«البهلوان»... عندما يتمرد البطل على الراوي

أحمد خلف يكتب عن مافيات وعصابات تحركها رموز «الدولة العميقة»

«البهلوان»... عندما يتمرد البطل على الراوي
TT

«البهلوان»... عندما يتمرد البطل على الراوي

«البهلوان»... عندما يتمرد البطل على الراوي

رواية أحمد خلف «البهلوان» الصادرة عام 2021 في القاهرة رواية إشكالية، وربما خلافية إلى حد كبير. فهي من جهة تقودنا إلى العالم السري لشريحة رجال الأعمال والاستثمارات المرتبطين بمافيات وعصابات تتحرك من قبل رموز «الدولة العميقة» التي تغلغلت في كل مفاصل الحياة والعمل بعد الاحتلال الأميركي عام 2003، التي تدير شبكات الفساد والاختطاف والقتل آنذاك. والرواية من جهة أخرى، تدور حول بناء شخصية بطلها «طه جواد»، الذي تلاحق الرواية نشأته في إحدى القرى القريبة من بغداد، وهربه منها بعد أن سرق رغيف خبز من شيخ القبيلة، ورفضه الاعتذار من الشيخ عن فعلته تلك، حيث وجد نفسه، بعد ذلك غريباً في مدينة تحفل بالمتناقضات، فشق طريقه بصعوبة عاملاً للبناء وبائعاً للملابس المستعملة، ليجد نفسه بعد فترة وقد أصبح جزءاً من شريحة أصحاب المقاولات والاستثمارات، التي كان صديقه سالم عمران يحذره منها، ويطلق على أفرادها من باب الاحتقار الأراذل واللصوص. والمشكلة الخلافية تتمثل باتهام البطل طه جواد بأنه مهرج، وهو ما أشره عنوان الرواية ودل عليه بوصفه عتبة نصية دالة. وبذا يشتبك المحوران في محور واحد. لكن هذا المحور الجديد يبدو مصنوعاً أو منسوجاً بوعي وقصدية من قبل المؤلف أو ذاته الثانية، من خلال بنية ميتاسردية يشارك فيها الراوي العليم بسرد غير مبأر، فضلاً عن مرويات ومونولوغات داخلية مبأرة لبطل الرواية طه جواد وللشخصيات الثانوية المحيطة به، إذ يعلن الراوي العليم، «ونحن بدورنا جعلنا من أنفسنا ساردين لسيرة هذا البطل» (ص161). كما يعترف الراوي بأنه يروي ما يعرفه ويترك ما لا يعرفه لغيره (ص172). لقد بقي الراوي ينسج مروياته، وهو يعي المنزلقات التي يمكن أن يقع فيها:
«وعلى الرواة أن يكونوا منصفين، فيما يخص حياة كل كائن وكل شخصية في الحكاية» (ص172). فهل كان الراوي، يا ترى، منصفاً في تعامله مع بطل الرواية (طه جواد) عندما اتهمه بمجموعة تهم تحقيرية منها «البهلوان» و«البطل المزيف»، وهي ألقاب وكنى أطلقها عليه خصومه ومنهم الأسطة محمود، كما يعترف بذلك الراوي نفسه: «ونحن بدورنا جعلنا من أنفسنا ساردين لسيرة هذا البطل الذي نعته الأسطة محمود بالبطل المزيف والبهلوان» (ص161). ويستدرك الراوي - وهو الذات الثانية للمؤلف - «لا مناص من القول إن بطلنا قد يعلن تمرده على السارد» (ص 161). وهذا ما حصل فعلاً في حركة أحداث الرواية وتشكل شخصية بطلها (طه جواد). فنحن نعتقد أن المؤلف – أو راويه - لم ينصف بطله الذي تمرد على السرد، وكشف عن شخصية مكافحة وعصامية، مشبعة بالكثير من عناصر الشهامة والمروءة، رغم نقاط ضعفها الأخرى، التي انعكست في تمرده على سلطة شيخ العشيرة، وفي موقفه من صديقه سالم عمران، بل وحتى من عدوه الأسطة محمود عندما اضطر لدفع فدية كبيرة للمدعو «أبا الخير» لإطلاق سراحه من المختطفين.
