ميقاتي مستعد لـ«البقاء في بعبدا» حتى تشكيل الحكومة

TT

ميقاتي مستعد لـ«البقاء في بعبدا» حتى تشكيل الحكومة

قال مصدر سياسي معارض لـ«العهد القوي» إن رئيس الجمهورية ميشال عون يخطئ إذا كان يراهن على أن عامل الوقت سيدفع الرئيس المكلف تشكيل الحكومة نجيب ميقاتي للتسليم بتشكيلها بأي ثمن، لتكون نسخة منقحة من الحكومة المستقيلة برئاسة حسان دياب، وأكد لـ«الشرق الأوسط» أن الفارق بينهما يكمن في أن الأول يريدها على قياس الطموحات الرئاسية لرئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، بخلاف الثاني الذي يتوخى أن تستعيد ثقة اللبنانيين، وأن تكون قادرة على مخاطبة المجتمع الدولي لمساعدة لبنان لمنعه من السقوط في الانفجار الشامل، في ضوء تراكم الأزمات على المستويات كافة.
ولفت المصدر إلى أن ميقاتي يبدي انفتاحاً ومرونة في تعاطيه مع عون للوصول إلى تشكيل حكومة تنأى بنفسها عن الدخول في حسابات سياسية ضيقة، وتشكّل رافعة للنهوض بالبلد من الكوارث التي تحاصره، وقال إنه لا مانع لدى الرئيس المكلف من الإقامة في القصر الجمهوري إلى حين تهيئة الأجواء لتسهيل تأليفها، لكن يبقى على عون أن يعامله بالمثل، استجابة لصرخات اللبنانيين الذين باتوا يفتقدون الحد الأدنى من مقومات الصمود.
ورأى أن ما يعيق مشاورات التأليف بين ميقاتي وعون يتوقف على مدى استعداد الأخير لسحب الشروط التي تؤخر ولادة الحكومة، وقال إن على رئيس الجمهورية أن يختار بين إعادة تعويم باسيل سياسياً وإنقاذ البلد الذي لن يتحقق إلا من خلال المجيء بحكومة منسجمة قادرة على الانتقال بالبلد من مرحلة الانفجار الذي هو فيه إلى التحضير للوصول به إلى بر الأمان.
وعد المصدر نفسه أن لا مبرر لتشكيل حكومة مهمة ما لم يبادر عون إلى إعادة النظر في المهام الإنقاذية الموكلة إليها، وإلا فليس هناك مبرر لهدر الوقت، وما عليه إلا الاتكال على حكومة تصريف الأعمال التي لا تحضر إلا في المناسبات، وأكد أن لا مشكلة أمام ميقاتي في التوجّه فوراً إلى بعبد للقاء عون الذي يتطلب منه أن يلاقيه في منتصف الطريق، بدلاً من أن يصر على التموضع سياسياً في المربع الأول الذي أعاد مشاورات التأليف إلى نقطة الصفر.
وقال إن على رئيس الجمهورية أن يقرر «التمرد» على فريقه السياسي، وعدم الأخذ بنصائحه الإلغائية، ليعيد الاعتبار إلى مشاورات التأليف، لأن ميقاتي ليس من الذين يأخذون بحملات التهويل والضغط، وهو على استعداد لملاقاته، خصوصاً أنه ليس في وارد مقاطعته، وهو يصر على اقتحامه إيجابياً لنزع الألغام التي تعيق تشكيل الحكومة.
وحذر المصدر من الدور التصعيدي للفريق السياسي المحسوب على باسيل الذي بات أسيراً لحملات التحريض، كأن البلد بألف خير ولا يغرق في الأزمات، وقال إن من شروط استرداد العافية لمشاورات التأليف أن يتخلص عون من الذهنية التي تحكمت بسلوكه السياسي طوال فترة ترؤسه في عام 1989 للحكومة العسكرية التي خاض من خلالها معارك على الجبهات السياسية كافة، تراوحت بين الإلغاء والتحرير، ظناً منه أنه يمنع انتخاب رئيس جمهورية جديد بعد انتهاء ولاية الرئيس أمين الجميل.
وعد أن الظروف السياسية الراهنة لم تعد كما كانت في أثناء توليه رئاسة الحكومة العسكرية، وقال إن لبنان كان يمر حينها بانقسام مذهبي وطائفي، وتفصل بين مناطقه خطوط تماس عسكرية وسياسية، بخلاف ما هو عليه اليوم، في غياب كل أشكال الانقسامات الطائفية، على الرغم من أن التيار السياسي المحسوب على عون يحاول تطييف تأليف الحكومة، بذريعة استرداد صلاحيات رئيس الجمهورية وحقوق المسيحيين، وهذا ما فتح الباب أمام ارتفاع الأصوات الداعية لاعتماد النظام الفيدرالي، تحت عنوان تطبيق اللامركزية الإدارية التي نص عليها «اتفاق الطائف».
