جاك تاتي
الموهبة الفذّة في فن الكوميديا
لا تعرف أفلام المخرج الفرنسي جاك تاتي اللقطات القريبة. كذلك فإن اللقطات المتوسّطة محدودة وللضرورة القصوى. بذلك يؤكد غربة شخصيته الشهيرة التي قام بتمثيلها بنفسه تحت اسم «أولو» عن العالم المحيط وعدم انتمائها إليه. ليس أنه لا يمكن لسينمائي آخر استخدام لقطات قريبة ومتوسطة وأي حجم يريد والتحدث عن لا انتماء بطله، بل هي مسألة أسلوبية في أعمال تاتي. بالنسبة إليه فإن اللقطات القريبة والمتوسّـطة هي بمثابة مقاطعة لحديثه الصامت حول الأشياء المحيطة ومسافته منها.
جاك تاتي (1907 - 1982) ولد في عصر السينما الصامتة وأحبها على هذا النحو. لم يحقق أكثر من خمسة أفلام طويلة، لكن كل واحد منها تحية لسينما بستر كيتون وتشارلي تشابلن إنما بأسلوب عمل مختلف عن أسلوب كليهما. هما، على سبيل المثال، أمّا اللقطات بأحجام عدّة، أما هو فقد فكّر على نحو مختلف، فعدم استخدام اللقطات القريبة يحتّـم على المشاهد استنتاج مشاعر أولو من المحيط الذي حوله وليس بمراقبة ردّ فعله على ملامح وجهه. في فيلم «بلايتايم» Playtime يقف أولو في ممر داخل قاعة مؤلفة من غرف صغيرة مغلقة يعمل فيها موظفون كل بمعزل عن الآخر كما لو كانوا في أقفاص في حديقة. الكاميرا من ورائه ترقب ما يرقبه، لا توجد حاجة لمطالعة تقاسيم وجه أولو. تعليقه على ما يراه يصلنا صامتاً.
الأمكنة مهمّـة لأنها جزء من مما يصنع عالمه الفريد.
في «عطلة السيد أولو» (1953) نراه يحاول أن يمضي عطلة سعيدة على شاطئ البحر، لكن هذا يعني سرد ملاحظاته حول الآخرين في توليفة من الشخصيات والمفارقات رائعة. في «عمي» (1958) يحدّق في - ويتعامل مع - مقتنيات العصر. يسخّفها قصداً ويوفر لنا ملاحظاته الممتعة وشبه الصامتة (الحوار قليل جداً في كل أفلامه).
ثم هناك المدينة الكبيرة في «بلايتايم» (1968) وفي فيلمه ما قبل الأخير Traffic )«حركة سير»، 1970) نجده دائماً مواجهة المعضلات المتجانسة: الحياة المعقّـدة للمدينة وللمدنية والتي تزداد تعقيداً عندما يتدخل أولو ليفعل شيئاً بسيطاً لأنها معضلات معقدة في كيانها ولا تتحمّـل البساطة. نراه في «حركة سير» يرضى بأن يقود سيارة إلى العاصمة أمستردام. حال وصوله كل شيء مناوئ لمشوار في أساسه بسيط يقع ما يشكل زحمة سير كبيرة.
مفهوم حديقة الحيوان متكرر في مشهد آخر من «بلايتايم» عندما نشاهد، في مطلع الفيلم، نموذجاً لكيف يحيا الناس. إنهم في غرف ذات جدران زجاجية تستطيع أن تشاهد ما يدور في تلك الغرف وأنت خارجها. نماذجه (أربعة) يشتركون في أنهم تحوّلوا إلى نوع من البط الجالس أمام جهاز التلفزيون. المفاد هنا أنهم تركوا الحياة الشخصية وأمّـوا حياة يشتركون فيها تحت ملامح مشتركة لم يعد فيها ما هو شخصي أو خصوصي (فعل موجود بيننا اليوم أكثر من أي وقت سابق).
تقييم أفلام جاك تأتي بلمحة
1949: Jour de Fête***
1953:Monsieur Hulot’s Holiday *****
1958: Mon Uncle ****
1967: Playtime****
1971: Trafic ***