الأزمة السورية في «دائرة مفرغة».. وأولوية محاربة الإرهاب تتفوق على إسقاط النظام

بتمسك الأسد بالحل العسكري مستفيدا من التقاعس الدولي وظهور المجموعات المتطرفة

طفل سوري يمر أمام جدار من حافلات محروقة وضعه المسلحون المعارضون لصد قناصي النظام السوري في حلب أمس (أ.ف.ب)
طفل سوري يمر أمام جدار من حافلات محروقة وضعه المسلحون المعارضون لصد قناصي النظام السوري في حلب أمس (أ.ف.ب)
TT

الأزمة السورية في «دائرة مفرغة».. وأولوية محاربة الإرهاب تتفوق على إسقاط النظام

طفل سوري يمر أمام جدار من حافلات محروقة وضعه المسلحون المعارضون لصد قناصي النظام السوري في حلب أمس (أ.ف.ب)
طفل سوري يمر أمام جدار من حافلات محروقة وضعه المسلحون المعارضون لصد قناصي النظام السوري في حلب أمس (أ.ف.ب)

يصادف اليوم، الذكرى الرابعة لانطلاقة الثورة السورية، التي تغير اسمها فيما بعد، إلى أزمة، وصراع، وحرب، بعد أن تداخلت فيها عوامل خارجية وداخلية، شوشت على تكوين موقف موحد للسوريين في مواجهة آلة القمع، ففشلت مؤسسات المعارضة في الحصول على إجماع شعبي يدعمها، وانقسمت ما بين داخل وخارج. أما العسكر المنشقون فقد اكتفوا بالانكفاء في أماكن لجوئهم، بعد أن نافستهم كتائب المعارضة المسلحة التي شكلتها جهات لها مصلحة في إدارتها. ثم دخلت «داعش» و«النصرة» لتؤسسا دولهما وتشوشا على قضية السوريين، وقبلها دخلت إيران على الخط يدعمها حزب الله اللبناني ومجموعات شيعية مختلفة. ولم تعد سوريا للسوريين الذين تحول جزء كبير منهم إلى نازحين، داخل سوريا أو خارجها، بفعل القصف الوحشي للنظام وتوقف الخدمات الأساسية في البلاد.
بيروت: كارولين عاكوم
عوامل داخلية وإقليمية اجتمعت كلها ضد الشعب السوري محولة الأرض السورية إلى ساحة حرب إقليمية يتعارك فيها اللاعبون الكبار متجاهلين المعاناة الإنسانية، فيما يبدو وبعد مرور 4 سنوات على بدء الأزمة أن الرئيس بشار الأسد يجلس مرتاحا على كرسيه بعدما انعكس ظهور المجموعات المتطرفة إيجابا على نظامه وتغيرت أولويات المجتمع الدولي من إسقاطه إلى محاربة الإرهاب.
ويتفق كل من نائب رئيس الائتلاف السوري، هشام مروة، والمحلل وأستاذ العلوم السياسية في جامعة باريس الجنوب، خطار بو دياب، أن أسبابا عدة داخلية وخارجية أدت إلى فشل أي حل سياسي في سوريا، أهمها تعنت الأسد وتمسكه بالحل العسكري ورفضه أي حل في وقت كانت المعارضة تطالب بالإصلاحات السياسية والإدارية إضافة إلى دعم حلفائه له من خلال الـ«فيتو» تجاه أي قرار دولي ضد النظام السوري.
ويعتبر مروة في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن تقصير المجتمع الدولي كان في مقاربته للأزمة السورية، الذي أسهم في ظهور التنظيمات المتطرفة التي ترفع شعار «الإسلام»، بينما لا تمت إلى الإسلام بصلة. مضيفا «في المقابل كان النظام مقتنعا بألا أحد يمكن أن يقف بوجهه سياسيا أو عسكريا ممعنا في ارتكاب المزيد من الجرائم والاستمرار بالحل العسكري».
في موازاة ذلك، وبحسب مروة، كانت الدول الحليفة للنظام تسوق لفكرة أن الأسد من الممكن أن يكون شريكا في محاربة الإرهاب، بينما هو الذي أسهم بشكل مباشر وغير مباشر في نشوء المجموعات المتطرفة التي لم يعمد هو وحلفاؤه إلى مواجهتها، بل على العكس كانت معركته ضد المعتدلين. مع العلم، أن النظام نجح في رهانه على عدم تدخل الغرب عسكريا في سوريا، ولعل المنعطف الحقيقي بالنسبة إليه بدأ يوم نجح في تجنب ضربة عسكرية أميركية ضده بإعلان استعداده لتسليم أسلحته الكيميائية، بعد أن اتهمه الغرب بالوقوف وراء هجوم كيميائي على ريف دمشق أغسطس (آب) 2013 حصد مئات القتلى.
من جهته، يعتبر خطار بو دياب، أنه لو كان النظام يريد الحل السياسي لاتخذ خطوات لمعاقبة من قام بعمليات القمع في بدايات التحركات بدرعا، ولما كانت الأمور تطورت ووصلت إلى ما هي عليه الآن.
