الميليشيات الشيعية الأفغانية.. «الجهاد» بصبغة «الإرهاب»

جهود إيران لم تقنع بعد المرجع آية الله العظمى آصف محسني للإفتاء بوجوب القتال في سوريا

الميليشيات الشيعية الأفغانية.. «الجهاد» بصبغة «الإرهاب»
TT

الميليشيات الشيعية الأفغانية.. «الجهاد» بصبغة «الإرهاب»

الميليشيات الشيعية الأفغانية.. «الجهاد» بصبغة «الإرهاب»

ظهرت على السطح من جديد مجموعة من المؤشّرات الدالة على «تطييف» إيران للحرب الدائرة في سوريا. إذ نقلت وكالات أنباء الجمهورية الإسلامية وعدة مواقع وصحف مقتل سبعة أفراد من الميليشيات الأفغانية الموالية لطهران في جبهات سوريا؛ ولقد شيع جثمان علي رضا توسلي قائد «لواء فاطميون» ورفاقه مساء الثلاثاء 3 مارس (آذار) الحالي في مدينة مشهد الشيعية المقدسة شمال شرقي إيران.
ويبدو أن إقحام الشيعة الأفغان – وجلّهم من الهزّارة – في آتون القتال السوري لم يحظَ بعد بالدراسة والتحقيق اللازمين. ومن هنا سنحاول رصد هذه القضية بشكل أوّلي، مع ربطها بمنهج «التشبيك» الذي يعتمده «فيلق القدس» - ذراع الحرس الثوري الإيراني - في كل من سوريا والعراق واليمن. إذ لم يعد خافيا أن «فيلق القدس» زجّ برجاله في أكثر من معركة ومنطقة عربية، مستندا في ذلك إلى دعم ديني جارف من المراجع الشيعية المعتمدة.

وكانت بعض المصادر الإعلامية الإيرانية يوم 28 فبراير (شباط) 2015م قد أعلنت عن مقتل توسّلي، القائد الفعلي المعيّن من طرف قاسم سليماني لقيادته «لواء فاطميون» بعد انفصاله عن ميليشيا «أبو الفضل العباس»، الذي كان يتشكل أساسا من عناصر «الباسيج» الإيراني والشيعة العراقيين. بينما يتكون «لواء فاطميون» من عناصر قوميّة الهزارة الشيعية في أفغانستان التي تتكلم الفارسية، ويتلقى أبناؤها التدريب والتسليح على يد «فيلق القدس» الإيراني للتدخل في المنطقة.
هذه العملية التي وقعت في معركة تل القرين، بمحافظة درعا في جنوب سوريا، أسفرت عن مقتل 6 أفغان من «لواء فاطميون»، بالإضافة لتوسّلي الملقب بـ«أبو حامد» هم: نعمة ‌الله نجفي وقاسم سادات ومحمود حكیمي وجاوید یوسفي وحسین حسیني ورضا بخشي الملقب بـ«فاتح»، والذي يعتبر المعاون الأول لتوسّلي.
وإذا كانت نتائج معركة تل القرين قد سلّطت الضوء على الميليشيات الشيعية الأفغانية، فإنها لم تكن الأولى على التراب السوري. ذلك أنه منذ دخول «فيلق القدس» عام 2011م لمساندة نظام بشار الأسد، توالت المعارك التي شارك فيها الأفغان الشيعة، خاصةً، عندما تمكن توسّلي عام 2012م من تكوين ميليشيا «لواء فاطميون»، معلنا بذلك الاستقلال عن لواء «أبو الفضل العباس».
هذا، وقد بدأت تقارير وسائل الإعلام تتحدّث عن جنائز المجنّدين الأفغان الذين قتلوا في سوريا في الظهور منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2014م. ويبدو أن هذا الموضوع بدأ يستأثر بمزيد من الاهتمام في وسائل الإعلام الإيرانية والدولية، خاصة مع تزايد عدد القتلى الأفغان في الجبهات السورية. فيوم 12 أكتوبر (تشرين الأول) 2014 وحده شيّع عشرة عناصر من الميليشيات الشيعية اﻷفغانية في مدينتَي قُم ومشهد الإيرانيتين، في أعقاب مقتلهم إبان المواجهات التي جرت في بلدة حندرات ومحلة الملاح، شمال غربي مدينة حلب، وريف حماه ضمن المعركة التي أطلق الأفغان عليها «المهدي المخلّص». واليوم، يمكن تقسيم الميليشيات الشيعية الأفغانية المقاتلة في سوريا إلى ثلاث مجموعات:
ـ المجموعة الأولى، كانت موجودة في سوريا قبل الثورة، وكان عناصرها يقيمون بجوار ضريح السيدة زينب، بجنوب العاصمة دمشق؛ ولقد انخرطت في القتال إلى جانب النظام السوري بُعيد اندلاع الثورة مباشرة.
ـ المجموعة الثانية، تتكون من اللاجئين الذين خضعوا للتدريب في إيران وهم الأكثر عددا، وتأثيرا في الحرب، خاصةً بعد اندماجهم مع المجموعة الأولى تحت اسم «فيلق فاطميون».
ـ أما المجموعة الثالثة، فتضم بعض الأفغان الشيعة الذين كانوا يعيشون في دول مختلفة، واستقطبوا على أساس مذهبي من أجل «الجهاد» في سوريا.
هذا، واستطاع «الحرس الثوري الإيراني» بالفعل جلب وتجنيد الآلاف من الشباب الشيعي الأفغاني من المجموعات الثلاث؛ وإخضاعهم للتدريب والتسليح. كما قدم لهم إغراءات تتصل بوضعيتهم المادية والقانونية. فالواحد من هؤلاء يقاتل مقابل 500 دولار في الشهر، وتوفير الإقامة لهم ولأسرهم. وما زال الشيعة الأفغان الذين ينحدرون من ولاية هراة الأفغانية يشكلون الغالبية من المقاتلين.
وحسب وكالة الأمم المتحدة، فإن إيران تستقبل على أراضيها مليون لاجئ أفغاني مسجل، إضافة إلى نحو مليوني مهاجر غير مسجّل، وفقا لمنظمة «هيومان رايتس ووتش». وأن نحو 800 شخص من الأفغان يحاولون يوميا عبور الحدود بطريقة غير مشروعة بأمل إيجاد فرص للعمل داخل إيران.

