«هوت ماروك» تستدعي «مراكش الأخرى»

ترجمة إنجليزية لرواية مغربية

غلاف الترجمة الإنجليزية
غلاف الترجمة الإنجليزية
TT

«هوت ماروك» تستدعي «مراكش الأخرى»

غلاف الترجمة الإنجليزية
غلاف الترجمة الإنجليزية

صدرت أخيراً عن دار نشر جامعة سيراكيوز بنيويورك، ترجمة إنجليزية لـرواية «هوت ماروك»، للكاتب المغربي ياسين عدنان، قام بها المستعرب الأميركي أليكس ألينس، رئيس قسم الدراسات العربية في جامعة هانتر بنيويورك.
وقدم الكاتب المغربي الطاهر بنجلون، الرواية للقارئ بالإنجليزية بكلمة على الغلاف الأخير، جاء فيها: «شاهداً على عصره، كأي كاتب حقيقي، يرسم ياسين عدنان صورة معقدة وقوية لمغرب يتجاوز فيه الواقعُ غالباً الخيال، بكتابة سلسة وجميلة، تُثري هذه الرواية على نحو رائع الموروثَ الإبداعي المغربي الجديد».
وكانت «هوت ماروك»، التي صدرت في 2016 ودخلت في القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية (بوكر) لعام 2017، قد صدرت، قبل سنة، في ترجمة فرنسية عن منشورات «آكت سود» بفرنسا، من إنجاز فرانس مايير.
ويقول لنا عدنان ياسين عن الترجمة إنها «تكتسب قيمتَها بالنسبة للكاتب مما تُتيحه لمُنجَزه الأدبي من آفاق قرائية أوسع»، مشيراً إلى أن روايته «استفادت لحد الآن من طبعات عديدة محلياً وعربياً، وما زال الطلب عليها متواصلاً حتى الآن، حتى أن هناك طبعة جديدة للرواية قيد التحضير».
وأشار عدنان إلى التفاعل الإيجابي مع روايته في ترجمتيها الفرنسية والإنجليزية، بالقول: «لا أخفيك أنني فوجئت وأنا أطلع على بعض المتابعات النقدية والقراءات التي نُشرت في بعض المنابر الفرنسية والأميركية إلى توقف هذه الأخيرة عند ظواهر أسلوبية وعناصر فنية وحتى موضوعات فرعية لم أكن أُولِيها قبل الترجمة كبير اعتبار. يُشبه الأمر حاجة العود إلى مفارقة الديار ليكتسب قيمته، وإلا فـ(العود في أرضِه نوع من الحطب) كما قال الشاعر القديم».
وخلص عدنان إلى أن «الترجمة تُثري العمل الأدبي، تكشف عن أبعاد جديدة له، وترفع من شأنه»، من دون أن يخفي سعادته بهاتين الترجمتين، خصوصاً أنهما كانتا خالصتين لوجه الأدب». وزاد موضحاً: «لم تكن تجمعني أي علاقة سابقة لا مع فرانس مايير التي ترجمت الرواية إلى الفرنسية لصالح (آكت سود)، ولا مع المستعرب الأميركي أليكس ألينسون. لقد صادفا الرواية معاً، أحباها وسعيا إلى ترجمتها، ولا أخفيك أنني تعاونت معهما خلال الترجمة، وساهمت معهما في عملية المراجعة والتنقيح وأنا سعيد بالحصيلة».
و«هوت ماروك» هي الرواية الأولى لياسين، الذي من قبل عدة مجموعات شعرية منها «مانكان» و«رصيف القيامة» و«لا أكاد أرى» و«دفتر العابر»، ومجموعات قصصية مثل «من يصدق الرسائل؟» و«تفاح الظل» و«فرح البنات بالمطر الخفيف»، فضلاً عن عمل مشترك مع الشاعر سعد سرحان، تحت عنوان «مراكش... أسرار معلنة»، علاوة على حضوره القوي على مستوى الإعلام الثقافي، مغربياً وعربياً.
وتتميز «هوت ماروك» بكونها رواية عن المغرب وتحولاته. عن مراكش «الحاضرة/ البستان» وما تتعرض له من ترييفٍ واغتيالٍ للأشجار، عن الجامعة وحراكها الطلابي، عن مضارب الإنترنت وقُطاع طرُقها الرقمية، عن أحوال الناس وطبائع البشر، عن السياسة والصحافة، وعن طرافة الحملات الانتخابية في مغرب العزوف عن التصويت والمشاركة السياسية. إنها رواية عن شخصية (رحال العوينة) الجبان خامل الذكر الذي يصير جباراً في الأحلام، أو حين يرقص على الحبال الافتراضية من وراء شاشة».
ويرى فيها كاتبها «صرخة ضد التضليل وخلط الأوراق بشكلٍ صار ممنهجاً في مشهدنا الإعلامي والسياسي»، مشيراً إلى أن عنوانها «ملفق من الترجمة الفرنسية لاسم المغرب وكلمة (هوت) الإنجليزية التي تعني الساخن»، الشيء الذي يعني أنها تتحدث عن «المغرب الساخن على وزن (البريد الساخن) هوتميل، مع العلم أن (هوت ماروك) هو اسم صحيفة إخبارية إلكترونية ستحتضن هيئة تحريرها وكذا فضاءاتها الإلكترونية التفاعلية عدداً من أحداث الرواية»، لافتاً إلى أن «طرافة شخصية رحال ومراوحته الشيقة بين حياتين متوازيتين، الواقعية والافتراضية، وثراء الأحداث والوقائع هو ما استدرجه إلى جنس الرواية».
وتتكئ «هوت ماروك» على شخصيات طريفة تسبر الرواية أغوارها النفسية، ترصد محيطها الاجتماعي، وترسم ملامحها الإشكالية بطريقة فنية: رواية حضرية تستدعي مدينة مراكش وتستضيفها بأسلوب مغاير للطريقة التي اعتادت أن تحضر بها في الرواية المغربية والعالمية. لذلك، فمراكش «هوت ماروك» هي مراكش أخرى، مختلفة عن مراكش التي استهوت الكتاب العرب والغربيين: من السوري أدونيس والعراقي سعدي يوسف، إلى الإسباني خوان غويتسولو، والألماني هانس فيرنر غيردتس، وقبلهم الفرنسي - الألماني إلياس كانيتي، والفرنسي كلود أوليي، وغيرهم.



