البعثة الأممية تدعو لمقاضاة المعتدين على مياه «النهر الصناعي» في ليبيا

وسط دعوات سياسية للسلطة التنفيذية لحماية «المرفق الحيوي»

جانب من إنشاءات النهر الصناعي الليبي (صفحة إدارة النهر على «فيسبوك»)
جانب من إنشاءات النهر الصناعي الليبي (صفحة إدارة النهر على «فيسبوك»)
TT

البعثة الأممية تدعو لمقاضاة المعتدين على مياه «النهر الصناعي» في ليبيا

جانب من إنشاءات النهر الصناعي الليبي (صفحة إدارة النهر على «فيسبوك»)
جانب من إنشاءات النهر الصناعي الليبي (صفحة إدارة النهر على «فيسبوك»)

وسط معاناة قطاع واسع من مواطني المدن والبلدات الليبية بسبب انقطاع المياه، دعت البعثة الأممية لدى البلاد أمس، إلى ضرورة «مقاضاة المسلحين المعتدين على مسار النهر الصناعي»، منذ مطلع الأسبوع الجاري.
وأرغمت مجموعة مسلحة موالية لعبد الله السنوسي رئيس جهاز الاستخبارات الليبية في النظام السابق، جهاز تنفيذ وإدارة مشروع «النهر الصناعي» بمنظومة (الحسونة سهل الجفارة)، بالقوة على وقف ضخ المياه يوم السبت الماضي، لحين الإفراج عنه.
وقال جهاز إدارة «النهر الصناعي» أمس، إن توقف ضخ المياه لا يزال مستمراً من المنظومة حتى الآن، وذلك «لعدم زوال الأسباب الخارجة عن سيطرة الجهاز»، لافتاً إلى أنه «غير مسؤول عما يتردد من معلومات عبر القنوات الإعلامية المحلية أو الصفحات الإلكترونية بخصوص ذلك».
وأدانت البعثة الأممية الاستمرار في وقف ضخ المياه من الجنوب إلى غرب وشمال ليبيا، وقالت إن عناصر مسلحة تسببت في إغلاق فرع النهر الصناعي «ما يشكل تهديداً للأمن المائي لملايين الليبيين وينذر بحدوث أزمة إنسانية».
وأضافت البعثة في بيانها أمس، أن «أي إعاقة للبنى التحتية الحيوية مثل النهر الصناعي تشكل انتهاكاً للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، وهو أمر مرفوض وينبغي إدانته خاصة عندما يتم استخدامه للابتزاز بغية الحصول على مكاسب سياسية». وعادت قضية السنوسي (71 عاماً)، صهر الرئيس الراحل معمر القذافي، المسجون في طرابلس إلى واجهة الأحداث مجدداً، وسط مطالبات عشيرته بسرعة الإفراج عنه، مشيرة إلى أنه «يعاني مرضاً عضالاً، ولا يلقى الاهتمام الطبي والعلاج اللازم».
وسبق لمسلحين ومشايخ من قبيلة المقارحة، التي ينتمي إليها السنوسي، التوعد بأنها «لن تصمت بعد اليوم» على احتجاز السنوسي الذي وصفته بـ«الأسير»، وأمهلوا السلطة الليبية 72 ساعة لإطلاق سراحه، لما وصفوه بـ«اعتلال صحته وإصابته بالسرطان وعدم تلقيه العلاج». لكن البعثة الأممية رأت أن هذه الأفعال غير المبررة تعد «شكلاً من أشكال العقاب الجماعي للمواطنين، ويتعين مقاضاة جميع مرتكبيها بأقصى حد يسمح به القانون». ويتعرض «النهر الصناعي» الذي دشنه الرئيس الراحل معمر القذافي، وكان مثار انتقادات وتهكم حينذاك، لكثير من الاعتداء؛ إما بقطع مياهه بقوة السلاح لمطالب فئوية، أو بالتعدي عليه بتركيب وصلات غير قانونية.
وعقب توقف ضخ مياه «النهر الصناعي» طالب سياسيون السلطة التنفيذية في البلاد بضرورة حماية هذا المرفق باعتباره «شرياناً حيوياً» يمس حياة ملايين الليبيين. وأمام هذه الأزمة، التي زادت من معاناة الليبيين لانقطاع التيار الكهربائي أيضاً لساعات طويلة، أكدت بعثة الأمم المتحدة مجدداً على أنه «لا ينبغي (تسييس) قطاع المياه، أو اعتراض إمداداتها، مناشدة «جميع الجهات الفاعلة تغليب المصلحة العليا للبلاد، ومصلحة كل الليبيين لضمان الاستئناف الفوري لإمدادات المياه واحترام بناها التحتية وحمايتها». وحملت قوى سياسية ونشطاء جميع السلطات الليبية مسؤولية إغلاق المياه، داعية إلى ضرورة اتخاذ كافة الإجراءات لإنهاء الأزمة قبل «وقوع كارثة» في ظل ما تعانيه البلاد من تفشي وباء «كورونا».
وعبر حزب «الوطني الوسطي» عن رفضه للجوء إلى «هذه التصرفات کسلاح سياسي أو غيره من أي جهة أو مجموعة كانت لتحقيق أغراض نفعية»، وقال إن تعطيش المواطنين يعد «انتهاكاً خطيراً للقانون الوطني والقانون الدولي الإنساني؛ كما أنه جريمة يعاقب مرتكبيها وتستوجب المتابعة القانونية محلياً ودولياً للمحرضين والمنخرطين في مثل هذه الاعتداءات».
والسنوسي، الذي حُكم عليه بالإعدام عام 2015 لاتهامه بقمع المتظاهرين في «ثورة» 2011، هو زوج شقيقة صفية فركاش، الزوجة الثانية للقذافي، وكان ضمن الدائرة المقربة جداً منه طيلة فترة حكمه التي جاوزت 42 عاماً، وهو لا يزال ملاحقاً من المحكمة الجنائية الدولية.
ونقل مشايخ وأعيان بالجنوب الليبي عن العنود ابنة السنوسي، أنه منعت الزيارة عن أبيها منذ يناير (كانون الثاني) الماضي، وأنه يعاني من مرض سرطان البروستاتا، وحالته الصحية آخذة في التدهور بعد نقله إلى سجن يشرف عليه عبد الرؤوف كارة الذي يتزعم ما يسمى بـ«قوة الردع الخاصة»، الأمر الذي دفع «الحزب الوطني الوسطي» إلى ضرورة «وضع مسألة حقوق السجناء السياسيين من جميع الأطياف كأولوية»، على أن يتم «توفير الرعاية الصحية لهم وكذلك الاهتمام بقضاياهم وبأسرع وقت».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».