وسأل المصدر نفسه: كيف يتذرع عون بصلاحياته لتعطيل تشكيل الحكومة، وتعليق اجتماعات مجلس الوزراء، في أثناء ترؤس الرئيس سعد الحريري الحكومة الثانية في عهده، مشترطاً إحالة حادثة قبرشمون على المجلس العدلي، قبل أن يعود ويتراجع عن مطلبه؟ كما سأل عن صلاحيته في تجميد التشكيلات القضائية، وتعليق التحاق مأموري الأحراج الذين خضعوا للامتحانات التي أشرف عليها مجلس الخدمة المدنية بمراكز عملهم، فيما تشعل الحرائق المساحات الخضراء، بذريعة عدم مراعاتها للتوازن الطائفي!
فرئيس الجمهورية تدخل لتجميد كل شيء مستقوياً بصلاحياته، ولم يتدخل لإنقاذ لبنان من الزلزال الذي أصاب بيروت جراء انفجار المرفأ، بذريعة أن لا صلاحية له، مع أنه أُحيط علماً بوجودها قبل أسبوعين من انفجارها، وهو ما اعترف به في العلن، وما يستدعي مساءلته من قبل المحقق العدلي في جريمة المرفأ، القاضي طارق بيطار.
وهذا يطرح سؤالاً على عون حول عدم صلاحيته بالتدخل للتخلص من «نيترات الأمونيوم»، فيما يتدخل في كل شاردة وواردة، ويوزع الأوامر ويصدر التوجيهات لإيجاد الحلول للأزمات التي تتراكم يوماً بعد يوم، على الرغم من أنها تقتصر على البيانات الإعلامية الصادرة عن رئاسة الجمهورية، ولا تداوي آلام اللبنانيين وأوجاعهم.
لذلك، فإن عدم استعداد عون للانفتاح على المساعي التي يقوم بها ميقاتي لإخراج تأليف الحكومة من الحصار المفروض عليها من قبل «أهل بيته» سيقحمه في صدام مع المجتمع الدولي، وآخر مع غالبية القوى السياسية، على خلفية أنه لا يريد التعاون مع الرئيس المكلف المدعوم من طائفته الذي يحظى بحضور سياسي، وذلك على غرار رفضه التعاون مع سلفه الرئيس الحريري.
وعليه، فإن جنوح عون نحو الإخلال بميثاقية التمثيل السياسي لميقاتي المدعوم من رؤساء الحكومات السابقين، ومن مرجعيات روحية، إضافة إلى قوى أخرى، سيضعه في مواجهة سياسية يمكن أن تمتد خارج الحدود، لوجود ضمانات خارجية لميقاتي لإخراج لبنان من أزماته، خصوصاً أن تاريخ عون، ومن خلاله تياره السياسي في تعامله مع الأكثر تمثيلاً في الطائفة السنية، يثبت عدم رغبته في التعاون مع «الأقوياء»، ويأتي إصراره على دعم دياب لتشكيل حكومة من لون واحد بمثابة تأكيد على تفرده بالسلطة، وإن كان قد فوجئ باستقالتها، محملاً رئيس المجلس النيابي نبيه بري مسؤولية الإطاحة بها، وهذا كان السبب في ارتفاع منسوب غياب «الكيمياء السياسية» بينهما.
ويبقى السؤال: هل يبدل عون من سلوكه وذهنيته في تعاطيه مع ميقاتي، بخلاف تصرفه مع الحريري، أم أنه باقٍ على مكابرته وعناده، ليقحم نفسه في اشتباك سياسي مع الطائفة السنية لا حدود له، ويصعب عليه البحث عن بديل، في حال اعتذر ميقاتي؟ إلا إذا أراد أن يأخذ البلد إلى المجهول بالمعنى السياسي بحثاً عن حكومة هي صورة منقحة من الحكومة المستقيلة، هذا إذا قدر له تمريرها في البرلمان، على الرغم من أنه سيجد نفسه في وادٍ والأغلبية النيابية في وادٍ آخر.
لذلك، لا بد من التريث بانتظار ما سيؤدي إليه اللقاء السابع الذي عُقد عصر أمس بين عون وميقاتي، والذي سيكون موضع مواكبة دولية ومحلية، للتأكد من أن رئيس الجمهورية على استعداد لسحب أجواء التوتر التي سيطرت على اجتماعهما السادس لمصلحة إظهار حسن النية، والرغبة في التعاون من أجل تسريع ولادة الحكومة.



