الفصائل الموالية لإيران في العراق «تتكيف» مع العقوبات الأميركية

مصالح صغيرة محاطة بالغموض والوكلاء المجهولين

TT

الفصائل الموالية لإيران في العراق «تتكيف» مع العقوبات الأميركية

ستحاول الفصائل العراقية، التي شملتها أخيراً العقوبات الأميركية، تحقيق مكاسب سياسية قبل نحو شهرين من انتخابات أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، لكن عليها من الآن التكيف مع قيود السفر، والضوابط المالية الجديدة.
وأدرجت الخارجية الأميركية، الاثنين الماضي، على القائمة السوداء، حركة «عصائب أهل الحق»، المنخرطة في صفوف القوات العراقية وتوالي إيران في الوقت نفسه، فضلاً عن جماعة «كتائب حزب الله» الموالية كلياً لإيران.
وشملت العقوبات، أيضاً، شركتين تجاريتين من سوريا، تبين لاحقاً، وحسب مصادر عراقية، أن أنشطتها تمتد إلى بغداد والنجف، بتسهيلات من «حزب الله» اللبناني.
وبعد ساعات من إعلان العقوبات، قال قياديون في حركة «عصائب أهل الحق»، من بينهم أحمد الموسوي، إن «العقوبات الأميركية، تهدف إلى إبعاد الحركة عن المشهد السياسي». وأضاف: «عليهم (الأميركيون) الخروج من البلاد أولاً».
ومن البدهيّ أن تسهم العقوبات في تقييد حركة الأفراد أو الجهات المشمولة وأموالها، لكنها وحسب شرح للخارجية الأميركية «وسيلة ضغط» للحد من «الأنشطة المتطرفة».
وبينما تنشغل «العصائب» وغيرها بسباق الانتخابات العراقية، ستسر كثيراً بتوقيت العقوبات الأميركية، ذلك أنها ستسخدمها في حملتها للبرلمان الجديد. ومن المنتظر أن يجري تحشيد الجمهور الانتخابي، حتى المتردد منه، للالتفاف حول «ضحية العقوبات»، في إطار «وطني» دعائي.
لكن ماذا عن القيود الإجرائية؟ وكيف ستتمكن الفصائل المعاقَبة من تشغيل أموالها؟
غالباً، ما تحاط المنظومة الاقتصادية للفصائل الموالية لإيران بكثير من السرية، لدرجة أن المصادر القليلة المتاحة تسرب معلومات لا يمكن التحقق منها، إما لإبعاد الأنظار، وإما لنشر ادعاءات تضخم تأثيرها التجاري.
وحسب اتصالات أجرتها «الشرق الأوسط» للتحقق من أنشطة الفصائل المالية، تبين أن غالبية المصادر تحاول إضفاء المزيد من الغموض على القصة، فضلاً عن فاعلين في المشهد السياسي يجهلون تماماً كواليس المنظومة التجارية لتلك الجماعات.
ورغم ذلك، بالفعل، تنخرط الفصائل المسلحة الموالية لإيران في أنشطة تجارية متعددة ومتصلة، بين دوائر حكومية وسوق العمل المفتوح، وقد ازدادت تنظيماً منذ تشكيل ما تُعرف بالمكاتب الاقتصادية، بعد انتهاء معارك التحرير ضد تنظيم «داعش». وتتولى شخصيات نافذة في الفصائل أعمالاً تجارية كمراكز التسوق الحديثة ومنشآت زراعية منتشرة في مدن الوسط والجنوب، كما يقول فاعلون في سوق العمل.
ويقول رجل أعمال عراقي، طلب حجب هويته، إن «الجماعات المسلحة التي تملك نفوذاً سياسياً لا تظهر في السوق بشخصياتها الصريحة والمعلومة، بل تستخدم رجال أعمال مستفيدين، يتمتعون بالحماية والحصانة». ويضيف: «تنشط بين الفصائل ووكلائها في السوق شبكة من الوسطاء والمستفيدين الصغار الذين يحاولون توسيع أعمالهم في مدن الوسط والجنوب، وغالباً ما يستفيدون من مسلحين يوفرون الحماية لتلك المصالح».
«إنها مصالح صغيرة، لكنها متعددة وتنتشر في جميع المدن تقريباً»، يقول رجل أعمال آخر، كان يتحدث لـ«الشرق الأوسط» عن «صعوبة تسيير الأعمال من دون التفاهم مع شخصيات نافذة في الفصائل».
لكن غالبية المصادر المعنية بهذا الملف تتفق على أن حجم الأموال التي تتحرك ضمن تجارة الفصائل لم يعد كما السابق، إذا تضاءلت حركة التجارة وأرباحها منذ بدء تفشي الجائحة في العراق وإيران والمنطقة، فضلاً عن انخفاض أسعار النفط. ولتعويض ذلك، تمكنت الفصائل المسلحة من النفاذ إلى أبواب الموازنة الاتحادية، خصوصاً في السنوات الأربع الماضية، وحصلت على عقود ومقاولات مرتبطة بالوزارات، عبر تنفيذ مشاريع مختلفة، في قطاعي النفط والزراعة والإسكان. ويقول مصدر مطلع منخرط في التعاقدات الحكومية، إنه «من الصعب العثور على عقد حكومي لم تعمل فيه الفصائل المسلحة»، مضيفاً أن «مقاولين عراقيين انسحبوا من عقود كانوا على وشك الحصول عليها، إثر تهديدات من الفصائل».
ويفسر انخراط الفصائل في العقود الحكومية قدرتها على تشغيل مشاريع في القطاع الخاص، كما في مزارع الأسماك والدجاج، فضلاً عن مشاريع الإسكان.
وتعتمد الفصائل المسلحة على شبكة واسعة من العناصر النافذة في السوق التي يصعب رصدها وملاحقتها ضمن العقوبات الأميركية، ما يقلل من تأثيرها على النفوذ المالي لتلك الجماعات التي تتداول عملات نقدية غير الدولار الأميركي.
ويقول المصدر المطلع إن «شكوكاً كثيرة تحوم حول القدرة المالية لتلك الفصائل (...) هل يتحكمون بالفعل في حركة تجارية كبيرة؟ إنهم يعتمدون أيضاً على آليات مرنة عبر وكلاء يسيّرون الأعمال بالإنابة، كلها عوامل قد تقلل من تأثير العقوبات الأميركية».
والحال أن معطيات متضاربة عن شبكة التجارة التي تديرها الفصائل ينقصها كثير من المعلومات عن طبيعة «الدعم الإيراني»، وحسب من تحدثتْ إليهم «الشرق الأوسط» فإنه من الصعب التوصل إلى معلومات بشأن العلاقة بين طهران والفصائل، ومن يدعم الآخر مالياً.



«فتح» و«حماس» في القاهرة... جولة جديدة بشأن مستقبل «إدارة غزة»

فلسطينيون يقودون سياراتهم بين أنقاض المنازل المدمرة في أعقاب عملية عسكرية إسرائيلية بخان يونس (إ.ب.أ)
فلسطينيون يقودون سياراتهم بين أنقاض المنازل المدمرة في أعقاب عملية عسكرية إسرائيلية بخان يونس (إ.ب.أ)
TT

«فتح» و«حماس» في القاهرة... جولة جديدة بشأن مستقبل «إدارة غزة»

فلسطينيون يقودون سياراتهم بين أنقاض المنازل المدمرة في أعقاب عملية عسكرية إسرائيلية بخان يونس (إ.ب.أ)
فلسطينيون يقودون سياراتهم بين أنقاض المنازل المدمرة في أعقاب عملية عسكرية إسرائيلية بخان يونس (إ.ب.أ)

جولة جديدة في القاهرة بين حركتي «فتح» و«حماس» الفلسطينيتين؛ لبحث مستقبل إدارة قطاع غزة عبر لجنة مساندة، في ظل حراك مصري وأميركي لإبرام هدنة بالقطاع تحاكي نظيرتها في لبنان التي تمت قبل أيام، وتمتد لنحو 60 يوماً.

تلك الجولة تُعد الثالثة في نحو شهرين، والتي تستضيفها مصر، وفق معلومات تحدثت بها مصادر فلسطينية لـ«الشرق الأوسط» أقرب لحسم اتفاق بين الحركتين، في ظل تفاهمات تنتظر إقرار حل لموظفي «حماس» الذين لن يكونوا بالإدارة الجديدة، متوقعين أن تجري معه بالتوازي مشاورات بشأن الهدنة في غزة قبل وصول الرئيس الأميركي دونالد ترمب للسلطة في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل.

وذلك المسار أقرب للحدوث في تقديرات خبراء تحدثوا مع «الشرق الأوسط»، في ظل تسريبات في الإعلام الإسرائيلي عن محادثات بشأن فتح معبر رفح المُغلق من الجانب الفلسطيني منذ مايو (أيار) الماضي، عقب سيطرة إسرائيلية، مرجحين «الذهاب لتهدئة قريباً بالقطاع، وإبرام صفقة تبادل للأسرى والرهائن، وبدء تدفق إغاثي للقطاع عبر المعبر الحدودي مع مصر»، خصوصاً مع تحضيرات القاهرة لمؤتمر إغاثي، الاثنين المقبل.

وسبق أن عقدت «فتح» و«حماس»، اجتماعين مماثلين بالقاهرة أوائل أكتوبر (تشرين الأول)، ونوفمبر (تشرين الثاني)، وشهدت الاجتماعات السابقة محادثات بشأن «إنشاء (لجنة الإسناد المجتمعي) معنية لإدارة شؤون قطاع غزة، والسعي لتحقيق الوحدة الفلسطينية، وعدم فصل الضفة الغربية عن قطاع غزة».

فلسطينيون يبحثون عن ضحايا في موقع غارة جوية إسرائيلية على منزل في غزة (رويترز)

والمقترح المطروح على الطاولة، منذ بداية محادثات الحركتين، حسب مصادر فلسطينية تحدثت سابقاً لـ«الشرق الأوسط»، مرتبط بتشكيل «هيئة إدارية» لقطاع غزة، يُطلق عليها اسم «اللجنة المجتمعية لمساندة أهالي قطاع غزة»، تتبع السلطة الفلسطينية، وتتضمّن شخصيات مستقلة، وتصدر بمرسوم رئاسي من الرئيس محمود عباس، وتتولّى مهمة إدارة الشؤون المدنية، وتوفير المساعدات الإنسانية للفلسطينيين، وتوزيعها في القطاع، وإعادة تشغيل معبر رفح الحدودي مع مصر، والشروع في إعادة إعمار ما دمّرته الحرب الإسرائيلية.

ولم يحسم الجانبان المقترح في الجولة الأولى، ولم تصدر نتائج بشأنه، وتُرك المجال لهما للعودة إلى قياداتهم، وفق المصادر ذاتها، قبل أن يكشف مصدر أمني مصري لقناة «القاهرة الإخبارية» الفضائية، عقب انطلاق الجولة الثانية أن «الحركتين لديهما نظرة إيجابية تجاه التحركات المصرية بشأن تشكيل (لجنة الإسناد المجتمعي)».

وتحدّث إعلام فلسطيني عن أن وفدي الحركتين يصلان، السبت، العاصمة المصرية القاهرة، لبدء لقاءات مع مسؤولين مصريين استكمالاً لنظيرتها السابقة بشأن المصالحة الفلسطينية، وترتيب البيت الداخلي الفلسطيني، في حين نقلت «وكالة الصحافة الفرنسية» عن قيادي في «حماس» -لم تذكر هويته- أن «لقاءات ستتم بين الحركة مع مسؤولين مصريين لمناقشة الأفكار المتعلقة بوقف لإطلاق النار».

ووفق معلومات القيادي في حركة «فتح»، أستاذ العلوم السياسية، الدكتور أيمن الرقب، فإن «الاجتماعات المنتظرة ستشهد في الجولة الثالثة استكمال التوافق بشأن لجنة إدارة غزة، بجانب تشكيل جهاز أمني يتبع السلطة ومنح موظفي (حماس)، الذين سيحالون للتقاعد، رواتب تقاعدية»، متوقعاً أن «تكون هذه الجولة مهمة وأكثر اقتراباً من الخروج باتفاق في القاهرة بعد تجاوز كل العقبات، خصوصاً بشأن كيفية تشكيلها والتوافق على تبعيتها للسلطة».

