البرلمان يرد على مطالبة عون بحل أزمة الدعم بالدعوة لتشكيل الحكومة

بري لباسيل: مجلس النواب لا يُهدّد... من يريد الاستقالة فليستقل

رئيس البرلمان نبيه بري خلال جلسة مجلس النواب امس (موقع البرلمان اللبناني)
رئيس البرلمان نبيه بري خلال جلسة مجلس النواب امس (موقع البرلمان اللبناني)
TT

البرلمان يرد على مطالبة عون بحل أزمة الدعم بالدعوة لتشكيل الحكومة

رئيس البرلمان نبيه بري خلال جلسة مجلس النواب امس (موقع البرلمان اللبناني)
رئيس البرلمان نبيه بري خلال جلسة مجلس النواب امس (موقع البرلمان اللبناني)

لم يستجب البرلمان اللبناني أمس لطلب رئيس الجمهورية ميشال عون اتخاذ قرار بشأن خطوة المصرف المركزي رفع الدعم عن المحروقات، حيث ردّ على رسالة عون إلى البرلمان بمطالبته بتشكيل حكومة جديدة والإسراع بتوزيع البطاقة التمويلية وتحرير السوق من الاحتكار.
وكان عون بعث برسالة إلى البرلمان يشكو فيها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، على خلفية قراره برفع الدعم عن المحروقات، متمنياً على النواب اتخاذ القرار المناسب في هذا الخصوص، متهماً سلامة بعدم الرجوع إلى السلطة السياسية قبل أن يتخذ قراره.
وحضرت الملفات الخلافية اللبنانية في جلسة مجلس النواب التي عُقدت أمس لتلاوة رسالة عون، وشهدت سجالاً حول الحكومة والمشاركة فيها، فيما لوّح النائب جبران باسيل بالاستقالة من البرلمان في حال لم يتخذ قراراً، ما دفع رئيس البرلمان نبيه بري للرد عليه بأن مجلس النواب «لا يُهدّد... ومن يريد الاستقالة فليستقل».
وتمثل البطاقة التمويلية إحدى الآليات الرسمية والحلول الموضعية للتخفيف من وقع الضائقة الاقتصادية التي تعاني منها البلاد، بعد تراجع احتياطي مصرف لبنان المركزي من العملات الصعبة التي يستخدمها لتمويل السلع الحيوية المدعومة المستوردة من الخارج بالدولار، وفي مقدمها الطحين والمحروقات والأدوية والمواد الغذائية.
وبعدما أوقف المصرف المركزي دعم المواد الغذائية، وقلص حصة الأدوية من الدعم، أعلن قبل أسبوعين أنه بات عاجزاً عن توفير العملة الصعبة لاستيراد المحروقات، ما أنتج أزمة سياسية واجتماعية، دفعت الرئيس اللبناني لمخاطبة البرلمان لإيجاد حل.
ولم يجد البرلمان حلاً أساسياً إلا بتشكيل الحكومة، بهدف «ملء الفراغ في السلطة التنفيذية، واتخاذ الحكومات لقرارات بينها رفع الدعم وتنفيذ البطاقة التمويلية» التي أقرها البرلمان، ويخطط لأن يتم تمويلها من قروض البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، بهدف تخفيف معاناة اللبنانيين الذين تقلصت قدراتهم الشرائية إلى حد كبير.
ويشهد لبنان انقساماً سياسياً حول موضوع رفع الدعم. ففيما يدفع حزب «القوات اللبنانية» و«الحزب التقدمي الاشتراكي» باتجاه رفع الدعم، يعارضه «التيار الوطني الحر» و«حزب الله»، بينما يصر «تيار المستقبل» و«حركة أمل» على تنفيذ البطاقة التمويلية كشرط أساسي لرفع الدعم.
ولوّح رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل أمس بالاستقالة من مجلس النواب في حال لم يتخذ أية خطوة للإبقاء على الدعم في هذه الظروف. وقال: «على المجلس أخذ قرار اليوم وإلا نحن كأقلية نتساءل إذا كان بقاؤنا فيه ما زال مجدياً». ورد عليه رئيس المجلس نبيه بري بالقول: «لا أحد يهدد المجلس النيابي... من يريد أن يستقيل فليستقل. لا أقبل بأي تهديد للمجلس النيابي على الإطلاق».