* دور المرجعيات الدينية
* لم ينحصر دور المرجعيات الدينية الشيعية في الدعوة لـ«القتال المقدس» في العراق، بل أصدرت فتاوى تحضّ على تشكيل فيلق عسكري بحجة الدفاع عن مرقد السيدة زينب. ومن ذلك ما ذهب إليه المرجع الديني الشيخ قاسم الطائي حينما قال: «إن الفكرة بدأت من النجف الأشرف من خلال مجموعة من الشباب استأذنونا في تشكيل (لواء أبو الفضل العباس)، وأرسلت لهم فيما بعد رسالة واضحة، أخذت على أيديهم وباركت لهم العمل لأنه يمثل قضية أساسية بالنسبة للمذهب الشيعي».
ويبدو أن الجهود الإيرانية لم تقنع حتى الآن المرجع الأفغاني البارز آية الله العظمى الشيخ محمد آصف محسني، للإفتاء بوجوب القتال في سوريا. وكان المرجع الشيعي الأفغاني المقيم في قُم قد أجاب الشبان الأفغان الذين أرسلوا يسألونه عن وجوب القتال، فاعتبر الوجوب مقتصرا على الدفاع عن المراقد الشيعية. ويمكن أن تكون هذه المرجعية الأفغانية غير راضية على طريقة الاستغلال العسكري الذي يقوم به «الحرس الثوري» فيما يخص الزج بالشباب الأفغاني المتشيّع في آتون الحرب السورية.
مع هذا تواصل إيران جهودها الرامية لكسب مزيد من النفوذ داخل أفغانستان. فمنذ الغزو الأميركي لهذا البلد 2001م، تسارعت وتيرة النشاط الديني والاستخباراتي الإيراني هناك. وأعلنت طهران في مارس 2015م أنها بدأت بالعمل على تأسيس حوزة «فاطمة الزهراء»، لتكون أول حوزة شيعية في العاصمة الأفغانية كابل. وقال موقع «شيعة أونلاين» إنها ستكون أكبر مركز شيعي في أفغانستان.
وفي حين تبرّر إيران هذه الخطوة بنشر علوم «أهل البيت» وإبلاغ رسالتهم إلى الشعب الأفغاني الذي تم تغييبه عن فضائل أهل البيت؛ بسبب نشاط المؤسسات السنّية، كما تقول، فإن ذلك في الحقيقة يندرج ضمن الاستراتيجية التوسعية، التي تستعمل فيها طهران الجانب الديني المذهبي، والجانب الأمني العسكري، لبناء نفوذها في محيطها الإقليمي.

