سنوات السينما: The Alamo ‪(1960)‬

مشهد من فيلم «ذا ألامو»
مشهد من فيلم «ذا ألامو»
TT

سنوات السينما: The Alamo ‪(1960)‬

مشهد من فيلم «ذا ألامو»
مشهد من فيلم «ذا ألامو»

The Alamo
‪(1960)‬
(جيد)
نزعة وطنية ضد المكسيك
عندما قرر الممثل جون واين دخول تجربة الإخراج اختار هذا الفيلم المضخّم المأخوذ عن أحداث تاريخية واقعية: ففي عام 1836 كانت تكساس ما زالت أرضاً متنازع عليها بين المكسيك والولايات المتحدة. الجيش المكسيكي بقيادة الجنرال سانتا آنا (روبين باديللا في هذا الفيلم) يزحف باتجاه حصن صغير اسمه ألامو بما يزيد عن 1500 جندي ويحاصره ثم يحاول اقتحامه بضع مرّات متكبّداً خسائر فادحة. في داخل الحصن هناك عدد لا يزيد عن مائة شخص انضم إليهم لاحقاً نحو مائة آخرين وذلك تحت قيادة الجنرال هيوستون (رتشارد بون). من بين الشخصيات المعروفة كولونيل جيم باوي (رتشارد ودمارك) والكولونيل دايفي كروكِت (جون واين) ومجموعة من النساء.
طوال ثلاثة عشر يوماً ردت الحامية الهجوم المكسيكي وبل استطاعت التسلل، في أحد المعارك، إلى المواقع المكسيكية في عملية عسكرية محدودة. في النهاية سقطت قلعة ألامو بعدما استطاع الجنود المكسيكيون اقتحامها والقضاء على كل المقاومين.
تعلّم جون واين الكثير من خلال عمله مع جون فورد وهناك آراء متناقضة حول ما إذا كان فورد نفّذ بعض المشاهد أو لا. كان موجوداً في التصوير بلا ريب وقيل إن واين قطع كل المشاهد التي نفّذها فورد، مما يؤكد أن فورد أخرج بعض المشاهد بالفعل.
الأسلوب هنا كلاسيكي المنحى تماماً. يؤمن بالكاميرا المتحركة من مواقع مشرفة (وهذا مفهوم) وبمنح الفيلم مفارقات دراماتيكية حتى لو لم تكن حقيقية. مشاهد العراك من تلك المعتنى بها والتي تنجح في منح الفيلم نجاحه وبعض جودته.
على أن الفيلم لا يمت إلا قليلاً للحادثة التاريخية. شخصية جيم باوي مثلاً لم تصب بطلقة نارية في ساقه وهو لم يمت وخادمه الأسود الذي انبرى للدفاع عنه على هذا النحو المتفاني. هناك الكثير من التأليف في هذا التاريخ قام به واين وكتّابه ليطوي الفيلم تحت جناحه. فالفيلم أنشودة وطنية صادحة وعاطفية حول المقاومة التي أبداها الأميركيون ضد المكسيكيين. في الوقت ذاته لا بد لها أن يصطدم هذا المفهوم بجدار أن المكسيك هي التي ربحت الجولة والأميركيون خسروها. يزخر الفيلم بالمواقف البطولية وبأهمية الإيمان وقوّة العقيدة والتمسك بالقيم ساقطاً، أكثر من مرّة، في برك الموعظة المباشرة غير عابئ بأي توازن أو تحليل.
بصرياً الفيلم فيه لحظات مدهشة واليوم (مع مشاهدة أخرى) تؤكد أن واين كان يرغب في تحقيق فيلم بحجم أفلام ديفيد لين، لولا أنه لا يملك مهارته الفنية ولا كيفية التعامل مع أعماق المشاعر وليس ظواهرها. مشاهد المعارك جيّدة لكن المشاهد التي تنطوي على الحوار طويلة ومملّة مع تمثيل متفاوت غير مبهر من أحد غالباً. من لا تهمّه الرسالة السياسية يجد في الفيلم (تصوير ويليام كلوثييه الذي عمل لاحقاً مع سام بكنباه بنتائج أفضل) مشحوناً بعناصر إنتاجية مناسبة وموظّفة على نحو صحيح.
بعد 44 سنة حقق المخرج جون لي هانكوك إنتاجاً جديداً عن الموقعة أفضل من النسخة القديمة لكنها توازيها في تجاوز بعض الأحداث الحقيقية لصالح أخرى خيالية.



