الحكي من وراء قناع أم كلثوم

محمد بركة يروي قصتها المحجوبة في «حانة السِّت»

الحكي من وراء قناع أم كلثوم
TT

الحكي من وراء قناع أم كلثوم

الحكي من وراء قناع أم كلثوم

تبدو فكرة التقمص مفتاحاً مهماً في رواية «حانة الست»، الصادرة حديثاً عن دار المثقف بالقاهرة للكاتب محمد بركة، فالراوي يتقمص سيرة حياة أم كلثوم ويجعلها تروي قصتها المحجوبة في إطار علاقة شبه تفاعلية معها، كما يشي عنوان الرواية، محتفظاً بمسافة مرنة بينه وبين الشخصية، توفر له متابعة الوقائع والأحداث، وما تتكشف عنه من أسرار ومفاجآت، في حياة امرأة تربعت على عرش الغناء العربي وصارت عنواناً له ورمزاً لخلوده.
يراوح الراوي (الكاتب) في الحكي من وراء قناع أم كلثوم، ما بين دور المراقب المحايد الذي يوفر فضاءً آمناً للبطلة للتعبير عن بوحها واعترافاتها ولو في شكل أسئلة، بعضها يظل عصياً عن الإجابة، ثم الراوي العليم الذي لملم قصاصات هذه السيرة من التاريخ والمتون والهوامش، وما جاء على ألسنة عشاقها ومعجبيها، وما كتب وصوِّرَ عنها، ويقر منوهاً في ختام الرواية بأن «الوقائع التي وردت فيها حول حياة السيدة أم كلثوم صاغها خيال المؤلف استناداً إلى وقائع مغيّبة ومنسية».
على ضوء ذلك يمنح المؤلف خياله حرية الشطح فيبدو وكأنه صوت البطلة، ينبش في مساحة وعيها ولا وعيها، ليظل هذا الصوت مستيقظاً يحكي، ويسمعه القارئ بلهفة، بينما يتراوح أفق التخييل للوقائع والأحداث ما بين الخفّة والثقل، فثمة وقائع مكتملة بذاتها، وثمة أخرى تـحتاج إلى هذا النبش، وما بين هذه وتلك ثمة مسحة من التزيد، تصل أحياناً إلى حد افتعال المفارقة والسخرية الخشنة لملء الفراغات والشقوق. من هذه المفارقات الخشنة لقطة عابرة (ص39) تصور انتقام البطلة من غريمتها التي تعودت مضايقتها في الكُتّاب، تذهب مبكراً لتكسِّر لوحها الإردواز، لكنها تفاجأ برجل مفتول الشارب (مفتش من وزارة المعارف) يغريها بقطعة من الشوكولاته وهو يسألها عن اسمها، ويثني على حرصها على التعليم والذهاب مبكراً.
يدعم هذا النبش فضاءُ حكي مفتوح، منفلت من قبضة التراتب الزمني كما يحدث في كتابة السيرة الذاتية. وهو ما يطالعنا في العتبة التمهيدية للرواية على لسان البطلة الراوية فيما يشبه شرطاً قاطعاً للحياة والوجود داخل الرواية وخارجها قائلة: «لا تعرف الأشباح الانفعال، لكن هذا الرجل الذي يحمل الغلاف توقيعه كمؤلف فعلها، جعلني بهدوئه القاتل أنفعل حقاً، كنت أنا الشبح الهائم في سديم العالم الآخر أكثر حرارة وحيوية منه، أتعب قلبي، لكن للأسف هو فقط من يصلح لهذه المهمة. استعدت هدوئي وقلت: ستتحرك عبر الزمن صعوداً وهبوطاً حسب ما أمليه عليك، دون أدنى التزام بترتيب الأحداث».
تظل كاف التشبيه التي تنعت بها أم كلثوم المؤلف (كمؤلف) نقطة فارقة في الرواية، مشكلة خيطاً شفيفاً بين الوهم بالحقيقة والحقيقة نفسها، حتى يبدوا في لحظات كثيرة وكأنهما قناع لزمن آخر، زمن وطن تنكشف صورته وملامحه على شتى المستويات الإنسانية في ظلال وطوايا تلك الوقائع، وفي مفاضل تاريخية فارقة. حيث تعاصر صاحبة القصة المحجوبة وطنها في لحظات صعوده وتحرره من أقصى الملكية إلى أقصى الثورة، ثم في لحظات هزيمته وانكساره.