* الجسر الجوي في خدمة القتال
* في السياق نفسه، أقامت إيران جسرا جويا يربطها بالعاصمة السورية دمشق بمعدل أربع رحلات جوية يوميا. ووفق كلام أحمد رمضان، عضو «الائتلاف الوطني السوري» المعارض، لـ«الشرق الأوسط»: فإن «هذه الخطوة استهدفت نقل المقاتلين العراقيين والأفغان عن طريق بغداد إلى اللاذقية ليتلقوا تدريبات عبر الحرس الثوري للقتال مع قوات بشار الأسد في منطقة حوران السورية». وأكد رمضان أن المقاتلين الشيعة الأجانب أصبحوا يشكلون 80 في المائة من عدد المقاتلين المؤيدين للنظام على جبهات حوران. ويرى رمضان إمكانية توجيه «الائتلاف» رسالة إلى حكومة أفغانستان لوقف تدفق مقاتلين من الهزارة الشيعة في أفغانستان على جبهات سوريا.
أخيرا، وبصفة عامة، تبقى قضية الميليشيات الأفغانية في سوريا قضية استغلال للدين والطائفية لأغراض عسكرية. ويبدو أن الاستراتيجية الإيرانية منذ الغزو الأميركي لأفغانستان تقوم على دمج الشيعة الأفغان ضمن خريطة المجال «الحيوي الإيراني الجديد»؛ وفيها تستعمل إيران «الحرس الثوري» والتحالفات الطائفية لتكريسه وحمايته، غير آبهة بما تخلفه هذه الاستراتيجية من نشر للإرهاب والعنف السياسي في الشرق الأوسط. ولذا لم يكن غريبا أن تعمل على تعميم تجربتها فيما يخص وحدات «الباسيج»، وتنقلها للعراق وسوريا واليمن. بينما تخضع الشيعة الأفغان لتجربة مريرة في سوريا في أفق بناء ميليشيات شيعية أكثر قوة على الأراضي الأفغانية، تلعب دور حماية المصالح القومية والحوزة الدينية.

* أستاذ العلوم السياسية في جامعة محمد السادس بالمغرب



«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)
TT

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)

قبل نحو شهر تقريباً أدرجت السلطات البريطانية جماعة «حزب الله» بمؤسساتها المختلفة السياسية والعسكرية كمنظمة إرهابية، ومن قبلها مضت ألمانيا في الطريق عينه، الأمر الذي دفع المراقبين لشأن الميليشيات اللبنانية الجنسية الإيرانية الولاء والانتماء للتساؤل: «ما الجديد الذي جعل الأوروبيين يتصرفون على هذا النحو؟»

