انتهى المؤتمر الاقتصادي المصري «مصر المستقبل»، الذي امتد على مدار الثلاثة أيام الماضية بنجاح كبير محققا معظم مستهدفاته التي سعت إليها الحكومة المصرية، ومتجاوزا التوقعات الرسمية، وحصد المؤتمر 175.2 مليار دولار قيمة إجمالي الاتفاقات الموقعة.
وبحسب تصريحات مسؤولين رسميين، يتوزع حصاد المؤتمر الاقتصادي، بواقع 15 مليار دولار اتفاقيات نهائية، 18 مليار دولار قيمة الاتفاقيات الخاصة لنظام التنفيذ والتشغيل والتوريد، 5.2 مليار قروض ومنح، 92 مليار مذكرات تفاهم «تتحول لعقود خلال فترة زمنية معينة»، و45 مليار دولار للعاصمة الإدارية.
وشارك في المؤتمر الذي اختتم أعماله أمس، قرابة 90 دولة من مختلف قارات العالم، منها 20 وفدا على المستوى الرئاسي ونحو 25 منظمة إقليمية ودولية، و2500 مشارك و775 شركة.
وتتجاوز الاتفاقات النهائية الموقعة مع المستثمرين، 15 مليار دولار، التوقعات الرسمية المصرية الصادرة قبل المؤتمر والبالغة من 10 إلى 12 مليار دولار.
وأثنى الخبراء الذين استطلعت آراءهم «الشرق الأوسط» على التنظيم الجيد للمؤتمر ونجاحه في رسم صورة جيدة عن مناخ الاستثمار في مصر، مشددين على أهمية النجاح في تنفيذ الاتفاقات النهائية خلال الفترة المقبلة، لجذب رؤوس الأموال باستثمارات مباشرة حقيقية تدفع عجلة النمو.
وانعكس التفاؤل على أداء البورصة المصرية، حيث شهدت ارتفاعا جماعيا قادته الأسهم العقارية وصعدت قرابة 2 في المائة في مستهل الجلسة، قبل أن يقلص مكاسبه خلال اليوم ليغلق مرتفعا نحو واحد في المائة عند 9726 نقطة.
وجاءت كلمة وزير الاستثمار المصري خلال اليوم الأخير من المؤتمر لتؤكد على أهمية التشريعات والقوانين الجديدة التي من شأنها تشجيع المستثمرين على ضخ استثماراتهم في مصر.
وقال أشرف سلمان وزير الاستثمار المصري، إن الاستقرار التشريعي بما يشمله من الإصلاحات التشريعية لمناخ الاستثمار ووضوح الرؤية والالتزام بالخطط طويلة الأجل يزيد من ثقة المستثمرين، مشيرا إلى عدد من التشريعات التي تم إصدارها في الفترة الأخيرة، ومنها التمويل متناهي الصغر والطاقة المتجددة والتعدين، والاستثمار وغيرها علاوة على عدد من القوانين الجاري الانتهاء منها، وهي قانون المناطق الاقتصادية الخاصة، وضريبة القيمة المضافة والإفلاس والشركات وغيرها ستساعد في دفع عجلة النمو.
وأكد مصرفيون على أهمية دخول استثمارات حقيقية إلى مصر، وليس الاعتماد فقط على السيولة المتوفرة لدى البنوك، حيث قال هشام عكاشة رئيس مجلس إدارة البنك الأهلي المصري في تصريحات صحافية إن الجهاز المصرفي المصري لديه فائض كبير من السيولة تصل إلى ما يقرب من 600 مليار جنيه، ولكن في حالة الرغبة في تحقيق معدلات نمو حقيقية، فلا بد من دخول استثمارات مباشرة وحقيقة إلى مصر.
وقال عمر الشنيطي الخبير الاقتصادي والمدير التنفيذي لمجموعة «مالتبيلز» للاستثمار، لـ«الشرق الأوسط» إن المؤتمر الاقتصادي لاقى نجاحا باهرا على مستوى الصورة الكلية، من شكل سياسي ودعم دولي وتنظيم راقٍ، وجلب الاستثمارات الفعلية المتوقعة.