لا تنشغل الرواية عبر 290 صفحة، بما يمكن تسميته بـ«ذاتية أم كلثوم»، وهو الوجه الآخر المتخفي داخل تجاويف القناع، حيث نستشرف صورة امرأة مغلوبة على أمرها، لا تملك، على حد قولها «أنوثة هند رستم ولا دلع شادية»، وبرأيي يشكل هذا المنحى مدخلاً مهماً لم تنبش فيه الرواية بشكل عميق، لفهم العلامات والدلالات والرموز الكامنة تحت قشرة الوعي واللاشعور، ويمكن أن نتلمس ملامحه واقعياً في حياتها العاطفية، فرغم ما حققته من مجد وشهرة، ارتضتْ بـ«فتافيت» الغرام والحب، وأن تكون الرقم الثاني في معادلة الحياة الزوجية، بينما هي الرقم الأول في معادلة الحياة الفنية. كل من أحبتهم ووقعت في غرامهم، وحامت الشبهات حولهم بالزواج منها، بداية من أستاذها وحبيبها الملحن أبو العلا محمد، والملحن محمود الشريف حتى الطبيب الشهير أحمد الحفناوي، الوحيد الذي أغلقت عليه دفتر حياتها العاطفية وكان يكبرها بـ17عاماً. كلهم كانوا متزوجين ولديهم أبناء وأسر مستقرة... لقد وعت أم كلثوم وبحساسية من هذه الذاتية أن المجد ليس ستراً للبدن كالزواج، إنما هو موهبة تتطلب مغامرة ومقدرة فائقة على الكدح والنضال من أجل تنميتها، وهو ما حققته بجدارة وامتياز، وجسدته الرواية.
لكن في هذه العباءة لا جديد محجوباً وفارقاً في سيرة البطلة: كفاحها وصعودها من القاع إلى القمة، مكائدها وحروبها الصغيرة مع أقرانها والتي وصل بعضها إلى المحاكم (زكريا أحمد على سبيل المثال)، أغلبها مرمي على قارعة الطريق، ومتناثر في أضابير الميديا والإنترنت.
الجديد برأيي هو تعامل الرواية مع فضاء الطفولة مسرح السرد الأساسي، حيث يتوغل السرد بسلاسة لغوية وأسلوبية، تمتزج في روائحها عادات وتقاليد القرية المصرية القحة في ذلك الزمن الغابر، ويكتسب فعل الحكي بكل تقاطعاته مع الألم والحزن واللعب حيوية المعايشة لصورة يعلق بها غبار الذاكرة والتاريخ.
مناخات طفولة تعيسة وشقية عاشتها أم كلثوم بقريتها «طماي الزهايرة» بمحافظة الدقهلية (شمال القاهرة)، وفي كنف أسرة فقيرة تعاني من شظف العيش: أب يعمل إماماً ومؤذناً لمسجد بالقرية، ومنشداً للتواشيح والأذكار الدينية في الموالد والأفراح، ولا يستطيع أن يسد رمق أسرته، وأم رءوم تحبو على أسرتها، وتصر على تعليم ابنتها أم كلثوم القراءة والكتابة وحفظ القرآن. يكتشف الأب بالصدفة جمال صوتها فيضمها لبطانته، بجوار شقيقها الأكبر خالد، لكن تحت قناع زي صبي بعقال بدوي، مراعاة للتقاليد الاجتماعية والدينية، ورويداً رويداً يتحسن دخل الأسرة. لكن الرواية تغفل في سياق هذه الطفولة وجود «سيدة» الأخت الكبرى لأم كلثوم، فلم نسمع لها صوتاً في فضاء ذلك المسرح الشجي، والذي لا يخلو من ألاعيب الصبا الغضة المرحة. تحضر سيدة في القاهرة وبعدما تـخطو أم كلثوم خطواتها الشابة المطمئنة فوق سلم الشهرة. تقول لأحمد رامي وهو يراها لأول مرة ويتلبس علية الأمر: «صحيح أنا التي ربيت أم كلثوم على يدي وأعتبرها مثل ابنتي، لكني في النهاية أختها الكبرى، خدامتك سيدة» (ص 166).
