التدهور المعيشي يدفع بعض السوريين إلى مناطق المعارضة

طرق تهريب يقودها عاملون في مؤسسات أمنية وعسكرية

تدريب قوة من الشرطة النسائية في مدينة الباب الخاضعة للمعارضة (أ.ف.ب)
تدريب قوة من الشرطة النسائية في مدينة الباب الخاضعة للمعارضة (أ.ف.ب)
TT

التدهور المعيشي يدفع بعض السوريين إلى مناطق المعارضة

تدريب قوة من الشرطة النسائية في مدينة الباب الخاضعة للمعارضة (أ.ف.ب)
تدريب قوة من الشرطة النسائية في مدينة الباب الخاضعة للمعارضة (أ.ف.ب)

دفعت الظروف المعيشية المتردية في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري، بالعديد من العائلات السورية إلى مغادرتها، واللجوء إلى مناطق المعارضة السورية، خوفاً من تفاقم الوضع أكثر مما هو عليه الآن.
عائلة أبو ياسر وصلت قبل أيام إلى منطقة الباب شمال حلب، الخاضعة لسيطرة فصائل «الجيش الوطني السوري» المدعومة من أنقرة، قادمة من مدينة حماة الخاضعة لسيطرة النظام السوري، وسط البلاد، عبر طرق تهريب محددة، يشرف عليها أشخاص من أصحاب القرار والنفوذ الأمني في مؤسستي النظام الأمنية والعسكرية. أبو ياسر (58 عاماً) غامر بحياته وبحياة بقية أفراد أسرته، هرباً من الفقر والجوع الذي يهدد الجميع، ويقول صاحب الأسرة المكونة من 7 أفراد: «أن يغامر الشخص ويبحث عن فرصة جديدة للحياة، بعيداً عن الفقر والعوز والغلاء، هو حلم كل سوري يعيش الآن في مناطق النظام، حيث بات الاقتصاد في أسوأ حالاته، مع قلة الوقود وغلاء الخبز، فضلاً عن غلاء الدواء والسلع الأساسية في الحياة، حتى بات التسول ظاهرة يومية نراها في كل شارع وزاوية وأمام كل محل وسوق».
ويضيف: «أنا من مدينة حماة التي كان يتوفر فيها كل شيء قبل عشر سنوات، وكانت من المدن السورية الشهيرة بوفرة خيراتها، كالخضار واللحوم والألبان والأجبان، أما اليوم، وبعد أن فشل النظام وحكوماته في إنقاذ الوضع الاقتصادي، فقد بات المشهد مختلفاً تماماً، ولم يعد متوفر ما ذكرته في الأسواق سوى بكميات قليلة وبأسعار لم يعد بإمكان المواطن العادي توفيرها». ويقول إن هذا الواقع دفعه إلى اتخاذ قراره في مغادرة مدينته التي يحبها، بعد بيع منزله ولجوئه إلى أحد أقاربه في مدينة الباب «التي تضج بالحياة ووفرة ما تفتقده أسواق المناطق الخاضعة للنظام، فضلاً عن توفر فرص العمل بأجور قادرة على سد متطلبات الأسرة الحياتية»، على حد قوله.
أما إبراهيم فروح (58 عاماً)، من منطقة السقيلبية بريف حماة، فقد أيضاً اختار الهرب وأسرته، من مناطق تحكمها الميليشيات الموالية للنظام، وتهيمن على الوضع المعيشي والاقتصادي والتجاري، ولجأ هو وأسرته وأسرة أخرى (مسيحية) إلى منطقة الشيخ حديد بريف عفرين، إحدى المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش الوطني السوري، لعله يوفر الحياة الآمنة على مختلف الأصعدة (الأمنية والمعيشية والتعليمية) التي باتت تفتقدها مناطق النظام، بحسب كلامه.
يقول فروح: «لم يعد هناك فرق بين مسيحي أو علوي أو سنّي من الناحية المعيشية في مناطق النظام، فالكل بات يعاني من ضيق المعيشة ومتطلبات الحياة التي تضاهي عشرة أضعاف دخل المواطن، والجميع أصبح تحت خط الفقر». ويتابع أنه لم يعد بإمكان النظام تأمين الوقود ومادة الخبز وكثير من السلع المهمة في حياة الإنسان، فضلاً عن ارتفاع تكاليف التعليم في مدارس ومعاهد وجامعات النظام، التي حرمت آلاف الشبان السوريين من إكمال تعليمهم، وهذه أمور دفعتني وأسرتي إلى مغادرة تلك المناطق واللجوء إلى مناطق درع الفرات، وتأمين مستقبل أبنائي وتعليمهم، بعد أن حصلت على منزل للإقامة ومهنة أكسب منها قوت أسرتي. يقول أحمد الشهابي، وهو ناشط ميداني في مدينة الباب شمال حلب، إن عدداً من العائلات القادمة من مناطق النظام، تصل بشكل يومي، عبر طرق تهريب يشرف عليها متزعمو ميليشيات محلية ضمن مناطق النظام، تعمل على توصيل من يرغب من العوائل، إلى مناطقنا، بكلفة تصل 1500 دولار أميركي للأسرة الواحدة.
ويضيف أن الأسر التي تصل، تأتي من مختلف المناطق السورية، وقد فرَّت بسبب الأوضاع المعيشية المتردية التي تعاني منها مناطق النظام، لافتاً إلى أنه خلال الشهر الحالي وصل ما يقارب 140 أسرة إلى الباب وبزاعة شمال حلب، من خلال التنسيق مع أقارب لهم يعيشون في المنطقة منذ سنوات، وأن أغلب الأسر تمكنت مؤخراً من توفير فرص عمل في الأسواق وتأمين قوت يومها، بالإضافة إلى مساعدة هذه الأسر بسلال إغاثية طارئة من قبل المنظمات والمجالس المحلية.



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.