هل يمكن للواقع الافتراضي أن يجعلنا أكثر ذكاءً؟

نظمه توظف لتعزيز الإدراك وعلاج الاضطرابات النفسية

هل يمكن للواقع الافتراضي أن يجعلنا أكثر ذكاءً؟
TT

هل يمكن للواقع الافتراضي أن يجعلنا أكثر ذكاءً؟

هل يمكن للواقع الافتراضي أن يجعلنا أكثر ذكاءً؟

يعدّ الواقع الافتراضي تقنية ممتعة. ولكن ماذا إذا كانت مزاياه تتعدى المتعة؟ ماذا إذا كان بإمكانه أن يجعلنا أذكى؟

إيقاعات الدماغ

عرف العلماء لأكثر من 70 عاماً ظاهرة دماغية تُعرف بـ«إيقاع ثيتا (Theta rhythms)». يبسّط العلماء شرح هذه الظاهرة على الشكل التالي: الدماغ لا يفكر بترددات «موجية» فحسب؛ بل بضربات «مُرَخَّمَة»، و«ثيتا» هي الإيقاع الأبرز في الدماغ.
تنشط إيقاعات «ثيتا» عندما نكون يقظين، وتزيد عندما نسير، وتختفي عند النوم، ثم تعود للظهور أثناء الأحلام. وأظهرت نتائج 70 دراسة وأكثر أن «إيقاعات ثيتا» تلعب دوراً أساسياً في الإدراك والتعلم والذاكرة، لكنها تضطرب في أمراض مثل ألزهايمر، واضطراب فرط النشاط ونقص التركيز، والقلق العصبي، والصرع.
لسنوات عديدة، استخدمت الأدوية لتنشيط «إيقاعات ثيتا» عبر الالتصاق بأعصاب الدماغ، وحقّقت نجاحاً متفاوتاً. ولكن علماء بجامعة كاليفورنيا، في لوس أنجليس، توصّلوا أخيراً وللمرّة الأولى، إلى طريقة بسيطة لتعزيز «إيقاعات ثيتا» في الفئران عبر وضعها داخل نظام محاكاة واقع افتراضي. ونشر العلماء نتائج دراستهم في دورية «نيتشر نيوروساينس».
يعتقد مايانك ميهتا، الأستاذ بجامعة كاليفورنيا - لوس أنجليس، والباحث الرئيسي في هذه الدراسة، أن هذا الاختراق سيتيح استخدام الواقع الافتراضي لتطوير علاجات الاضطرابات النفسية، وقد يُوظّف لتعزيز الإدراك ومساعدة النّاس على التعلّم أسرع.
في الواقع، يستخدم الواقع الافتراضي منذ بضع سنوات في جميع أنواع العلاجات؛ من الاستخدام العيادي لعلاج «اضطراب ما بعد الصدمة»، إلى إعادة التأهيل الجسدي. وأثبتت النظّارات المطوّرة بهذه التقنية، التي لا تزال تفتقر إلى الجاذبية في الأسواق الاستهلاكية، فاعلية عالية في إعادة توليد بعض الأحاسيس، أو تقديم نوع معيّن من التحفيز في أسرة المستشفيات الضيقة والمحدودة.
ولكن ميهتا لا يعدّ أن الواقع الافتراضي يتمتّع بتأثيرات إيجابية على الدماغ فقط لأنّه يبدو كالحياة الحقيقية، بل إنه يحاجج بأن شيئاً ما في الواقع الافتراضي نفسه، أو على الأقل في نظام الواقع الافتراضي الذي طوّره مختبره للفئران التي يدرسها، يمكن أن يؤثر على الدماغ على مستوى كهربائي عميق، مما يؤثر على العلاج والتعلّم بشكل منفصل، فضلاً عن المحاكاة البصرية القوية التي تتميز بها هذه التقنية. وقد تخصص ميهتا وتلقّى تدريبه في مجال الفيزياء، ولكنّه يدرس الدماغ منذ 20 عاماً.

تنشيط «موجات الفكر»

