«أثرى»... منصة إلكترونية سعودية للترجمة

استقطبت حتى الآن 400 مترجم

رشاد حسن
رشاد حسن
TT

«أثرى»... منصة إلكترونية سعودية للترجمة

رشاد حسن
رشاد حسن

شهد المشهد الثقافي السعودي ولادة «أثرى»، وهي منصة إلكترونية متخصصة في الترجمة والنشر «تؤهل المترجمين لترجمة صفوة المقالات والكتب ونشرها، بإشراف نخبة من المتخصصين في دراسات اللغة والترجمة، حيث تجاوز عدد المنشورات المترجمة من الكتب والمقالات عبر المنصة حدود الـ150 عملاً، مع ترقب نشر 12 كتاباً مترجماً لعرضها في معرض الرياض الدولي للكتاب هذا العام.
يقول رشاد حسن، الكاتب المترجم السعودي مؤسس المنصة: «إن المترجم هو أهم ركائز المنصة التي يشرف عليها نخبة من الممارسين والمتخصصين في دراسات الترجمة»، موضحاً: «نحن لا نطلب منه أن يترجم مقالاً أو كتاباً فحسب، بل نجهز له المقال والكتاب، ثم نعاونه حتى يترجم مقاله أو كتابه بتدريبه وتأهيله، والوقوف معه عند أي إشكال يستعصي عليه».
ومؤخراً، أعلنت المنصة عن إطلاق مشروع «أثرى» لترجمة الكتب بنسخته الثانية، وهو مشروع ترجمة تفاعلي ينتهي المترجم منه بترجمة كتاب ونشره على جميع المكتبات ومتاجر الكتب الإلكترونية، والمشاركة به في معارض ومحافل الكتب والترجمة.
وعن هذا المشروع، يقول حسن إنه خاص بترجمة الكتب، و«ننتخب فيه المترجم الدارس الممارس، ومن اشتغل بالترجمة قبل ذلك». والمشروع ينقسم إلى 3 مجالات رئيسية: كتب قديمة، وكتب معاصرة، وكتب للأطفال. وقد حصلت منصة «أثرى» على حقوق حصرية لترجمة الكتب من أبرز مؤسسات النشر العالمية والأكاديمية، كجامعة هارفارد وشيكاغو وبرينستون وغيرها.
ويضيف مؤسس المنصة: «نهدف من هذا المشروع إلى إثراء المترجم أولاً، ثم إثراء المحتوى العربي بتراجمه. ويمر البرنامج بنقاط كثيرة، وما يميز المشروع أنه يضم دورات ترجمة تدريبية معتمدة من البورد الأميركي، مع جلسات نقاشية مستمرة خاصة بالمترشحين للبرنامج طيلة انضمامهم بالمشروع، مع مراجعة مستمرة وتقييم لتراجمهم، إلى آخر محطات المشروع، وهي التدقيق والمراجعة والنشر».
وبسؤاله عن الفرق بين النسخة الأولى والثانية، يجيب: «أدخلنا هذه المرة كتب الأطفال للمشروع، وهو ما لم يكن في نسخته الأولى، غير أن طبيعة البرنامج وآليته كما هي، ونحرص على انتخاب أفضل المتقدمين للبرنامج الذين تجاوز عددهم في النسخة الأولى 400 مترجم متقدم».
ويتجاوز عدد المنشورات المترجمة من الكتب والمقالات في موقع منصة «أثرى» حدود الـ150 مقالاً علمياً منشوراً، إذ تعمل المنصة على ترجمة ونشر كل أسبوع مقال إلى 3 مقالات علمية متخصصة في حقل من حقول المعرفة الإنسانية، بالتعاون مع مؤسسات النشر المتخصصة العالمية، كما يوضح رشاد حسن. أما الكتب، فأفاد بأنه بدأت ترجمتها من مشروع «أثرى» الأول، وستنشر 12 كتاباً مترجماً في حقول متنوعة مختلفة مع معرض الرياض، في افتتاحية لمنصة «أثرى» لترجمة الكتب.
وأفاد مؤسس المنصة بأن «عدد فريق المترجمين بلغ حتى الآن 10 مترجمين متخصصين في دراسات الترجمة، وأنه يمكن لأي مترجم أن يترجم وينشر معنا، إما على موقع أثرى الرسمي أو في مشاريع الكتب، فغالباً نتيح الخيارات لجميع المترجمين، وننتخب منهم من نرى فيه الحماس والجدية والرغبة في التعلم والاستمرار في العمل».



التروبادور ينتصرون للحب المستحيل في وجه المؤسسة الزوجية

التروبادور ينتصرون للحب المستحيل في وجه المؤسسة الزوجية
TT

التروبادور ينتصرون للحب المستحيل في وجه المؤسسة الزوجية

التروبادور ينتصرون للحب المستحيل في وجه المؤسسة الزوجية

قلَّ أن تمكنت ظاهرة من ظواهر الحب في الغرب من أن تصبح جزءاً لا يتجزأ من الوجدان الشعبي الأوروبي، وأن تصبح في الوقت ذاته محل اهتمام الباحثين والمؤرخين وعلماء الاجتماع، كما هو حال ظاهرة الشعراء الجوالين في القرن الثاني عشر الميلادي. فهذه الظاهرة التي ولدت في الجنوب الفرنسي، والتي قامت على التعفف الفروسي والإعلاء المفرط المرأة، ما لبثت أن اتسعت دائرتها لتشمل مناطق أوروبية واسعة، وأن تمسك بناصية الشعر والحب على حد سواء.

وإذا كان في ما قاله المؤرخ سينيوبوس من أن الحب في الغرب هو من مخترعات القرن الثاني عشر، قدر من المبالغة والغلو، فإن نقاداً كثيرين يجمعون على أن فكرة الحب المرتبط بالعفة والهوى والعاطفة المشبوبة لم تأخذ طريقها إلى التبلور ولم تتحول إلى واقع ملموس إلا مع تلك الكوكبة من الشعراء، من أمثال غيوم دي بواتييه وفينتادور وبيار فيدال وديدييه ودورانج وآرنو دانييل وغيرهم. أما تسميتهم بالتروبادور فيردها البعض إلى أصل عربي مشتق من كلمتي «تروبا» وتعني الطرب، و«دور» التي هي مصطلح موسيقي، فيما ذهب آخرون إلى كونها مشتقة من الفعل «تروبار» بالإسبانية، ويعني نظم العبارات الجميلة أو الشعر المبتكر.

ومع ذلك، وأياً كان مصدر التسمية، فقد أجمع الدارسون على أن القرن الحادي عشر للميلاد هو التاريخ الفعلي لنشوء ظاهرة الشعراء الجوالين، الذين راحوا يجوبون أنحاء الجنوب الفرنسي متنقلين من قصر إلى قصر لينشدوا أمام الأمراء والأعيان، والنساء الجميلات والمتأنقات، قصائد وأغنيات ناضحة بالحب والشجن القلبي وآلام الفراق. والأرجح أن تبني إلينور، حفيدة الشاعر الجوال وليم التاسع، وزوجة الملك الفرنسي وليم السابع، وملهمة الشاعر برنارد دي فانتادور، لهذه الحركة، قد أسهم في تكريسها ودعمها وتحويلها إلى تقليد ملكي رسمي. وقد واصلت ماري فرانس، ابنة إلينور، تشجيعها لذلك النوع من الشعر الرومانسي الحالم، وهي التي حضت الشاعر الفرنسي كراتين دي ترويز على تأليف قصة لانسوليت، التي تعكس بوضوح مفاهيم الشعر البروفنسي.

وإذ وقف أدباء الغرب ومفكروه حائرين إزاء المنشأ الحقيقي لهذا التقليد الشعري والعاطفي، أعاده بعضهم إلى الفلاسفة الإغريق من أمثال أفلاطون وأفلوطين، ونسبه بعضهم الآخر إلى الشاعر الروماني أوفيد وتعاليمه المثبتة في كتابه الشهير «فن الهوى»، ورأى فيه البعض الثالث تأثراً بمفهوم العفة والتبتل المسيحيين، وأكد بعضهم الرابع على تأثير الشعر العربي العذري في نشوء تلك الظاهرة، خاصة بعد أن تجاوز العرب حدود الأندلس لتصل جيوشهم إلى قلب الأراضي الفرنسية نفسها.

ولا بد من التذكير بأن تسمية الفرسان بالشعراء الجوالين كانت ناجمة عن الدور القتالي الذي أنيط بهؤلاء الشبان من قبل الأمراء والنافذين، حيث كان عليهم حماية المقاطعات والمناطق والقصور المولجين بخدمتها، من كل خطر داخلي أو خارجي، إضافة إلى مشاركة بعضهم الفاعلة في الحروب الصليبية. إلا أن القواعد والأعراف الاجتماعية التي تم إرساؤها في تلك الحقبة، وصولاً إلى قوننتها في نُظم وأحكام، أخرجت الفروسية من نطاقها القتالي الصرف وحولتها إلى تقاليد متصلة بالشهامة والتسامح والنبل، وما استتبع العشق والوله العاطفي من قواعد ومواثيق.

وقد اعتبر أرنولد هاوزر في كتابه «الفن والمجتمع عبر التاريخ» أن الجديد في شعر الفروسية هو عبادة الحب والحرص عليه، واعتباره المصدر الأهم للخير والجمال والسعادة الحقة، حيث يتم التعويض عن حرقة الفراق بفرح الروح ونشوة الانتظار، مضيفاً أن التروبادور كانوا في الأصل من المغنين الذين يستقدمهم الأمراء إلى قصورهم وبلاطاتهم بهدف الاستئناس بأغانيهم والتخفف من أثقال الحروب والصراعات المختلفة. حتى إذا ما استُحدث تقليد كتابة الشعر في وقت لاحق، طُلب إليهم التغزل بنساء الأمراء وامتداح جمالهن ومقامهن السامي، على أن لا تتجاوز العلاقة بين الطرفين علاقة التابع بالمتبوع والخادم بسيدته، وكان الفرسان ومنشدو البلاط يقدمون فروض الولاء لهذه السيدة المثقفة، الموسرة والجذابة.

أما دينيس دي ريجمون صاحب كتاب «الحب والغرب»، فيستبعد أي دور للعامل الاجتماعي في نشوء ظاهرة التروبادور، لأن وضع المرأة في الجنوب الأوروبي لم يكن أقل ضعة وتبعية من وضعها في شمال القارة. إلا أنه يقيم نسباً واضحاً بين التروبادور والشعراء الكاتاريين، الذين بدا عشقهم للمرأة نوعاً من الديانة الخاصة، معتبراً أن كلاً من الطرفين قد استلهم في تجربته الحركات الصوفية والغنوصية، إضافة إلى الديانات الفارسية القديمة. وفي إطار بحثه عن منشأ تلك الظاهرة، لم يركن المؤلف إلى مصدر واحد، بل قادته الحيرة إلى العديد من الفرضيات، التي تأتي في طليعتها الديانة المانوية القائمة على التعارض الضدي بين الخير والشر، وبين قوى النور وقوى الظلام، والمحكومة على الدوام بالروح الغنائية والقلق الدائم، بعيداً عن أي تصور للعالم، عقلي وموضوعي.

ولأن هذا المعتقد يرى في الجسد عين الشقاء، وفي الموت الفداء الحقيقي لخطيئة الولادة، فقد أكد الباحث الفرنسي بأن التروبادور كالمانويين، قد أنكروا كل حب شهواني محسوس، ورأوا أن العشق المتعفف والزهد بالملذات، هما الطريقة المثلى لخلاص الإنسان. إلا أن دي رجمون الذي لم ير في تجربتهم سوى نبتٍ هجين تتصل جذوره بالديانات الوثنية القديمة، كما بتيارات الزندقة والحركات الغنوصية والصوفية المتطرفة، ما يلبث أن يغادر مربع الحياد البحثي، ليتبنى موقفاً أخلاقياً مفضياً إلى إدانة التجربة العشقية للتروبادور، الأقرب في رأيه إلى الزنا والهوس المرضي بالمرأة، وليقف بشكل حاسم إلى جانب الزواج الديني الشرعي.

ومع أن في قول دي رجمون بأن الهوى الجامح هو المعادل الرمزي للمشاعر القومية والدينية التي غذت الحروب، جانباً من الحقيقة أكدته مشاركة بعض العشاق الفرسان في الحروب الصليبية، فإن الجانب الآخر يؤكد أن هؤلاء الشعراء قد أحلوا الحب محل الحرب، والتزموا في عشقهم بشعائر وطقوس شبيهة بالطقوس والشعائر الدينية. فالمرأة في معادلة العشق التروبادور هي «السيدة» المتعالية التي لا يُفترض بالعاشق أن يغزو حصونها المنيعة بالسلاح، بل بالمديح الشعري والموسيقي النابضة بالرجاء. وكما يقسم الناس لملوكهم بالولاء والطاعة، فإن الشاعر الفارس يقسم راكعاً على ركبتيه، بالإخلاص الأبدي لسيدته، فيما تقوم من جهتها بإعطائه خاتماً من ذهب، طالبة إليه النهوض ومكافئة إياه بقبلة على جبينه.

وبصرف النظر عن اجتهادات الباحثين المتباينة حول الأسباب والعوامل التي أسهمت في نشوء هذه الظاهرة وانتشارها وتألقها، فالثابت أنها استطاعت أن تتحول إلى علامة فارقة في الثقافة الغربية لما يقارب القرون الثلاثة من الزمن، قبل أن يغرب نجم الإقطاع وتتقهقر تقاليد الحب الفروسي. وإذ اعتبرت الكاتبة الأميركية لاورا كندريك في كتابها «لعبة الحب» أن التروبادور قد استخدموا لغة الشعر بطريقة جديدة، ولعبوا بالكلمات كما لو كانت أدوات وأشياء مادية من صنع أيديهم، فإن سلوكياتهم وطرائق عيشهم قوبلت باعتراض صارم من قبل الكنيسة، التي نظرت إلى تلك السلوكيات بوصفها إهانة لتعاليمها وأهدافها الحاثة على الزواج الشرعي. ولأن الكنيسة كانت ترى في كل علاقة تحدث خارج السرير الزوجي، حتى لو ظلت بعيدة عن الترجمة الجسدية، حالة من أحوال الزنا «النظري»، أو إسهاماً في قطع دابر التكاثر، فقد شنت ضد هؤلاء الشعراء العشاق حرباً لا هوادة فيها، إلى أن تمكنت من القضاء على الظاهرة بكاملها في أواخر القرن الثالث عشر. إلا أن زوال العصر الذهبي للتروبادور، لم يفض بأي حال إلى إزالة شعرهم من الخريطة الثقافية الغربية، بدليل أن هذا الشعر قد ترك، باعتراف كبار النقاد، بصماته الواضحة في الشعرية الأوروبية اللاحقة، بدءاً من دانتي وبترارك وتشوسر، وليس انتهاءً بعزرا باوند وت. س. إليوت وكثرٍ آخرين.

عاجل الجيش الإسرائيلي: منظومات الدفاع الجوي تعمل على اعتراض صاروخ تم إطلاقه من اليمن