وبهذا فنحن نرى أن عنوان الرواية «البهلوان» بوصفه عتبة نصية دالة، كما يذهب إلى ذلك الناقد الفرنسي جيرار جنيت، لا يتطابق وشخصية البطل التي تمتلك، رغم جوانبها السلبية، الكثير من العناصر الإيجابية والإنسانية التي تبعدها عن هذه الصفة، في تأكيد على أن المؤلف لم يكن منصفاً إزاء تقييم خصال بطل روايته، وإنه انساق وراء أحكام أطلقها خصومه لغرض التحقير والتسقيط.
ولا بد من الانتباه للمقدمة التي صدر بها المؤلف روايته، التي قد يخيل للبعض أنها زائدة ومقحمة، لكنها ترتبط في واقع الأمر بالطبيعة الميتاسردية للرواية، وبشكل خاص في عملية بناء شخصية بطلها (طه جواد) الذي خرج على نص المؤلف وشق له طريقاً تمردياً من الناحية السردية خاصاً به.
لقد وفقت الرواية في تقديم تشريح دقيق ومضيء لطبيعة التشكيلات الاقتصادية الطفيلية لشبكة ومافيات المستثمرين والمقاولين، وارتباطها بمؤسسات وحركات سياسية ودينية ترعاها وتدعمها في عملية تخادم متبادلة. وخلال حركة هذه الأحداث، كنا نجد الضمير الاجتماعي النقي، المراقب والناقد حاضراً دائماً ممثلاً بشخصية سالم عمران، الذي كان الأسطة محمود يكرهه ويتهمه بالانتماء إلى حركات يسارية وبسرقة مقبض الباب الذهبي. فقد كان سالم عمران، وهو الصديق المقرب لبطل الرواية (طه جواد) يكشف عن مساوئ هذه التركيبة الاقتصادية الطفيلية الفاسدة ويحذر صديقه (طه جواد) من مخاطر الانزلاق إلى أحضانها.
«أمامك فرصة للتخلص منهم وألا تتشابه معهم» (ص65)، وكان من الطبيعي أن يناصب الأسطة محمود، بوصفه رمزاً لمنظومة الفساد سالم علوان، بوصفه الضمير الاجتماعي التنويري الرافض لكل مظاهر الفساد التي تدينه وتعريه، فرداً وطبقة.
وكانت كلمات سالم عمران، الممثل لعنصر الوعي التنويري في الرواية تؤثر في لا وعي بطل الرواية (طه جواد) الذي «فتح عيني طه إلى فهم القوم الأراذل» (ص 165)، وقادته في النهاية إلى أن يختط له طريقه الخاص بعيداً عن تلفيقات أعدائه ومحاولة إلصاق لقب البهلوان، ظلماً وتعسفاً بشخصيته.
تتشكل البنية السردية من حضور مكثف للراوي العليم الذي كان يراقب بعناية صعود شخصية بطل الرواية (طه جواد)، وكأنه هذا السارد العليم يدرك أن شخصية البطل كانت في البداية مجرد بياض دلالي ينتظر الامتلاء، كما يذهب إلى ذلك السيميائيون، ولذا فهي بحاجة إلى ملاحقة ومراقبة متأنيتين:
«قبل تلك الأيام لم يكن بطل روايتنا سوى عامل بناء في أجور يومية، ولديه الكثير من الأحلام والأفكار» (ص 11).
لكن السارد العليم، ليس هو المهيمن الرئيسي دائماً، فهناك دائماً حضور قوي لمونولوغات ومرويات البطل والشخصيات الثانوية، فضلاً عن نمو حبكات وثيمات فرعية داخل الرواية. إذ يعلن الراوي بوضوح عن هذا التناوب بين السارد العليم والسرد المونولوغي للشخصيات بهدف ما يسميه بتخفيف الضغط على الراوي العليم:
«أما ونحن نجد بعض شخوصها يتناوبون على رواية كل منهم روايته، ذلك من باب تخفيف الضغط على الراوي العليم فقط» (ص 174).
كما أن الرواية تحفل بحبكات ثانوية وثيمات عرضية، تظهر فجأة في مجرى السرد الروائي، وهو ما يكشف عنه المؤلف خلال هذه اللمسة الميتاسردية:
«دائماً ما تفاجئنا الحكايات في الطريق إلى النهاية، وكل حكاية تلد حكاية جديدة» (ص171).
ويسرد الراوي المركزي مظاهر الفساد والعنف والتمزق والتفكك التي تسيطر على المشهد الاجتماعي والسياسي، حيث تجد الحكومة نفسها كالمغلوب على أمرها، ولا حول ولا قوة لها، ومن السمات السردية الجديدة اللافتة للنظر في رواية أحمد خلف هذه تقديم الكثير من المرويات أو السرود عبر ضمير الشخص الأول الجمعي (نحن) وليس الشخص الأول المفرد (أنا)، كما جرت العادة في روايات المؤلف السابقة.
إن توظيف «نحن» في هذه السرود يحمل أكثر من دلالة منها إشارة إلى الطبيعة البوليفونية لتعدد الأصوات السردية، إذ تشير هذه الـ«نحن» إلى مجموع الساردين الذين يتناوبون على تقديم السرد الروائي:
«وإننا نروي ما نعرفه، وما لا نعرفه نتركه لغيرنا» (ص 172).
«وها نحن نجمع له الحكم والأقوال لكي تعد قصته معقولة ومقبولة» (ص 88).
هذه السمة السردية لها أهميتها في هذه الرواية، فهي تمنح شرعية ووثوقية للوقائع المروية، كما أنها من جهة أخرى تمنح الجو الروائي وشخوصه حميمية وألفة، لأن القارئ، فرداً أو جماعة، قد يتماهى أيضاً مع سرد «نحن» الجمعي.
ومن المعروف أن مثل هذا السرد نادر في السرد العراقي، والعربي والعالمي، مع إني شخصت قبل سنوات توظيف هذا اللون من السرد الجمعي لتوظيف الضمير «نحن» في رواية «سابرجيون» للروائي عامر حمزة.
وحتى في الرواية العالمية، يظل هذا السرد نادراً ومحدوداً. وفي الأدب العالمي يمكن أن نتذكر القصة القصيرة المشهورة «وردة من أجل إميلي» للروائي الأميركي وليم فوكنر.
لكن عدداً غير قليل من النقاد الأميركيين قد لاحظ ظهور هذا اللون السردي خلال العقدين الأخيرين بكثافة، وتوقفوا عند مقومات شعرية هذا اللون من السرد ودلالته. ويمكن أن نشير هنا إلى دراسة روث ماكسي الموسومة «صعود السارد نحن في الرواية الأميركية الحديثة» التي ترى أن هذا الصعود يعود إلى عقدين من الزمان، ولكنه تعزز كما ترى بعد تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) ٢٠١١.
وبذا يمكن القول إن الروائي أحمد خلف في روايته هذه، ومن خلال توظيف ضمير المتكلم الجمعي «نحن»، إنما يحقق أكثر من هدف دلالي وسيميائي، وبالتالي يمنح سرده وثوقية واتساعاً ومقبولية.
ويمنح المشهد الختامي انفتاحاً على الأمل والمستقبل ويجعل الرواية ذات بنية فنية مفتوحة. وهذه النهاية تشي بتحول جذري في شخصية بطل الرواية (طه جواد) ورؤيته، وتجدد علاقته بزوجته الأولى (أم غايب) التي أهملها، وربما يشير المشهد إلى انفتاح البطل طه علوان على أفق نظيف يختتم به مسيرة حياته.
رواية «البهلوان»، ورغم كل الأسئلة والإشكاليات الخلافية التي تثيرها، تظل إنجازاً مهماً يدعم الرصيد الإبداعي للروائي أحمد خلف.