وأضاف الشنيطي إن استضافة ومشاركة مؤسسات دولية كبرى مثل صندوق النقد والبنك الإسلامي للتنمية والاتحاد الأوروبي، وغيرها من المؤسسات المالية، تمثل نجاحا فعليا في التنظيم والإعداد الجيد لمشاركة تلك المؤسسات الكبرى، مع جذب استثمارات ضخمة من دول العالم المختلفة.
وأكد أن الحكومة المصرية يجب أن تسعى لتخفيض سقف التوقعات لدى المواطنين، حيث إن الاستثمارات الحقيقة التي توقعتها الحكومة استطاعت أن تحققها بالفعل، وإن زادت عنها قليلا لتصل إلى 15 مليار دولار، وقد تستغرق تلك الاستثمارات من عام إلى عامين حتى تبرز ثمرتها الإيجابية.
وشدد الشنيطي على أن نجاح تلك الاستثمارات ومساعدة الدولة المصرية في تذليل العقبات أمامها وسط مناخ اقتصادي وسياسي ناجح سيجذب المزيد منها، وقد ينجح في إتمام مذكرات التفاهم الموقعة خلال المؤتمر.
ويرى الشنيطي أن نجاح المؤتمر في الحصول على دعم مالي من الدول الخليجية أثبت أن الدول العربية لم تتخلّ عن شقيقتها مصر مثلما كان يراهن البعض خلال الفترة الماضية.
واستطاعت مصر أن تجمع نحو 12 مليار دولار من المساعدات والاستثمارات من الكويت والسعودية والإمارات العربية، حيث أعلنت كل من السعودية والإمارات عن تقديم مساعدات قيمتها 4 مليارات دولار من كل منها من بينها 3 مليارات في الإجمال في صورة ودائع لدى البنك المركزي المصري، وأكدت الكويت أنها ستستثمر 4 مليارات دولار في مصر، وتعهدت عمان بتقديم 500 مليون دولار نصفها في صورة منحة والنصف الآخر في شكل استثمارات.
ودعمت دولة الإمارات العربية المتحدة مصر بكثير من الاتفاقات الضخمة ومذكرات التفاهم بقيمة إجمالي تقارب 34 مليار دولار.
وركزت الحكومة المصرية من خلال المؤتمر على جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية في ظل معاناة الاقتصاد المصري خلال السنوات الماضية جراء الاضطرابات السياسية المختلفة، التي أثرت على البنية الهيكلية للاقتصاد.
حيث أظهرت الأرقام التي جمعتها الوحدة الاقتصادية أهمية الاستثمارات الأجنبية للاقتصاد المصري بعد أن بدأت صافي الاستثمارات الأجنبية في التراجع مع نهاية العام المالي 2007 - 2008، عندما بلغت 13.24 مليار دولار، لتصل إلى معدلات سالبة في بداية العام المالي 2011 - 2012 وصلت في الربع الثاني منه (أكتوبر «تشرين الأول» إلى ديسمبر «كانون الأول» 2011) إلى النطاق السالب - 858.2 مليون دولار، لتنتعش في الربع الأول من العام المالي 2014 - 2015 وتصل إلى 1.8 مليار دولار.
وتسعى الحكومة المصرية رغم سيطرة الإنفاق الاستهلاكي على معدلات النمو الاقتصادي لدفع الإنفاق الاستثماري ليسهم بشكل إيجابي في معدل النمو ليصل إلى 1.4 في المائة خلال العام 2014 - 2015 مقابل مساهمة سالبة قدرها 0.75 في المائة خلال عام 2013 - 2014.
وظل الإنفاق الاستهلاكي هو المساهم الأكبر في معدلات النمو الاقتصادي، في حين يستمر التغير في الصادرات بمساهمة سلبية، مما يعكس الزيادة المتوقعة في عجز الميزان التجاري خلال العام المالي 2014 - 2015، طبقا للتوقعات الحكومية.
وتستهدف الخطة الحكومية المصرية زيادة حجم الاستثمارات الكلية بشقيها العامة والخاصة، كما تتوقع تحقيق استثمارات كلية قدرها 336.9 مليار جنيه خلال عام 2014 - 2015 مقابل نحو 241.6 مليار جنيه خلال العام المالي 2012 – 2013.
