عودة سيف الإسلام القذافي تخلط أوراق الانتخابات الليبية

روسيا تراهن عليه من منطلق «منع الإقصاء»

جانب من اجتماع «ملتقى الحوار السياسي» الليبي بسويسرا في 3 يوليو (البعثة الأممية)
جانب من اجتماع «ملتقى الحوار السياسي» الليبي بسويسرا في 3 يوليو (البعثة الأممية)
TT

عودة سيف الإسلام القذافي تخلط أوراق الانتخابات الليبية

جانب من اجتماع «ملتقى الحوار السياسي» الليبي بسويسرا في 3 يوليو (البعثة الأممية)
جانب من اجتماع «ملتقى الحوار السياسي» الليبي بسويسرا في 3 يوليو (البعثة الأممية)

محاطاً بمسلحين، كان يتكئ سيف الإسلام نجل الرئيس الراحل معمر القذافي على مقعد متواضع فور القبض عليه عقب اندلاع «ثورة 17 فبراير (شباط)» عام 2011. وهو ينظر في كفه اليمنى مضمدة بشاش أبيض؛ وقد بدا مكتئباً مندهشاً غاضباً. أما الآن، بعد نحو 10 سنوات، فقد أطلّ الرجل الذي كسا الشيب لحيته، على الليبيين وهو يجلس على كرسي وثير يلفه الغموض يحكي لهم قصته، ويروي أين كان، في ظهور من شأنه إعادة ترتيب التحالفات السياسية ثانية، ما قد يفتح الباب أمام صراع جديد لا يخلو من تعقيدات.
ما بين تاريخ اعتقال سيف القذافي قبل عقد من الزمان في بلدة أوباري (جنوب ليبيا) قُبيل لجوئه إلى دولة النيجر، وظهوره عبر مقابلة صحافية في مدينة الزنتان (جنوب غربي طرابلس)، جرت في نهر الحرب والسياسة مياه كثيرة، وانقسمت ليبيا إلى معسكرين. ومع الحديث عن قرب انتخابات رئاسية محتملة أعلن «الأسير المختفي» رغبته في «العودة التدريجية لاستعادة ليبيا»، بعكس رغبة خصومه المتنفذين في المشهد راهناً، لتبدأ مرحلة من خلط الأوراق وتزداد البلاد الجريحة ارتباكاً.
ارتفعت معنويات أنصار النظام الليبي السابق بإطلالة سيف الإسلام القذافي، الذي يلقبه بعضهم بـ«مانديلا ليبيا». إذ اعتبرها هؤلاء «شيئاً إيجابياً»، وحدثاً بدّد هواجس مقتله، في حين ذهب متابعون إلى القول إن ظهور نجل القذافي من شأنه تفكيك المشهد السياسي. ومن ثم، إعادة طرحه كـ«خيار ثالث» بين المعسكر الشرقي بقيادة المشير خلفية حفتر القائد العام لـ«الجيش الوطني الليبي»، والمعسكر الغربي الذي قد يفرز شخصية مدنية، في وجود منافسين محتملين آخرين مثل فتحي باشاغا، وزير الداخلية السابق، الذي اعتزم الترشح في الاستحقاقات المرتقبة.
- دعم قبائلي
وعلى الرغم من مقتل العقيد معمر القذافي في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2011، وتغييب نجله سيف عن الأنظار، لم يفقد أنصاره الأمل في عودة الابن إلى الساحة. وفي حديث إلى «الشرق الأوسط» يقول أحد قادة النظام السابق: «لم نكن في حاجة إلى مقالة الصحيفة الأميركية المكذوبة لتؤكد لنا أن الدكتور سيف على قيد الحياة... كنا نعلم أنه حر، لكنه كان ينتظر التوقيت الذي يعلن فيه عودته لاستعادة بلده، وقد أتى»!
حالة الثقة هذه التي عبّر عنها القيادي بالنظام السابق وجدت صداها لدى قطاع عريض من القبائل والمدن الليبية التي ما تزال تدين بالولاء لعهد القذافي، من مدينة بني وليد (شمال غربي البلاد)، إلى مدينة غات على مشارف الحدود مع الجزائر، إذ تعهد «المجلس الاجتماعي لقبائل الحزام الأخضر» بالاصطفاف خلف سيف الإسلام، ومساندته في المرحلة المقبلة «بغضّ النظر عن أي عوائق قد تعترض طريق ترشحه».
وخاطب «المجلس الاجتماعي» سيف الإسلام بالقول إن «الشرفاء والأحرار الذين يحبون القائد الرمز معمر القذافي، في مناطق الحزام الأخضر معكم بأصواتهم في صناديق الاقتراع، من أجل بناء مشروع ليبيا الغد والخروج من هذا النفق المظلم». والأجواء التي نقلها «المجلس الاجتماعي لقبائل الحزام الأخضر» تكاد تكون مماثلة لما عكسته مدن ومناطق لا تزال تحتفل إلى اليوم بذكرى «ثورة الفاتح من سبتمبر (أيلول)»، وترفع الرايات الخضراء في كل مناسبة، إشارة إلى حقبة الرئيس الراحل.
- محاكمة وحكم وإفراج
