أنجلينا جولي لـ«الشرق الأوسط»: الإخراج بؤرة اهتمامي

الممثلة الأميركية تحدثت عن فيلمها الأخير «المتماسك» وأكدت أهمية مواجهة الحروب بالعزيمة وتأدية الرسالة الإعلامية

أنجلينا جولي في «بالم سبرينغز»  -  لقطة لجاك أو كونور في «المتماسك»
أنجلينا جولي في «بالم سبرينغز» - لقطة لجاك أو كونور في «المتماسك»
TT

أنجلينا جولي لـ«الشرق الأوسط»: الإخراج بؤرة اهتمامي

أنجلينا جولي في «بالم سبرينغز»  -  لقطة لجاك أو كونور في «المتماسك»
أنجلينا جولي في «بالم سبرينغز» - لقطة لجاك أو كونور في «المتماسك»

عندما طلبت أنجلينا جولي من الأخوين جوول وإيثان كوون كتابة سيناريو مقتبس عن كتاب لورا هيلينبراند المسمى «المتماسك» أو «غير المكسور» (Unbroken) كانت قد قرأت الكتاب أكثر من مرّة وقررت اختياره ليكون فيلمها الجديد كمخرجة.
كان ذلك قبل أربع سنوات. ابتاعت حقوق الكتاب الذي هو من نوع «البيوغرافي»، وأسندت الكتابة أولا إلى ريتشارد نيكلسون وريتشارد لاغرافانيس في عام 2012، ثم اختارت الأخوين المخرجين كوون لإعادة الكتابة في مطلع العام التالي. في منتصف سنة 2014 بوشر التصوير الذي تم بكامله في أستراليا. قبيل نهاية السنة بات الفيلم جاهزا للعرض، ومع مطلع هذا العام احتل رقعة متواضعة من العروض التجارية، ولو أنه أخفق في دخول محراب سباق أفضل فيلم أو أفضل مخرج (رشّح لأوسكار أفضل تصوير الذي قام به البارع روجر ديكنز، الذي يصوّر عادة أفلام كوون). مقابل كلفته التي وصلت إلى 65 مليون دولار، أنجز 152 مليونا حول العالم، من بينها 116 مليونا في الولايات المتحدة وكندا.