وقال جاسون تيفري الاقتصادي في «كابيتال إيكونومكس» في مذكرة بحثية حديثة إن المؤتمر الاقتصادي من الأهمية بمكان في ظل انخفاض الاستثمار الأجنبي وتفكك المشاريع الاستثمارية خلال الفترة الماضية، الأمر الذي أصبح مصدر قلق لاحتمالية أن يؤدي إلى ضعف في البنية التحتية ويزيد من مشاكل الطاقة. وأضاف أن الحكومة يجب أن تجد مصدرا جديدا لزيادة الإنتاجية وخلق فرص عمل عن طريق برنامج واضح من الإصلاحات الاقتصادية، والإعلان عن تدابير لعلاج الدعم وسعر صرف مرن يعزز ثقة المستثمرين، ويقلل من عبء الروتين لتحسين بيئة الأعمال.
ونصح «تيفري» الحكومة المصرية بالتركيز على مشروعات الصناعة التحويلية، حيث أظهرت التجارب السابقة أن هذا القطاع يمثل دافعا قويا للاقتصاد، وسيجعل مصر تتمتع بمعدل نمو اقتصادي مستدام.
وشرعت الحكومة بشكل فعلي من خلال خطتها التنموية في تعديل التوزيع القطاعي لحجم الاستثمارات الكلية، بالإضافة إلى هيكل تمويل الاستثمارات العامة، حيث تستهدف أن يستحوذ قطاع الصناعات الاستخراجية والتحويلية على نحو 30 في المائة من إجمالي الاستثمارات، ويليه قطاعا الخدمات الاجتماعية والبناء والتشييد والأنشطة العقارية بما يقارب 13.8 في المائة و13.3 في المائة على الترتيب.
وحاولت مصر من خلال المؤتمر الاقتصادي تنويع الاستثمارات المختلفة طبقا لرؤيتها الاستثمارية، وكانت أبرز الاستثمارات التي استطاعت أن تحصل عليها مصر في قطاع البترول، حيث وقعت الحكومة على اتفاقيات بترولية باستثمارات قدرها 21 مليار دولار، وكان أهمها هو اتفاق وزارة البترول مع شركة بريتش بتروليوم البريطانية (بي بي)، لتطوير 5 تريليونات متر مكعب من موارد الغاز و55 مليون برميل من المكثفات في منطقة غرب دلتا النيل باستثمارات تبلغ 12 مليار دولار.
كما اتفقت الوزارة أيضا مع شركة «بي جي» البريطانية لتنمية منطقة «9B» للغاز في البحر المتوسط وإصلاح بعض الآبار وحفر آبار في حقل روزيتا باستثمارات 4 مليارات دولار. إضافة إلى اتفاق آخر مع شركة «إيني» الإيطالية لإنتاج 900 مليون قدم مكعب من الغاز خلال 4 سنوات بقيمة 5 مليارات دولار.
ووقعت وزارة الإسكان مذكرة تفاهم مع شركة «آبار» الإماراتية و«بالم هيلز» المصرية لتنفيذ مشروع عقاري تحت اسم «واحة أكتوبر» على مساحة 10 آلاف فدان في مدينة 6 أكتوبر (غرب القاهرة) باستثمارات 20 مليار دولار، إضافة إلى مذكرة تفاهم أخرى مع الشركة العربية السعودية «أركو»، لتنفيذ مشروع تنمية منطقة جنوب مارينا، باستثمارات 24 مليار جنيه.
وكان عقد إنشاء العاصمة الإدارية الجديدة بين أبرز الاتفاقيات، بعد قيام وزارة الإسكان المصرية بالاتفاق مع الإمارات ممثلة في شركة «إيجل هيلز» بتكلفة استثمارية 45 مليار دولار.
* الوحدة الاقتصادية لـ«الشرق الأوسط»
175.2 مليار دولار إجمالي قيمة الاتفاقات الموقعة في المؤتمر الاقتصادي المصري
دعم التشريعات والقوانين الجديدة يجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية على المدى الطويل
175.2 مليار دولار إجمالي قيمة الاتفاقات الموقعة في المؤتمر الاقتصادي المصري
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة



