ«الشرق الأوسط» على هامش القمة «هي ترجع للمستخدم وعلى المتفاعل مع هذه الحقيقة، ومثل أي شيء تتعامل معه هناك سلبيات أو إيجابيات.. مواقع التواصل الاجتماعي هي واقع نعيشه، ولا بد أن نحسن التعامل معها، ونحسن استثمارها، ونحسن التفاعل معها.. أيضا هناك جانب سلبي، كما هي السيارة، يمكن أن توصلك إلى أي مكان تريده وقد تكون أداة قتل في حال تم استخدامها بشكل سيئ». وأكد أن القضية في مواقع التواصل الاجتماعي أنهم بحاجة لتفعيل القانون في العالم، وأن الأحداث التي تجري الآن، وبالذات ما يحدث في مواقع التواصل الاجتماعي، أصبحت سابقة للتشريع، ولذلك الدول تحاول حاليا أن تلاحق تلك المواقع بالتشريعات، حتى في الغرب.
وعن وصول التنظيمات الإرهابية والمتطرفة لاستخدام تلك المواقع قال النعيمي «إساءة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي سواء من التنظيمات الإرهابية أو المتطرفة تمثل تحديا كبيرا، وبالعكس في الحقيقة استطاع المتطرفون أن يستخدموها أكثر من الحكومات لأنهم أحسنوا استخدامها والترويج لهم، وبالتالي يجب أن نبادر ونضع القوانين ونلزم الجميع بتطبيق القوانين ونواجه التحدي لأن هؤلاء مثل الجريمة، كلما عملت الشرطة على تطوير أدوات ملاحقة الجريمة طور المجرمون طرقهم في الجريمة».
إلى ذلك، قال كريس مسينا، مخترع الوسم «الهاشتاغ»، إن أول استخدام للهاشتاغ كان في عام 2007 حين استخدمه مع زملائه المشاركين في منتدى للتكنولوجيا، بهدف إيجاد منصة يتشاركون فيها الحوار والتواصل بسهولة دون الحاجة لإنشاء مجموعات على الإنترنت، وفي 2007 التقط كريس صورة واستخدم معها هاشتاغ لأول مرة حين قام بنشرها على الإنترنت. وبين كريس أن معظم وسائل التواصل الاجتماعي الآن اعتمدت استخدام الهاشتاغ كوسيلة بديلة لإنشاء مجموعات التواصل، مما سهل ومكن الجميع من المشاركة وتبادل الآراء حول مواضيع محددة بكل سهولة ويسر، بعيدا عن الإعدادات المختلفة التي يتطلبها كل موقع لإنشاء المجموعات. وبالعودة إلى التقرير فإنه أشار إلى أن غالبية مشتركي «واتسآب» يستخدمونه يوميا، وقد كانت معدّلات الاستخدام اليومي الأعلى في كل من الجزائر وفلسطين والعراق في حين كان أدنى معدّل في الأردن.

* قائمة الفائزين
* قطاع المؤسسات:
1) الفائز عن فئة الإعلام: مجموعة «MBC» الإعلامية.
2) الفائز عن فئة السياحة: مبادرة «MyDubai».
3) الفائز عن فئة الرياضة: نادي الهلال السعودي.
4) الفائز عن فئة الأمن والسلامة: تطبيق «بيقولك» من مصر.
5) الفائز عن فئة القطاع الحكومي: وزارة الخارجية الإماراتية.
6) الفائز عن فئة التكنولوجيا: مؤسسة «تيك بيلز» السعودية.
7) الفائز عن فئة الصحة: موقع «ويب طب» الأردني.
8) الفائز عن فئة التعليم: خدمة «نفهم» المصرية.
9) الفائز عن فئة الشباب: مؤسسة «ثنك أب» الإماراتية.
10) الفائز عن فئة خدمة المجتمع: «باب رزق جميل».
11) الفائز عن فئة الفنون: بوابة «الحوش» الإلكترونية الأردنية.
12) الفائز عن فئة الاقتصاد: برنامج ريالي الاقتصادي من السعودية.
13) الفائز عن فئة المدونات: مدونة «ذا هايبردس» لآسيا وأحمد من الكويت.
14) الفائز عن فئة الترفيه: قناة «يوتيرن» الترفيهية والمجتمعية السعودية.
15) الفائز عن القطاع الخاص: شركة «كوكاكولا» العالمية.
16) الفائز عن فئة التسوق: موقع «سوق دوت كوم» العربي.
17) الفائز عن فئة البيئة: قناة «ناشيونال جيوغرافيك أبوظبي».
18) الفائز عن فئة ريادة الأعمال: مبادرة فكر جديد الأردنية.
19) الفائز عن فئة السياسة: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.

* الشخصيات الفائزة بجائزة رواد التواصل الاجتماعي العرب:
1) الفائز عن فئة السياسة: الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة، وزير خارجية البحرين.
2) الفائز عن فئة الصحة: د. أنور الحمادي، استشاري ورئيس مركز الأمراض الجلدية التابع لهيئة الصحة في دبي.
3) الفائز عن فئة التعليم: السعودية غادة الغنيم، والملقبة بولية أمر المبتعثين، والمشرف العام وأحد مؤسسي موقع «سعوديون في أميركا».
4) الفائز عن فئة القطاع الخاص: فادي غندور، مؤسس ونائب رئيس مجلس إدارة شركة «أراميكس».
5) الفائز عن فئة الإعلام: تركي الدخيل، مقدم برنامج «إضاءات» في قناة العربية.
6) الفائز عن فئة السياحة: عمر سمرة، أول مصري وأصغر عربي تسلق قمة جبل إيفرست.
7) الفائز عن فئة الرياضة: سامي الجابر، نجم المنتخب السعودي السابق.
8) الفائز عن فئة التكنولوجيا: المغربي أمين رغيب صاحب ومؤسس مدونة «المحترف» التكنولوجية.
9) الفائز عن فئة خدمة المجتمع: فايز المالكي، فنان سعودي.
10) الفائز عن فئة التسوق: أريج الخرافي، رائدة أعمال كويتية.
11) الفائز عن فئة ريادة الأعمال: قسورة الخطيب، والذي يعد من رواد الأعمال والمؤسسين لمشاريع مبتكرة على مواقع التواصل الاجتماعي في السعودية.
12) الفائز عن فئة الاقتصاد: راشد الفوزان، مدير مكاتب محطة «CNBC عربية» بالسعودية.
13) الفائز عن فئة المدونات: مدونة عبد الله الظاهري، والذي أطلقته شقيقته ميرة الظاهري، بهدف التوعية بمتلازمة داون.
14) الفائز عن فئة التسامح والإيجابية: عبد الله المغلوث، معد ومقدم برنامج «يشبهك» على «يوتيوب».
15) الفائز عن فئة الترفيه: بدر الصالح، مقدم برنامج «إيش اللي».
16) الفائز عن فئة القطاع الحكومي: الدكتور توفيق الربيعة، وزير التجارة والصناعة السعودي.
17) الفائز عن فئة الفنون: عبد الرحمن محمد، إعلامي وموسيقي سعودي.
18) الفائز عن فئة الشباب: القطري غانم المفتاح والذي يُلقب نفسه بغانم الرابح دوما، وهو شخصية إيجابية.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)