الشاهد أن الأمر لا يقتصر فقط على الجانب الأوروبي، بل أيضاً تبدو الولايات المتحدة الأميركية في حالة تأهب غير مسبوقة، وسباق مع الزمن في طريق مواجهة الخلايا النائمة «لحزب الله» على أراضيها، ناهيك عن تلك المنتشرة في الفناء اللوجيستي الخلفي، لها أي في أميركا اللاتينية.
غير أن الجديد والذي دفع جانبي الأطلسي لإعلان مواجهة شاملة لميليشيات «حزب الله» هو ما توفر لأجهزة الاستخبارات الغربية، والشرقية الآسيوية أيضاً، لا سيما تلك التي ترتبط بعلاقات تبادل أمني مع بروكسل وواشنطن، من معلومات تفيد بأن «حزب الله» ينسج خيوطاً إرهابية جديدة في دول أوروبية وأميركية وآسيوية، من أجل الاستعداد للمواجهة القادمة حكماً في تقديره بين طهران والغرب.
ليس من الجديد القول إن ميليشيات «حزب الله» هي أحد أذرع الإيرانيين الإرهابية حول العالم، وقد أعدت منذ زمان وزمانين من أجل اللحظة المرتقبة، أي لتكون المقدمة الضاربة في إحداث القلاقل والاضطرابات، ومحاولة ممارسة أقصى وأقسى درجات الضغط النفسي والمعنوي على الأوروبيين والأميركيين، مع الاستعداد التام للقيام بعمليات عسكرية سواء ضد المدنيين أو العسكريين في الحواضن الغربية حين تصدر التعليمات من نظام الملالي.
مؤخراً أشارت عدة مصادر استخباراتية غربية لعدد من وسائل الإعلام الغربية إلى الخطة الجديدة لـ«حزب الله» لإنشاء شبكات موالية له في العديد من مدن العالم شرقاً وغرباً، الأمر الذي أماطت عنه اللثام صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية بنوع خاص والتي ذكرت في تقرير مطول لـ«نيكولا باروت»، أن فكر التقية الإيراني الشهير يمارس الآن على الأرض، بمعنى أن البحث يجري على قدم وساق من أجل تجنيد المزيد من العناصر لصالح ميليشيات «حزب الله»، لكن المختلف هو انتقاء عناصر نظيفة السجلات الأمنية كما يقال، أي من غير المعروفين للأجهزة الأمنية والاستخباراتية سواء الأوروبية أو الآسيوية أو الأميركية.
هل الحديث عن عناصر «حزب الله» في الغرب قضية حديثة أم محدثة؟
الواقع أنهما الأمران معا، بمعنى أن ميليشيات «حزب الله» كثفت حضورها الخارجي في الأعوام الأخيرة، لا سيما في أميركا اللاتينية، وهناك جرى إنشاء «كارتلات» تعمل على تهريب البشر والسلاح والمخدرات من جهة، وتتهيأ لمجابهة أميركا الشمالية من ناحية أخرى.
ولعل المثال الواضح على قصة هذا الاختراق لدول القارة اللاتينية يتمثل في قضية الإرهابي سلمان رؤوف سلمان، الذي شوهد مؤخراً في بوغوتا بكولومبيا، والذي ترصد الولايات المتحدة الأميركية عدة ملايين من الدولارات لاقتناصه، بوصفه صيداً ثميناً يحمل أسرار ميليشيات «حزب الله» في القارة الأميركية الجنوبية برمتها.
أما المثال الآخر على الخلايا النائمة في الولايات المتحدة الأميركية فيتمثل في شخص علي كوراني الذي تم القبض عليه في نيويورك بعد أن تم تجنيده لصالح «حزب الله» لتنفيذ هجمات إرهابية، حال تعرض إيران أو «حزب الله» في لبنان لهجمات من جانب الولايات المتحدة الأميركية، ولاحقاً أكدت التحقيقات التي جرت معه من قبل المباحث الاتحادية الأميركية أنه أحد أعضاء وحدة التخطيط للهجمات الخارجية في الحزب والمعروفة بـ«الوحدة 910».
كارثة كوراني تبين التخطيط الدقيق لإيران وأذرعها لإصابة الدول الغربية في مقتل، ذلك أنه كان دائم التنقل بين كندا والولايات المتحدة، حيث حاول تهريب متفجرات من كندا إلى الداخل الأميركي.
كان كوراني مثالاً على الخلايا النائمة التابعة «لحزب الله» في دول العالم، لا سيما أنه ينتمي لعائلة معروفة بصلاتها الوثيقة مع الحزب، وقد التحق بمعسكر تدريب تابع للحزب عندما كان في السادسة عشرة من عمره، وتعلم إطلاق النار، والقذائف الصاروخية قبل أن يجند كجزء من خطة للانتقام لمقتل عماد مغنية أحد قادة «حزب الله» رفيعي المستوى الذي قضى بسيارة مفخخة في دمشق عام 2008.
هل كان القبض على كوراني المدخل للخطط الجديدة لميليشيات «حزب الله» لنسج خيوط شبكات إرهابية جديدة غير معروفة لقوى الأمن والاستخبارات الدولية؟
يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل، ولهذا تقضي الآلية الجديد تجنيد عناصر غير عربية، وغالباً ما يكون المعين المفضل من دول شرق وجنوب آسيا، والتي تكثر فيها الحواضن المشبعة بالإرهاب الأصولي، وقد كان آخر شخص تم الاشتباه فيه مهندس باكستاني لا يتجاوز الثلاثة عقود من عمره، وبدا أنه على اتصال «بحزب الله».