«العواصف» و«احتفال»

«العواصف» (فيستيڤال سكوب)
«العواصف» (فيستيڤال سكوب)
TT

«العواصف» و«احتفال»

«العواصف» (فيستيڤال سكوب)
«العواصف» (فيستيڤال سكوب)

LES TEMPÊTES

(جيد)

* إخراج: دانيا ريمون-بوغنو

* فرنسا/ بلجيكا (2024)

الفيلم الثاني الذي يتعاطى حكاية موتى- أحياء، في فيلم تدور أحداثه في بلدٍ عربي من بعد «أغورا» للتونسي علاء الدين سليم («شاشة الناقد» في 23-8-2024). مثله هو ليس فيلم رعب، ومثله أيضاً الحالة المرتسمة على الشاشة هي في جانب كبير منها، حالة ميتافيزيقية حيث العائدون إلى الحياة في كِلا الفيلمين يمثّلون فكرةً أكثر ممّا يجسّدون منوالاً أو حدثاً فعلياً.

«العواصف» إنتاج فرنسي- بلجيكي للجزائرية الأصل بوغنو التي قدّمت 3 أفلام قصيرة قبل هذا الفيلم. النقلة إلى الروائي يتميّز بحسُن تشكيلٍ لعناصر الصورة (التأطير، والإضاءة، والحجم، والتصوير نفسه). لكن الفيلم يمرّ على بعض التفاصيل المكوّنة من أسئلة لا يتوقف للإجابة عليها، أبرزها أن بطل الفيلم ناصر (خالد بن عيسى)، يحفر في التراب لدفن مسدسٍ بعد أن أطلق النار على من قتل زوجته قبل 10 سنوات. لاحقاً نُدرك أنه لم يُطلق النار على ذلك الرجل بل تحاشى قتله. إذن، إن لم يقتل ناصر أحداً لماذا يحاول دفن المسدس؟

الفيلم عن الموت. 3 شخصيات تعود للحياة بعد موتها: امرأتان ورجل. لا أحد يعرف الآخر، وربما يوحي الفيلم، أنّ هناك رابعاً متمثّلاً بشخصية ياسين (مهدي رمضاني) شقيق ناصر.

ناصر هو محور الفيلم وكان فقد زوجته «فجر» (كاميليا جردانة)، عندما رفضت اعتلاء حافلة بعدما طلب منها حاجز إرهابي ذلك. منذ ذلك الحين يعيش قسوة الفراق. في ليلة ماطرة تعود «فجر» إليه. لا يصدّق أنها ما زالت حيّة. هذا يؤرقها فتتركه، ومن ثَمّ تعود إليه إذ يُحسن استقبالها هذه المرّة. الآخران امرأة ورجل عجوزان لا قرابة أو معرفة بينهما. بذا الموت الحاصد لأرواح تعود إلى الحياة من دون تفسير. الحالة نفسها تقع في نطاق اللا معقول. الفصل الأخير من الفيلم يقع في عاصفة من التراب الأصفر، اختارته المخرجة ليُلائم تصاعد الأحداث الدرامية بين البشر. تنجح في إدارة الجانبين (تصوير العاصفة ووضعها في قلب الأحداث)، كما في إدارة ممثليها على نحوٍ عام.

