هاني أبو أسعد وزكريا تامر يظفران بجائزة محمود درويش للإبداع 2015

صارت تشمل المبدعين العرب والعالميين

زكريا تامر  -  هاني أبو أسعد
زكريا تامر - هاني أبو أسعد
TT

هاني أبو أسعد وزكريا تامر يظفران بجائزة محمود درويش للإبداع 2015

زكريا تامر  -  هاني أبو أسعد
زكريا تامر - هاني أبو أسعد

فاز كل من المخرج السينمائي الفلسطيني العالمي هاني أبو أسعد، والأديب والكاتب والقاص السوري المخضرم زكريا تامر بجائزة محمود درويش للإبداع لعام 2015، في حفل احتضنته قاعة الجليل في متحف محمود درويش بمدينة رام الله، مساء أمس، بتنظيم من مؤسسة محمود درويش، ووزارة الثقافة، وبلدية رام الله.
وقال ياسر عبد ربه، رئيس مجلس إدارة مؤسسة محمود درويش، إن الجائزة لهذا العام حصل عليها المخرج السينمائي الفلسطيني هاني أبو أسعد، الذي ركز في مشروعه الإبداعي على قيم الحرية والعدالة لفلسطين والفلسطينيين، وفضح الاستعمار والصهيونية، كما حصل على جائزة محمود درويش للإبداع العربي، أيضا، الكاتب والأديب العربي السوري الرائد في مجال القصة زكريا تامر، الذي يجمع بين جمالية السرد ورفعة الذوق، وبين الشجاعة والعناد في الدفاع عن حرية الإنسان وكرامته، ومواجهة الظلم والاستبداد.
وبشأن منح جائزة محمود درويش لهذا العام للمخرج الفلسطيني أبو أسعد، قال سامي الكيلاني، عضو لجنة الجائزة: «لا يخشى هاني أبو أسعد المناطق الإشكالية، ولا يخاف من بشرية شخصياته وما يحملونه من تناقضات وتعقيدات تؤشر إلى تناقضات وتعقيدات الواقع غير الطبيعي الذي يعيشون فيه: واقع الفلسطينيين الرازحين تحت ثقل الاحتلال والاستعمار والاستيطان والقمع والحواجز التي تلاحقهم أينما حلوا، بل وفي أكثر أماكنهم خصوصية وحميمية».
وأضاف: «ولا يتردد هاني أبو أسعد في انتقاء مواضيع قلما عالجها مخرجون آخرون، يقاربها بعمق ومن خلال منظورات متعددة، وكثيرا ما ينفذ من التفاصيل اليومية الصغيرة إلى أعماق القضايا الكبرى والجدلية، موظفا - في أحيان كثيرة، وبتوفيق عالٍ - السخرية السوداء التي تفتح آفاق تقليب الحدث ونقده، وخلق نوع من الحوار مع المشاهد / المتلقي لا يبغي التلقين والوعظ، بل التأمل والتفكير.
وعن مسوغات منح جائزة محمود درويش للإبداع العربي للكاتب القاص زكريا تامر، قال الكيلاني: «كتب زكريا تامر قصصه بديعة الوجازة، مازجا ما بين السرد القصصي الحديث العالي والحكي التراثي فاتن التخييل، فقدم نماذج عالمية في قصص رائعة الجماليات، والاقتصاد الأدبي، والهجائية الساخرة، إلى جوار قصص للأطفال تشف عن عذوبة حانية ومنيرة، ومقالات وخواطر لا تخفى فيها سمات المصوِّر، كاتب القصة الوجيزة العربي البارع».
وأضاف الكيلاني: «لقد وُصِف زكريا تامر مرارا بأنه حاد وجارح في هجائه، دفاعا عن حرية الإنسان وكرامته وأشواقه اللاهبة للحب والحرية، وتعريته لسالبي الإنسان هذه الحرية والكرامة والأشواق المشروعة، ولعلنا نضيف إلى ذلك أنه واضح وصادق في استقامته الأخلاقية لحمل هذه الرسالة الناقدة دون مساومة ولا مهادنة مع مثالب حياتنا العربية، دون أن يقع في فخ التقريرية والخطابية رغم ذلك».
وأضاف عبد ربه في كلمته أن مؤسسة محمود درويش ارتأت أن لا تقتصر الجائزة على المبدعين الفلسطينيين فقط، بل تشمل المبدعين العرب والعالميين، انحيازا لفكر محمود درويش الإنساني وإصراره على تعميم قيم الحياة التي تقاوم الغاصبين والمتعصبين، مشيرا إلى إنجاز المؤسسة إعادة طباعة الأعمال الشعرية الكاملة لسيد الكلمة، وكذلك أعماله النثرية، ضمن مشروع بالشراكة مع مؤسسة الناشر ودار الأهلية للنشر والتوزيع.