تأتي الموجات الصوتية والضوئية التي تعبر الكون على شكلِ تردّدات متناسقة تعزف في الفضاء والجو، وكذلك الفكر البشري الذي يشغّله تذبذب للطاقة يمرّ من عصب إلى عصب. يرى ميهتا أن نقطة البداية المشتركة هذه بين الفيزياء وعلم الأعصاب، قد تشكّل انطلاقة لتفكيك الآليات الدماغية.
لتشريح طريقة عمل الدماغ، بدأ ميهتا بوضع الفئران في أجهزة واقع افتراضي صغيرة ومعقّدة. لاحظ الأستاذ بسرعة أنّه حتّى نظام الواقع الافتراضي المستخدم في مختبره، الذي يضع الفئران على مجسّمات مصغّرة تشبه آلات المشي (الدواسة) الرياضية محاطة بشاشات انغماسية، ليس حقيقياً بالنسبة للدماغ على المستوى الهيكلي. في عام 2013، نشر ميهتا نتائج بحثه في دورية «ساينس»، وجاء فيها أن أكثر من 60 في المائة من الأعصاب في منطقة الحصين (المسؤولة عن التعلّم والذاكرة) تتوقّف عن العمل في الواقع الافتراضي.
وبيّنت الأبحاث والدراسات أنّ استكشاف العلاقة بين الواقع الافتراضي والدماغ يشبه بئراً عميقاً للبحث، وأداة فاعلة لتفصيل أسس الإدراك. استمرّ البحث مع مرور السنوات، واستخدم مختبر ميهتا الواقع الافتراضي لفهم جوانب إدراك الدماغ للزمان والمكان. وخلال مسيرته البحثية، لاحظ العالم اتجاهاً غريباً؛ وهو أن تردّدات «ثيتا» (نغمة بعض الأفكار وليست نبضاتها الإيقاعية) تكون عادة أبطأ في الواقع الافتراضي مما هي عليه في العالم الحقيقي. ليس أبطأ بكثير، ولكن بمعدّل بضع ملّي ثوانٍ فقط، ولكنّها أبطأ.
ساقت هذه النتيجة «ميهتا» إلى بحثه الأخير بعد أن اكتشف خلاله أن تجربة الفئران نشّطت إيقاعات «ثيتا» في الواقع الافتراضي بشكل لم تعشه في العالم الحقيقي، مع أن الهدف الأساسي من بيئة الواقع الافتراضي كان وضع نسخة أخرى تكون الأقرب إلى بيئة الفئران الحقيقية. يبدو أن تقنية الواقع الافتراضي تحوي شيئاً ما مفيداً للإدراك البشري، مما يقودنا إلى السؤال الدائم: كيف يحصل هذا الأمر؟ يجيب ميهتا: «أعتقد أنّه كان نوعاً من التأثير الذي لا يقاوم في الدماغ، أو فوضى. لدينا بعض الأفكار الغريبة وسنبذل كثيراً من الجهود لتحديد ماهيتها».

نتائج واعدة

يعدّ ميهتا أن مثل هذه الأبحاث قد تؤدّي إلى اختراق كبير في كيفية علاج الصحّة النفسية والإدراكية، رغم أن 60 في المائة من الأعصاب لا تزال تتوقف عن العمل في منطقة «الحصين (hippocampus)» في بيئات الواقع الافتراضي.
ويشرح العالم أن ظهور خلايا دماغية أقلّ إيقاعاً وأكثر سرعة وقوّة ليس أمراً مألوفاً، ولكن الحقيقة هي أنّ النشاط المفرط قد يثبط التفكير، وحتّى قد يسبب مشكلات كالصرع. يقول ميهتا: «العصب مفرط النشاط لا يعني بالضرورة أن الدماغ بحالة أفضل. يستهلك الدماغ بين خمس وثلث طاقة الجسم في النهار، أي إنه يحاول دائماً تحسين أدائه».
ولكن هل توجد تكلفة خفية لتنشيط «إيقاعات ثيتا» عبر الواقع الافتراضي؟ يصر ميهتا على أنه لا توجد، ويعد بنشر ورقة بحثية أخرى في الأسابيع المقبلة ليؤكّد عدم وجود آثار جانبية مؤثّرة.
وقال العالم إنّه «حان الوقت لنقل هذه التجربة إلى الاختبار البشري واستخدامها علاجاً بالواقع الافتراضي»، لافتاً إلى أنه يبحث عن التمويل والشركاء لتحقيق هدفه؛ خصوصاً أن البحث على البشر مكلف أكثر بكثير من البحث على الحيوانات. ويخطّط ميهتا أيضاً لاختبار أنظمة واقع افتراضي لطرف ثالث، مثل نظارة «أوكيولوس ريفت» أو «إتش تي سي فايف» في المستقبل.
وأخيراً؛ ختم الباحث: «لحسن الحظ؛ يمكن استخدام الطريقة التي طورنا بها الواقع الافتراضي، مباشرة على البشر... ولهذا السبب، أخذنا نستعد لهذه المرحلة».
* «فاست كومباني»
- خدمات «تريبيون ميديا»


مقالات ذات صلة

روبوت يسبح تحت الماء بشكل مستقل مستخدماً الذكاء الاصطناعي

تكنولوجيا يبرز نجاح «أكوا بوت» الإمكانات التحويلية للجمع بين الأجهزة المتطورة والبرامج الذكية (أكوا بوت)

روبوت يسبح تحت الماء بشكل مستقل مستخدماً الذكاء الاصطناعي

الروبوت «أكوا بوت»، الذي طوّره باحثون في جامعة كولومبيا، قادر على تنفيذ مجموعة متنوعة من المهام تحت الماء بشكل مستقل.