وقال في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إن «طبيعة النظام السياسي والشخصي والشمولي تحت عنوان (كل شيء أو لاشيء)»، تتنافى مع إمكانية القبول بأي حل سياسي. وخير دليل على ذلك أن ما يظهر اليوم لناحية مسؤولية النظام عن تصفية قيادات خلية الأزمة هي محاولة لإفراغ السلطة، ودليل على أنه يتآكل، لكنه مصر على الاستمرار تحت شعار «إما الأسد أو نحرق البلد»، وبالتالي الالتفاف على أي حل سياسي.
ويرى بو دياب أن المسألة أصبحت اليوم تتعلق بإنقاذ سوريا، ولذلك كانت صيغة «جنيف» هي الأفضل لإنشاء هيئة حكم انتقالية، لكن الواضح أن النظام مدعوما من روسيا وإيران يعمل لعدم تطبيق الصفقة، مما أدى إلى بقاء الأزمة السورية في الدائرة نفسها منذ عام 2012.
وأوضح أنه «ونتيجة الفيتو الروسي والانغماس الإيراني في سوريا، اقتنع النظام السوري بأنه لا يمكن إسقاطه، خصوصا وأن اللاعب الأول المتمثل بالولايات المتحدة الأميركية، لم يتخذ لغاية الآن قرارا جديا لإسقاطه، بعدما تحولت سوريا إلى ساحة لتصفية الحسابات الدولية والإقليمية وتحولت الثورة الشعبية إلى أول نزاع متعدد الأقطاب في هذا القرن»، مضيفا «مع العلم أن بروز (داعش)، أعاد الولايات المتحدة إلى سوريا والعراق، من باب مواجهة الإرهاب وليس إسقاط النظام السوري».
وهو ما يؤكده الباحث في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية (إيريس) في باريس كريم بيطار، بقوله «ذهب التنظيم بعيدا في الترويع إلى درجة بات الغرب اليوم مقتنعا بأن (داعش) يمثل العدو المطلق وكل ما تبقى شر أدنى منه». مضيفا «عدنا إلى الذهنية التي ترى كل شيء من منظار الحرب على الإرهاب وإلى الفكرة التي كانت سائدة قبل الثورات العربية، وهي أن الاستبداد أقل خطورة ولا بد من تقارب مع الأنظمة المستبدة».
من ناحيته، لا ينفي مروة أن المعارضة تتحمل جزءا من المسؤولية التي تقف خلفها الدول الداعمة لها، موضحا «هذه الدول أسهمت بإضعاف المعارضة في ظل غياب الدعم اللازم للحكومة المؤقتة واختلاف المواقف وتعدد الآراء الذي انعكس سلبا على وحدة القرار العسكري، وبالتالي القرار السياسي»، بينما يعتبر بو دياب أن المشكلة تكمن أيضا في المبادرات العربية وغير العربية التي لا تزال كلها تدور في دائرة مفرغة، ولم تنجح المعارضة في إثبات نفسها وقدرتها على إيجاد البديل. وفيما يبدو واضحا أن هناك حلفا حديديا مع النظام يضم الصين وروسيا وإيران، نرى أنه ليس هناك تحالف جديد بين دول أصدقاء سوريا وكل ما يحصل يصب في خانة العرقلة بدل إحراز التقدم.
لكن ورغم ذلك، يرى مروة أن هناك بعض التغير في الموقف الدولي تجاه النظام السوري، معتبرا أن القول إن الأولوية لم تعد الآن لإسقاط النظام بل لمواجهة الإرهاب، غير صحيح، ويوضح «اليوم اختلف الوضع واقتنع المجتمع الدولي أن النظام لن يكون شريكا في مواجهة الإرهاب، بل هو جزء منه ويستخدمه لصالحه». وأضاف «الأولوية اليوم باتت لإسقاط الأسد، لا سيما بعد تشكل التحالف الدولي ضد الإرهاب الذي وجد أن النظام مسؤول بشكل أو بآخر عن ظهور التطرف بشكل عام و(داعش) بشكل خاص، وغرز في صفوفه خلايا تابعة له للاستفادة منها بإعادة تكوين نفسه».
ويستبعد بو دياب أن ينعكس أي اتفاق أميركي – إيراني إيجابا على الأزمة السورية، قائلا: «المسألة أكثر تعقيدا ولا أرى أنه ستحدث الصفقات بهذه السهولة، وأظن أن سوريا بالنسبة إلى إيران هي الجوهرة على تاج مشروعها الإمبراطوري وهي الأهم بالنسبة إليها وكذلك الممر إلى البحر المتوسط».
ويضيف «المخاض طويل والمعاناة السورية ستصبح أكثر تأزما، إذ إن روسيا لا تزال تحاول تعطيل أي حل في سوريا فيما تعتبر إيران أن دمشق جزء من مشروعها الإقليمي، لذلك ورغم الوضع المالي الصعب في إيران والأزمة الروسية مع أوكرانيا، يبقى الشعب السوري هو الضحية».
ويشير بو دياب إلى أهمية العامل الإسرائيلي في المعادلة الإقليمية، معتبرا أن أميركا وأوروبا لا سيما القوى الغربية الفاعلة، تريد التأكد من طبيعة النظام المقبل الذي سيكون له دور مهم في إعادة تكوين المنطقة.



