مفتي القدس لـ {الشرق الأوسط}: «الدواعش» يعيدون فكر الخوارج طمعًا في السلطة

الشيخ حسين أكد أن الداعين للاقتتال باسم إقامة شرع الله «جهلاء»

المفتي العام للقدس والديار الفلسطينية الشيخ محمد أحمد حسين («الشرق الأوسط»)
المفتي العام للقدس والديار الفلسطينية الشيخ محمد أحمد حسين («الشرق الأوسط»)
TT

مفتي القدس لـ {الشرق الأوسط}: «الدواعش» يعيدون فكر الخوارج طمعًا في السلطة

المفتي العام للقدس والديار الفلسطينية الشيخ محمد أحمد حسين («الشرق الأوسط»)
المفتي العام للقدس والديار الفلسطينية الشيخ محمد أحمد حسين («الشرق الأوسط»)

أكد المفتي العام للقدس والديار الفلسطينية الشيخ محمد أحمد حسين، أن ما نراه الآن من تنظيم داعش وغيرهم من الفئات الضالة إعادة لفكر الخوارج نفسه، الذين يجيدون القتل خلسة وغدرا ويعيثون في الأرض فسادا وترويعا للآمنين، وذلك بسبب تطلعهم إلى السلطة بالقوة، مضيفا في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، على هامش زيارته الأخيرة للقاهرة لحضور مؤتمر إسلامي، أن «من يدعون للاقتتال باسم إقامة شرع الله غارقون في الأمية الدينية».
ودعا الشيخ حسين، وهو خطيب المسجد الأقصى المبارك، إلى حسن التعامل مع قضية الاختلاف مع الآخر سواء أكان مسلما أم غير مسلم، مؤكدا على مبدأ الأخوة الإنسانية التي يجتمع تحت ظلالها الناس جميعا، التي أكد الإسلام على احترام مبدئها، كما جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة وسيرة السلف الصالح، رغم الاختلاف والتباين بين الناس في العقائد والمواقف والأفكار.
وتابع بقوله: «الاختلاف بين الخلق وارد لا محالة، ومن هنا جاءت علاقة المسلم مع غيره في ضوء القرآن الكريم والسنة النبوية، مصداقا لما أوصانا به النبي الكريم في التعامل مع الآخر بالعدل والإحسان، حيث نهى الإسلام عن إهدار الدماء من دون وجه حق، فقال صلى الله عليه وسلم: (من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاما)، فضلا عن امتناع المسلم عن السب والشتم لمعتقدات المخالفين، وعدم استخدام الأساليب الاستفزازية التي تسيء لمستخدميها.. فالحوار هو الوسيلة المهمة في التواصل مع الآخر بالرفق واللين وحسن التعبير والاحترام عند المجادلة، من دون لبس أو غموض».
وفي مجمل رده عن حكم الاختلاف في الرأي الذي يصل لدي بعض الجماعات إلى الفرقة والقتال، أكد مفتي القدس أن المسلمين بشر يدركون الخطأ والصواب وفقا لمدارك كل منهم على الصعيد العلمي والثقافي واجتهاداتهم، فمن الخيال تصور اتفاقهم على رأي واحد في كل القضايا والأمور الخاصة المستجدة في حياتهم، كما أن التعايش بين المسلم وغيره يسير في ضوء التشريع الإسلامي والمنطق الشرعي.. فالعلاقات تبنى على سبيل الأخوة، فالذي يجمعنا أكثر مما يفرقنا، فالله واحد ورسولنا واحد ونواجه مصيرا واحدا، فقال تعالى: (إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون)، فيجب الصبر عند المحاورة واحترام مشاعر الآخرين وعدم السخرية المنفرة من الجميع، كذلك التعامل مع القضايا الخلافية لدى بعض الجماعات بإنصاف وموضوعية والتحلي بالرفق واللين في المحاورة مع الناس، مصداقا لقوله تعالى: (وجادلهم بالتي هي أحسن)».
