خطاب يكشف عن «ازدواجية المعايير» في الاتفاق الخاص بقضية الجنرال بترايوس

متهم بإعطاء وثائق سرية بخط يده وتفاصيل اجتماعات مع الرئيس إلى كاتبة سيرته الذاتية

الجنرال بترايوس أشهر القادة الأميركيين في جيله في خطاب أمام الكونغرس (نيويورك تايمز)
الجنرال بترايوس أشهر القادة الأميركيين في جيله في خطاب أمام الكونغرس (نيويورك تايمز)
TT

خطاب يكشف عن «ازدواجية المعايير» في الاتفاق الخاص بقضية الجنرال بترايوس

الجنرال بترايوس أشهر القادة الأميركيين في جيله في خطاب أمام الكونغرس (نيويورك تايمز)
الجنرال بترايوس أشهر القادة الأميركيين في جيله في خطاب أمام الكونغرس (نيويورك تايمز)

يكشف الاتفاق، الذي يقضي باعتراف الجنرال المتقاعد ديفيد بترايوس بذنبه مقابل إعفائه من السجن رغم إفشائه أسرارا عسكرية، عن «ازدواجية المعايير» في طريقة تعامل إدارة أوباما مع من يسرب معلومات سرية، بحسب ما كتب محامي يمثل متعاقد مع الحكومة يقضي عقوبة سجن، في خطاب موجه إلى ممثلي الادعاء العام. ويطالب الخطاب شديد اللهجة وزارة العدل بالإفراج الفوري عن ستيفن كيم، خبير الأسلحة والمتعاقد السابق مع وزارة الخارجية. ويقضي كيم عقوبة بالسجن لمدة 13 شهرًا بتهمة الكشف لمحطة «فوكس نيوز» عن معلومات سرية خاصة بكوريا الشمالية. وقال كيم إنه كان يحاول لفت انتباه الرأي العام نحو التهديد الذي تمثله كوريا الشمالية.
ومن المقرر أن يتم الحكم على بترايوس، الذي يعد واحدا من أشهر القادة الأميركيين في جيله، خلال الشهر المقبل بتهمة إعطاء وثائق بخط يده، تتضمن وثائق خاصة باجتماعات له مع الرئيس، وأسماء لضباط يعملون بشكل سري، فضلا عن أسرار أخرى، إلى صديقته في سياق مشروع كتابة سيرة حياته الذي كانت تعمل عليه. ووافقت وزارة العدل على عدم السعي لإصدار حكم يقضي بسجنه. وكتب آبي لويل، المحامي الذي يتولى الدفاع عن كيم: «يوضح القرار الذي يسمح للجنرال بترايوس بالاعتراف بجرمه مقابل تنازلات مقدمة من قبل ممثلي الادعاء العام، لارتكابه جنحة، كثيرًا ازدواجية المعايير التي تشوب عملية اتهام من يطلق عليهم (مسربين)، والمتهمين بإفشاء معلومات سرية لأغراض شخصية».
وصل الخطاب، وهو بتاريخ 6 مارس (آذار)، خلال الأسابيع الأخيرة المتبقية من مدة عمل إيريك هولدر، المحامي العام، في منصبه على ما يبدو. ويعد الخطاب نوعا من الخاتمة لحملة التنكيل ضد التسريب التي كان يشرف عليها المحامي العام. وكان عدد من وجهت إليهم اتهامات بمناقشة قضايا تتعلق بالأمن القومي مع صحافيين خلال فترة عملهم أكبر من عددهم خلال فترة حكم الإدارات الأميركية السابقة مجتمعة. وعلى عكس بترايوس، كان أكثر من تم توجيه اتهامات إليهم مسؤولين ذوي رتب وسيطة أو متعاقدين. ولم يقل لويل إن الاتفاق، الذي منح لبترايوس كان خطأ، بل أوضح أن التعامل مع كيم كان قاسيا جدا رغم أن الفعل