ويعزف القائمون على الميليشيات الخاصة «بحزب الله» على الأوتار الدوغمائية الشيعية تحديداً، ويستغلون الكراهية التقليدية تجاه الولايات المتحدة الأميركية والقارة الأوروبية، ويلعبون على أوتار القضايا الدينية، مظهرين الصراع بين إيران والغرب على أنه صراع ديني وليس آيديولوجياً، وفي الوسط من هذا يقومون بتجنيد من يقدرون على تعبئتهم، وفي هذا تكون الكارثة لا الحادثة، أي من خلال استخدام جوازات سفرهم الأجنبية أو تزويد بعضهم الآخر بجوازات سفر قد تكون حقيقية مسروقة، أو مزورة، ليمثلوا حصان طروادة في الجسد الأوروبي أو الأميركي.
لا تكتفي خطط ميليشيات «حزب الله» الخاصة بإعداد شبكات إرهابية جديدة في الغرب بالطرق التقليدية في تجنيد عناصر جديدة من الصعب متابعتها، بل يبدو أنها تمضي في طريق محاكاة تنظيم «داعش» في سعيه لضم عناصر إرهابية إضافية لصفوفه عبر استخدام وسائط التواصل الاجتماعي الحديثة من مخرجات الشبكة العنكبوتية الإنترنت، مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام».
في هذا السياق تبدو الخطط الجديدة لـ«حزب الله» كمن ينسج شبكات إرهابية في العالم الرقمي، بمعنى أنها خطط لتجنيد المزيد من «الذئاب المنفردة»، تلك التي يمكن أن يتفتق ذهنها عن وسائل انتقام غير مدرجة من قبل على خارطة الأعمال الإرهابية، فكما كان استخدام الشاحنات للدهس في أوروبا أداة غير معروفة، فمن الجائز جداً أن نرى آليات جديدة تمارس بها الجماعة الإيرانية الخطى طريقها في إقلاق الحواضن الغربية.
يتساءل المراقبون أيضاً هل من دافع جديد يقودها في طريق شهوة الانتقام غير المسبوقة هذه؟
من الواضح جداً أن قيام الولايات المتحدة الأميركية باغتيال قاسم سليماني، والتهديدات التي أطلقها «إسماعيل قاآني»، قائد فيلق القدس الجديد، ضمن صفوف الحرس الثوري الإيراني، بأن تملأ جثث الأميركيين الشوارع، هي وراء تسريع إيران في طريق دفع ميليشيات «حزب الله» في تغيير طرق تجنيد واكتساب عملاء جدد يكونون بمثابة رؤوس حراب في المواجهة القادمة.
خلال صيف العام الماضي كشفت مصادر استخباراتية لصحيفة «ديلي تليغراف» البريطانية عن أن الأزمة مع إيران قد تتسبب في إيقاظ خلايا إرهابية نائمة، وتدفعها إلى شن هجمات إرهابية على بريطانيا، ولفتت المصادر عينها إلى الخلايا يديرها متشددون مرتبطون بـ«حزب الله» اللبناني.
ولم تكن هذه تصريحات جوفاء أو عشوائية، وإنما جاءت بعد أن كشفت شرطة محاربة الإرهاب في عام 2015 في بريطانيا عن خلية جمعت أطناناً من المتفجرات في متاجر بضواحي لندن، موضحة أن إيران وضعت عملاءها في «حزب الله» على استعداد لشن هجمات في حالة اندلاع نزاع مسلح، وهذا هو الخطر الذي تشكله إيران على الأمن الداخلي في بريطانيا.
والثابت أنه لا يمكن فصل مخططات ميليشيات «حزب الله» الخاصة بتجنيد عناصر ونسج شبكات جديدة عن الموقف الواضح لـ«حزب الله» من الصراع الدائر بين أميركا وإيران، فهي ترغب في القتال، وهو ما أشار إليه حسن نصر الله أمين عام الحزب في مقابلة تلفزيونية مع قناة المنار التابعة لجماعته عندما أجاب على سؤال حول ما ستفعله الجماعة في حال نشوب حرب بين إيران والولايات المتحدة، إذ أجاب بسؤال استفهامي أو استنكاري على الأصح في مواجهة المحاور: «هل تظن أننا سنقف مكتوفي الأيدي؟ إيران لن تحارب وحدها، هذا أمر واضح وضوح الشمس، هكذا أكد نصر الله».
هل قررت إيران إذن شكل المواجهة القادمة مع الولايات المتحدة الأميركية، طالما ظلت العقوبات الاقتصادية الأميركية قائمة وموجعة لهيكل إيران التكتوني البنيوي الرئيسي؟
فوفقا لرؤية «ماثيو ليفيت» مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يبدو أن إيران و«حزب الله» لن يعتمدا المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة في حال نشوب حرب بين واشنطن طهران، إذ سيتم إيقاظ «الخلايا النائمة» من سباتها في الداخل الأميركي الشمالي والجنوبي أولاً، عطفاً على ذلك إعطاء الضوء الأخضر للعناصر والشبكات الجديدة بإحداث أكبر خسائر في صفوف الأوروبيين، وتجاه كل ما يشكل أهدافاً ومصالح أميركية من شمال الأرض إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها دفعة واحدة.
الخلاصة... العالم أمام فصل جديد مقلق من تنامي مؤامرات «حزب الله» والتي ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية خارج الشرق الأوسط، ربما بشكل لا يقل إقلاقاً عن الدور الذي يلعبه على التراب الوطني اللبناني في حاضرات أيامنا، ما يجعل التفكير في حصار هذا الشر أمراً واجب الوجود كما تقول جماعة الفلاسفة، من غير فصل مشهده عن حجر الزاوية الذي يستند إليه، أي إيران وملاليها في الحال والمستقبل.