مروان المعشّر: لم تحدث في منطقتنا مراجعة حقيقية للإرهاب حتى الآن

نائب رئيس مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي قال إن إيران قد لا تدعم الأسد طويلا لانخفاض أسعار النفط

مروان المعشّر: لم تحدث في منطقتنا مراجعة حقيقية للإرهاب حتى الآن
TT

مروان المعشّر: لم تحدث في منطقتنا مراجعة حقيقية للإرهاب حتى الآن

مروان المعشّر: لم تحدث في منطقتنا مراجعة حقيقية للإرهاب حتى الآن

مع اشتداد الأزمة في الشرق الأوسط ووصول الوضع في سوريا إلى طريق مسدود يقابله تعاظم التأثير الإيراني في العراق ودول المشرق العربي، توقفت «الشرق الأوسط» عند دور الأردن ضمن هذه المعادلة السياسية. وفي هذا السياق التقت بالدكتور مروان المعشّر نائب رئيس مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي حاليا، ووزير الخارجية السابق (2002-2004) ونائب رئيس الوزراء (2004-2005) في الأردن. وتطرق الحوار إلى مدى تأثر الأردن بآخر التطورات وما ينبغي عمله للخروج من دوامة العنف في المنطقة. وفيما يلي نص المقابلة.
* تناقلت الصحف أخيرا معلومات عن غرفة عمليات تدير الأزمة في جنوب سوريا، فما هو موقف الأردن حقا من الأزمة السورية؟
- الأردن مع إرساء حلٍ سياسي في سوريا يضمن الانتقال إلى نظام يمثل فئات المجتمع كافة، وهي تعارض في الوقت نفسه وجود الجماعات المتطرّفة مثل «داعش»، فالأردن هي أصلا جزء من التحالف الدولي ضد «داعش».
* كيف تنظر إلى الوضع السوري وإلى الحديث عن مبادرات جديدة من روسيا؟
- لا أتصوّر أن الوضع الحالي يبشّر بحلٍّ سياسي، أولا لأن نظام الرئيس بشار الأسد يشعر أنه يحقق الانتصارات وأنه مستمر ولو لم يكن من حيث سيطرته على كل الأراضي السورية، وثانيا لأن المعارضة السورية المعتدلة ضعيفة ومفكّكة، بينما الجماعات المتطرّفة مثل «داعش» و«جبهة النصرة» عنيفة وهمجية. أضف إلى ذلك العوامل الخارجية مثل التدخّل الإيراني والروسي المستمرّين بدعم الأسد، مقابل دعم دول أخرى قوى المعارضة. إن الوضع القائم اليوم وصل إلى طريق مسدود يسيطر عليه العنف والتقلّب مما سيجرّ مزيدا من القتل والتهجير. لذلك، أنا لا أتصوّر أن فرص الحل السياسي موجودة في المدى القصير أو المتوسط.
* ما زال الدور الإيراني في سوريا يتعاظم على الرغم من العقوبات المفروضة وانخفاض أسعار النفط. وفي الوقت الذي يجب أن ينعكس وضع إيران من حيث العقوبات وأسعار النفط على دعمها للنظام فإن الواقع مختلف، فما تفسيرك؟
- حاليا ترزح إيران تحت عقوبات اقتصادية أدّت إلى انخفاض إنتاجها إلى أقل من مليون برميل في اليوم، ولا أشك في أن إيران لن تتمكّن من السير في هذا الطريق طويلا إذا ما استمرت معدّلات النفط على هذا الحال. وبالتالي، قد يتأثّر دعمها للنظام السوري على المدى البعيد، إنّما أعتقد أن إيران ستكمل بسياستها الحالية تجاه سوريا خلال السنة المقبلة على الأقل.