جدير بالذكر، أنه في نهاية يوليو (تموز) عام 2015 قضت محكمة استئناف طرابلس (دائرة الجنايات) في وسط العاصمة طرابلس بالإعدام رمياً بالرصاص على سيف الإسلام، و8 من المقربين من النظام السابق. إلا أن «كتيبة أبي بكر الصديق»، بمدينة الزنتان (170 كيلومتراً جنوب غربي طرابلس) أطلقت سراحه يوم 11 يونيو (حزيران) 2017. وقالت حينذاك إنها «أطلقت سراحه بناءً على طلب من حكومة عبد الله الثني المؤقتة بشرق البلاد». ومع أن سيف الإسلام لم يُشاهَد في أي مكان عام منذ اعتقاله وهو في طريقه إلى النيجر وإطلاق سراحه من قبل الكتيبة، فإن بعض الأشخاص القريبين منه أبقوا على وجوده في المشهد السياسي من خلال التحدث باسمه، أو إصدار بيانات منسوبة له، تدفع به إلى الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة. وللعلم، لا تزال المحكمة الجنائية الدولية تتمسك بتسليم سيف الإسلام لمحاكمته على ما سمته ارتكاب «جرائم ضد الإنسانية» أبان محاولة والده قمع المتظاهرين ضد حكمه أثناء اندلاع أحداث 17 فبراير.
- عوائق قانونية
تغيرات المشهد العام في ليبيا على مدار السنتين الماضيتين بدّلت قناعات وفتحت شهية مغمورين للمنافسة في «الماراثون» الانتخابي المرتقب، ومن كان لا يجد غضاضة قبلاً في ممارسة سيف الإسلام لحقه الدستوري في الترشح على هذا المنصب بات اليوم يرى ضرورة إبراء ذمته أولاً أمام «الجنائية الدولية». لذا أخذت الأسئلة تتوالى حول حق نجل القذافي في الترشح لرئاسة ليبيا، وهنا يقول الصحافي الليبي مصطفى الفيتوري، الذي حضر محاكمة سيف الإسلام مراقباً مستقلاً بالمحكمة الجنائية الدولية: «لا أعلم إن كان سيف سيخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة أم لا، لكن لا شك أن أغلب مَن في المشهد الآن يخشون ظهوره، وهذا ما تجلى على إثر المقابلة الأخيرة مع (النيويورك تايمز)...».
ومضى الفيتوري يقول في حديثه إلى «الشرق الأوسط» موضحاً: «لا شك عندي أيضاً أن المعركة الآن تتركز حول أفضل السبل القانونية لمنعه من الترشح... وفي اعتقادي أنه لن يترشح لأن الانتخابات المقبلة لن تنهي المرحلة الانتقالية، ولذا أنصحه ومؤيديه بالتركيز على البرلمان، لأن أي رئيس مقبل سيكون محدود الصلاحيات والسلطات، ودوره سيكون احتفالياً شكلياً ليس إلا».
أيضاً ذهب أنصار النظام السابق إلى القول إن ظهور سيف بعدما اقتنع كثير بوفاته، أربك حسابات الساسة المسيطرين على المشهد العام. ورأوا أن مجلس النواب الذي يناقش قانون الانتخابات الآن يسعى لقطع الطريق على ترشح نجل القذافي بفرض شروط بعضها تعجيزية، متعللين بقول المستشار عقيلة صالح رئيس المجلس إنه «لا يحق لأي شخص محكوم عليه من المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية الترشح لرئاسة الدولة الليبية».
هذا، وسبق لصالح القول قبل سنتين رداً على تساؤلات صحافية: «يحق لسيف القذافي الترشح لانتخابات الرئاسة، إذا لم يكن هناك مانع قضائي يحول دون ذلك». بيد أن مجلس النواب اشترط في مناقشة قانون الانتخابات ضرورة تزكية 20 نائباً للمترشح للرئاسة، وهو ما نظر إليه الفيتوري على أنه «محاولة أخرى لاحتكار حق الترشح بحجة تقليل عدد المتنافسين، وهذا من شأنه فتح باب الرشوة».
- «السجين والسجّان»
سيف القذافي، الذي ظل حبيس كهف وسط صحراء الزنتان حتى عام 2014، يقيم حالياً في فيلا فخمة من طابقين داخل مجمع مغلق بالمدينة. ولقد ظهر معتمراً عمامة سوداء ومرتدياً عباءة مطرزة بخيوط مذهبة، ليقول إن المتمردين الذي أسروه «أدركواً أخيراً أنه قد يكون حليفاً قوياً». ومن ثم قال إن السياسيين الليبيين الذين تعاقبوا على البلاد «لم يجلبوا إلا البؤس. حان الوقت للعودة إلى الماضي. البلد جاثٍ على ركبتيه، لا مال ولا أمن، لا توجد حياة هنا»!
وأمام هذه الدعوة، التي وصفها البعض - وخصوصاً في غرب ليبيا - عودة إلى الماضي، ينظر مراقبون إلى أنه في حال ما تمكن الفرقاء السياسيون من الانتهاء من إعداد قانون للانتخاب، بما يسمح لنجل القذافي بالترشح «فستكون ليبيا أمام مرحلة ملتهبة، ومعركة حامية... حتى إذ فشل سيف فيها فإنه سيكون رقماً صعباً في الآتي من الأيام».