نسيم رمضان (لندن)
خاص تسعى المنصة لتحقيق قفزة نوعية كبيرة في سوق العملات الرقمية مع وضع مبادئ مبتكرة لاقتصاد تلك العملات (كونتس)

خاص رائدة أعمال سعودية تبتكر أول بروتوكول لعملة رقمية حصينة من الانخفاض

تهدف رائدة الأعمال السعودية رند الخراشي لإرساء معايير جديدة لعالم التمويل اللامركزي «DeFi».

نسيم رمضان (لندن)
تكنولوجيا فعالية «بلاك هات 2024» تهدف لتمكين خبراء الأمن السيبراني عالمياً عبر ورش وتحديات تقنية مبتكرة (بلاك هات)

فعالية «بلاك هات» تعود في نسختها الثالثة بالرياض بجوائز تفوق مليوني ريال

بمشاركة عدد كبير من الشركات السعودية والعالمية والشخصيات الرائدة في المشهد السيبراني.

عبد العزيز الرشيد (الرياض)
الاقتصاد المدير التنفيذي لشركة «سيسكو السعودية» سلمان فقيه (تصوير: تركي العقيلي) play-circle 01:37

المدير التنفيذي لـ«سيسكو» السعودية: استثماراتنا بالمملكة مستمرة لدعم جهودها في التحول الرقمي

في ظل ما يشهده قطاع التقنية السعودي من تطور، حقَّقت «سيسكو» أداءً قوياً ومتسقاً مع الفرص المتاحة وقرَّرت مواصلة استثماراتها لدعم جهود السعودية في التحول الرقمي.

زينب علي (الرياض)
عالم الاعمال «بلاك هات» تعود إلى الرياض بنسختها الثالثة

«بلاك هات» تعود إلى الرياض بنسختها الثالثة

تعود فعالية الأمن السيبراني الأبرز عالمياً «بلاك هات» في نسختها الثالثة إلى «مركز الرياض للمعارض والمؤتمرات» ببلدة ملهم شمال العاصمة السعودية الرياض.


الذكاء الاصطناعي في التعليم والصحة

نظم الذكاء الاصطناعي في الطب الشخصي المخصّص
نظم الذكاء الاصطناعي في الطب الشخصي المخصّص
TT

الذكاء الاصطناعي في التعليم والصحة

نظم الذكاء الاصطناعي في الطب الشخصي المخصّص
نظم الذكاء الاصطناعي في الطب الشخصي المخصّص

لندن: «الشرق الأوسط»

يمكن استغلال الذكاء الاصطناعي التوليدي في مجال التعليم، في تطوير خطط تعليمية مخصصة للطلاب، بحسب درجاتهم وفهمهم العام لمختلف المواد.

معاونة الطلاب والمدرسين

يمكن لأدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي مثل «تشات جي بي تي» ChatGPT، معاونة الطلاب على أداء المهام المعقدة، مثل التعمق في دراسة المناهج المطلوبة وذلك كمنطلق لجلسات الشحذ الذهني لمجموعات الطلاب. وإن كان هذا لا يمنع الاعتراف بأن «تشات جي بي تي» يساء استخدامه من جانب بعض الطلاب. وفيما يخص المعلمين المشغولين، يحمل الذكاء الاصطناعي التوليدي، وعوداً بتبسيط المهام اليومية الرتيبة، مثل صياغة خطط الدروس، وتحديد الخطوط العريضة للمهام، وإنشاء معايير التقييم، وبناء الاختبارات، وتوفير وسائل تعليمية مبتكرة، وغير ذلك.

تطبيقات للطلاب والمدرسين

> تجارب تعلُّم المفردات الشخصية يتوافق مع مستويات الطلاب

يعتمد نظام «نوجي» Knowji على الذكاء الاصطناعي التوليدي في بناء دروس لمفردات شخصية، تتوافق مع مستوى كفاءة المتعلم ووتيرة التعلم، وعبر إنشاء اختبارات مخصصة واستخدام خوارزميات التكرار المتباعد، ويضمن النظام الاحتفاظ الفاعل وإتقان الكلمات الجديدة، ما يجعل عملية تعلم اللغة أكثر كفاءة، مع تصميم يتماشى مع الاحتياجات الفردية.

ويتميز التطبيق بالجاذبية وطابع تفاعلي. ويساعد هذا المستخدمين على بناء اتصال أعمق باللغة، على نحو يساعدهم في جعل بناء المفردات متعة، وليس مهمة شاقة.