* كيف تنظر إلى توسّع الدور الإيراني في المنطقة.. وما تأثير المفاوضات النووية عليه؟
- من الواضح أن التأثير الإيراني كبيرٌ جدا على كل من سوريا والعراق ولبنان واليمن. وثمة من يخشى أن تؤدّي التسوية بشأن الموضوع النووي، إذا ما أمكن التوصل إليها، إلى امتداد الهيمنة الإيرانية.. مما يعني أن الاتفاق النووي الأميركي الإيراني قد يسمح بتوسع النفوذ الإيراني في المنطقة. لكنني أظن أن هذه مجرد فرضية ولن تترجم على أرض الواقع في غياب أي دلائل حسية حتى الآن. ثم إن موضوع المفاوضات يقتصر على النووي ولا يتعدّاه إلى الشقّ الإقليمي. أضف إلى ذلك أن الملف الإقليمي في إيران ليس بيد الرئيس حسن روحاني بل يتولاّه «الحرس الثوري» وقاسم سليماني قائد «فيلق القدس» فيه على وجه التحديد، وهذا معسكر مختلف تماما عن التيار المعتدل الذي يمثله الرئيس روحاني ووزير الخارجية محمد جواد ظريف. مع ذلك، لا تزال دول الخليج تخشى من تساهل أميركي إزاء تعاظم النفوذ الإيراني. لكن في رأيي، بغياب أي صفقة أو حل على مستوى المشرق العربي، لا يمكننا ربط موضوع النووي بالموضوع الإقليمي.. أقله في الوقت الراهن.
* على الرغم من توسّع الدور الإيراني في العراق ولبنان وسوريا، لم تستطع إيران أن تحقق ما فعله الرئيس حافظ الأسد في لبنان، أي أن تقوم ببسط سيطرتها التامة، بل ساهمت في تأجيج الاضطراب في البلاد. هل ترى أن ذلك مرتبط بالواقع الديموغرافي والاتكال بالدرجة الأولى على العنصر الشيعي؟
- أساسا، إيران ليست مستعدة على الإطلاق للتخلي عن نظام الأسد الذي يشكل بالنسبة إليها مصلحة استراتيجية أساسية وأكثر من حليف قوي في المنطقة، تماما كما حزب الله. إن إيران ترى الأمور أساسا من منظار استراتيجي وليس من منظار اقتصادي.. لذلك سيتطلب الأمر وقتا طويلا قبل أن نشهد كيف سيؤثر سعر البترول على دعمها لسوريا. ولا شك أن بروز أي نظام جديد في سوريا معاد لحزب الله سيؤدي إلى زيادة الدعم الإيراني للحزب ومضاعفة ضخ المال والسلاح. لذلك نلاحظ هذا التشدد الإيراني وغياب أي مرونة في التعامل بالموضوع السوري.
* هل تعتقد أن المعارضة السورية ستتخذ مبادرة لتوحيد جهودها؟
ـ أتمنى أن تتحد المعارضة السورية، لكن حتى الآن ثمة العديد من الخلافات بعضها شخصي وبعضها الآخر عقائدي حالت كلها دون التوصل إلى اتحاد فعلي. وقد تكون المعارضة السورية المعتدلة اليوم في أضعف حالاتها منذ بدء الثورة السورية، كما أن الاجتماع الذي ضم بعضا من أركانها في موسكو لم يفضِ إلى أي نتائج إيجابية على الأرض. لذلك، لا بد لها أن تعيد جذريا النظر في سياستها. المطلوب خطة جديدة تمكِّن المعارضة من التحدث بصوت موحّد وأن ترسم مستقبلا تشاركيا لسوريا يعطي حقوقا لكل الفئات السورية. إن المكوّن العلوي، كما المسيحي، يحتاج إلى تطمينات جدية بأن مستقبلهما مضمون في سوريا المستقبل. هذه التطمينات الجدية فشلت المعارضة المعتدلة حتى الآن في تأمينها. وهذا، بالطبع، إضافة إلى أن ذراعها العسكرية يجب أن تكون أكثر فعالية.
* كيف تفسر سياسات الرئيس الأميركي باراك أوباما حيال الموضوع السوري؟
- إن «جبهة النصرة» و«داعش» لا يهدّدان فقط المصالح الأميركية الإقليمية. ولا يجب أن ننسى أن الرئيس باراك أوباما انتخب على خلفية وعوده بالخروج من العراق بعد النقمة الشعبية الأميركية التي تصاعدت بعدما تبين أن الـ3 آلاف مليار دولار التي جرى صرفها والـ500 ألف جندي لم يحققوا الاستقرار في العراق. فلماذا سيكون الوضع مختلفا في سوريا؟ تركز السياسة الأميركية حاليا على إدارة الأزمة في سوريا بأقل خسائر ممكنة. أضف إلى ذلك أن الرئيس الأميركي لا يشعر أن الرأي العام يعارض سياسته.