* تقدمين في «المتماسك» شخصية واقعية..
- ذلك كان جزءا مهمًّا من السبب الذي دفعني لتحقيق هذا الفيلم.. الشخصية هنا حقيقية. حين قابلت لويز فعلا وجدته إنسانا رائعا. أصبح بالنسبة لي بمثابة أب. كان شخصا يجعلك تحس بالألفة سريعا، وأعتقد أنه أحب الناس طوال حياته، وما هو مميّز به أنه لا يحمل ضغينة حتى على معتقليه. قال لي: «هذه كانت الحرب وهي انتهت»، وهذا ما أردت سماعه.
* هل كان معنيا بأن يتم تحقيق فيلم عنه؟
- كان سعيدا بالفكرة، لكني لا أنسى أنه قال لي ذات مرة وأنا أخبره بأن موعد البدء بالتصوير يقترب: «لا تصنعي فيلما عن كم أنا عظيم. لا أريد أن أبدو متميزا. اصنعي فيلما يؤكد للناس أن في ذواتهم عظمة».
* فيلماك يدوران، جزئيا، حول حربين مختلفين. إنهما ليسا فيلمي حرب، لكن الحرب هي بعض مضامينهما. هل ترين أن لديك اهتماما أكيدا بالحروب التي مرت أو التي نعيشها؟
- لدي اهتمام بالتأكيد بما يحدث حولنا، لكني صنعت كلا هذين الفيلمين لسببين مختلفين. «بلاد الدم والعسل» كان عبارة عن سؤال شغلني وأردت أن أبحث عن جواب له، وهو كيف يتحوّل جيران الأمس ومواطنو دولة واحدة إلى أعداء.. وهذا يحدث اليوم في غير مكان. لكن في «المتماسك» الوضع مختلف. لم أكن أبحث هنا عن حقائق لأعلنها، لأن الكتاب كان هو الحقيقة التي تكفيني لكي أستمد منها ما أريد. ما كنت أريده هو تأكيد ذلك الإيمان الذي لم يخبُ داخل لويز وهو يعايش واحدة من أصعب مراحل حياته. جابه القوّة التي فرضت عليها بقوّة الرفض في داخله.
* ماذا يعني لك ذلك؟
- الكثير. لأنه ذكّرني بأننا نحتاج لأن نواجه الأوضاع الصعبة التي نعيشها اليوم بسبب هذه الحروب وأن ننتصر. ألا ننكسر. قوة عزيمته هي ما نحتاج إليه لكي نستمر في تأدية الرسالة.
* اختلاف آخر بين عمليك هو أن الأول يعتمد على شخصية خيالية ولو أنها تبحث في الواقع، بينما الثاني هو عن شخصية واقعية..
- صحيح. زامبريني مات ونحن لم ننته من العمل على الفيلم. كان ذلك صدمة بالنسبة لي. لقد أحببته بالفعل. لهذا يعني لي الكثير.
* لم يتسن له مشاهدة الفيلم؟
- حين دخل المستشفى كان في السابعة والتسعين من العمر، وأبلغت بأنه دخل المستشفى فأخذت الفيلم ولم يكن جاهزا بعد وعرضته عليه. كنت أرقب ردود فعله وهو يشاهد الفيلم. هذا كان له أثر إيجابي في نفسه وفي نفسي. كنا سعيدين بذلك.
* كون الموضوع هنا حقيقيا يعني أنك كنت مطالبة باعتماد قدر أعلى من الواقعية؟
- نعم، لكن ذلك لم يكن يقلقني لأننا كنا ننطلق من كتاب يؤرخ كل شيء ومن سيناريو مكتوب بعناية كبيرة. لكني لم أكتف بذلك. كما قلت كلما تحدّث مع الآخرين، وأنا أتكلم عن رجل في التسعينات من عمره، كان لا يزال محبا وواثقا من أن كل فرد فيه شيء عظيم في داخله. كان متواضعا حيال تجربته. هذا لا تستطيع أن تكتبه في السيناريو بل عليك أن تجد طريقة لكي تضعه في الفيلم. تأمل أن أكون نجحت في ذلك.
* كان لويز زامبريني رياضيا كذلك.. المثير في الفيلم أنه لم يتناول أيا من المراحل لأكثر من المدة المطلوبة مما خلق توازنا..
- نعم كان رياضيا فاز بسباقات جري وعاد إلى الرياضة مرّة واحدة بعد الإفراج عنه. بالنسبة إلى التوازن هذا كان بدهيا. هذه السيرة كانت تفرض على الفيلم مناخاته المتعددة. تابعناه، كما رأيت، حين كان صبيا وحين صار شابا، ثم حين التحق بالحرب وحين القبض عليه وما بعد. كل مرحلة عليها أن تكمل التي قبلها وتهيئ لما بعدها.
* حين تحدثت إليك في أعقاب «بلد الدم والعسل» كنت واثقة من أنك ستواصلين العمل كمخرجة. وأرى أنك اخترت هذا المشروع في العام ذاته الذي انتهى فيه العمل على الفيلم السابق (2011). كيف ترين الوضع حتى الآن؟
- الإخراج هو بؤرة اهتمامي الآن. دافعي ما زال هو نفسه وهو تقديم الحكايات التي أريد تقديمها. تلك التي أرغب بها لأنها حكايات خاصة. عندي القدرة على أن آخذ مشروعا معينا وأضمن له كل ما يحتاجه من وقت وعناية واهتمام. الفيلم الأول علمني الكثير مما استفدت منه وأنا أحقق هذا الفيلم.
* المشروع الأول كان مستقل الإنتاج.. الثاني غير مستقل.. هل من ضغوط؟
- إنتاجيا؟ لا. الضغط هو أنك مع ميزانية كبيرة عليك أن تحسن صرفها وإدارتها. هناك قدر محدد من المال لكل عمل ولا تستطيع أن تتجاوزه. عليك أن تصرفه في محله.. طبعا الأمر نفسه في كل فيلم، لكن المهمة صعبة أكثر في فيلم فيه طائرات وتصوير في البحر وإقامة معسكرات.. تعرف ذلك.
* لديك فيلم قريب مع براد بت.. عنوانه «بجانب البحر» (By the Sea)..
- نعم.
* طالما سمعنا عن أنكما تخططان له..
- لسنوات ونحن نبحث عن مشروع جيد. كنت فكرت بقصة هذا الفيلم قبل سنوات وأجلت العمل عليها مرات، ثم اتفقنا أن علينا أن نقوم بتحقيق هذا الفيلم الآن. لقد حان وقته.
* هل من السهل أن تديري زوجك في فيلم تقومين بإخراجه وبطولته؟
- كمخرج تريد أن تحمي ممثليك جميعا وأن تساعدهم، وكممثلة أنا تحت ذات الرغبة. أعتقد أن التجربة مهمة لكلينا ونابعة من حب واحترام كل منا للآخر.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».