خلدة اللبنانية تستعيد هدوءها بعد اشتباكات «حزب الله» مع عشائر

جنود ومسعفون في خلدة حيث اندلع اشتباك أول من أمس (أ.ب)
جنود ومسعفون في خلدة حيث اندلع اشتباك أول من أمس (أ.ب)
TT

خلدة اللبنانية تستعيد هدوءها بعد اشتباكات «حزب الله» مع عشائر

جنود ومسعفون في خلدة حيث اندلع اشتباك أول من أمس (أ.ب)
جنود ومسعفون في خلدة حيث اندلع اشتباك أول من أمس (أ.ب)

عاد الهدوء الحذر إلى منطقة خلدة (جنوب بيروت) بعد اشتباكات سقط فيها قتلى وجرحى شهدتها أول من أمس (الأحد) بين عناصر من «حزب الله» وسكان من المنطقة ينتمون إلى عشائر عربية تعرف بـ«عرب خلدة»، وذلك في أثناء جنازة عائدة للعضو في الحزب علي شبلي الذي قُتل ليل السبت في عملية ثأرية مع العشائر لإطلاق النار.
وأعلن الجيش اللبناني الذي عمل أمس (الاثنين) على تسيير دوريات في منطقة خلدة أنّ دورية من مديرية المخابرات دهمت منازل عدد من المطلوبين في المنطقة، وأوقفت أحد المتورطين (أ. ش) في إطلاق النار الذي حصل يوم الأحد باتجاه موكب تشييع شبلي، وأدى إلى سقوط عدد من الضحايا والجرحى، مضيفًا أنه بوشر التحقيق مع الموقوف بإشراف القضاء المختص، وتجري المتابعة لتوقيف باقي المتورطين.
وكذلك انتشر في «تويتر» مقطع فيديو لعناصر من مخابرات الجيش يقتادون شخصاً قيل إنه الشيخ عمر غصن ونجله على خلفية ما حدث في منطقة خلدة بعد تحصنه في أحد مساجد المنطقة التي طوقها الجيش مطالبا إياه بتسليم نفسه.
ويعد غصن من أبرز الوجوه في عشائر عرب خلدة، وكان تكرّر اسمه في الأحداث الأمنية السابقة التي حصلت في المنطقة بين العشائر و«حزب الله» كـ«واحد من الأشخاص الأساسيين في إدارة الاشتباكات».
وكلف مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية بالإنابة، القاضي فادي عقيقي، مخابرات الجيش إجراء التحقيقات الأولية والتحريات والاستقصاءات اللازمة لتوقيف المتورطين في أحداث خلدة، بدءاً من قتل المواطن شبلي، وصولاً إلى الاشتباكات التي حصلت أول من أمس، وتحديد هويات المسلحين الذين اشتركوا في الاشتباكات التي أسفرت عن سقوط ضحايا وتوقيفهم. وأمر عقيقي بإجراء مسح ميداني لمسرح الاشتباكات، وطلب من قوى الأمن الداخلي إيداعه المحاضر التي أعدتها بخصوص هذه الأحداث.
وكان القاضي عقيقي قد باشر التحقيقات الأولية منذ مساء أول من أمس، بإشراف مباشر من النائب العام التمييزي، القاضي غسان عويدات، الذي أعطى توجيهاته اللازمة بذلك.
وكانت منطقة خلدة قد شهدت يوم الأحد اشتباكات مسلحة بين أشخاص منتمين إلى «عرب خلدة» وعناصر من «حزب الله» بعد يوم من مقتل شبلي على يد أحد أبناء «عرب خلدة»، في عملية ثأرية لأخيه الذي قتل منذ عام خلال اشتباكات مع «حزب الله».
وفيما تحدث «حزب الله» عن كمين مدبر نصب له في أثناء تشييع شبلي عند وصول موكب الجنازة إلى منزل العائلة في منطقة خلدة، حيث تعرض المشيعون إلى إطلاق نار كثيف من قبل المسلحين في المنطقة، نفت العشائر العربية الأمر، مشيرة في بيان لها إلى أن عشائر عرب خلدة فوجئت بأن موكب تشييع شبلي، بدلاً من أن يسلك طريقه مباشرة إلى الجنوب، عرج بشكل مفاجئ على منطقة خلدة، حيث أقدمت زمرة من المشيعين المدججين بالسلاح على إطلاق النار في الهواء بشكل استفزازي مقصود، الأمر الذي روع أبناء العشائر العربية، وأدى إلى تفلت زمام الأمور، وخروج الوضع عن السيطرة، فحدث ما حدث.
وتتواصل التحذيرات من خطورة التفلت الأمني. وفي الإطار، عد المكتب السياسي لـ«حركة امل» أن الإرباك الأمني المشبوه الذي حصل في خلدة في لحظة وطنية حساسة يصب في خدمة مشاريع تستهدف أمن البلد، وتسهم في توتير الأجواء، بما يهدد الاستقرار. ووصفت «أمل»، في بيان لها، ما حصل في خلدة بالقطوع الأمني الكبير الخطير الذي هز الاستقرار عبر كمين استهدف آمنين في أثناء التشييع، مطالبة وضع طريق الجنوب بعهدة الجيش والقوى الأمنية، والإسراع في القبض على المرتكبين، وإحالتهم أمام القضاء المختص.
بدوره، عد عضو «اللقاء الديمقراطي» (تضم نواب الحزب التقدمي الاشتراكي) النائب بلال عبد الله أن حماية السلم الأهلي هي المهمة الوطنية الأسمى التي ينبغي تحصينها عبر المعالجات السريعة لكل الحوادث التي يمكن أن تعكر صفو الوحدة الداخلية، مضيفاً في تغريدة له أن ‏الدولة، عبر القضاء والمؤسسات الأمنية، هي الخيار والملاذ لتثبيت مفهوم العدالة، ومحاسبة المرتكبين لأي جهة انتموا.
‏وأكد عضو «تكتل الجمهورية القوية» (تضم نواب القوات) النائب شوقي الدكاش أن كل من يقدر الجيش فعلاً، وتضحيات أبطاله وصمودهم، خصوصاً في هذه الأيام الصعبة، يترك له وحده الإمرة العسكرية وحصرية حمل السلاح، مضيفاً في تغريدة له أن أي كلام غير ذلك هو كلام في الهواء.



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.