* كيف أثر مقتل الطيار الأردني معاذ الكساسبة على الوضع السياسي في الأردن؟
- أنتج مقتل الشهيد الكساسبة تضامنا كبيرا في الأردن. فقبل هذه الحادثة المأساوية كنا نرى بعض المشكّكين إزاء انضمام الأردن إلى التحالف الدولي، هذا التشكيك انحسر إلى حد كبير بعد مقتله. كما أن جلالة الملك عبد الله الثاني ينادي بحل آيديولوجي ضد «داعش» أكثر منه عسكريا. بمعنى أن الحرب يجب أن تكون فكرية ويجب إظهار صوت الإسلام الحقيقي المعتدل المتسامح الذي يبعد كل البعد عن منهج «داعش».
تفرض هذه المقاربة تعديل نواحٍ داخلية وإقليمية عدة كإعادة النظر، مثلا، بالسياسة التربوية والدينية والاقتصادية. فالعديد ممن يلتحق بـ«داعش» يفعل ذلك لدواعٍ حياتية، أضف إلى ذلك انفتاح الساحة السياسية. كل هذه الأمور أصبحت ضرورة أساسية بحيث لم يعد بإمكان العالم العربي تجاهلها إن أردنا معالجة موضوع «داعش» بصورة جذرية. فـ«داعش» لم يأت من العدم بل من صلب هذه المنطقة، ولا يكفي أن نقول إنهم لا يمثلون الإسلام لأنهم لم يأتوا من الفراغ.
لذلك يجب مراجعة التحديات التي دفعت بهؤلاء الأشخاص إلى السير في هذا الطريق. في الوطن العربي لم ندرك حتى الآن خطورة سياساتنا ونحن نعتقد مخطئين أن الحل العسكري كفيل بالتصدي لهذه الحركات، غير أن الحل الحقيقي والفعلي يحتاج إلى مراجعة طويلة وعميقة لم تحصل بعد.



تركيا وإحياء «داعش» في ليبيا

قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)
قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)
TT

تركيا وإحياء «داعش» في ليبيا

قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)
قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)

غداة الزيارة المريبة التي قام بها الوالي العثماني المنحول إردوغان إلى تونس، علا صوت الكثير من الأحزاب التونسية والاتحادات العامة للشغل وغيرها من جماعات المجتمع المدني بالرفض لأن تكون تونس ممراً أو مستقراً لنقل «الدواعش» من سوريا إلى ليبيا بواسطة تركيا عبر بلادهم».
المطالب المتقدمة تعني أمراً واحداً، وهو يقين الشرفاء والنبلاء من الشعب التونسي بأن بعض من نوايا إردوغان الحقيقية بالنسبة لليبيا موصول بإعادة إنتاج التنظيم الإرهابي الأشرس في العقود الأخيرة (داعش)، وربما في طبعة جديدة أسوأ مما شهده العالم في العراق وسوريا خلال النصف الثاني من العقد الماضي.
أسئلة كثيرة تطل برأسها من نافذة الأحداث المتسارعة عن أحوال «داعش» وعن الفوضى والارتباك اللذين تتسبب فيهما تركيا في ليبيا، وفي الوسط تسعى لنقل معركتها إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط، وإلى العمق الأفريقي لأهداف سنأتي على تفصيلها.
علامة الاستفهام الأولى في هذا الحديث: «ما هو وضع الدواعش في الوقت الحاضر في موطن النشوء الأول ومن حول بلاد الشام التاريخية؟».
الجواب نجده بالتفصيل والأرقام عند هارون ي زيلين، الباحث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، وعنده أنه في عام 2019 قدر البنتاغون أن ما بين 14 و18 ألف من مقاتلي تنظيم «داعش» لا يزالون في العراق وسوريا، والتساؤل ما الذي يفعلونه هناك؟
بلا شك مواصلة العمل كتنظيم إرهابي متمرد يكرس أعضاؤه جل وقتهم لمحاولة تهريب السجناء، وربما إعادة السيطرة على الأراضي، ومن خلال حرب استنزاف يعتقدون أنهم سيرهقون أعداءهم، كما أنهم يستفيدون من أي مساحات لا تسيطر عليها الحكومة المركزية أو يلعبون على وتر خطوط الصدع السياسية أو العرقية أو الدينية آملين في استغلالها لصالحهم.
> هل لدى التنظيم حتى الساعة مقدرة مالية على إدارة شؤونه بنفسه والإنفاق على عملياته الإرهابية؟
ــــ من الواضح أن الدواعش لا يزالون قابضين على ثروة تقدر بنحو 300 مليون دولار، ووفقاً لتقرير صادر عن الأمم المتحدة في يوليو (تموز) 2019، فإن «داعش» استثمر مجدداً أمواله في أعمال مشروعة، وربما بأسماء وهمية لا علاقة لها بأعضائه الإرهابين، أي من خلال عناصر نائمة، وذلك عبر العقارات، ووكلاء السيارات، ويوجد عدد منها في تركيا وفقاً لوزارة الخزانة الأميركية التي صنفت أفراداً من تنظيم «داعش» وشركات تحويل وصرافة على لائحة الإرهاب.
> ماذا تعني تلك البيانات المتقدمة؟
ــــ باختصار غير مخل، تشير إلى أن التنظيم لا يزال باقياً وفاعلاً، وأن الأيادي التركية السوداء تقف وراءه في أقصى الشرق، وها هي تجد فرصة غير مسبوقة ليعبر المتوسط جهة الغرب ويحل برحاله في ليبيا.
لم ينس إردوغان للحظة واحدة أنه في الشرق من ليبيا، توجد مصر الكنانة التي أسقطت مشروعه في عام 2013؛ فقد خيل له أنه قد أضحى الخليفة الجديدة بعد سنوات الربيع المغشوش؛ ولهذا فإن ملامح وعلامات الانتقام من مصر لا تغيب عن ناظريه، وقد حاول كثيراً استخدام الطابور الخامس من الإخوان المسلمين في مصر في زعزعة استقرار المحروسة وأخفق؛ ولهذا فقد بدا واضحاً أن الرجل المقهور يود نقل معركته إلى الداخل المصري بالاقتراب الكبير والمؤثر والفاعل؛ الأمر الذي لا يغيب عن أعين صقور المؤسسة العسكرية المصرية التي تقف له بالمرصاد.
وجد إردوغان ضالته المنشودة في جماعة الوفاق المنحلة، التي هي مزيج من الإخوان المسلمين والدواعش و«القاعدة» والجماعات الإرهابية كافة الشاردة والواردة، ومن خلال عمليات لوجيستية تتضح ساعة بعد أخرى، يمضي في إحياء التنظيم القاتل وله في ذلك أيضاً مأربان، أحدهما جهة الشمال والآخر ناحية الجنوب...ماذا عن ذلك؟
أما الشمال، فالمقصود به أوروبا، حيث العداء التاريخي المستحكم من تركيا تجاه أوروبا، وإردوغان يشعر بالغدر والخيانة من جراء رفض الاتحاد الأوروبي قبوله تحت سقفه؛ ولهذا أطلق تصريحات ذات طبيعة دوجمائية أكثر من مرة، حاول بها تفعيل مشاعر ديماجوجية في وسط الأتراك ليكتسب شعبية، رغم أن الأمر ارتد عليه مؤخراً بالسلب.
يسعى إردوغان من تأصيل وجود «الدواعش» على الشاطئ المتوسطي المواجه لأوروبا إلى استخدام الإرهاب الأصولي كأحدى أوراق نفوذه ضد ألمانيا، وفرنسا، وإيطاليا، والبرتغال، وقبلهما اليونان وقبرص، وهو أمر ليس بجديد عليه، فقد صرح قبل فترة بأنه قادر على فتح بوابات الوصول إلى أوروبا أمام اللاجئين والدواعش لإغراق أوروبا، وربما إحراقها بنيران الدواعش ومن لفّ لفّهم.
إردوغان أيضاً له مأرب آخر يتصل بعمق القارة الأفريقية، وهو يدرك أن ما فقده من أوهام الخلافة في الشرق الأوسط، ربما يجد له صدى في وسط أفريقيا، حيث يغيب الأمن كثيراً عن بعض الدول من جهة، ولا سيما المفككة اجتماعياً، وحيث تنتشر جماعات الإرهاب المشابهة من «حركة الشباب» و«بوكو حرام» وما شابه، وغالبيتها قد أعلنت ولاءها وانضواءها تحت راية تنظيم «داعش» الإرهابية وليس الإسلامية قبل نحو عامين.
والشاهد، أن إردوغان لا ينشئ فرعاً جديداً لـ«داعش» في ليبيا، وإنما يسعى لإيقاظ المؤتلفة قلوبهم، إن جاز التعبير، أولئك الذين هم دواعش في الباطن وإن أبدوا خلاف ذلك في العلن، والمعروف أن الأرضية الأصولية الإخوانية في ليبيا كانت قد انتهزت فرصة الإطاحة بمعمر القذافي عام 2011، حيث أقام المقاتلون مثل سوريا والعراق حكماً دينياً، غير أنه وفي عام 2016 استطاعت قوات الحكومة ومقاتلون من مصراتة بدعم من القوات الأميركية الخاصة وطائرات «إف 16» إخراج مقاتلي التنظيم من سرت في ديسمبر (كانون الأول) 2016.
في ذلك الهجوم قُتلت أعداد كبيرة من المتشددين، في حين هرب البقية إلى الجنوب بحثاً عن ملاجئ آمنة، وأقاموا معسكرات تدريب استخدموها للسطو على شاحنات النفط، وحصلوا على موارد من خلال التهريب، وهرب بعضهم إلى النيجر، حيث انضموا إلى فرع التنظيم هناك. ورغم عددهم القليل فإنهم استمروا في هجماتهم السريعة.
مؤخراً، وحتى قبل التدخل الإردوغاني المسموم، بدأ القلق يتزايد في سرت مرة أخرى، حيث تم اعتقال عشرة أشخاص يشتبه بتعاطفهم مع التنظيم، منهم مهندسة عثر على جهاز لاسلكي في بيتها، كما قبض على رجل قابل أعضاء في «خلية نائمة»، وأقاموا حاجز تفتيش خارج المدينة لإظهار أنهم لا يزالون فيها.
> هل بدأت مرحلة إحياء «داعش» ليبيا بشكل رسمي الأيام الأخيرة وبدعم علني من تركيا لا يواري ولا يداري أهدافه الآثمة؟
ــــ من الواضح أن ذلك كذلك، ولا سيما في ضوء ما رصده «المرصد السوري لحقوق الإنسان» في سوريا، والذي أشار قبل أيام إلى أن الفصائل السورية الموالية لتركيا قد افتتحت هناك مراكز تسجيل أسماء الأشخاص الراغبين بالذهاب للقتال في ليبيا.
> هل بدأ الحشد «الداعشي» التركي طريقه إلى ليبيا بالفعل؟
ــــ الشاهد، أنه، ومن أسف، قد بدأ عشرات الأشخاص يقصدون تلك المراكز للالتحاق بالمعارك في ليبيا للعمل تحت الحماية التركية هناك، كما نقلت مصادر محلية قولها إن الفصائل الموالية لتركيا تشجع الشباب على الالتحاق بالحرب الليبية، وتقدم مغريات ورواتب مجزية تراوح بين 1800 و2000 دولار أميركي لكل مسلح شهرياً، علاوة عل تقديم خدمات إضافية تتكفل بها الدولة المضيفة.
ولعل الذين تابعوا الأسبوع الماضي تصريحات المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي اللواء أحمد المسماري قد وقر لديهم أن عجلة إحياء تنظيم «داعش» في ليبيا قد دارت بالفعل، وذلك من خلال الأصابع المشبوهة للمخابرات التركية التي تقوم بنقل عناصر التنظيم، عطفاً على القادمين والمنتمين الجدد والذين هم في غالبيتهم مرتزقة ومؤدلجون أصوليون، والنوعان معاً، ولا سيما من أعضاء «جبهة النصرة» من سوريا إلى ليبيا عبر مطار جربة في تونس، الأمر الذي يعود بنا إلى الحديث عن تونس مرة جديدة، ويربط بينها وبين ما يجري في ليبيا.