على مدار الرواية لا تلعب أم كلثوم دور الراوية لحياتها فقط، وإنما تتحول إلى قناع لها، عبر مؤلف تحول بدوره للعبة لا تخلو من ذكاء أدبي، وأصبح شاهد عيان على تحولات الشخصية عبر مجموعة من المرايا، تنداح ما بين ماضي البطلة، وحاضرها الغائب، ولحظة الكتابة عنها. وخلال ذلك يتكسر بعضها ويتهشم ويتحول إلى شظايا، خاصة في المسافة بين الشخصية وقناعها، التي ترفض أن تتوحد به وتذوب فيه، وتعيشه، ليس كغاية، إنما كوسيلة تساعد على توسيع زوايا الرؤية، وكشف المهمش المسكوت عنه والمنسي داخل شقوق زمن مضطرب وقاس، وحياة تقلبت ما بين أقصى درجات الجوع والفقر والحرمان، وأقصى درجات الرغد والشبع والشهرة.
لا تنجو الرواية من لطشات بها قدر من المبالغة في التخييل، بعضها مقبول يمكن هضمه في سياق السرد، مثل وصف أحمد رامي بـ«شاعري الخصوصي»، ومحمد عبد الوهاب «العبقري الأصلع»، وعبد الحليم حافظ «ابن السهوكة»، وأسمهان «القطة السورية» ، لكن يبدو شاذاً وغير مقبول وصف سيد درويش «فنان الشعب»، الذي رحل عن 31 عاماً بأنه «لم يخلص لشيء في حياته قدر إخلاصه للكوكايين والويسكي والفشل» (ص 135). سيد درويش حفظت أم كلثوم الكثير من ألحانه وغنتها في حفلات خاصة، تذكر الرواية ذلك، بل تكشف أن أول لقاء غنت فيه مع محمد عبد الوهاب كان بمنزل أبو بكر خيرت: «غنيت أنا والنجم الصاعد مونولوجاً من أوبريت العشرة الطيبة التي لحنها سيد درويش» (ص 243)
لم تكن أم كلثوم شتامة، بل كانت تعي أن الوفاء من شرف الخصومة. تذكر الرواية أنه بعد موت زكريا أحمد الذي جرجرها في المحاكم في واقعة شهيرة، اختيرت عضواً في لجنة جوائز الدولة التقديرية في الفنون، وأعطت صوتها له وأصرت على يأخذ الجائزة، رغم أن اللائحة تقصرها على الأحياء، فأعطيت له، وتم بعد ذلك تعديل اللائحة.
تبقى من الأشياء الفنية اللافتة في الرواية تنوع الإيقاع، وكأنه صدى لتنوع حركة السرد صعوداً وهبوطاً، ينعكس ذلك على اللغة فتفيض بروح شاعرية شديدة الدراما في مشهد الختام... تقول أم كلثوم وهي طريحة الصراع مع مرض الفشل الكلوي وكأنها تسترجع شريط حياتها في لحظة فاصلة: «صانعة الأضواء تتأذى من الأضواء لمرض مفاجئ. تلك هي المفارقة التي ربيتها في الركن غير المشمس من شرفتي. تحولت النبتة إلى يرقة، ثم حطت على كتفي على هيئة فراشة رقيقة تدعى (جريفز) أو مرض النشاط المفرط».
نجح محمد بركة في أن يجعل خيوط السرد في الرواية سلسة ومشوقة، تلتقي وتفترق، بل تتعقد أحياناً، بحسب تفاصيل الحكاية واقعياً وما تخلفه وراءها من فجوات تشبه الأسرار، وهو ما يجعل فعل التقمص مرناً، يوازن بين طاقة الانفعال والإسقاط النفسي على عوالم الشخصية الروائية وبين وظيفتي التعبير والتفسير، التي من خلالها يتبادل الكاتب قناعي الراوي العليم والمراقب، وكأنهما قناع واحد لأم كلثوم.