كمال داود يقلّب مواجع العشرية السوداء

كمال داود
كمال داود
TT

كمال داود يقلّب مواجع العشرية السوداء

كمال داود
كمال داود

تتويج كمال داود بجائزة «الغونكور»، وهي أبرز تكريم أدبي فرانكفوني على الإطلاق، لم يكن مفاجأة، فمنذ أشهر توقّعت عدة تقارير فوز الكاتب الجزائري بالجائزة المرموقة التي كان قد اقترب منها بشكل كبير بعد صدور روايته «مرسو التحقيق المضاد»، العمل الذي وضعه في دائرة الضوء في 2014 بعد أن نال استحسان النخب المثقفة حتى وُصف أسلوبه بـ«البارع والمميز» من قِبل منابر إعلامية مرموقة مثل «النيويورك تايمز».

في روايته الجديدة يُطلّ علينا الكاتب الجزائري بأسلوب أدبي مختلف بعيداً عن السرد الخيالي والأحاديث العفوية التي لمسناها في «مرسو»، فنصّ «الحوريات» مستوحى من الواقع وهو واقع مرّ كئيب، حيث اختار كمال داود تقليب المواجع والنبش في تاريخ الذكريات الدامية التي عاشها وطنه في حقبة التسعينات إبان ما سُمي بـ«العشرية السوداء»، فجاءت اللوحة سوداوية وكأن الجزائر أغنية حزينة وألم مزمن يسكن أعماق الكاتب.

كمال داود

الرواية تبدأ بمونولوج مطوّل لـ«فجر»، وهي فتاة في عقدها العشرين بقيت حبيسة ماضيها وحبالها الصوتية التي فقدتها بعد تعرضها لمحاولة ذبح. المونولوج يمر عبر مناجاة داخلية للجنين الذي تحمله، تخبره فيه عن معاناتها وذكرياتها وعن كفاحها من أجل التحرّر من سلطة الرجال. في الفقرة الثانية تقرر «فجر» العودة إلى مسقط رأسها بحثاً عن أشباحها وعن مبرر تنهي به حياة طفلتها حتى لا تولد في مجتمع ظالم، لتلتقي بعيسى بائع الكتب المتجوّل الذي يحمل جسده آثار الإرهاب وهوساً جنونياً بتوثيق مجازر العشرية السوداء بتواريخها وأماكن وقوعها وعدد ضحاياها. في رحلة العودة تغوص الرواية في جحيم الحرب الأهلية وذكريات الجرائم المروّعة، واضعة تحت أنظارنا مشاهد قاسية صعبة الاحتمال، كالمقطع الذي تستحضر فيه «فجر» ليلة الذبح الذي تعرضت له عائلتها، أو الفقرات التي تروي فيها شخصية «حمراء» ليلة اختطافها لتزوج قسراً وهي لا تزال طفلة. وهي نصوص لها وقعها النفسي إذا ما علمنا بأن الكاتب استوحى كتاباته من الأحداث الواقعية التي عاشها أثناء تغطيته مجازر تلك الحقبة الدامية في تاريخ الجزائر، بينما كان يعمل صحافياً في يومية «لوكوتديان دو أورون» أو أسبوعية وهران.

