لم يفلح خوان لابورتا في تنفيذ وعده الذي قطعه على نفسه قبل خمسة أشهر خلال حملته الانتخابية لرئاسة نادي برشلونة، بالإبقاء على أسطورة ناديه الأرجنتيني ليونيل ميسي بين جدران النادي الكتالوني، لتنتهي واحدة من أجمل القصص في عالم كرة القدم. لقد صحا جمهور برشلونة أمس، على وقع «زلزال» رحيل ميسي عن النادي بعد شراكة استمرت نحو 21 عاماً وكانت مثمرة بالألقاب المحلية والقارية والعالمية والجوائز الفردية التي جعلت من النجم الأرجنتيني أسطورة لا يضاهى.
وأقرّ لابورتا أمس، بأن تمديد عقد ميسي كان سيشكّل «مخاطر مالية» على النادي الكاتالوني الذي يرزح تحت ضائقة مالية تتجاوز المليار يورو، مؤكداً أنه قام «بما هو أفضل لمصلحة النادي». وقال لابورتا خلال مؤتمر صحافي: «لوائح الليغا الإسبانية المالية لم تدع لنا أي خيار سوى عدم تجديد عقد ليونيل ميسي، لقد اتفقنا على توقيع عقد جديد، لكن بالرجوع إلى القواعد المالية للاتحاد الإسباني واكتشاف أن رواتب فريقنا تمثل 110% من إيراداتنا الحالية وهو ما يعني أن النادي ينفق أكثر من المتوقع ودخل في مخاطرة مالية. كان علينا اتخاذ القرار الصعب، فالنادي أهم من أي شيء حتى من أفضل لاعب في العالم».
ويملك ميسي رابطاً حميماً مع مدينة برشلونة، حيث عاش فيها منذ عمر المراهقة وحيث وُلد أولاده الثلاثة. وقال في أبريل (نيسان) الماضي بعد قيادته فريقه إلى إحراز كأس إسبانيا: «إنه أمر مميز أن أكون قائداً للفريق الذي لعبت له طوال حياتي».
وكان ميسي قد توصل إلى اتفاق مع برشلونة للبقاء ضمن صفوفه في عقد جديد لمدة 5 أعوام مع القبول بتخفيض راتبه بنسبة 50% سنوياً. لكن من المتوقع أن تقلص قواعد اللعب المالي النظيف في الدوري الإسباني، حدَّ رواتب برشلونة إلى أقل من 200 مليون يورو هذا الموسم، ما دفع لابورتا إلى استنتاج أنهم غير قادرين على إتمام الصفقة.
وقال: «الوضع الذي ورثناه من الإدارة السابقة بقيادة جوسيب ماريا بارتوميو كان أسوأ كثيرا مما توقعناه، وفاتورة رواتب الرياضة تمثل 110% من دخل النادي، وليس لدينا هامش للرواتب. تضع القوانين التي أقرتها رابطة الدوري الإسباني قيوداً وليس لدينا الهامش للتحرك. كنا ندرك الوضع منذ وصولنا لكن الأرقام التي رأيناها أسوأ مما كنا نظن».
وانضم ميسي إلى برشلونة وعمره 13 عاماً وهو هداف النادي عبر العصور والأكثر مشاركة في المباريات، حيث أحرز 672 هدفاً في 778 مباراة بجميع المسابقات.
وكان لاعب منتخب الأرجنتين حراً وبإمكانه التفاوض للانتقال لأندية أخرى بعد انتهاء عقده في يونيو (حزيران)، إلا أن لابورتا وعد خلال حملته الانتخابية بتوقيع عقد جديد، كما أكد رئيس النادي الكاتالوني بعد وصوله إلى المنصب مراراً أن برشلونة توصل بالفعل لاتفاق طويل الأجل مع ميسي على أن يتم دفع الراتب على مدار خمسة أعوام. لكن بشكل مفاجئ عاد لابورتا ليعلن أن النادي ليس باستطاعته التوقيع على العقد الجديد وألقى باللوم على قواعد الليغا الصارمة، ورفضه المساومة بالموافقة على اقتراح رابطة الدوري بشأن استثمارات الأسهم الخاصة من شركة (سي في سي) من أجل الإبقاء على اللاعب الأرجنتيني.