3.5 مليون يمني من دون مستندات هوية وطنية

المهمشون في اليمن يعيشون على هامش المدن والحياة الاقتصادية والسياسية منذ عقود (إعلام محلي)
المهمشون في اليمن يعيشون على هامش المدن والحياة الاقتصادية والسياسية منذ عقود (إعلام محلي)
TT

3.5 مليون يمني من دون مستندات هوية وطنية

المهمشون في اليمن يعيشون على هامش المدن والحياة الاقتصادية والسياسية منذ عقود (إعلام محلي)
المهمشون في اليمن يعيشون على هامش المدن والحياة الاقتصادية والسياسية منذ عقود (إعلام محلي)

على الرغم من مرور ستة عقود على قيام النظام الجمهوري في اليمن، وإنهاء نظام حكم الإمامة الذي كان يقوم على التمايز الطبقي، فإن نحو 3.5 مليون شخص من المهمشين لا يزالون من دون مستندات هوية وطنية حتى اليوم، وفق ما أفاد به تقرير دولي.

يأتي هذا فيما كشف برنامج الأغذية العالمي أنه طلب أكبر تمويل لعملياته الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل من بين 86 دولة تواجه انعدام الأمن الغذائي.

لا يزال اليمن من أسوأ البلاد التي تواجه الأزمات الإنسانية في العالم (إعلام محلي)

وذكر المجلس النرويجي للاجئين في تقرير حديث أن عناصر المجتمع المهمش في اليمن يشكلون 10 في المائة من السكان (نحو 3.5 مليون شخص)، وأنه رغم أن لهم جذوراً تاريخية في البلاد، لكن معظمهم يفتقرون إلى أي شكل من أشكال الهوية القانونية أو إثبات جنسيتهم الوطنية، مع أنهم عاشوا في اليمن لأجيال عدة.

ويؤكد المجلس النرويجي أنه ومن دون الوثائق الأساسية، يُحرم هؤلاء من الوصول إلى الخدمات الأساسية، بما في ذلك الصحة، والتعليم، والمساعدات الحكومية، والمساعدات الإنسانية. ويواجهون تحديات في التحرك بحرية عبر نقاط التفتيش، ولا يمكنهم ممارسة الحقوق المدنية الأخرى، بما في ذلك تسجيل أعمالهم، وشراء وبيع وتأجير الممتلكات، والوصول إلى الأنظمة المالية والحوالات.

ووفق هذه البيانات، فقد أفاد 78 في المائة من المهمشين الذين شملهم استطلاع أجراه المجلس النرويجي للاجئين بأنهم لا يمتلكون بطاقة هوية وطنية، في حين يفتقر 42 في المائة من أطفال المهمشين إلى شهادة ميلاد.