ووفق الرقب، فإن «القاهرة معنية أكثر حاليّاً بالتوصل لاتفاق بشأن إدارة غزة، ضمن حراكها الدائم للتوصل لهدنة تُحاكي ما حدث في لبنان ولو بشكل جزئي»، متوقعاً أن «تناقش (حماس) مع القاهرة تفاصيل مقترح هدنة متدرجة تمتد لنحو 45 يوماً، تشمل تبادلاً للأسرى وتشغيل معبر رفح تحت إشراف لجنة المساندة، وخروج عدد من الجرحى الفلسطينيين للعلاج، وإدخال كميات كبيرة إغاثية للقطاع».

وفي اعتقاد الرقب، فإن «(حماس) قد توافق في هذه المرحلة على انسحاب جزئي لقوات الاحتلال؛ استعداداً لنقاش أوسع لخروج القوات الإسرائيلية كليّاً بعد ذلك، مع تأكيد موافقة الحركة على عدم وجودها في مشهد الحكم، في ظل الظروف الراهنة واستعداداً لانتخابات تالية دون أن يكون لذلك تأثير على قواتها العسكرية، التي لا تزال موجودة في القطاع رغم الضربات التي تلقتها».

فلسطيني يقوم بإجلاء طفل جريح بعد غارة إسرائيلية وسط قطاع غزة (أ.ب)

ويتوقع الأكاديمي المُتخصص في الشؤون الإسرائيلية، الدكتور أحمد فؤاد أنور، أن الاجتماع بين «حماس» و«فتح»، «سيبحث تفاصيل اليوم التالي من الحرب في غزة، وإعلان إنشاء لجنة المساندة لإمكانية تجاوز أي فراغ أو عراقيل، في ظل فرص حقيقية لإحياء التفاوض بشأن الهدنة».

ويرى أن هناك رغبة أميركية للتعجيل باتفاق هدنة، خصوصاً مع تسريبات بشأن مناقشات لفتح معبر رفح متزامنة مع حراك مصري على مختلف الجبهات لإدخال المساعدات الإنسانية، وإبرام اتفاق مصالحة فلسطينية وتشكيل لجنة لإدارة غزة.

اجتماع للفصائل الفلسطينية بالصين انتهى بتوقيع إعلان بكين لإنهاء الانقسام وتعزيز الوحدة الفلسطينية يوليو الماضي (رويترز)

وأعلن البيت الأبيض، الأربعاء، أن الولايات المتحدة تبذل جهوداً دبلوماسية جديدة، بهدف التوصل إلى وقف لإطلاق النار، والاتفاق على إطلاق الرهائن المحتجزين في قطاع غزة، بمساعدة تركيا وقطر ومصر.

وبالتزامن، قال السيناتور الجمهوري، ليندسي غراهام، في مقابلة مع «أكسيوس» الأميركي، إن ترمب يريد أن يرى وقف إطلاق النار وصفقة الأسرى في غزة قبل توليه منصبه، وسط تقديرات أنه لا يزال هناك 101 أسير في غزة من قِبَل «حماس»، بمن في ذلك 7 مواطنين أميركيين.

وسيكون تجاوز عراقيل أي صفقة للرهائن أولوية في لقاء وفد «حماس» مع المسؤولين المصريين، لبحث سبل التوصل لها قريباً، وفق تقدير الخبير الاستراتيجي والعسكري المصري، اللواء سمير فرج، مشيراً إلى مطالب من الحركة بوجود ضمانات لعدم عودة إسرائيل للحرب بعد تسلُّم الرهائن.

وتُشير تلك المساعي المصرية والأميركية، وفق أيمن الرقب، إلى أن «هناك ضغوطاً أميركية تأتي من جانب الرئيس الأميركي جو بايدن لاستكمال ما أنجزه في لبنان باتفاق مشابه في غزة»، متوقعاً أن «يجري بحث وجود قوات دولية خلال تنفيذ المرحلة الأولى من أي اتفاق قريب لتبادل الأسرى للفصل بين الجانبين، وتمكين لجنة غزة من إدارة القطاع».

ويُعزز احتمال التوصل لاتفاق قريب بغزة، وحسب الرقب، حراك مصري واسع من استضافة مؤتمر إغاثي لغزة، وحديث مقترح مصري يجري بحثه مع إسرائيل وفق تسريبات إعلامية إسرائيلية نهاية الأسبوع، فضلاً عن محادثات بين «فتح» و«حماس» بالقاهرة.