أيضاً، رأى محلل سياسي كبير من مدينة مصراتة أن الصحيفة الأميركية حاولت استخدام سيف القذافي للترويج لبعض المرشحين المحتملين، مثل باشاغا، وربما الصديق الكبير محافظ المصرف المركزي، لكنه قال إن ظهور سيف «يبقى زلزالاً سياسياً من العيار الثقيل». ورصد المحلل السياسي أن «ردود الأفعال الواسعة في ليبيا لحديث سيف كشفت عن شعبية واسعة، وأنه منافس حقيقي، وهو ما دفع كثيراً من القوى السياسية بإعلان مواقف متشددة ضد ترشحه، في تناقض واضح مع البيانات والخطابات التي يصدرونها حول التداول السلمي على السلطة ومدنية الدولة».
في المقابل، أضعفت رصيد القذافي الابن، وجمعت ضده «الثوار» وخصوم الماضي، «اللغة» التي نقلتها الصحيفة عن سيف بحديثه عن مقتل سجناء معتقل أبو سليم الـ1200 عام 1996. بقوله إن «معظم الليبيين يعتقدون أن النظام كان متساهلاً جداً معهم، وإنه كان ينبغي قتل جميع السجناء».
- الرهان الروسي
من جهة ثانية، ليبيون كثيرون يرون أن سيف الإسلام، الذي لمح إلى خوض الانتخابات المقبلة، لديه فرصة ذهبية للاستفادة من الدعم الروسي له. فموسكو، تخلت عن دورها المتأرجح في ليبيا وراحت قبل 4 سنوات تفتح قنوات اتصال مع نجل القذافي «الأسير». وهي تدفع بقوة لإعادته للمشهد السياسي، وهذا ما أكد عليه ميخائيل بوغدانوف، نائب وزير الخارجية الروسي في تصريح قال فيه: «ينبغي أن يلعب سيف دوراً في المشهد السياسي الليبي، من قبيل عدم عزل أحد أو إقصائه عن أداء دور سياسي بناء».
منذ ذلك المنعطف، دخلت موسكو من ملف قصية سيف، وأبقت على اسمه حاضراً في غالبية لقاءات مسؤوليها، بل إنها استقبلت مندوبين عنه. وسبق لمحمد القيلوشي، عضو فريق العمل السياسي لسيف، القول لـ«الشرق الأوسط»، من موسكو، إنهم سلموا رسالة من سيف القذافي إلى الخارجية الروسية، وكان في استقبالهم بوغدانوف. كذلك أوضح القيلوشي أن رسالة سيف القذافي تؤكد على ضرورة أن «يبحث الليبيون أمورهم بأنفسهم، من دون إقصاء أو تمييز، لتحديد مصيرهم من خلال مصالحة شاملة، والترتيب للانتخابات المقبلة».
- تفكيك جبهات
في المقابل، يقلل مراقبون من قدرة سيف الإسلام، إذا ما سُمح له بخوض الانتخابات، على حسمها لمصلحته في ظل تشظي المشهد العام، وانقسامات حادة بين سيطرة «الجيش الوطني الليبي» على مناطق شرق البلاد، في مقابل غربها الذي يقتسمه متنافسون محتملون. لكن هذا الواقع لم يمنع أحد مشايخ قبيلة القذاذفة من القول لـ«الشرق الأوسط» معلقاً: «الواقع مغاير تماماً... فأنصار النظام السابق منتشرون في كل ربوع ليبيا وخارجها من مشرقها إلى غربها وجنوبها، وجميعهم ينتظرون عودة الدكتور سيف التي ستكون قريبة جداً، وفي هذا اليوم سنُري الجميع من أنفسنا خيراً».
وأضاف الشيخ القبلي أنه في حال توحّد كل محبي القائد الراحل وأنصاره، وإحجامهم عن المقاطعة، «سنتمكن من إحداث تغيير في معادلة الانتخابات»، لكني «أتوقع ألا تجرى (أي الانتخابات) لأسباب كثيرة، وهو ما سيفتح الباب لصراع مرير على السلطة».
وهنا عبّرت الدكتورة ربيعة أبوراص، عضو مجلس النواب عن دائرة حي الأندلس بطرابلس الكبرى، عن اعتقادها بأن خروج سيف الإسلام، في هذا الوقت «شيء إيجابي» والبلاد تتقدم نحو الاستقرار. وبالتالي لا بد في هذه المرحلة من «إدارة الصراع بشكل واضح بين الأطراف الليبية الرئيسية المتحكمة في قواعد اللعبة الأمنية والسياسية والمالية والاجتماعية». ووضعت أبوراص تصوراً لمعالجة الواقع الراهن عبر «الحوار المباشر والاتفاق على الخطوط العريضة للتعايش الذي يحدد موقع كل طرف ودوره، والابتعاد عن أسلوب الكوميديا السوداء في التعاطي مع القضايا الجوهرية التي تمس حياتنا بشكل مباشر، وتؤثر عليها».