إنشاء محتوى آلي للمدرسين

بفضل الذكاء الاصطناعي التوليدي، يساعد نظام «جاسبر» Jasper، المدرسين في إنشاء مواد لدورة تعليمية شاملة ومخصصة.

وعبر إدخال موضوع، يمكن للتطبيق إنشاء خطط درس مفصلة وملاحظات محاضرات ومحتوى تعليمي، ما يوفر للمعلمين الكثير من الوقت والجهد. وعلاوة على ذلك، يعمل النظام بمثابة أداة تعاونية تتيح للمعلمين تحسين المحتوى الذي جرى إنشاؤه بواسطة الذكاء الاصطناعي، والتأكد من أنه يتوافق مع المعايير والأهداف التعليمية.

نظام الذكاء الاصطناعي التعليمي "نوجي"

تعلم اللغات وممارستها

يستخدم نظام «دوالنغو» Duolingo الذكاء الاصطناعي التوليدي لتخصيص تجارب تعلم اللغة لمستخدميه. وتتكيف المنصة مع وتيرة تقدم كل متعلم، وتولد تمارين ومحادثات تستهدف مجالات معينة من التحسين، ما يجعل عملية تعلم اللغة أكثر تفاعلية وتكيفاً. وتجعل اللعبة من مسألة تعلم لغة جديدة تجربة ممتعة، وتشجع على الممارسة اليومية المتسقة.

طب شخصي مخصص

تخضع صناعة الرعاية الصحية لتغييرات كبرى بفضل الذكاء الاصطناعي التوليدي، مع شروع الكثير من منظمات الرعاية الصحية حالياً في الاستفادة من الذكاء الاصطناعي التوليدي بطرق مختلفة. على سبيل المثال، يمكن للأطباء استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي لتطوير خطط رعاية خاصة تتوافق مع احتياجات المرضى. كما يوفر الذكاء الاصطناعي التوليدي حلولاً رائدة على صعيدي التشخيص، وتخطيط العلاج واكتشاف الأدوية، من بين استخدامات أخرى، الأمر الذي يمكّن مقدمي الرعاية الصحية من توفير خدمات رعاية صحية أكثر كفاءة، مع تخصيص رعاية المرضى على نحو غير مسبوق.

الطب الشخصي

يعتمد «إنسليكو ميديسن» Insilico Medicine على الذكاء الاصطناعي التوليدي لإحداث ثورة في اكتشاف الأدوية وخطط العلاج الشخصية.

ومن خلال التنبؤ بتأثيرات الأدوية على الملفات الجينية الفردية المحددة، تمكّن هذه الأداة من تطوير علاجات مخصصة، الأمر الذي يقلل من معدلات التجربة والخطأ في اختيار العلاج، ويعزز فاعلية التدخلات الطبية. وبفضل قدرتها على فحص ملايين الجزيئات بسرعة، بحثاً عن تأثيرات علاجية محتملة، تساهم في تسريع وتيرة الانتقال من مرحلة البحث إلى مرحلة التجارب السريرية بشكل كبير، وتعزز الأمل في تحقيق اختراقات أسرع في الطب.

منصات تفاعلية

منصات تفاعل المرضى المدعومة بالذكاء الاصطناعي

يستخدم نظام «هيرو» Hyro تقنية الذكاء الاصطناعي التوليدي لتشغيل منصة المحادثة المتوافقة مع قانون نقل للتأمين الصحي ومسائل الرعاية الصحية. وتعمل على أتمتة تفاعلات المرضى، وتوفر المعلومات والدعم في الوقت المناسب، بهدف تحسين تجربة رعاية المرضى لمستخدميها، مع المساعدة في الوقت ذاته في تخفيف مشكلات التوظيف داخل المؤسسات الطبية. وبجانب التفاعل مع المرضى، يتكامل الذكاء الاصطناعي من «هيرو» مع أنظمة الرعاية الصحية لتوفير تحليلات البيانات في الوقت الفعلي، التي تعزز الكفاءة التشغيلية وجهود التنسيق لرعاية المرضى.

كشف السرطان مبكراً

يمثل نظام «سكن فيجن» SkinVision خدمة طبية منظمة، قائمة على الذكاء الاصطناعي التوليدي لتحليل صور الجلد، بحثاً عن العلامات المبكرة لسرطان الجلد. ويتولى التطبيق إنشاء تقييمات بناءً على الأنماط المرئية، ما يساهم في الكشف المبكر عن الحالات الصحية المرتبطة بالجلد وعلاجها. ويعتمد الذكاء الاصطناعي التوليدي على خبرة أطباء الجلد وغيرهم من المتخصصين في صحة الجلد. وعبر تشجيع الفحوصات الجلدية المنتظمة، يزيد التطبيق بشكل كبير من فرص نجاح العلاج لمرضى سرطان الجلد.