وقال لابورتا إنه من أجل التوصل إلى طلبات رابطة الدوري كان يجب عليه الموافقة على عملية إعادة رهن النادي بشكل أساسي وهو ما كان سيؤثر على برشلونة لمدة 50 عاماً مقبلة من حيث حقوق البث التلفزيوني. وأوضح: «لا يمكن تعريض المؤسسة لخطر أكبر».
وواصل لابورتا: «قلت إننا سنفعل ما في وسعنا للإبقاء على ميسي في برشلونة في نطاق الوضع المالي للنادي، لقد توصلنا لاتفاق لكننا لم نستطع التوقيع الرسمي بسبب قواعد رابطة الليغا، وهو ما يعني أننا لا نستطيع تسجيل اللاعب إلا في حدود سقف الرواتب. لا أريد الاستمرار في الحديث عن الموقف الذي ورثناه وقرارات كارثية تم اتخاذها في الماضي، انتقلنا من سيئ إلى أسوأ». وأضاف: «أنا حزين، لكنني أعتقد أننا فعلنا ما هو أفضل لمصالح النادي، ميسي لديه عروض أخرى»، من دون أن يعلن هوية الأندية المهتمة بالتعاقد مع حامل الكرة الذهبية 6 مرات.
واتهم لابورتا الذي انتُخب مجدداً لرئاسة برشلونة في مارس (آذار) الماضي على خلفية الوعد الذي أطلقه بإبقاء ميسي في برشلونة، نظام اللعب المالي النظيف الذي وضعته رابطة الدوري الإسباني بمنعه من الوفاء بوعده. وقال: «الخميس فقط أدركنا أن الأمر قد انتهى. أجريت الحديث الأخير مع والد ليو، لا أريد منح آمال مزيفة للجماهير. لدى اللاعب عروض أخرى وهناك وقت محدد لانطلاق الموسم، كان علينا أن نحسم الموقف لأن اللاعب يحتاج أيضاً إلى الوقت من أجل تحديد خياراته».
وكان خافيير تيباس، رئيس رابطة الدوري الإسباني (الليغا)، قد أشار في وقت سابق إلى أن برشلونة عليه تقليص فاتورة رواتب لاعبيه بشكل كبير للحفاظ على قائده ليونيل ميسي، وأنه لن يُظهر أي تساهل عندما يتعلق الأمر بالامتثال لقواعد الرقابة المالية.
ورداً على مطالب بالتساهل مع القواعد المالية لليغا خصوصاً بعد أن رفع الاتحاد الأوروبي القيود عن الأندية في قرار يراه البعض بمثابة إلغاء لقانون اللعب المالي النظيف، قال تيباس: «القواعد كما هي ويجب على الجميع الالتزام بها، من برشلونة إلى الكوركون (المنافس في الدرجة الثانية... الوسيلة الوحيدة لبرشلونة للاحتفاظ بقائده هي التخلص من بعض لاعبيه، إذا لم يرحل أي لاعب وتم تخفيض فاتورة الرواتب سيكون من المستحيل الإبقاء على ميسي».
ودفع النادي الكاتالوني غالياً ثمن تعاقدات فاشلة مع لاعبين مقابل مبالغ باهظة، منها البرازيلي فيليبي كوتينيو والمهاجمان الفرنسيان أنطوان غريزمان وعثمان ديمبيلي في صفقتين كلّفتا خزينة النادي قرابة 400 مليون يورو مجتمعتين. وفرضت الصعوبات المالية الضخمة التي يواجهها برشلونة عليه عدم التحرك بقوة في سوق الانتقالات والصفقات التي عقدها مؤخراً مع أمثال الهولندي ممفيس ديباي والأرجنتيني سيرخيو أغويرو والمدافع الإسباني إريك غارسيا كلها تمت بانتهاء عقود هؤلاء اللاعبين مع أنديتهم.
وبدأت رابطة الدوري الإسباني العمل بقواعد اللعب المالي النظيف في 2013 حيث حددت الحد الأقصى للمبلغ الذي يمكن لكل نادٍ إنفاقه على اللاعبين والطاقم التدريبي في كل موسم بما يتماشى مع إيراداته. وحقق برشلونة أعلى إيرادات في عالم كرة القدم طبقاً لقائمة الدوري المالية التي أصدرتها شركة «ديلويت» للمراجعات المالية هذا العام، رغم أن الإيرادات تراجعت بواقع 125 مليون يورو العام الماضي بسبب تداعيات جائحة «كوفيد - 19».