والحال راهناً، أن ليبيا تقف أمام مفترق طرق، «كل يتحسس مسدسه» انتظاراً للحظة المرتقبة لإجراء الانتخابات، التي لم يتبق عليها إلا نحو 138 يوماً، في حين ما زال المتحاربون متمترسين على جبهات الاقتتال في محور سرت - الجفرة، وكل منهم يسعى للدفاع عن «مكتسبات» تحققت طوال 10 سنوات، بينما يبحث أنصار القذافي عن فرصة ثانية للحكم، عبر مسار ديمقراطي، يرونها قد اقتربت!
- الانتخابات الليبية... رهان «الفرصة الأخيرة»
> تسابق البعثة الأممية لدى ليبيا الزمن لدفع الفرقاء السياسيين إلى استثمار «الفرصة الأخيرة» لإنجاز «القاعدة الدستورية» التي ستجرى على أساسها الانتخابات الرئاسية والنيابية المرتقبة، يوم 24 ديسمبر (كانون الأول) المقبل. لكن منذ الإعلان عن انتخاب السلطة التنفيذية في اجتماعات جنيف، قبل 6 أشهر، لم يطرأ جديد يؤشر على الوصول إلى نقطة توافق. وهذه أهم محطاته خلال العام الحالي فقط...
> 5 فبراير (شباط)، أعلنت مندوبة الأمم المتحدة إلى ليبيا بـ«الإنابة» ستيفاني ويليامز، انتخاب محمد يونس المنفي رئيساً للمجلس الرئاسي، وعبد الحميد الدبيبة رئيساً لحكومة «الوحدة الوطنية».
> 20 مايو (أيار)، أكد بيان لمجموعة العمل السياسية للجنة المتابعة الدولية بشأن ليبيا على أن إجراء الانتخابات الوطنية في الموعد المحدد، ما يزال يتصدر سلم الأولويات بغية استكمال المرحلة التحضيرية في ليبيا والتحول الديمقراطي على النحو المتفق عليه في «خريطة الطريق» التي أقرها «ملتقى الحوار السياسي» الليبي.
> 21 مايو، المبعوث الأممي لدى ليبيا يان كوبيش، يقدم إحاطته أمام مجلس الأمن، مؤكداً فيها على أن المهمة الحاسمة للسلطات والمؤسسات الليبية تتمثل في ضمان إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية على النحو المنصوص عليه في خريطة الطريق، منوهاً إلى وجود تحسّن في الوضع الأمني بشكل كبير، رغم وقوع اشتباكات من وقت لآخر بين مختلف المجموعات المسلحة المتنافسة.
> 27 مايو، كوبيش يعلن انتهاء الاجتماع الافتراضي لـ«ملتقى الحوار السياسي» الليبي، مشيداً بـ«المشاورات الفاعلة» على مدار يومين.
> 24 يونيو (حزيران)، اللجنة الاستشارية المنبثقة عن «ملتقى الحوار السياسي» تعقد اجتماعاً تشاورياً لمدة 3 أيام تمهيداً لاجتماع الملتقى في سويسرا.
> في التوقيت ذاته، رحّب كوبيش، بنتائج مؤتمر «برلين 2» كخطوة مهمة نحو السلام المستدام في ليبيا الذي انتهى إلى مجموعة من التوصيات، من بينها ضرورة إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الليبية المقررة في موعدها المحدد وعلى النحو المتفق عليه، والتمسك بخروج «المرتزقة» والقوات الأجنبية من أنحاء ليبيا، مع استمرار الحوار الوطني الشامل.
> 27 يونيو، اللجنة الاستشارية المنبثقة عن «ملتقى الحوار السياسي» تختتم اجتماعها التشاوري في تونس، وتثني البعثة وأعضاء اللجنة الاستشارية على عمل اللجنة القانونية التي نجحت في وضع مشروع للقاعدة الدستورية لإجراء الانتخابات الوطنية؛ البرلمانية والرئاسية.
> 3 يوليو (تموز) الأمم المتحدة تعلن فشل مباحثات جنيف في التوصل إلى اتفاق يمهد للانتخابات في ليبيا.
> 15 يوليو، كوبيش يعلن أمام مجلس الأمن أنه أجرى مشاورات مع مجموعة كبيرة من الأطراف الفاعلة في ليبيا لإقناعهم بالمحافظة على المسار المؤدي إلى انتخابات برلمانية ورئاسية وطنية شاملة.
> في التوقيت ذاته، عقدت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا اجتماعاً افتراضياً للجنة التوافقات المنبثقة عن «ملتقى الحوار السياسي» الليبي.
> 29 يوليو، انتهت اجتماعات اللجنة المكلفة من قبل رئيس مجلس النواب عقيلة صالح مع المفوضية الوطنية العليا للانتخابات، في العاصمة الإيطالية روما، بحضور بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، لمناقشة مقترح إعداد قانون الانتخابات الرئاسية والانتخابات البرلمانية. ورفعت نتائج أعمالها إلى مجلس النواب لمناقشتها.



ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)
صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)
TT

ألمانيا تتأهّب لانتخابات تعِد اليمين باستعادة الحكم

صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)
صادرات السيارات الألمانية إلى أميركا في قلب التأزم المحتمل مع ترمب (أ ف ب)

عوضاً عن بدء ألمانيا استعداداتها للتعامل مع ولاية جديدة للرئيس الأميركي «العائد» دونالد ترمب والتحديات التي ستفرضها عليها إدارته الثانية، فإنها دخلت أخيراً في أزمة سياسية بعد الانهيار المفاجئ للحكومة الائتلافية التي يرأسها المستشار أولاف شولتس. وبهذا التطوّر بات شولتس أحد أقصر المستشارين حكماً في ألمانيا؛ إذ إنه قبل إكماله 3 سنوات على رأس الحكومة الائتلافية التي تمثل 3 أحزاب (اشتراكي وليبرالي وبيئي «أخضر») صار المستشار رئيساً لحكومة أقلية مؤلفة من حزبين بانتظار الانتخابات المبكرة التي حُدّد موعدها يوم 23 فبراير (شباط) المقبل.

الحكومة الألمانية ترنّحت إثر انسحاب «ضلعها» الليبرالي، الحزب الديمقراطي الحر، منها. ورغم انسحاب الحزب، أراد رئيسها المستشار أولاف شولتس الاستمرار على رأس «حكومة أقلية» حتى نهاية مارس (آذار)، وهو التاريخ الذي حدّده في البداية لإجراء الانتخابات المبكرة عوضاً عن نهاية سبتمبر (أيلول).

لكن أمام ضغوط المعارضة وافق المستشار وزعيم الحزب الديمقراطي الاجتماعي (الاشتراكي) على تقريب الموعد شهراً آخر. وحتى بعد إجراء الانتخابات، فإن فترة الشكوك قد تستمر لأسابيع أو أشهر إضافية. وللعلم، في ألمانيا، لم يسبق أن فاز أي حزب بغالبية مطلقة تسمح له بتشكيل حكومة منفرداً. وبالنتيجة، حكمت ألمانيا (الغربية أساساً) منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حكومات ائتلافية قادها إما محافظو حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي (يمين الوسط) أو اشتراكيو الحزب الديمقراطي الاجتماعي (يسار الوسط).

فريدريش ميرتز (آجنزيا نوفا)

اليمين عائد... لكن!

هذه المرة يبدو أن الديمقراطيين المسيحيين (الحزب الذي قادته لفترة أنجيلا ميركل) يتجهون لاستعادة السلطة. فحزبهم تصدر استطلاعات الرأي بفارق كبير بنسبة تصل إلى 33 في المائة، وهي أعلى من النسبة التي تتمتع بها الأحزاب الثلاثة التي شكَّلت حكومة شولتس مجتمعة، قبل انهيارها. غير أن اختيار الحزب الشريك - أو الأحزاب الشريكة – في ائتلاف الديمقراطيين المرتقب، قد يكون أمراً معقّداً ويستغرق وقتاً طويلاً.