وكان باسيل قال خلال جلسة مجلس النواب: «كل ما يجري هو نتيجة الكيدية السياسية، وخصوصاً فيما يتعلق بملف الكهرباء»، في إشارة إلى رفض مقترحه بتأمين سلفة خزينة بقيمة 200 مليون دولار لصالح مؤسسة كهرباء لبنان، لتشتري بها الفيول لمحطات الإنتاج.
ورأى باسيل أن «حاكم مصرف لبنان رياض سلامة اتخذ قراراً فردياً، ونحن على مسافة أيام من انفجار بسبب أزمة المحروقات، بين 3 و5 أيام، وعلينا التدخل». وقال: «اجتماع مجلس النواب شكلاً يعني تخلي المجلس عن دوره. وعندها نسأل كأقلية إذا كان بقاؤنا فيه ما زال مجدياً، أو إذا صار لازماً تقصير ولايته وإجراء انتخابات مبكرة».
وتحول مضمون الرسالة التي ينتقد فيها رئيس الجمهورية حاكم مصرف لبنان إلى مادة انتقاد سياسي من قبل حزب «القوات اللبنانية» للرئاسة اللبنانية. وقال النائب جورج عدوان: «لا يمكن أن يكون هناك رضا عن الحاكم في وقت ما، وحين نختلف معه نطالب بمحاسبته».
وسأل: «من يقول إن الحكومة المستقيلة ستنفذ البطاقة التمويلية ومتى ستنفذها؟»، مضيفاً «لا تستطيعون تشكيل حكومة، وتتساجلون من يريد الحصول على حقيبة وزارة الشؤون الاجتماعية لأن فيها بطاقة تمويلية لحسابات انتخابية».
ورد رئيس مجلس النواب نبيه بري على عدوان قائلاً: «أحد الأسباب التي يمكن أن تسهل تشكيل الحكومة الآن هو أن تشاركوا فيها»، في إشارة إلى مقاطعة «القوات اللبنانية» للمشاركة في الحكومة، ما أنتج عُقداً في التمثيل المسيحي وتوزيع الحقائب الوزارية المخصصة للمسيحيين على القوى المشاركة فيها.
ورد عدوان على بري قائلاً: «المشكلة هي المحاصصة التي يعين عبرها المستشار الأول والمستشار الثاني»، في إشارة إلى مستشاري رئيس الجمهورية.
وبعد الجلسة، قال عدوان إن ما حدث «يأتي في سياق فشل ذريع وممارسة منذ سنوات في وجود سلطة متحكمة، أدارت الأمور بعقلية المحاصصة، وأهدرت أموال المودعين والاحتياطي الموجود، ودعمت السلع لتذهب لكارتيلات النفط والدواء، وحرمت مواطنيها من ودائعهم ومن الحصول على الدعم». وأضاف «أكدنا خلال الجلسة ضرورة العمل بالبطاقة التمويلية، وفتح باب الاستيراد لتأمين البنزين والمازوت والدواء».
بدوره، قال عضو اللقاء الديمقراطي النائب هادي أبو الحسن: «نرفض إصدار أي قانون يمنح الغطاء لصرف ما تبقى من أموال المودعين، فهذه خطيئة كبرى ستوصلنا إلى رفع الدعم قسراً بعد حين عند نفاد الاحتياطي المركزي، وبالتالي يتبخّر ما تبقى من أموال المودعين». وأضاف «فلتباشر الحكومة بالخطوات العملية للبطاقة التمويلية، بالتعاون مع البنك الدولي وبإشرافه، كي لا تتحول البطاقة التمويلية إلى بطاقة انتخابية، على أن يبدأ العمل بها خلال ٤٥ يوماً».
من جانبه، دعا عضو كتلة «المستقبل» النائب سمير الجسر من مجلس النواب «لإقرار البطاقة التمويلية وتحرير السوق وتشكيل حكومة سريعاً».
وأكد رئيس مجلس النواب في ختام الجلسة، أن «الحل يكمن في تشكيل حكومة جديدة وبأسرع وقت، وإصدار البطاقة التمويلية وتحرير السوق».



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.