أربعة أيام في محبة الشعر

أربعة أيام في محبة الشعر
TT

أربعة أيام في محبة الشعر

أربعة أيام في محبة الشعر

أربعة أيام في محبة الشعر، شارك فيها نحو 40 شاعراً ومجموعة من النقاد والباحثين، في الدورة التاسعة لمهرجان الشعر العربي، الذي يقيمه بيت الشعر بالأقصر، تحت رعاية الشيح سلطان القاسمي، حاكم الشارقة، وبالتعاون بين وزارة الثقافة المصرية ودائرة الثقافة بالشارقة، وبحضور رئيسها الشاعر عبد الله العويس، ومحمد القصير مدير إدارة الشئون الثقافية بالدائرة.

نجح المؤتمر في أن يصنع فضاء شعرياً متنوعاً وحميمياً، على طاولته التقت أشكال وأصوات شعرية مختلفة، فكان لافتاً أن يتجاور في الأمسيات الشعرية الشعر العمودي التقليدي مع شعر التفعيلة وقصيدة النثر وشعر العامية، وأن يتبارى الجميع بصيغ جمالية عدة، وتنويع تدفقها وطرائق تشكلها على مستويي الشكل والمضمون؛ إعلاء من قيمة الشعر بوصفه فن الحياة الأول وحارس ذاكرتها وروحها.

لقد ارتفع الشعر فوق التضاد، وحفظ لكل شكلٍ ما يميزه ويخصه، فتآلف المتلقي مع الإيقاع الصاخب والنبرة الخطابية المباشرة التي سادت أغلب قصائد الشعر العمودي، وفي الوقت نفسه كان ثمة تآلف مع حالة التوتر والقلق الوجودي التي سادت أيضاً أغلب قصائد شعر التفعيلة والنثر، وهو قلق مفتوح على الذات الشعرية، والتي تبدو بمثابة مرآة تنعكس عليها مشاعرها وانفعالاتها بالأشياء، ورؤيتها للعالم والواقع المعيش.

وحرص المهرجان على تقديم مجموعة من الشاعرات والشعراء الشباب، وأعطاهم مساحة رحبة في الحضور والمشاركة بجوار الشعراء المخضرمين، وكشف معظمهم عن موهبة مبشّرة وهمٍّ حقيقي بالشعر. وهو الهدف الذي أشار إليه رئيس المهرجان ومدير بيت الشعر بالأقصر، الشاعر حسين القباحي، في حفل الافتتاح، مؤكداً أن اكتشاف هؤلاء الشعراء يمثل أملاً وحلماً جميلاً، يأتي في صدارة استراتيجية بيت الشعر، وأن تقديمهم في المهرجان بمثابة تتويج لهذا الاكتشاف.

واستعرض القباحي حصاد الدورات الثماني السابقة للمهرجان، ما حققته وما واجهها من عثرات، وتحدّث عن الموقع الإلكتروني الجديد للبيت، مشيراً إلى أن الموقع جرى تحديثه وتطويره بشكل عملي، وأصبح من السهولة مطالعة كثير من الفعاليات والأنشطة المستمرة على مدار العام، مؤكداً أن الموقع في طرحه الحديث يُسهّل على المستخدمين الحصول على المعلومة المراد البحث عنها، ولا سيما فيما يتعلق بالأمسيات والنصوص الشعرية. وناشد القباحي الشعراء المشاركين في المهرجان بضرورة إرسال نصوصهم لتحميلها على الموقع، مشدداً على أن حضورهم سيثري الموقع ويشكل عتبة مهمة للحوار البنّاء.

وتحت عنوان «تلاقي الأجناس الأدبية في القصيدة العربية المعاصرة»، جاءت الجلسة النقدية المصاحبة للمهرجان بمثابة مباراة شيقة في الدرس المنهجي للشعر والإطلالة عليه من زوايا ورؤى جمالية وفكرية متنوعة، بمشاركة أربعة من النقاد الأكاديميين هم: الدكتور حسين حمودة، والدكتورة كاميليا عبد الفتاح، والدكتور محمد سليم شوشة، والدكتورة نانسي إبراهيم، وأدارها الدكتور محمد النوبي. شهدت الجلسة تفاعلاً حياً من الحضور، برز في بعض التعليقات حول فكرة التلاقي نفسها، وشكل العلاقة التي تنتجها، وهل هي علاقة طارئة عابرة أم حوار ممتد، يلعب على جدلية (الاتصال / الانفصال) بمعناها الأدبي؛ اتصال السرد والمسرح والدراما وارتباطها بالشعر من جانب، كذلك الفن التشكيلي والسينما وإيقاع المشهد واللقطة، والموسيقي، وخاصة مع كثرة وسائط التعبير والمستجدّات المعاصرة التي طرأت على الكتابة الشعرية، ولا سيما في ظل التطور التكنولوجي الهائل، والذي أصبح يعزز قوة الذكاء الاصطناعي، ويهدد ذاتية الإبداع الأدبي والشعري من جانب آخر.

وأشارت الدكتورة نانسي إبراهيم إلى أن الدراما الشعرية تتعدى فكرة الحكاية التقليدية البسيطة، وأصبحت تتجه نحو الدراما المسرحية بكل عناصرها المستحدثة لتخاطب القارئ على مستويين بمزج جنسين أدبيين الشعر والمسرح، حيث تتخطى فكرة «المكان» بوصفه خلفية للأحداث، ليصبح جزءاً من الفعل الشعري، مضيفاً بُعداً وظيفياً ديناميكياً للنص الشعري.