عقبة البيروقراطية

من ناحية ثانية، رغم محاولات الديمقراطيين المسيحيين تقريب موعد الانتخابات أكثر، مستفيدين من تقدم حزبهم في استطلاعات الرأي، ودعوات جمعيات الأعمال لتقليص فترة الشك والغموض في بلد لم يشهد نمواً اقتصادياً منذ 5 سنوات، فإن البيروقراطية الألمانية شكّلت عائقاً أساسياً أمام ذلك.

وحقاً، لا يقع اللوم في تأخير الانتخابات لنهاية فبراير (شباط) فقط على تشبّث شولتس بإطالة عمر حكومته العاجزة عن العمل. ذلك أنه فور انهيار الحكومة، وبدء الكلام عن انتخابات جديدة، دقّت «هيئة الانتخابات» جرس الإنذار محذّرة من أن التسرّع في إجرائها قد يؤدي إلى أخطاء تسببت بإعادتها. ورأت «الهيئة» ضرورة إفساح الوقت الكافي لتحضير اللوائح، وطبع الأوراق، وتحديات العثور على ورق كافٍ ومطابع جاهزة للعمل في خلال مدة زمنية قصيرة.

نقاط خلافية جدّية

ورغم سخافة هذا المشهد، فهو يعكس واقعاً في ألمانيا المقيدة بالبيروقراطية التي تعيق الكثير من تقدّمها، وكان واحداً من أسباب انهيار الحكومة في النهاية. فقد فشلت حكومة شولتس بإدخال أي إصلاحات لتخفيف البيروقراطية رغم التوصيات المتكرّرة من اختصاصيين. ولقد صدرت آخر هذه التوصيات الأسبوع الماضي من «مجلس الخبراء الاقتصادي»، وهو «مجلس حكماء» مدعوم من الحكومة، دعا إلى تقليص البيروقراطية وتسريع «المكننة» كواحدة من الخطوات الرئيسة لتحقيق النمو الاقتصادي.

وللعلم، كانت تلك واحدة من الخلافات الأبرز بين أحزاب الائتلاف الحكومي الثلاثة. فليبراليو الحزب الديمقراطي الحر (وسط) - الذي يعتبر مؤيداً لمجتمع الأعمال والشركات الكبرى - دفعوا منذ تشكيل الحكومة إلى «تقليص البيروقراطية»، خصوصاً على الشركات، إضافة إلى تخفيض الضرائب عنها، لكن أولويات الاشتراكيين وحزب «الخضر» البيئي تمثّلت بزيادة المعونات الاجتماعية والاستدانة لمواجهة التحديات الاقتصادية التي فرضتها تبعات حرب أوكرانيا وجائحة «كوفيد - 19».

قضية الإنفاق العام

شكّل الإنفاق العام نقطة خلافية أخرى مع الليبراليين الذين رفضوا التخلي عن بند كبح الديون الذي يوصي به الدستور الألماني إلا في الحالات القصوى. وجرى التخلي عن هذا البند بعد جائحة «كوفيد - 19» عندما اضطرت الحكومة إلى الاستدانة والإنفاق لمساعدة الاقتصاد على النهوض. وفي المقابل، أراد الاشتراكيون و«الخضر» مواصلة العمل بتعليق بند كبح الديون ضمن خطط إنعاش الاقتصاد وتمويل الحرب الأوكرانية، لكن ليندنر رفض رغم أن «مجلس الخبراء» أوصى ببحث هذا البند وتخفيف التقيد به.

هكذا أدى الخلاف على إجراءات إنعاش الاقتصاد وميزانية عام 2025 إلى انفراط التحالف مع الليبراليين، ودفع بشولتس إلى طرد زعيمهم ووزير المالية كريستيان ليندنر، الذي قدم مقترحاً لتقليص البيروقراطية وخفض الضرائب مقابل خفض الإعانات الاجتماعية لتمويل الحرب في أوكرانيا من دون زيادة الدين العام.

الاشتراكيون بقيادة شولتس وحزب «الخضر» رفضوا مقترح ليندنر من دون القدرة على التوصل إلى «حل وسط»، مع أن المستشار اعتاد المساومة والحلول الوسطى منذ تشكيل حكومته التي غالباً ما شابتها الخلافات الداخلية.

