محمد السادس يأمل في تحويل منطقة الداخلة إلى قطب للتلاقي بين المغرب العربي وأفريقيا

وزير الخارجية المغربي لـ «الشرق الأوسط»: تصريحات نظيري الإسباني بشأن مشاركة ثباتيرو حسابات سياسية داخلية لا تهمنا

خوسيه لويس ثباتيرو رئيس وزراء إسبانيا السابق يلقي كلمة في الجلسة الافتتاحية لمنتدى كرانس مونتانا في الداخلة أمس («الشرق الأوسط»)
خوسيه لويس ثباتيرو رئيس وزراء إسبانيا السابق يلقي كلمة في الجلسة الافتتاحية لمنتدى كرانس مونتانا في الداخلة أمس («الشرق الأوسط»)
TT

محمد السادس يأمل في تحويل منطقة الداخلة إلى قطب للتلاقي بين المغرب العربي وأفريقيا

خوسيه لويس ثباتيرو رئيس وزراء إسبانيا السابق يلقي كلمة في الجلسة الافتتاحية لمنتدى كرانس مونتانا في الداخلة أمس («الشرق الأوسط»)
خوسيه لويس ثباتيرو رئيس وزراء إسبانيا السابق يلقي كلمة في الجلسة الافتتاحية لمنتدى كرانس مونتانا في الداخلة أمس («الشرق الأوسط»)

