«العاصمة الإدارية الجديدة» باكورة مشروعات مؤتمر «مصر المستقبل»

تعتمد في تنفيذه على سياسة «الرابح ـ رابح» بتكلفة نحو 70 مليار دولار

ماكيت العاصمة الإدارية الجديدة باكورة مشروعات مصر المستقبل
ماكيت العاصمة الإدارية الجديدة باكورة مشروعات مصر المستقبل
TT

«العاصمة الإدارية الجديدة» باكورة مشروعات مؤتمر «مصر المستقبل»

ماكيت العاصمة الإدارية الجديدة باكورة مشروعات مصر المستقبل
ماكيت العاصمة الإدارية الجديدة باكورة مشروعات مصر المستقبل

أكد مسؤول مصري، أن المشروع الأول الذي عرضته القاهرة على المستثمرين والعالم في اليوم الأول لمؤتمر «مصر المستقبل» وهو «العاصمة الإدارية الجديدة»، وهو مشروع عملاق. وأضاف المسؤول لـ«الشرق الأوسط»، أن تنفيذ المشروع لن يكلف الخزينة المصرية أي شيء، وأن مجموعة من الشركات الاستثمارية الخاصة ستقوم بتنفيذ المشروع، على رأسها شركة إماراتية عملاقة.
وأوضح المسؤول أن المشروع هو جانب من الاستراتيجية المصرية الجديدة لفتح باب أمام القطاع الخاص للاستثمار في مجال البناء والإسكان على مستوى كبير جدا في مصر، مما يعد جانبا عمليا من تطبيق القوانين الجديدة الصديقة للمستثمر - على حد تعبيره، لافتا إلى أن مصر ستعتمد على سياسة «الرابح - رابح» بالنسبة لطرفي المعادلة الاقتصادية «الدولة والمستثمر» في الفترة المقبلة.
وعقب الجلسة الافتتاحية لمؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي، أمس، وانتهاء كلمات الوفود، استعرض وزير الإسكان المصري، مصطفى مدبولي، أول المشرعات التي تطرحها مصر على المؤتمر، وهو «مشروع العاصمة الإدارية الجديدة لمصر»، وهو يعد أحد أبرز المشروعات التي وضعت لها القاهرة تصورا لتدشين الاستثمار عبر المؤتمر.
من جانبه، قال المسؤول المصري، إن «المشروع يهدف إلى نقل كل الهيئات الإدارية لمصر من داخل العاصمة القاهرة، إلى المنطقة شرق العاصمة الحالية التي تمتد حتى حدود قناة السويس، ويشمل ذلك مختلف الوزارات ومقرات الحكومة ومقرات للسفارات. إضافة إلى إقامة مناطق كبرى مالية وإدارية وخدمية، إلى جانب مناطق سكنية، وأراض، معارض، وجامعات، وفنادق، موضحا أن العاصمة الإدارية الجديدة ستفوق في حجمها حجم القاهرة. وكان وزير الاستثمار المصري، أشرف سالمان، قد أشار إلى أن المشروع سيعرض للمناقشة مع الحكومة الإماراتية ومستثمرين غربيين، أغلبهم بريطانيون، موضحا أن الكلفة المتوقعة للمشروع تبلغ نحو 500 مليار جنيه مصري (نحو 70 مليار دولار)، والتصور العام أن يتم الانتهاء تماما من المشروع في خلال 12 عاما. وفي تعليق سابق، للدكتور مصطفى مدبولي على مشروع العاصمة الإدارية، أوضح أن أسلوب الشراكة التي تهدف إليه وزارة الإسكان يستهدف إما الحصول على نسب من الأرباح أو حصة بالمشروع في مقابل الأرض، في تطبيق مستحدث ومختلف عن «حق الانتفاع».
وعلى صعيد متصل، أكد الدكتور مدبولي، أمس، قبل انطلاق أعمال الجلسة الافتتاحية، أن وزارة الإسكان المصرية ستطرح خلال المؤتمر ما يقرب من 15 مشروعا في مجالات الاستثمار العقاري والبنية الأساسية ومشروعات تحليه مياه البحر، فضلا عن إنشاء محطات الصرف الصحي، مشيرا إلى أن «أصغر مشروع من هذه المشروعات المطروحة يبلغ تكلفته ما يقرب من المليار دولار». وأضاف مدبولي أنه من بين هذه المشروعات تم الاتفاق بالفعل على توقيع 6 مذكرات تفاهم مع مجموعات من المستثمرين العرب والمصريين، معربا عن أمله في إتمام الاتفاق على كل المشروعات بعد الانتهاء من المؤتمر. وأشار الوزير إلى أن الدولة تنفذ أكبر برنامج إسكان على مستوى العالم، وهو ما يطلق عليه «الإسكان الاجتماعي» أو مشروع المليون وحدة سكنية، مشيرا إلى أن 250 ألف وحدة تم الانتهاء من إنشائها حتى الآن، مضيفا أن هذا المشروع يحتاج إلى حجم استثمارات من الصعب أن تتحملها الموازنة العامة للدولة، مؤكدا أن المنفذ الوحيد لتنفيذ مثل هذا المشروع الضخم هو طرح مثل هذه المشروعات أمام المستثمرين خلال المؤتمر الاقتصادي، موضحا أن العائد من هذه المشروعات سيتم ضخه في بناء إسكان محدودي «الدخل والشباب».
من جانبه، أشار أشرف سالمان، وزير الاستثمار، في مقابلة له مع شبكة «بلومبرغ» الإخبارية، في وقت سابق من الشهر، إلى أنه من المتوقع أن يبلغ حجم العاصمة الجديدة نفس العاصمة القديمة.
وعن تمويل المشروع، ذكر سالمان، أنها ستكون شركات خاصة من متعهدين، ومستثمرين أجانب، مشيرا إلى منح الحكومة فرصا كبيرة للقطاعات الخاصة للاستثمار في مصر، من أجل عمل إصلاحات جديدة، وفتح أسواق جديدة، بالإضافة إلى عدم الرغبة في اللجوء للميزانية المصرية، التي لن تتحمل مشروعا ضخما مثل هذا، نظرا لوجود هيكلة إصلاحية في الميزانية.
وقال وزير الإسكان المصري على هامش «مؤتمر دعم وتنمية الاقتصاد المصري»، إن الوزارة ستوقع 6 مذكرات لعدد من مشروعات مع المستثمرين العرب خلال المؤتمر، مضيفا أن الوزارة تستهدف عرض 11 مشروعا إسكانيا خلال المؤتمر الاقتصادي، وأن هناك 250 ألف مشروع إسكاني تحت الإنشاء، وسيتم طرح 11 مشروعا بالمؤتمر الاقتصادي أحدها بتكلفة 150 مليار جنيه. وتابع: «هدفنا من المشروعات التي ستطرح خلال المؤتمر الاقتصادي خلق مئات الآلاف من فرص العمل للشباب».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.