ما يؤذي العمل بأسره ناحيةٌ مهمّةٌ وقعت فيها أفلام سابقة. تدور الأحداث في الجزائر، وبين جزائريين، لكن المنوال الغالب للحوار هو فرنسي. النسبة تصل إلى أكثر من 70 في المائة من الحوار بينما، كما أكّد لي صديق من هناك، أن عامّة الناس، فقراء وأغنياء وبين بين، يتحدّثون اللهجة الجزائرية. هذا تبعاً لرغبة تشويق هذا الإنتاج الفرنسي- البلجيكي، لكن ما يؤدي إليه ليس مريحاً أو طبيعياً إذ يحول دون التلقائية، ويثير أسئلة حول غياب التبرير من ناحية، وغياب الواقع من ناحية أخرى.

* عروض مهرجان مراكش.

«احتفال» (كرواتيا إودڤيحوال سنتر)

CELEBRATION

(ممتاز)

* إخراج: برونو أنكوڤيتش

* كرواتيا/ قطر (2024)

«احتفال» فيلم رائع لمخرجه برونو أنكوڤيتش الذي أمضى قرابة 10 سنوات في تحقيق أفلام قصيرة. هذا هو فيلمه الطويل الأول، وهو مأخوذ عن رواية وضعها سنة 2019 دامير كاراكاش، وتدور حول رجل اسمه مِيّو (برنار توميتش)، نَطّلع على تاريخ حياته في 4 فصول. الفصل الأول يقع في خريف 1945، والثاني في صيف 1933، والثالث في شتاء 1926، والرابع في ربيع 1941. كلّ فصل فيها يؤرّخ لمرحلة من حياة بطله مع ممثلٍ مختلف في كل مرّة.

نتعرّف على مِيو في بداية الفيلم يُراقب من فوق هضبة مشرفة على الجيش النظامي، الذي يبحث عنه في قريته. يمضي مِيو يومين فوق الجبل وتحت المطر قبل أن يعود الفيلم به عندما كان لا يزال فتى صغيراً عليه أن يتخلّى عن كلبه بسبب أوامر رسمية. في مشهد لا يمكن نسيانه، يربط كلبه بجذع شجرة في الغابة ويركض بعيداً يلاحقه نباح كلب خائف، هذا قبل أن ينهار مِيو ويبكي. ينتقل الفيلم إلى شتاء 1926. هذه المرّة الحالة المعيشية لا تسمح لوالده بالاختيار، فيحمل جدُّ مِيو فوق ظهره لأعلى الجبل ليتركه ليموت هناك (نحو غير بعيد عمّا ورد في فيلم شوهاي إمامورا «موّال ناراياما» The Ballad of Narayama سنة 1988). وينتهي الفيلم بالانتقال إلى عام 1941 حيث الاحتفال الوارد في العنوان: أهالي القرى يسيرون في استعراضٍ ويرفعون أيديهم أمامهم في تحية للنازية.

«احتفال» معني أكثر بمراحل نمو بطله وعلاقاته مع الآخرين، وسط منطقة ليكا الجبلية الصعبة كما نصّت الرواية. ما يعنيه هو ما يُعانيه مِيو وعائلته وعائلة الفتاة التي يُحب من فقر مدقع. هذا على صعيد الحكاية وشخصياتها، كذلك وَضعُ مِيو وما يمرّ به من أحداث وسط تلك الطبيعة القاسية التي تُشبه قسوة وضعه. ينقل تصوير ألكسندر باڤلوڤيتش تلك الطبيعة وأجواءها الممطرة على نحوٍ فعّال. تمثيلٌ جيدٌ وناضجٌ من مجموعة ممثلين بعضُهم لم يسبق له الوقوف أمام الكاميرا، ومن بينهم كلارا فيوليتش التي تؤدي دور حبيبة مِيو، ولاحقاً، زوجته.

* عروض مهرجان زغرب (كرواتيا).