قال العاهل المغربي الملك محمد السادس في رسالة وجهها إلى المشاركين في الدورة التاسعة لمنتدى كرانس مونتانا العالمي، الذي بدأت أعماله أمس في مدينة الداخلة، ثاني أكبر مدن الصحراء، لبحث موضوع «أفريقيا.. التعاون الجهوي والتعاون جنوب - جنوب» إن المملكة المغربية تتطلع إلى استثمار الخصوصيات المحلية لكل منطقة من مناطقها، والنهوض بالحكامة المحلية الجيدة، وبلورة سياسات عمومية على صعيد الجهات، مشيرا إلى أن مصير مدينة الداخلة، هو أن تصبح منصة للمبادلات متعددة الأشكال، بين الفضاء الأطلسي، ومنطقتي المغرب العربي والساحل.
ووجه العاهل المغربي في رسالته، التي تلاها نيابة عنه رئيس الحكومة عبد الإله ابن كيران، تحية خاصة لجون بول كارترون، رئيس منتدى كرانس مونتانا، الذي نجح في وضع تجربته الغنية والمتنوعة في خدمة القضايا النبيلة، من خلال الحوار والتشارك.
وعد الملك محمد السادس موضوع التعاون جنوب - جنوب وتنمية أفريقيا، الذي اختاره المنتدى، بأنه يكتسي أهمية بالغة وآنية، ويعكس من دون شك «الطموح الذي يحدونا جميعا، لجعل القارة في صميم الاهتمامات الجيو - سياسية الدولية الكبرى». وقال العاهل المغربي إنه «لا بد للتعاون جنوب - جنوب أن يأخذ بعين الاعتبار المعطيات الجديدة التي أتى بها القرن 21. ويساير التوجهات الكبرى التي أفرزتها العولمة بكل تجلياتها».
وفي السياق ذاته، أشار العاهل المغربي إلى أنه ما فتئ يدعو إلى تعاون فعال ومتضامن من خلال التوظيف الأمثل للفرص التي يتيحها التعاون الثلاثي، سواء على المستوى الإقليمي، أو مع دول الشمال، شريطة أن ينخرط هذا التوجه ضمن مقاربة مبنية على الاحترام المتبادل والتوازن، ومراعاة مصالح كل الأطراف.
وتحدث العاهل المغربي عن أفريقيا، وقال إنها «هي التي دفعت أكثر من غيرها الثمن غاليا، خلال فترة الاستعمار، وإبان الحرب الباردة، وما زالت تعاني، للأسف الشديد، من آثارهما إلى يومنا هذا». وعلاوة على ذلك، يضيف ملك المغرب، تواجه القارة وضعا أمنيا هشا ومتفاقما. ذلك أن الكثير من المناطق الأفريقية، أضحت تعيش اليوم «تحت تهديد أخطار جديدة وعابرة للحدود، مثل الإرهاب والجريمة المنظمة، والاتجار في المخدرات والبشر، والتطرف الديني، وكل هذه التحديات الكبرى، تتطلب منا ردا جماعيا، وتدعونا للتفكير سويا والتشاور».
ومع ذلك فإن أفريقيا اليوم، يضيف العاهل المغربي، هي أيضا القارة التي تتوفر، أكثر من غيرها «على مؤهلات متعددة الأبعاد، تتيح آمال العالم في غد أفضل، مما يبعث على التفاؤل، ويغذي طموحاتنا وآمالنا المشتركة، حيث ارتفع حجم مبادلات القارة التجارية مع بقية العالم بأكثر من 200 في المائة خلال عام 2000. كما سيبلغ عدد سكان القارة ملياري نسمة بحلول سنة 2050، الشيء الذي سيمكنها من توظيف هذا الرصيد الديموغرافي الهائل، خاصة الشباب، لتعزيز موقعها على الخريطة الاقتصادية للعالم». وقال الملك محمد السادس إن أفريقيا توجد اليوم في مرحلة مفصلية من تاريخها، وتحتاج لوضع استراتيجيات وآليات مبتكرة لدعم مسيرتها نحو التقدم، وإلى الاستثمار على نطاق واسع في بنياتها التحتية، وتحسين ظروف عيش مواطنيها. وعلاوة على ذلك، فإن أفريقيا في أمس الحاجة إلى موارد طاقية لإنجاح جهودها التنموية. وفي هذا المجال بالذات، يقول العاهل المغربي، تتوفر القارة على موارد هائلة للطاقة المتجددة، التي ينبغي تعبئتها لتحقيق التنمية المستدامة، لا سيما مجالي الطاقة الريحية والشمسية.
وعلى صعيد ذي صلة، انتقد خوسي مارغايو، وزير الخارجية الإسباني، الأجندة الخارجية لرئيس الوزراء الأسبق، خوسي لويس ثباتيرو وسفرياته إلى الخارج، في إشارة إلى مشاركته في منتدى الداخلة. واعترف مارغايو في تصريح للصحافيين مساء أول من أمس، أن الزعيم الاشتراكي أخبر الخارجية الإسبانية بالسفر إلى الداخلة، لكنه لا يستطيع أن يمنعه من القيام بذلك، محملا المسؤولية الضمنية للأمين العام للحزب الاشتراكي بيدرو سانشيث. وعقد وزير الخارجية الإسباني مقارنة غريبة بين مشاركة ثباتيرو في منتدى الداخلة، وتطورات نزاع الصحراء، إذ رأى أنه ما دام للاتحاد الأفريقي موقف مناهض للمغرب ومؤيد لجبهة البوليساريو، فإن ذلك الموقف يجب أن يكون رادعا لأي مسؤول إسباني سابق أو حالي حتى لا يزور المناطق الجنوبية في المغرب (الصحراء). لكن رئيس الدبلوماسية الإسبانية أعاد إلى الأذهان موقف بلاده من نزاع الصحراء، مجددا التأكيد على أنها تؤيد حلا سلميا وعادلا في إطار الشرعية الدولية، لكنه لم ينور صحافة بلاده بموقف المغرب من الاتحاد الأفريقي.
ولوحظ أن موقف الخارجية الإسبانية يأتي في سياق حملة انتقادات موجهة ضد ثباتيرو، كونه يقوم بنشاط خارجي ترى الخارجية أنه يشوش عليها، مثل زيارته الأخيرة إلى كوبا، رفقة وزيره الأسبق في الخارجية ميغيل أنخيل موراتينوس، واجتماعهما في العاصمة هاڤانا بالرئيس الكوبي.
وردا على تصريحات مارغايو، قال وزير خارجية المغرب لـ«الشرق الأوسط» إن تصريحات نظيره الإسباني ليس لها أي أساس، معتبرا إياها نقاشا داخليا، وحسابات سياسية داخلية لا تهم المغرب ولا تهم منتدى كرانس مونتانا. وحيا مزوار ثباتيرو، وقال إنه رجل قناعات ورجل لديه حرية في ممارساته، معتبرا أن زيارته للمغرب ومشاركته في منتدى الداخلة تأتي في إطار علاقات الصداقة المتميزة التي كانت وما زالت تجمع ثباتيرو بالمغرب.
وطلب رئيس الدبلوماسية المغربية من نظيره الإسباني ألا يقحم المغرب في حسابات داخلية شدد على وصفها بأنها «حسابات سياسية داخلية سابقة لأوانها». كما أكد مزوار أن الموقف الجزائري المناهض لتنظيم منتدى كرانس مونتانا بهذه المدينة «مؤسف، والعالم ينظر له كموقف مثير للشفقة».
وقال مزوار في تصريحات صحافية إن سعي الجزائر إلى التعبئة على المستوى الدولي ضد احتضان مدينة الداخلة لهذا المنتدى يعد بمثابة «عجرفة أمام حدث طبيعي دعت له مؤسسة (كرانس مونتانا)، ويصب في خدمة المنطقة والمدينة وساكنتها». مبرزا أن احتضان مدينة الداخلة لهذا المنتدى الذي يعرف مشاركة دولية واسعة، يمثل «أحسن رد على من يسعون للتشكيك في قدرة الأقاليم الجنوبية للمملكة في ولوج الدينامية التنموية بعيدا عن محاولة تسميم الأجواء وتغليط الرأي العام».
يذكر أن قرار تنظيم منتدى كرانس مونتانا في مدينة الداخلة أثار انتقادات من طرف جبهة البوليساريو الداعية إلى انفصال الصحراء عن المغرب، ووجه رئيسها محمد عبد العزيز قبل أسابيع رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة اعتبر فيها أن تنظيم المنتدى في مدينة الداخلة يشكل خرقا للقانون الدولي.



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.