وطبعاً، دفع طرد ليندنر الوزراء الليبراليين للتضامن مع زعيمهم والاستقالة... ما فرط عقد الحكومة. وبعد أيام من الجدل حول موعد الانتخابات المقبلة، اتفقت الأحزاب على طرح الثقة بالحكومة يوم 16 ديسمبر (كانون الأول) - ويتوقع أن تخسرها بعد خسارتها الغالبية البرلمانية - ما سيؤدي إلى انتخابات عامة حدد موعدها في 23 فبراير.

كريستيان ليندنر (رويترز)

الاقتصاد أساس الأزمة

نقطة إنعاش الاقتصاد تظهر الآن نقطةً خلافية أساسية، بينما يراوح الاقتصاد الألماني مكانه عاجزاً عن تحقيق أي نمو يذكر. ثم أن مئات الشركات الصغيرة والوسطى أقفلت خلال العامين الماضيين، وبدأت حتى كبرى شركات السيارات تعاني خسائر دفعت بشركة «فولكسفاغن» العملاقة إلى إقفال 3 من مصانعها العشرة في ألمانيا.

مع هذا، لا يمكن لوم سياسات الحكومة والخلافات الداخلية حول التعامل مع الاقتصاد وحدها، لتبرير تدهور الاقتصاد الألماني خلال السنوات الثلاث الماضية. إذ بدأت حكومة شولتس عملها في خضم جائحة «كوفيد - 19» التي تسببت بأزمات اقتصادية عالمية، وتلت الجائحة الحرب الأوكرانية وتبعاتها المباشرة على ألمانيا، التي كانت تستورد معظم حاجاتها من الغاز من روسيا. وقد تعاملت حكومة شولتس مع انقطاع الغاز الروسي السريع عن ألمانيا بحكمة، ونجحت في تعويضه بسرعة من دون التسبب بأزمة نقص للغاز في البلاد. وأيضاً اتخذت تدابير لحماية المستهلكين من الارتفاع الكبير في الأسعار، مع أنها ما كانت قادرة على تفادي التداعيات بشكل كامل.

من ثم، تحوّلت الحكومة إلى ما يشبه حكومة إدارة الأزمات والسياسات السيئة الموروثة عن الحكومات السابقة. لكن حتى هنا، يمكن تحميل الاشتراكيين بعض مسؤولية السياسات الاقتصادية السيئة، ومنها اعتماد ألمانيا بشكل متزايد طوال حكومات أنجيلا ميركل الأربع على الغاز الروسي، والسبب أن الاشتراكيين شاركوا في ثلاث من هذه الحكومات، وشولتس نفسه كان وزيراً للمالية ثم نائب المستشارة.

علاقة الاشتراكيين بروسيا

من جانب آخر، لم يساعد القرب التاريخي للاشتراكيين من روسيا حكومة شولتس بإبعاد نفسها عن موسكو؛ إذ بقي المستشار متردداً لفترة طويلة في قطع العلاقات مع روسيا ودعم أوكرانيا. ومع أن ألمانيا تحوّلت الآن إلى ثاني أكبر داعم عسكري لكييف بعد واشنطن، فإن تردد شولتس شخصياً في كل قرار يتعلق بتسليح أوكرانيا، غالباً ما وضعه في مواجهة مع حليفيه في الحكومة وكذلك مع المعارضة. وللعلم، يعتمد شولتس سياسة حذرة في دعم أوكرانيا ولا يؤيد ضمها لـ«ناتو» (حلف شمال الأطلسي)؛ تخوفاً من استفزاز روسيا أكثر وخشيته من دفعها لتوسيع الصراع.

في أي حال، كرّر شولتس القول في كل مناسبة بضرورة استمرار دعم أوكرانيا، وكان هذا واحداً من أسباب الخلافات حول الميزانية التي أدت إلى انهيار الحكومة، فوزير المالية أراد اقتطاع مخصّصات اجتماعية لتمويل الحرب في حين شولتس أراد الاستدانة لذلك رافضاً المس بالإعانات.

وحيال أوكرانيا، مع أن مقاربة تمويل الحرب في أوكرانيا تختلف بين الأحزاب الألمانية، لا خلاف على دعم كييف لا خلاف عليه. بل يتشدّد الديمقراطيون المسيحيون المتوقع فوزهم بالانتخابات وقيادتهم الحكومة المقبلة أكثر في دعمهم. ويؤيد زعيم حزبهم، فريدريش ميرتز، الذي قد يصبح المستشار القادم، أوكرانيا ضم أوكرانيا «فوراً» إلى «ناتو» بخلاف شولتس، كما يؤيد إرسال صواريخ «توروس» البعيدة المدى والألمانية الصنع إليها، بينما يعارض شولتس ذلك.