وجدد مفتى القدس دعوته للمسلمين لزيارة المسجد الأقصى لدعم إخوانهم الفلسطينيين، مشيرا إلى شرعية تلك الزيارة بالأحاديث النبوية التي تدعو لشد الرحال إلى الأقصى، مطالبا بدعم عربي إسلامي للفلسطينيين في التصدي للممارسات التي يتعرضون لها، ولحماية المسجد الأقصى من أعمال التهويد، لافتا إلى أهمية الاتفاق على رؤى فكرية دينية عربية للتصدي للتنظيمات الإرهابية وتفنيد دعواهم الباطلة وتأويلهم الخاطئ للقرآن والسنة، لتبرير أعمالهم الإرهابية، والإسلام بسماحته بريء منهم، موضحا أن القضية الفلسطينية هي لب الصراع في المنطقة.
وأكد الشيخ حسين أن «من يدعو للاقتتال باسم إقامة شرع الله غارق في الأمية الدينية، ولم يفهم الإسلام من حيث العقيدة والشريعة والأخلاق الكريمة التي يحث عليها»، لافتا إلى أن «ارتباط هذا الفكر القتالي بتجنيد أصحاب المآرب الدنيوية لزرع الفتن بين المسلمين يأتي بهدف تفتيتهم ونهب ثرواتهم، وإظهار دين التسامح على أنه دين لا يعرف الرحمة، فهم يمضون في أمواج الفتن دون معرفة الدين الحنيف، فيقول الحديث الشريف: (كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه)، فالإسلام دعا للتعايش السلمي بين الشعوب وإلى معاملة غير المسلمين بالعدل والإنصاف، وقد حذر النبي الكريم من الذين يظهرون آخر الزمان، قائلا: (سيخرج في أواخر الزمان حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من قول خير البرية يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية يدعون إلى كتاب الله وهم ليسوا منهم في شيء).. فما نراه الآن من الدواعش وغيرهم من الفئات الضالة يعيدون فكر الخوارج نفسه، الذين يجيدون القتل خلسة وغدرا ويعيثون في الأرض فسادا وترويعا للآمنين بسبب تطلعهم إلى السلطة بالقوة».
وعن موقف علماء الأمة مما يحدث في الشعوب الإسلامية الآن، أكد مفتي القدس أن العلماء مطالبون باستيعاب الشباب المتحمس وإفاقتهم، وعلى العلماء أن ينزلوا من «الأبراج العاجية» إلى المناقشات والمجادلات الحوارية وتوضيح المفاهيم المغلوطة، فالشباب يتم استغلالهم والتلاعب بعقولهم وشحنهم نفسيا وعاطفيا بأفكار مغلوطة ومضللة للآيات القرآنية وغرس فكرة الجهاد الخاطئة في نفوسهم، مما يحولهم إلى متطرفين بسبب ما وصل إليهم من الجهل المعرفي والسطحي بحقيقة الإسلام، وعلى الحكومات أن تساعد العلماء بوضع الخطط والبرامج القصيرة وطويلة المدى بتأسيس خطاب علمي يتفهم المستجدات الفكرية والمدارك العميقة التي يحسن فهمها بأيسر الأمور.
وعن الذي تحتاجه الأمة الإسلامية في هذه الأوقات العصيبة، قال الشيخ حسين إن «الأمة في حاجة إلى القدوة الصالحة وتصحيح الصورة المغلوطة عن الإسلام وإيقاف المفاهيم الخاطئة عند حد معين، خاصة الافتراءات التي تدعي عدم تعايش أتباع الدين الإسلامي مع الآخر، وعدم حوارهم مع المخالفين معهم في الآراء، وبيان الصورة المشرقة للمسلمين في كل المجالات التعليمية والثقافية وغيرها، بما يقبل الاختلاف والتعايش والمشاركة الفعالة في جميع الأحداث المعاصرة.



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.