واحد. وقالت يوري لاستينبرغر، شقيقة كيم، التي قدمت نسخة من الخطاب يوم الأحد: «يعتقد أفراد أسرتنا وأصدقاؤنا أنه من الظلم والخطأ أن يتم التعامل مع ستيفن بطريقة مختلفة، رغم أن ما فعله لم يختلف عما فعله الجنرال بترايوس، إن لم يكن أقل». ولم يرد رونالد ماكن، ممثل الادعاء العام الأميركي في واشنطن، والذي كان تولى مكتبه قضية كيم، على الخطاب. ورفض ويليام ميلر، المتحدث باسمه، التعليق.
وتسلط هذه الحملة الضوء على إحدى الأمور الواقعية المتعلقة بشؤون الأمن القومي التي تحدث وراء الكواليس ومن النادر مناقشتها وهي مناقشة مسؤولي الحكومة باستمرار لمعلومات حساسة بل وحتى سرية مع صحافيين. وأحيانا تحدث مثل هذه النقاشات في اجتماعات ممنوعة بين صحافيين ومسؤولين.
ونظرا لسرية كثير من الأمور الخاصة بالأمن القومي، والتي كان من بينها استخدام الاستخبارات المركزية لطائرات تعمل من دون طيار في باكستان، وهو ما كان يعد سرًا رغم معرفتنا به وتدفق المقالات الخبرية التي تتضمن اقتباسات لمسؤولين حكوميين بشأن تلك المهمات، من المستحيل تقريبا أن تحدث نقاشات سياسية جادة من دون التطرق إلى مثل هذه الأمور. في بعض الأحيان، كانت تلك المحادثات تتم سرًا مثلما كان الحال في قضية كيم.
وتم إطلاق سراح، مسؤول سابق في الاستخبارات المركزية، خلال الشهر الماضي بعد قضائه نحو عامين في السجن بتهمة إخبار صحافي باسم مسؤول في الاستخبارات شارك في التحقيقات التي تجريها الوكالة. وعندما اعترف كرياكو بذنبه في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2012، كان بترايوس رئيس وكالة الاستخبارات المركزية. وقال بترايوس حينها: «القسم أمر مهم. وهناك بالتأكيد عواقب يواجهها من يعتقدون أنهم فوق القانون الذي يحمي زملاءنا ويمكن أجهزة الاستخبارات الأميركية من العمل بالسرية المطلوبة». وبعد أيام من هذا التصريح، أجرى مكتب التحقيقات الفيدرالي مقابلة مع بترايوس لمعرفة ما إذا كان قد كشف بشكل غير قانوني عن معلومات سرية أم لا. ونفى قيامه بذلك. وبعد شهر، تم الإعلان عن تحقيق مكتب التحقيقات الفيدرالي، وكذا عن علاقة بترايوس بباولا برودويل، كاتبة سيرته؛ وقدم بترايوس استقالته.
وفي قضية منفصلة، حقق مكتب التحقيقات الفيدرالي مع شخصية عسكرية قيادية بارزة أخرى، وهو الجنرال المتقاعد جيمس كارترايت، بعد انتشار تقارير بشأن سلسلة من الهجمات السرية ضد إيران. مع ذلك، توقفت التحقيقات لأن العملية تتمتع بدرجة من الحساسية تمنع مناقشتها في محاكمة علنية، على حد قول مسؤول في سلطات تطبيق القانون. وكانت صحيفة «واشنطن بوست» هي أول من تشير إلى الوضع الحالي لذلك التحقيق. وقال توماس دريك، المسؤول السابق في وكالة الأمن القومي والذي أقرّ عام 2011 بكشفه عن معلومات لصحيفة «بالتيمور صن» بشأن ما رآه سوء إدارة في أداء الوكالة: «إذا كنت في منصب رفيع بما يكفي، فأنت تتصرف وفقا لقواعد مختلفة». ومثل بترايوس، تمكن دريك من التوصل إلى اتفاق أعفاه من السجن. مع ذلك قال دريك إن التحقيق معه لمدة 4 سنوات كان له تأثير سلبي على مزايا تقاعده ودمره ماليًا.