غروندبرغ في صنعاء لحض الحوثيين على السلام وإطلاق المعتقلين

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

غروندبرغ في صنعاء لحض الحوثيين على السلام وإطلاق المعتقلين

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

بعد غياب عن صنعاء دام أكثر من 18 شهراً وصل المبعوث الأممي هانس غروندبرغ إلى العاصمة اليمنية المختطفة، الاثنين، في سياق جهوده لحض الحوثيين على السلام وإطلاق سراح الموظفين الأمميين والعاملين الإنسانيين في المنظمات الدولية والمحلية.

وجاءت الزيارة بعد أن اختتم المبعوث الأممي نقاشات في مسقط، مع مسؤولين عمانيين، وشملت محمد عبد السلام المتحدث الرسمي باسم الجماعة الحوثية وكبير مفاوضيها، أملاً في إحداث اختراق في جدار الأزمة اليمنية التي تجمدت المساعي لحلها عقب انخراط الجماعة في التصعيد الإقليمي المرتبط بالحرب في غزة ومهاجمة السفن في البحر الأحمر وخليج عدن.

وفي بيان صادر عن مكتب غروندبرغ، أفاد بأنه وصل إلى صنعاء عقب اجتماعاته في مسقط، في إطار جهوده المستمرة لحث الحوثيين على اتخاذ إجراءات ملموسة وجوهرية لدفع عملية السلام إلى الأمام.

وأضاف البيان أن الزيارة جزء من جهود المبعوث لدعم إطلاق سراح المعتقلين تعسفياً من موظفي الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني والبعثات الدبلوماسية.

صورة خلال زيارة غروندبرغ إلى صنعاء قبل أكثر من 18 شهراً (الأمم المتحدة)

وأوضح غروندبرغ أنه يخطط «لعقد سلسلة من الاجتماعات الوطنية والإقليمية في الأيام المقبلة في إطار جهود الوساطة التي يبذلها».

وكان المبعوث الأممي اختتم زيارة إلى مسقط، التقى خلالها بوكيل وزارة الخارجية وعدد من كبار المسؤولين العمانيين، وناقش معهم «الجهود المتضافرة لتعزيز السلام في اليمن».

كما التقى المتحدث باسم الحوثيين، وحضه (بحسب ما صدر عن مكتبه) على «اتخاذ إجراءات ملموسة لتمهيد الطريق لعملية سياسية»، مع تشديده على أهمية «خفض التصعيد، بما في ذلك الإفراج الفوري وغير المشروط عن المعتقلين من موظفي الأمم المتحدة والمجتمع المدني والبعثات الدبلوماسية باعتباره أمراً ضرورياً لإظهار الالتزام بجهود السلام».

قناعة أممية

وعلى الرغم من التحديات العديدة التي يواجهها المبعوث الأممي هانس غروندبرغ، فإنه لا يزال متمسكاً بقناعته بأن تحقيق السلام الدائم في اليمن لا يمكن أن يتم إلا من خلال المشاركة المستمرة والمركزة في القضايا الجوهرية مثل الاقتصاد، ووقف إطلاق النار على مستوى البلاد، وعملية سياسية شاملة.

وكانت أحدث إحاطة للمبعوث أمام مجلس الأمن ركزت على اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، مع التأكيد على أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام ليس أمراً مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وأشار غروندبرغ في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

الحوثيون اعتقلوا عشرات الموظفين الأمميين والعاملين في المنظمات الدولية والمحلية بتهم التجسس (إ.ب.أ)

وقال إن العشرات بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

يشار إلى أن اليمنيين كانوا يتطلعون في آخر 2023 إلى حدوث انفراجة في مسار السلام بعد موافقة الحوثيين والحكومة الشرعية على خريطة طريق توسطت فيها السعودية وعمان، إلا أن هذه الآمال تبددت مع تصعيد الحوثيين وشن هجماتهم ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن.

ويحّمل مجلس القيادة الرئاسي اليمني، الجماعة المدعومة من إيران مسؤولية تعطيل مسار السلام ويقول رئيس المجلس رشاد العليمي إنه ليس لدى الجماعة سوى «الحرب والدمار بوصفهما خياراً صفرياً».