يوهان هيس وموهق الغنامي... صداقة إنسانية كبيرة

يوهان هيس وموهق الغنامي... صداقة إنسانية كبيرة
TT

يوهان هيس وموهق الغنامي... صداقة إنسانية كبيرة

يوهان هيس وموهق الغنامي... صداقة إنسانية كبيرة

نشرت «الشرق الأوسط» في صفحة «ثقافة وفنون»، بتاريخ 13 أكتوبر 2024، مادة مهمة للباحث السعودي قاسم الرويس عن اكتشاف قاموس خاص بلهجة البدو في نجد بجامعة زيوريخ، يوثق لهجات محكية في السعودية قبل أكثر من 100 عام. هذا القاموس هو جزء من الجهود العلمية العظيمة للباحث الكبير يوهان جاكوب هيس (1866 - 1949) عالم اللغة السويسري المتخصص. نحن نعرف عن هيس أنه المستشرق الذي كتب قصة حياة شاعرنا الفارس الشهير مُوهِق بن عَجاج الغنّامي، ووضع صورة الشاعر على غلاف كتابه، فضمنّا بذلك ألا يغيب وألا يكتسحه النسيان. صورة معبرة للغاية يظهر فيها موهق بملامحه البدوية الخشنة وجدائله الطويلة وسمرة الصحراء التي رسمت ملامحه، ولكن الناس لا يعرفون الكثير عن صاحب الكتاب.

لذلك لعله من المناسب هنا أن نأخذ تصوراً كافياً عن هذا المستشرق الذي تخرج في جامعتي برلين وستراسبورغ مختصاً بعلم المصريّات والآشوريّات واللغات الساميّة، وعلم الصينيّات، وحصل على درجة الدكتوراه بين عامي 1889 و1891، ثم عمل معلّماً خاصاً، ودرّس علم المصريّات والآشوريّات بين عامي 1891 و1908 في جامعة فرايبورغ السويسرية. هذا ما منحه فرصة السفر إلى مصر والنوبة لمدة 4 سنوات ليستقر في القاهرة أثناء قيامه بوظائف في هيئة المساحة البريطانية بالمكتب البريطاني في مصر. في هذه الفترة التقى هيس بشاعرنا موهق الغنامي وابتدأت بينهما صداقة إنسانية عظيمة.

ثم عاد الأستاذ إلى سويسرا عام 1918، ليعمل في معهد الاستشراق؛ حيث ترقى إلى مرتبة أستاذ فخري عام 1936، وهو في عمر يناهز 70 عاماً. تزوج هيس مرتين وتوفي في زيورخ 29 أبريل 1949، عن عمر يناهز 83 عاماً.

إذا كان هيس قد غادر مصر في 1918 فهذا يعطينا نوعاً من التحديد لزمن ذلك اللقاء، لكن ماذا كان الشاعر يفعل في مصر خلال هذه الفترة، في نهاية الحرب العالمية الأولى؟ هذا ما يحيّر كثيرين إلى هذه اللحظة. فقد عاش الشاعر موهق الغنامي معظم حياته في مصر يكتب القصائد العذبة شوقاً لنجد وأهلها من أبناء عمومته ويتساءل شعراً، هل يسألون عنه الحجيج القادمين من مصر، أم أنهم قد نسوه؟ وكيف أنه يشتاق إليهم لدرجة أن يرى وجوههم في الأحلام، ليستيقظ فيجد نفسه وحيداً في دار غريبة، وأن قلبه لرقته تجاههم يهفو إليهم كالطير المنحدر من قمم الجبال. ومما شابه هذا من الصور البديعة واللغة الرقيقة التي لا شك في كونها صادرة عن عاطفة عميقة.