وطرح الدكتور محمد شوشة، من خلال التفاعل مع نص للشاعر صلاح اللقاني، تصوراً حول الدوافع والمنابع الأولى لامتزاج الفنون الأدبية وتداخلها، محاولاً مقاربة سؤال مركزي عن تشكّل هذه الظاهرة ودوافعها ومحركاتها العميقة، مؤكداً أنها ترتبط بمراحل اللاوعي الأدبي، والعقل الباطن أكثر من كونها اختياراً أو قصداً لأسلوب فني، وحاول، من خلال الورقة التي أَعدَّها، مقاربة هذه الظاهرة في أبعادها النفسية وجذورها الذهنية، في إطار طرح المدرسة الإدراكية في النقد الأدبي، وتصوراتها عن جذور اللغة عند الإنسان وطريقة عمل الذهن، كما حاول الباحث أن يقدم استبصاراً أعمق بما يحدث في عملية الإبداع الشعري وما وراءها من إجراءات كامنة في الذهن البشري.

وركز الدكتور حسين حمودة، في مداخلته، على التمثيل بتجربة الشاعر الفلسطيني محمود درويش، ومن خلال هذا التمثيل، في قصائد درويش رأى أنها تعبّر عن ثلاثة أطوار مرّ بها شعره، مشيراً إلى أن ظاهرة «الأنواع الأدبية في الشعر» يمكن أن تتنوع على مستوى درجة حضورها، وعلى مستوى ملامحها الجمالية، عند شاعر واحد، عبر مراحل المسيرة التي قطعها، موضحاً: «مما يعني، ضِمناً، أن هذه الظاهرة قابلة لأن تتنوع وتتباين معالمها من شاعر لآخر، وربما من قصيدة لأخرى».

ورصدت الدكتورة كاميليا عبد الفتاح فكرة تلاقي الأجناس الأدبية تاريخياً، وأشارت، من خلال الاستعانة بسِجلّ تاريخ الأدب العربي، إلى أن حدوث ظاهرة التداخل بين الشعر وجنس القصة وقع منذ العصر الجاهلي، بما تشهد به المعلقات التي تميزت بثرائها الأسلوبي «في مجال السردية الشعرية». ولفتت إلى أن هذا التداخل طال القصيدة العربية المعاصرة في اتجاهيها الواقعي والحداثي، مبررة ذلك «بأن الشعراء وجدوا في البنية القصصية المساحة الكافية لاستيعاب خبراتهم الإنسانية». واستندت الدكتورة كاميليا، في مجال التطبيق، إلى إحدى قصائد الشاعر أمل دنقل، القائمة على تعدد الأصوات بين الذات الشعرية والجوقة، ما يشي بسردية الحكاية في بناء الحدث وتناميه شعرياً على مستويي المكان والزمان.

شهد المهرجان حفل توقيع ستة دواوين شعرية من إصدارات دائرة الثقافة في الشارقة للشعراء: أحمد عايد، ومصطفى جوهر، وشمس المولى، ومصطفى أبو هلال، وطارق محمود، ومحمد طايل، ولعب تنوع أمكنة انعقاد الندوات الشعرية دوراً مهماً في جذب الجمهور للشعر وإكسابه أرضاً جديدة، فعُقدت الندوات بكلية الفنون الجميلة في الأقصر، مصاحبة لافتتاح معرض تشكيلي حاشد بعنوان «خيوط الظل»، شارك فيه خمسون طالباً وطالبة. وكشف المعرض عن مواهب واعدة لكثيرين منهم، وكان لافتاً أيضاً اسم «الأصبوحة الشعرية» الذي أطلقه المهرجان على الندوات الشعرية التي تقام في الفترة الصباحية، ومنها ندوة بمزرعة ريفية شديدة البساطة والجمال، وجاءت أمسية حفل ختام المهرجان في أحضان معبد الأقصر وحضارة الأجداد، والتي امتزج فيها الشعر بالأغنيات الوطنية الراسخة، أداها بعذوبة وحماس كوكبة من المطربين والمطربات الشباب؛ تتويجاً لعرس شعري امتزجت فيه، على مدار أربعة أيام، محبة الشعر بمحبة الحياة.