وأشاد كثير من الأوساط بالقيمة الأدبية للرواية. صحيفة لوموند وصفتها بـ«القوة المذهلة» و«الشاعرية الغامضة». وأشادت صحيفة «لوفيغارو» بالسرد القوي المشحون بالصور الشعرية الصادمة والعواطف الجيّاشة التي تعبّر عن حجم المعاناة. صحيفة «ليبيراسيون» كتبت أنها رواية «أساسية، ومفيدة وشجاعة، وإذا وضعنا جانباً كونها مثقلة بالرموز فإن طاقتها المذهلة تُغلف القراءة». وبالنسبة لصحيفة «سود ويست»، تصرّح بأن «الحوريات» «كتاب رائع وجميل وطموح وإنساني وسياسي للغاية» قبل أن تضيف أن «نفوذ (غاليمار) - دار النشر التي ينتمي إليها كمال داود - ودورها في وصول الرواية إلى التتويج ليس بالهيّن. على أن النقد لم يكن دائماً إيجابياً؛ حيث جاءت وجهات النظر متباينةً بخصوص القيمة الأدبية لرواية كمال داود، ففي قراءات نقدية سابقة لم تلقَ الدرجة نفسها من الاستحسان، فمنهم من عاب على الرواية اللجوء المفرط للرموز بدءاً بالأسماء: «حورية»، «فجر»، «شهرزاد»؛ إلى رمزية الأماكن كالقرية التي شهدت ذبح عائلتها والتي وصلت إليها «فجر» صبيحة عيد الأضحى بينما كان الأهالي يذبحون الأضاحي، حتى كتب أحد النقّاد أن ثقل الرموز سحق القصّة، كما أن تشبث الكاتب بسرد الأحداث الواقعية بتواريخها وأماكنها وعدد ضحاياها جعل القارئ يفقد الصلة بالأسلوب الروائي.

الكاتب استوحى روايته من الأحداث الواقعية التي عاشها أثناء تغطيته الصحافية لمجازر تلك الحقبة الدامية في تاريخ الجزائر

الصحافية والناقدة الأدبية نيلي كابريان من مجلة «لي زان كوريبتبل» وإن كانت قد رحّبت بوجود هذه الرواية وأهميتها، واجهت، كما تقول، مشكلة في «طريقة كتابتها غير المثيرة للاهتمام»: «لقد شعرت بالملل قليلاً بعد فترة من القراءة بسبب الكتابة التي طغى عليها الأسلوب الأكاديمي الفضفاض، فالروايات التي تبدأ بعنوان لا تنجح دائماً، وهو كتاب يهتم فعلاً بمعاناة النساء اللائي ليس لهن صوت، لكن من منظور أدبي، يبقى الأسلوب أكاديمياً منمّقاً، وهو ما جعلني لا أتحمس للاستمرار في القراءة». وبالنسبة للوران شالومو الكاتب والناقد الأدبي المستقل فإن رواية «الحوريات» نصّ شجاع ومُحرج في الوقت نفسه، شجاع لأنه يتعرض لموضوع سياسي حسّاس قد يعرّض صاحبه لمضايقات كبيرة، ولكن وبالرغم من نواياه الحسنة، فإن الكتاب يفتقر للدقة. ويضيف الكاتب: «لم أتعرف على كمال داود في هذا العمل، هو يدّعي أنه شخص آخر وهو ما أصابني بالحساسية، حتى نكاد نراه وهو يحاول تمرير قباقيبه الكبيرة لتبدو كنعال حمراء اللون. الكاتب ركّز في نقده على «السرد المظلم بشكل متصنّع وإرادي لإنتاج إحساس بالعمق، إضافة للجُمل الملتوية المُثقلة بلا داعٍ».

وفي موضوع نقدي آخر مخصّص لرواية «الحوريات» أشاد أرنو فيفيانت الإعلامي والناقد الأدبي بصحيفة «ليبيراسيون» بها واصفاً الرواية بأنها «كتاب (عظيم جداً). على الرغم من طوله (400 صفحة) وكثرة الرموز، فإن الأسلوب الاستعاري يجعل القراءة مذهلة، وهو وإن اقترب من (الغونكور) عام 2014 حين تصور كتابة أخرى لرواية ألبير كامو (الغريب)، فهو، وبعد عشر سنوات، يعود بهذه الرواية الجديدة محاولاً هذه المرة إعادة كتابة (الطاعون) الرواية الأخرى لكامو. ليس فقط لأن الأحداث تدور في مدينة وهران في كلتا الروايتين، ولكن أيضاً بسبب التغيير الذي حدث في أسلوب الكتابة والذي كان قد ميّز رواية (الطاعون) أيضاً».

إليزابيث فيليب الكاتبة الصحافية من مجلة «نوفيل أبسورفاتور» وصفت الرواية بالأساسية والشجاعة لأنها «تتعرض للظلم الذي تواجهه بعض النساء في المجتمعات المحافظة، وهي أساسية من حيث إنها تعطي صوتاً لمن حرم منه». لكنها تصف الرواية في الوقت نفسه بـ«المملّة». وهي تقول بأن تحفُّظها لا يخصّ الأسلوب المنمّق الذي تميزت به الرواية، بل البناء السردي، فـ«الكاتب يدرج القصص الواحدة تلو الأخرى في نوع من التشويش الزمني، محاولاً تبرير ذلك بالسرد الشعري، لكن النتيجة لا تسهّل عملية القراءة التي تصبح أشبه بالتمرين الشاق».