أربعة أيام في محبة الشعر

أربعة أيام في محبة الشعر
TT

أربعة أيام في محبة الشعر

أربعة أيام في محبة الشعر

أربعة أيام في محبة الشعر، شارك فيها نحو 40 شاعراً ومجموعة من النقاد والباحثين، في الدورة التاسعة لمهرجان الشعر العربي، الذي يقيمه بيت الشعر بالأقصر، تحت رعاية الشيح سلطان القاسمي، حاكم الشارقة، وبالتعاون بين وزارة الثقافة المصرية ودائرة الثقافة بالشارقة، وبحضور رئيسها الشاعر عبد الله العويس، ومحمد القصير مدير إدارة الشئون الثقافية بالدائرة.

نجح المؤتمر في أن يصنع فضاء شعرياً متنوعاً وحميمياً، على طاولته التقت أشكال وأصوات شعرية مختلفة، فكان لافتاً أن يتجاور في الأمسيات الشعرية الشعر العمودي التقليدي مع شعر التفعيلة وقصيدة النثر وشعر العامية، وأن يتبارى الجميع بصيغ جمالية عدة، وتنويع تدفقها وطرائق تشكلها على مستويي الشكل والمضمون؛ إعلاء من قيمة الشعر بوصفه فن الحياة الأول وحارس ذاكرتها وروحها.

لقد ارتفع الشعر فوق التضاد، وحفظ لكل شكلٍ ما يميزه ويخصه، فتآلف المتلقي مع الإيقاع الصاخب والنبرة الخطابية المباشرة التي سادت أغلب قصائد الشعر العمودي، وفي الوقت نفسه كان ثمة تآلف مع حالة التوتر والقلق الوجودي التي سادت أيضاً أغلب قصائد شعر التفعيلة والنثر، وهو قلق مفتوح على الذات الشعرية، والتي تبدو بمثابة مرآة تنعكس عليها مشاعرها وانفعالاتها بالأشياء، ورؤيتها للعالم والواقع المعيش.

وحرص المهرجان على تقديم مجموعة من الشاعرات والشعراء الشباب، وأعطاهم مساحة رحبة في الحضور والمشاركة بجوار الشعراء المخضرمين، وكشف معظمهم عن موهبة مبشّرة وهمٍّ حقيقي بالشعر. وهو الهدف الذي أشار إليه رئيس المهرجان ومدير بيت الشعر بالأقصر، الشاعر حسين القباحي، في حفل الافتتاح، مؤكداً أن اكتشاف هؤلاء الشعراء يمثل أملاً وحلماً جميلاً، يأتي في صدارة استراتيجية بيت الشعر، وأن تقديمهم في المهرجان بمثابة تتويج لهذا الاكتشاف.

واستعرض القباحي حصاد الدورات الثماني السابقة للمهرجان، ما حققته وما واجهها من عثرات، وتحدّث عن الموقع الإلكتروني الجديد للبيت، مشيراً إلى أن الموقع جرى تحديثه وتطويره بشكل عملي، وأصبح من السهولة مطالعة كثير من الفعاليات والأنشطة المستمرة على مدار العام، مؤكداً أن الموقع في طرحه الحديث يُسهّل على المستخدمين الحصول على المعلومة المراد البحث عنها، ولا سيما فيما يتعلق بالأمسيات والنصوص الشعرية. وناشد القباحي الشعراء المشاركين في المهرجان بضرورة إرسال نصوصهم لتحميلها على الموقع، مشدداً على أن حضورهم سيثري الموقع ويشكل عتبة مهمة للحوار البنّاء.

وتحت عنوان «تلاقي الأجناس الأدبية في القصيدة العربية المعاصرة»، جاءت الجلسة النقدية المصاحبة للمهرجان بمثابة مباراة شيقة في الدرس المنهجي للشعر والإطلالة عليه من زوايا ورؤى جمالية وفكرية متنوعة، بمشاركة أربعة من النقاد الأكاديميين هم: الدكتور حسين حمودة، والدكتورة كاميليا عبد الفتاح، والدكتور محمد سليم شوشة، والدكتورة نانسي إبراهيم، وأدارها الدكتور محمد النوبي. شهدت الجلسة تفاعلاً حياً من الحضور، برز في بعض التعليقات حول فكرة التلاقي نفسها، وشكل العلاقة التي تنتجها، وهل هي علاقة طارئة عابرة أم حوار ممتد، يلعب على جدلية (الاتصال / الانفصال) بمعناها الأدبي؛ اتصال السرد والمسرح والدراما وارتباطها بالشعر من جانب، كذلك الفن التشكيلي والسينما وإيقاع المشهد واللقطة، والموسيقي، وخاصة مع كثرة وسائط التعبير والمستجدّات المعاصرة التي طرأت على الكتابة الشعرية، ولا سيما في ظل التطور التكنولوجي الهائل، والذي أصبح يعزز قوة الذكاء الاصطناعي، ويهدد ذاتية الإبداع الأدبي والشعري من جانب آخر.

وأشارت الدكتورة نانسي إبراهيم إلى أن الدراما الشعرية تتعدى فكرة الحكاية التقليدية البسيطة، وأصبحت تتجه نحو الدراما المسرحية بكل عناصرها المستحدثة لتخاطب القارئ على مستويين بمزج جنسين أدبيين الشعر والمسرح، حيث تتخطى فكرة «المكان» بوصفه خلفية للأحداث، ليصبح جزءاً من الفعل الشعري، مضيفاً بُعداً وظيفياً ديناميكياً للنص الشعري.