وذكرت وسائل إعلام إسبانية أن برشلونة دخل في محادثات مع لاعبيه الأعلى أجراً مثل جيرار بيكيه وسيرجيو بوسكيتس وسيرجي روبرتو، من أجل تخفيض رواتبهم بواقع 40% مقابل تمديد عقودهم.
وكان برشلونة يحاول أيضاً بيع بعض لاعبيه الأعلى أجراً ومن بينهم غريزمان وديمبلي وكوتينيو وصمويل أومتيتي ومارتن بريثويت لكنه لم ينجح بعد في العثور على مشترين.
غير أن النادي، إلى جانب غريمه التقليدي ريال مدريد يوفنتوس الإسباني، ما زال يتشبث بخطط دوري السوبر الأوروبي بعد أن قضت محكمة بأن يوقف الاتحاد الأوروبي لكرة القدم (يويفا) الإجراءات التأديبية التي اتخذها بحق الأندية المؤسِّسة للمسابقة الانفصالية.
الوجهة المقبلة لميسي
ومن شأن التطور الصادم لأحد أبرز اللاعبين الذين أنجبتهم الملاعب الكروية على مر التاريخ، أن يقلب سوق الانتقالات رأساً على عقب قبل معرفة الوجهة المقبلة للأرجنتيني.
ويبقى معرفة الوجهة المستقبلية لميسي والأندية القادرة على الحصول على خدماته: هل سيكون مانشستر سيتي الإنجليزي حيث سيلتحق بمدربه السابق في برشلونة جوسيب غوارديولا، أو باريس سان جيرمان الفرنسي ليلعب تحت إشراف مواطنه المدرب ماوريسيو بوكيتينو، أو أي ناد آخر؟
عندما طلب اللاعب الأرجنتيني الرحيل عن برشلونة في صيف 2020 كان من المتوقع أن ينضم إلى مانشستر سيتي وغوارديولا، وحتى الشهر الماضي كان من الممكن أن يتحقق هذا الأمر لولا إشارات ميسي برغبته في البقاء بعد انتخاب لابورتا رئيساً جديداً للنادي الكتالوني.
لكن يبدو أن سيتي تجاوز الأمر بتعاقده مع صانع اللعب جاك غريليش مقابل 100 مليون جنيه إسترليني وإعطاء الأخير القميص رقم 10 الذي يرتديه ميسي دائماً سواء مع برشلونة أو منتخب الأرجنتين. وتشير وسائل إعلام إلى أن رغبة سيتي في ضم هاري كين مهاجم توتنهام هوتسبير، (مطلوب دفع 150 مليون إسترليني) يعني أن أبواب النادي الإنجليزي مغلقة أمام ميسي، لكن الإدارة الإماراتية المالكة لسيتي والتي تملك موارد غنية قد ترى التعاقد مع ميسي مجاناً فرصة لا يمكن إهدارها.
ويبدو باريس سان جيرمان الفرنسي هو المرشح الأبرز لضم النجم الأرجنتيني وهو من الأندية القليلة في العالم التي يمكنها تحمل الأجور الباهظة للاعبين. وارتبط ميسي بالانتقال إلى سان جيرمان منذ استحوذت «قطر للاستثمارات الرياضية» على النادي في 2011.
وفي وجود مواطنه بوكيتينو على رأس الجهاز الفني للفريق الفرنسي وزميله وصديقه المقرب البرازيلي نيمار وشريكٍ هجوميٍّ صاحب قدرات كبيرة مثل كيليان مبابي قد يشكّل ميسي القطعة المفقودة للنادي لتحقيق حلم التتويج بلقب دوري أبطال أوروبا أخيراً. ومع بقاء تشيلسي ومانشستر يونايتد على لائحة الأندية التي من الممكن لها ضم الأرجنتيني والوفاء براتبه الكبير، تظل فكرة بقائه في برشلونة قائمة.
ويرى مراقبون أن إعلان لابورتا رحيل نجمه الأسطوري عن برشلونة ما هو إلا خدعة كبيرة للضغط على رابطة الدوري الإسباني. ويعتقد هؤلاء أن رحيل أفضل لاعب في العالم عن الدوري الإسباني سيسهم في إضعاف فرص الاستثمار بالمسابقة والترويج، خصوصاً بعد أن سبق وفقدت المسابقة النجم البرتغالي الكبير كريستيانو رونالدو المنتقل إلى يوفنتوس الإيطالي.