ليبيون يرسمون ملامح رئيسهم المرتقب

بعضهم طالب بترشح وجوه جديدة وآخرون اشترطوا القدرة على احتواء الجميع

TT

ليبيون يرسمون ملامح رئيسهم المرتقب

على الرغم من العثرات التي تواجه إعداد «قاعدة دستورية» للانتخابات الليبية المرتقبة، يأمل قطاع كبير من السياسيين والمواطنين في ترشح وجوه جديدة على منصب رئيس البلاد بعيداً عن الشخصيات المنغمسة في المشهد العام طوال السنوات العشر الماضية.
وفي هذا الإطار، قال عبد المنعم اليسير رئيس لجنة الأمن القومي في «المؤتمر الوطني العام» المنتهية ولايته، إن «قطاعاً كبيراً من الليبيين يتطلع لشخصية تملك مشروعاً حقيقياً لتأسيس دولة مدنية حديثة». ورأى اليسير في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن معظم الشخصيات التي أعلنت نيتها للترشح أو التي تستعد لذلك، ربما لا تحظى بتوافق مجتمعي في جميع أرجاء البلاد، وذلك لا يعود لكونها لعبت دوراً في الصراع السياسي سابقاً، وإنما «لعدم امتلاكها مشروعاً، باستثناء الاستحواذ على السلطة والانفراد بها اعتماداً على أسس الجهوية والقبلية والانتماء للتيارات المؤدلجة أو للنظام السابق».
وأعلن وزير الداخلية بحكومة «الوفاق» السابق فتحي باشاغا، ورئيس تكتل «إحياء ليبيا» عارف النايض، بشكل رسمي، عزمهما خوض الانتخابات الرئاسية المقبلة، وسط توقع بإعلان شخصيات أخرى بخوض السباق الرئاسي، في مقدمتها سيف الإسلام القذافي، وكذلك نائب رئيس المجلس الرئاسي لحكومة «الوفاق» السابقة أحمد معيتيق، فيما يترقب الجميع قرار قائد «الجيش الوطني» خليفة حفتر، بخوض الانتخابات.
ورأى اليسير أن «كل مرشح من الأسماء المتداولة على الساحة يظن في ذاته ومدينته وقبيلته وأنصاره أنهم الأجدر بحكم البلاد، ويتناسون أن الأوضاع المعيشية الطاحنة التي عاشها المواطن خلال السنوات الماضية قللت وربما سحقت كثيراً من تلك الانتماءات، فضلاً عن أن الشعب بفطرته بات يدرك أهدافهم الحقيقية». ولا يستبعد اليسير مع اقتراب موعد الانتخابات أن «تتعرض الشخصيات الوطنية سواء تعيش بالداخل أو ممن اضطروا للرحيل في فترات الفوضى الأمنية لحملات من الاستهداف المعنوي والتشويه من قبل تحالف الطامعين بالسلطة وناهبي ثروات البلاد».
أما مقرر لجنة صياغة مشروع الدستور الليبي، رمضان التويجر، وبالرغم من اتفاقه مع الرأي السابق في أن تطلعات الليبيين تتمحور حول البحث عن شخصية تتمتع بالحيادية والسجل النظيف والخبرة، فإنه عاد ليؤكد ضرورة اقتران ذلك «بالحصول على تأييد بعض مراكز القوى بالساحة الليبية من قبائل وتشكيلات عسكرية وقوى سياسية». وقال التويجر في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «نحن نحتاج لنموذج الزعيم الأفريقي نيلسون مانديلا، الذي جعل من المصالحة الوطنية مشروعه الرئيسي». وأضاف: «القضية ليست في انتخاب شخصية ذات كفاءة وفوزها بالمنصب، بل في قدرتها على النجاح وسط هذا الكم من المشاكل المعقدة لأبناء الوطن الواحد، بالتالي فالمرشح والرئيس الأوفر حظاً هو من سيكون قادراً على التعاطي الإيجابي وتضمين مصالح مختلف الأطراف بشكل ما في إطار ما سيوضع من خطط عامة لإصلاح البلاد».
وأعربت الأمين العام لحزب «الجبهة الوطنية» فيروز النعاس، عن قلقها جراء ما وصفته بـ«تشوش الصورة في أذهان الليبيين باحترام وتقدير كل من هو بعيد عن المشهد السياسي، والعمل على شيطنته بمجرد ظهور اسمه في بورصة المرشحين للانتخابات». وحذرت النعاس في تصريح لـ«الشرق الأوسط» من «مخاطر استمرار حالة التشكك وفقدان الثقة في جميع السياسيين بغض النظر عن حجم ما يمتلكه بعضهم من تاريخ وخبرة وكفاءة وقدرة على الإصلاح»، وأضافت أن «تلاشي الثقة سيعود بالمجتمع إلى نقطة ما تحت الصفر التي نحاول الفرار منها وهي اعتماد الجهوية والمناطقية كمعيار وحيد للاختيار والمفاضلة بين المرشحين». وعلى الرغم من عدم تحمسها للمناخ المتوقع للعملية الانتخابية، أعربت النعاس عن دعمها لما يتردد عن اعتزام بعض السيدات الترشح للمناصب الرئاسية، وقالت: «مؤخراً طالبت أصوات كثيرة بضرورة التفكير خارج الصندوق والأطر التقليدية ومنح المرأة الفرصة لعلها تنجح ليس فيما عجز عنه الرجال، وإنما لتنجح بفكرها وبمساعدة جميع الوطنيين؛ الرجال والنساء، في حل الأزمة».
أما المحلل السياسي حافظ الغويل، فقلّل من فكرة الاستعانة بشخصيات وطنية تعيش في الخارج، كبديل لحالة عدم التوافق حول الشخصيات الموجودة في الداخل، في ظل الاستقطاب المستمر منذ سنوات بين شرق وغرب البلاد، الذي تعمق خلال العملية العسكرية على طرابلس. ورأى الغويل في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أنه «ليس من السهل إقناع هذه الشخصيات المقيمة في الخارج بالتضحية والتخلي عن نمط حياتهم ونجاحاتهم والمناخ الديمقراطي الذي يعيشونه والعودة إلى ليبيا»، متابعاً: «ذلك يتطلب مطالبة جماعية قوية من الليبيين لهم».  وحذر الغويل من أن يدفع غياب التوافق الداخلي إلى «الاستعانة بشخصيات تقيم بالخارج أياً كان سجلها».
وفي تصنيفه لأكثر الشخصيات التي تحظي بالقبول راهناً، وضع الغويل وزير الداخلية السابق بحكومة «الوفاق» فتحي باشاغا، وسيف الإسلام القذافي في مقدمة المرشحين للرئاسة، ورأى أن الأول يتمتع بنفوذ قوي في مدن الغرب الليبي ذات الكثافة السكانية الأعلى ، كما لم يقطع علاقته مع المنطقة الشرقية، أما سيف الإسلام فقد عززت التجربة المريرة التي عاشها الليبيون خلال العشر سنوات الماضية أسهم ترشحه بدرجة كبيرة «في إطار الحنين إلى الماضي».



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.