> هل تعرّض التونسيون إلى خدعة كبرى في اختيارهم الأخير؟
ــــ مهما يكن من أمر ساكن القصر الرئاسي، إلا أن المؤكد أن حزب «النهضة التونسي» ليس إلا وجهاً آخر من أوجه الإخوان المسلمين في تونس، وهو أحد فروع التنظيم الدولي لـ«الإخوان» المسلمين المنتشر حول العالم، يأتمر بأمرهم، ويتوجه كيفما يعنّ لبوصلتهم.
هنا يصبح من الحقيقي التسليم بالمعلومات التي رصدها الجيش الليبي من استخدام مطارات تونس لغرض إنشاء «داعش» جديدة على الأراضي الليبية، ومنها مطار جربة، حيث تم إنزال مجموعات إرهابية في تونس، وتم نقلهم إلى ليبيا عن طريق الجبل الغربي، ومطار مصراتة وزواره، ومعتيقة تحديداً التي استقبلت أعداداً كبيرة من «جبهة النصرة» وتنظيم «داعش».
في هذا السياق، يبقى من الطبيعي أن تنهض آمال «الدواعش» في تونس في الفترة المقبلة، أولئك الذين سيصبحون الجسر الواصل بين تونس وليبيا؛ الأمر الذي حذر منه البرلمان التونسي السابق قبل عودة النهضة الكارثية مرة أخرى، لكن في ظل السيطرة الإخوانية التونسية الأخيرة يكاد يكون الأمل سراباً في إعادة ضبط وتموضع «الدواعش» التونسيين.
حين نشير إلى أن دواعش ليبيا قد بدأوا مرحلة مغاير آخذة في التصاعد الإرهابي المؤلم، فإننا لا نرجم بالغيب، بل من خلال أدلة ليس آخرها الفيديو الذي أذاعوه نهار الخامس من ديسمبر 2019، وفيه ذبح لمواطنين ليبيين بينهم موظفون حكوميون سقطوا أسرى في أيدي التنظيم، ومشاهد بشعة لعمليات إعدام جماعية بالرصاص، في منطقة الفقهاء جنوب ليبيا.
الفيديو بثته وكالة «أعماق» التابعة لتنظيم «داعش» حمل اسم «وأخرجوهم من حيث أخرجوكم»، استمر نحو 31 دقيقة وأظهر معاملة مشينة من عناصر التنظيم للأسرى الذين وقع اختطافهم، أو المواطنين الذين تم اعتقالهم خلال عملياته الإرهابية على بلدة الفقهاء، حيث وثقت مقاطع عملية إعدام جماعية لأشخاص مكبلين رمياً بالرصاص على رؤوسهم.
الأسئلة الجوهرية في هذا السياق، هل ستبقى أوروبا مكتوفة الأيدي أمام تركيا وهي تعيد سيرة حروب القرون الوسطى من جديد، وهل ستكتفي بدور المشاهد بعد أن أسقطت نظام القذافي ولم يكن لها خطة لليوم التالي؟
ثم فيما يخص أميركا، لماذا يتسم موقفها بالميوعة السياسية، وهل يخشى إردوغان من التورط في الأزمة الليبية عسكرياً وهو في عام الانتخابات ولديه من الإشكاليات الداخلية ما يكفي؟
ألا تعد خطط إردوغان نوعاً من تهديد السلم العالمي، الأمر الذي يستوجب التنادي إلى البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة الخاص بالاتحاد من أجل السلم قبل أن يستفحل الضرر ويتحول المشهد إلى حرب إقليمية؟
ثم ما هو الدور الروسي في ليبيا وهي التي تسعى لاستعادة نفوذها هناك، وهل سيقدر لها قطع الطريق على الآغا العثمانلي بطريق مشابهة لما فعلته مع الدواعش في سوريا؟