وطرح الدكتور محمد شوشة، من خلال التفاعل مع نص للشاعر صلاح اللقاني، تصوراً حول الدوافع والمنابع الأولى لامتزاج الفنون الأدبية وتداخلها، محاولاً مقاربة سؤال مركزي عن تشكّل هذه الظاهرة ودوافعها ومحركاتها العميقة، مؤكداً أنها ترتبط بمراحل اللاوعي الأدبي، والعقل الباطن أكثر من كونها اختياراً أو قصداً لأسلوب فني، وحاول، من خلال الورقة التي أَعدَّها، مقاربة هذه الظاهرة في أبعادها النفسية وجذورها الذهنية، في إطار طرح المدرسة الإدراكية في النقد الأدبي، وتصوراتها عن جذور اللغة عند الإنسان وطريقة عمل الذهن، كما حاول الباحث أن يقدم استبصاراً أعمق بما يحدث في عملية الإبداع الشعري وما وراءها من إجراءات كامنة في الذهن البشري.

وركز الدكتور حسين حمودة، في مداخلته، على التمثيل بتجربة الشاعر الفلسطيني محمود درويش، ومن خلال هذا التمثيل، في قصائد درويش رأى أنها تعبّر عن ثلاثة أطوار مرّ بها شعره، مشيراً إلى أن ظاهرة «الأنواع الأدبية في الشعر» يمكن أن تتنوع على مستوى درجة حضورها، وعلى مستوى ملامحها الجمالية، عند شاعر واحد، عبر مراحل المسيرة التي قطعها، موضحاً: «مما يعني، ضِمناً، أن هذه الظاهرة قابلة لأن تتنوع وتتباين معالمها من شاعر لآخر، وربما من قصيدة لأخرى».

ورصدت الدكتورة كاميليا عبد الفتاح فكرة تلاقي الأجناس الأدبية تاريخياً، وأشارت، من خلال الاستعانة بسِجلّ تاريخ الأدب العربي، إلى أن حدوث ظاهرة التداخل بين الشعر وجنس القصة وقع منذ العصر الجاهلي، بما تشهد به المعلقات التي تميزت بثرائها الأسلوبي «في مجال السردية الشعرية». ولفتت إلى أن هذا التداخل طال القصيدة العربية المعاصرة في اتجاهيها الواقعي والحداثي، مبررة ذلك «بأن الشعراء وجدوا في البنية القصصية المساحة الكافية لاستيعاب خبراتهم الإنسانية». واستندت الدكتورة كاميليا، في مجال التطبيق، إلى إحدى قصائد الشاعر أمل دنقل، القائمة على تعدد الأصوات بين الذات الشعرية والجوقة، ما يشي بسردية الحكاية في بناء الحدث وتناميه شعرياً على مستويي المكان والزمان.

شهد المهرجان حفل توقيع ستة دواوين شعرية من إصدارات دائرة الثقافة في الشارقة للشعراء: أحمد عايد، ومصطفى جوهر، وشمس المولى، ومصطفى أبو هلال، وطارق محمود، ومحمد طايل، ولعب تنوع أمكنة انعقاد الندوات الشعرية دوراً مهماً في جذب الجمهور للشعر وإكسابه أرضاً جديدة، فعُقدت الندوات بكلية الفنون الجميلة في الأقصر، مصاحبة لافتتاح معرض تشكيلي حاشد بعنوان «خيوط الظل»، شارك فيه خمسون طالباً وطالبة. وكشف المعرض عن مواهب واعدة لكثيرين منهم، وكان لافتاً أيضاً اسم «الأصبوحة الشعرية» الذي أطلقه المهرجان على الندوات الشعرية التي تقام في الفترة الصباحية، ومنها ندوة بمزرعة ريفية شديدة البساطة والجمال، وجاءت أمسية حفل ختام المهرجان في أحضان معبد الأقصر وحضارة الأجداد، والتي امتزج فيها الشعر بالأغنيات الوطنية الراسخة، أداها بعذوبة وحماس كوكبة من المطربين والمطربات الشباب؛ تتويجاً لعرس شعري امتزجت فيه، على مدار أربعة أيام، محبة الشعر بمحبة الحياة.