ويصف المجلس الافتقار إلى المعلومات، وتكلفة الوثائق، والتمييز الاجتماعي بأنها العقبات الرئيسة التي تواجه هذه الفئة الاجتماعية، رغم عدم وجود أي قوانين تمييزية ضدهم أو معارضة الحكومة لدمجهم في المجتمع.

وقال إنه يدعم «الحصول على الهوية القانونية والوثائق المدنية بين المهمشين» في اليمن، بما يمكنهم من الحصول على أوراق الهوية، والحد من مخاطر الحماية، والمطالبة بفرص حياة مهمة في البلاد.

أكبر تمويل

طلبت الأمم المتحدة أعلى تمويل لعملياتها الإنسانية للعام المقبل لتغطية الاحتياجات الإنسانية لأكثر من 17 مليون شخص في اليمن يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد، بمبلغ قدره مليار ونصف المليار دولار.

وأفاد برنامج الأغذية العالمي في أحدث تقرير له بأن التمويل المطلوب لليمن هو الأعلى على الإطلاق من بين 86 بلداً حول العالم، كما يُعادل نحو 31 في المائة من إجمالي المبلغ المطلوب لعمليات برنامج الغذاء العالمي في 15 بلداً ضمن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وشرق أوروبا، والبالغ 4.9 مليار دولار، خلال العام المقبل.

الحوثيون تسببوا في نزوح 4.5 مليون يمني (إعلام محلي)

وأكد البرنامج أنه سيخصص هذا التمويل لتقديم المساعدات الإنسانية المنقذة للحياة في اليمن، حيث خلّف الصراع المستمر والأزمات المتعددة والمتداخلة الناشئة عنه، إضافة إلى الصدمات المناخية، 17.1 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد.

وأشار البرنامج إلى وجود 343 مليون شخص حول العالم يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد، بزيادة قدرها 10 في المائة عن العام الماضي، وأقل بقليل من الرقم القياسي الذي سجل أثناء وباء «كورونا»، ومن بين هؤلاء «نحو 1.9 مليون شخص على شفا المجاعة، خصوصاً في غزة والسودان، وبعض الجيوب في جنوب السودان وهايتي ومالي».

أزمة مستمرة

أكدت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن اليمن لا يزال واحداً من أسوأ البلاد التي تواجه الأزمات الإنسانية على مستوى العالم، حيث خلقت عشر سنوات من الصراع تقريباً نقاط ضعف، وزادت من تفاقمها، وتآكلت القدرة على الصمود والتكيف مع ذلك.

وذكرت المفوضية الأممية في تقرير حديث أن اليمن موطن لنحو 4.5 مليون نازح داخلياً، وأكثر من 60 ألف لاجئ وطالب لجوء. وهؤلاء الأفراد والأسر المتضررة من النزوح معرضون للخطر بشكل خاص، مع انخفاض القدرة على الوصول إلى الخدمات الأساسية وسبل العيش، ويواجهون كثيراً من مخاطر الحماية، غالباً يومياً.

التغيرات المناخية في اليمن ضاعفت من أزمة انعدام الأمن الغذائي (إعلام محلي)

ونبّه التقرير الأممي إلى أن كثيرين يلجأون إلى آليات التكيف الضارة للعيش، بما في ذلك تخطي الوجبات، والانقطاع عن الدراسة، وعمل الأطفال، والحصول على القروض، والانتقال إلى مأوى أقل جودة، والزواج المبكر.

وبيّنت المفوضية أن المساعدات النقدية هي من أكثر الطرق سرعة وكفاءة وفاعلية لدعم الأشخاص الضعفاء الذين أجبروا على الفرار من ديارهم وفي ظروف صعبة، لأنها تحترم استقلال الشخص وكرامته من خلال توفير شعور بالطبيعية والملكية، مما يسمح للأفراد والأسر المتضررة بتحديد ما يحتاجون إليه أكثر في ظروفهم.

وذكر التقرير أن أكثر من 90 في المائة من المستفيدين أكدوا أنهم يفضلون الدعم بالكامل أو جزئياً من خلال النقد، لأنه ومن خلال ذلك تستطيع الأسر شراء السلع والخدمات من الشركات المحلية، مما يعزز الاقتصاد المحلي.