ويعمل بترايوس في شركة أسهم خاصة براتب مرتفع منذ مغادرته لمنصبه، ويسافر كثيرا من أجل الحديث عن قضايا تتعلق بالأمن القومي. وحتى عندما كان رهن التحقيق، كان يقدم استشارات إلى البيت الأبيض بشأن العراق وقضايا الإرهاب.
ومن المقرر أن يصدُر حكمٌ بحق جيفري ستيرلينغ، مسؤول سابق آخر في الاستخبارات المركزية، الشهر المقبل لإفشائه معلومات عن مهمته السرية، التي كانت تهدف إلى تعطيل برنامج إيران النووي، لأحد صحافيي الـ«نيويورك تايمز». وأكد ستيرلينغ أنه برئ، موضحا أن اتهامه كان عقابا له على إخبار الكونغرس بسوء التخطيط لمهمته. وتمت إدانته في المحاكمة وتم الحكم عليه بالسجن لسنوات.
وسعى كيم، في مفاوضاته مع وزارة العدل، إلى التوصل لاتفاق مماثل للذي حظي به بترايوس، بحسب ما جاء في خطاب المحامي. مع ذلك رفض ممثلو الادعاء العام مثل هذا الاتفاق. وكتب لويل: «إن الأسباب التي قلتم إنها الحيثيات التي تم على أساسها رفض العرض تتعلق بالدافع، والكذب على مكتب التحقيقات الفيدرالي. من هذا المنظور، لا يوجد أي فرق بين القضيتين». وأشار أيضا إلى أن دافع بترايوس كان أقل نبلا. وما يجعل قضية بترايوس استثنائية هو أن برودويل كانت حاصلة على موافقة أمنية، لكنها مع ذلك لم يكن مصرحًا لها بالحصول على معلومات واردة في وثائقه، التي كانت تتضمن أمورًا على درجة عالية من السرية.
وكان لويل، أحد المحامين البارزين في البلاد، قد سلط الضوء في الماضي على كشف مسؤولين رفيعي المستوى لمعلومات سرية لأسباب سياسية، في الوقت الذي يتم فيه توجيه اتهامات إلى آخرين لقيامهم بالفعل نفسه. وخلال فترة إدارة جورج بوش الابن، تولى لويل الدفاع عن ستيفن روزين، أحد أعضاء جماعة الضغط الداعمة لإسرائيل، المتهم بالحصول على معلومات سرية من مصادر له في الحكومة الأميركية، واطلاع صحافيين، ومسؤولين إسرائيليين عليها. ورد لويل على الاتهامات باستدعاء كوندوليزا رايس، وزيرة الخارجية الأميركية آنذاك، ومسؤولين آخرين رفيعي المستوى. وقال إنه كان يعتزم سؤالهم في المحاكمة عن الأسرار القومية التي يكشفون عنها بانتظام. وتخلت وزارة العدل عن تلك القضية.
ومن المفترض أن يتم إطلاق سراح كيم في يونيو (حزيران) المقبل، حيث يوجد حاليا في أحد السجون الفيدرالية في كمبرلاند بولاية ميريلاند. وسيكون من غير العادي بالنسبة إلى وزارة العدل أن تفرج عن كيم قبل انقضاء مدة العقوبة على أساس اتفاق خاص بشخص آخر. مع ذلك كتب لويل أنه سيقدم الطلب إلى هولدر في حال عدم موافقة ممثلي الادعاء العام المحليين. وقال: «إن الأمر على قدر من الأهمية بحيث يستدعي هذا».

*خدمة «نيويورك تايمز»



بولوارتي تضع البيرو في مواجهة مع حكومات المنطقة

رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
TT

بولوارتي تضع البيرو في مواجهة مع حكومات المنطقة

رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)

بعد التدهور الأخير في الأوضاع الأمنية التي تشهدها البيرو، بسبب الأزمة السياسية العميقة التي نشأت عن عزل الرئيس السابق بيدرو كاستيو، وانسداد الأفق أمام انفراج قريب بعد أن تحولت العاصمة ليما إلى ساحة صدامات واسعة بين القوى الأمنية والجيش من جهة، وأنصار الرئيس السابق المدعومين من الطلاب من جهة أخرى، يبدو أن الحكومات اليسارية والتقدمية في المنطقة قررت فتح باب المواجهة السياسية المباشرة مع حكومة رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي، التي تصرّ على عدم تقديم موعد الانتخابات العامة، وتوجيه الاتهام للمتظاهرين بأنهم يستهدفون قلب النظام والسيطرة على الحكم بالقوة.
وبدا ذلك واضحاً في الانتقادات الشديدة التي تعرّضت لها البيرو خلال القمة الأخيرة لمجموعة بلدان أميركا اللاتينية والكاريبي، التي انعقدت هذا الأسبوع في العاصمة الأرجنتينية بوينوس آيريس، حيث شنّ رؤساء المكسيك والأرجنتين وكولومبيا وبوليفيا هجوماً مباشراً على حكومة البيرو وإجراءات القمع التي تتخذها منذ أكثر من شهر ضد المتظاهرين السلميين، والتي أدت حتى الآن إلى وقوع ما يزيد عن 50 قتيلاً ومئات الجرحى، خصوصاً في المقاطعات الجنوبية التي تسكنها غالبية من السكان الأصليين المؤيدين للرئيس السابق.
وكان أعنف هذه الانتقادات تلك التي صدرت عن رئيس تشيلي غابرييل بوريتش، البالغ من العمر 36 عاماً، والتي تسببت في أزمة بين البلدين مفتوحة على احتمالات تصعيدية مقلقة، نظراً لما يحفل به التاريخ المشترك بين البلدين المتجاورين من أزمات أدت إلى صراعات دموية وحروب دامت سنوات.
كان بوريتش قد أشار في كلمته أمام القمة إلى «أن دول المنطقة لا يمكن أن تدير وجهها حيال ما يحصل في جمهورية البيرو الشقيقة، تحت رئاسة ديما بولوارتي، حيث يخرج المواطنون في مظاهرات سلمية للمطالبة بما هو حق لهم ويتعرّضون لرصاص القوى التي يفترض أن تؤمن الحماية لهم».
وتوقّف الرئيس التشيلي طويلاً في كلمته عند ما وصفه بالتصرفات الفاضحة وغير المقبولة التي قامت بها الأجهزة الأمنية عندما اقتحمت حرم جامعة سان ماركوس في العاصمة ليما، مذكّراً بالأحداث المماثلة التي شهدتها بلاده إبّان ديكتاتورية الجنرال أوغوستو بينوتشي، التي قضت على آلاف المعارضين السياسيين خلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن الماضي.
وبعد أن عرض بوريتش استعداد بلاده لمواكبة حوار شامل بين أطياف الأزمة في البيرو بهدف التوصل إلى اتفاق يضمن الحكم الديمقراطي واحترام حقوق الإنسان، قال «نطالب اليوم، بالحزم نفسه الذي دعمنا به دائماً العمليات الدستورية في المنطقة، بضرورة تغيير مسار العمل السياسي في البيرو، لأن حصيلة القمع والعنف إلى اليوم لم تعد مقبولة بالنسبة إلى الذين يدافعون عن حقوق الإنسان والديمقراطية، والذين لا شك عندي في أنهم يشكلون الأغلبية الساحقة في هذه القمة».
تجدر الإشارة إلى أن تشيلي في خضمّ عملية واسعة لوضع دستور جديد، بعد أن رفض المواطنون بغالبية 62 في المائة النص الدستوري الذي عرض للاستفتاء مطلع سبتمبر (أيلول) الفائت.
كان رؤساء المكسيك وكولومبيا والأرجنتين وبوليفيا قد وجهوا انتقادات أيضاً لحكومة البيرو على القمع الواسع الذي واجهت به المتظاهرين، وطالبوها بفتح قنوات الحوار سريعاً مع المحتجين وعدم التعرّض لهم بالقوة.
وفي ردّها على الرئيس التشيلي، اتهمت وزيرة خارجية البيرو آنا سيسيليا جيرفاسي «الذين يحرّفون سرديّات الأحداث بشكل لا يتطابق مع الوقائع الموضوعية»، بأنهم يصطادون في الماء العكر. وناشدت المشاركين في القمة احترام مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى، والامتناع عن التحريض الآيديولوجي، وقالت «يؤسفني أن بعض الحكومات، ومنها لبلدان قريبة جداً، لم تقف بجانب البيرو في هذه الأزمة السياسية العصيبة، بل فضّلت تبدية التقارب العقائدي على دعم سيادة القانون والنصوص الدستورية». وأضافت جيرفاسي: «من المهين القول الكاذب إن الحكومة أمرت باستخدام القوة لقمع المتظاهرين»، وأكدت التزام حكومتها بصون القيم والمبادئ الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وسيادة القانون، رافضة أي تدخّل في شؤون بلادها الداخلية، ومؤكدة أن الحكومة ماضية في خطتها لإجراء الانتخابات في الموعد المحدد، ليتمكن المواطنون من اختيار مصيرهم بحرية.
ويرى المراقبون في المنطقة أن هذه التصريحات التي صدرت عن رئيس تشيلي ليست سوى بداية لعملية تطويق إقليمية حول الحكومة الجديدة في البيرو بعد عزل الرئيس السابق، تقوم بها الحكومات اليسارية التي أصبحت تشكّل أغلبية واضحة في منطقة أميركا اللاتينية، والتي تعززت بشكل كبير بعد وصول لويس إينياسيو لولا إلى رئاسة البرازيل، وما تعرّض له في الأيام الأخيرة المنصرمة من هجمات عنيفة قام بها أنصار الرئيس السابق جاير بولسونارو ضد مباني المؤسسات الرئيسية في العاصمة برازيليا.