يرجح الرويس أن من ورد ذكره في الرسالة القادمة من سويسرا وأسماه الشاعر «العم محمد» هو محمد العلي الذي يعمل موهق عنده. وفي الرسالة يتحدث الشاعر عن الخواجة والست، وكما هو واضح، يقصد هيس وزوجته، وأن وجوده في سويسرا كان لزيارة صديقه هيس في فترة قيام الأخير بالتدريس في جامعة زيورخ بعد تركه مصر؛ مما يعني أن صداقتهما لم تنتهِ في مصر. وفي الرسالة يصف الشاعر رحلته الشاقة من الإسكندرية بالباخرة، ثم إكمال الرحلة بالقطار ماراً بالنمسا وإيطاليا وصولاً إلى سويسرا.

موهق الغنامي الذي لا نعرف - نحن أبناء عمومته - على وجه اليقين سبب انتقاله إلى مصر في الربع الأول من القرن العشرين، قد هُيئ له هيس لكي يكتب عنه، بل إنه مرجعيته الأولى في كل ما يتعلق بالجزيرة العربية. وسُخر لمؤلفات هيس مستشرق آخر هو البروفيسور مارسيل كوربرشوك الذي خدم هيس وأبرز أهمية إنتاجه، وها نحن نرى الباحث قاسم الرويس وهو يسخر جهده لأعمال مارسيل وحكاية هيس وموهق، من ضمن اهتماماته بالتراث السعودي وحكاياته المهمة.

لقد وثق هيس بموهق مصدراً معرفياً عن عرب الجزيرة، فصار ينقل عنه أجوبة على أسئلته عن عادات عرب الجزيرة وكل ما يتعلق بحياتهم، ونقل عنه أيضاً شيئاً من أخباره الشخصية وقصص فروسيته وبطولته، بل إنه كتب سيرة موهق في كتابه «von den beduinen».

والجديد، الذي نشرته صحيفة «الشرق الأوسط»، معلومة قد لا يعرفها بنو عمومته، ألا وهي أن موهق قد زار سويسرا في تلك الفترة المبكرة. فكل ما نعرفه أنه عاش حياته في مصر ولم يعقب، لا أبناء ولا بنات. هناك من كان يداعب المستشرق مارسيل كوربرشوك بالقول إن مارسيل ربما يكون ابناً لموهق لكثرة ما يطرح من الأسئلة عنه ويتثبت من قصصه، لكن المؤكد أنه لم يعقب وقيل لم يتزوج. ولأنه لم يخلف ذرية يوضحون لنا كيف عاش، فستبقى حياة الشاعر لغزاً بالنسبة لمن يهمّهم أمره.

هناك مَن تَصور أن ثمة أسباباً سياسية وراء سكن الشاعر في مصر، لكن أغلب الباحثين الجادين ينفون العامل السياسي، فقد وفد موهق إلى السعودية في آخر حياته وألقى قصيدة بين يدي الملك فيصل. والدليل الأوضح أنه لا يوجد في شعره ما يدل على أدنى معارضة سياسية، ولا في القصص المحكية عنه. كما أن بعض أشعاره تدل على عدم ابتهاجه بالعيش في القاهرة. إذن ما الذي أبقاه فيها معظم حياته؟ الأغلب على ظني أنه كان يقيم هناك طلباً للرزق لا أكثر. لماذا لم يَعُد بعد رحلة طلب الرزق؟ لا تفسير إلا أنه على الرغم من أبيات الهجاء التي ترد أحياناً في شعره لمصر والمصريين، فقد أحب مصر والمصريين، ويبدو أنه تزوج منهم واختار أن يعيش بينهم. وفي ظني، لا يوجد تفسير آخر.