وهنا نشير إلى أن حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي كان طوال السنوات الماضية، منذ تفجّر الحرب الأوكرانية، شديد الانتقاد لتردّد المستشار الاشتراكي في قرارات تسليح كييف وقطع العلاقات الاقتصادية مع روسيا، رغم أنه كان المسؤول عن وصول العلاقات الاقتصادية إلى مرحلة الاعتماد الألماني على الطاقة الروسية... كما كان حاصلاً قبل الحرب.

على الحكومة الجديدة التعامل مع ترمب

في ملف العلاقات الاقتصادية

أولاف شولتس (رويترز)

تبعات عودة ترمب

في اتجاه موازٍ، مقاربة الحرب الأوكرانية ستضع أي حكومة ألمانية جديدة في مواجهة محتملة مع إدارة دونالد ترمب القادمة في واشنطن. إذ ستضيع ألمانيا شهوراً ثمينة في تحديد سياستها مع العد العكسي للانتخابات المبكرة وتفاوض الأحزاب خلالها على تشكيل حكومة ائتلافية.

ولن يكون أمام الحكومة الجديدة فقط تحدي التعامل مع إدارة ترمب في ملف أوكرانيا، بل أيضاً في ملف التجارة والعلاقات الاقتصادية. ذلك أن ترمب في عهده الأول دأب على انتقاد ألمانيا بسبب ضخامة صادراتها إلى الولايات المتحدة، وبخاصة السيارات، التي تفوق بأضعاف الصادرات الأميركية إليها. وبالفعل، هدَّد آنذاك برسوم على السيارات الألمانية في حال لم تزد برلين وارداتها من الولايات المتحدة خاصة الغاز الأميركي الذي كان ترمب يضغط على ميركل لاستيراده عوضاً عن الغاز الروسي. بالتالي، مع عودة ترمب، ستعود المخاوف من حرب اقتصادية مع واشنطن قد تكون إذا وقعت مدمّرة لقطاع السيارات الألمانية. وحقاً، خفّضت كل الشركات الألمانية الكبرى سقف توقّعاتها للأرباح في الأشهر المقبلة، بعد تراجع مبيعاتها في الأسواق الخارجية وتحديداً الصين، بشكل كبير. وقد يشكّل تقلّص سوقها في الولايات المتحدة ضربة جديدة لها يحذّر الخبراء الاقتصاديون من أن تبعاتها ستكون مؤلمة للاقتصاد الألماني.

حسابات الانتخابات المقبلة

عودة إلى حسابات الداخل، لم يطرح الزعيم الديمقراطي المسيحي فريدريش ميرتز، في الواقع، فكرة إعادة وزير المالية المعزول كريستيان ليندنر إلى حكومته المحتملة. لكن سيتوجّب أولاً على حزب ليندنر، أي الحزب الديمقراطي الحر (الليبرالي) أن يكسب أصواتاً كافية لتمثيله في البرلمان. وحتى مع تحقيق هذا قد لا يكون التحالف بين الحزبين كافياً لضمان الغالبية، إلا إذا حصلت مفاجأة وحقق أحد الحزبين نتائج أعلى من المتوقع في الاستطلاعات، كما فعل الاشتراكيون في الانتخابات الماضية عندما نالوا قرابة 26 في المائة متقدمين على الديمقراطيين المسيحيين الذين نالوا 24 في المائة من الأصوات. ويومذاك كانت استطلاعات الرأي التي سبقت الانتخابات تشير إلى شبه تعادل بين الحزبين.

من ثم، في حال بقاء ليبراليي الحزب الديمقراطي الحر خارج الحكومة، قد تعيد ألمانيا إنتاج حكومة يشارك فيها الحزبان الرئيسان المتناقضان في سياساتهما الاجتماعية والاقتصادية، أي الاتحاد الديمقراطي المسيحي اليميني والحزب الديمقراطي الاجتماعي (الاشتراكي). وقد يُجبَر الحزبان على ضم شريك ثالث يرجح أن يكون حزب «الخضر» في حال غياب الليبراليين عن المشهد. وقد تعيد هكذا حكومة ثلاثية فترة الخلافات والاضطراب التي شهدتها ألمانيا في ظل الحكومة الثلاثية الحالية التي رغم انجازاتها، لا يذكر كثيرون إلا الخلافات التي شابتها.وحتى ذلك الحين، فإن التحديات التي ستواجهها أي حكومة ألمانية قادمة، تجعل من فترة انتظار الانتخابات وتشكيل الحكومة، فترة صعبة ستزيد من عمق الأزمة الاقتصادية وتشرذم الموقف الألماني والأوروبي أمام الإدارة الأميركية.