انفجار المرفأ خلف مئات المعوقين المتروكين لمصيرهم

عباس مظلوم أحد مصابي التفجير (الشرق الأوسط)
عباس مظلوم أحد مصابي التفجير (الشرق الأوسط)
TT

انفجار المرفأ خلف مئات المعوقين المتروكين لمصيرهم

عباس مظلوم أحد مصابي التفجير (الشرق الأوسط)
عباس مظلوم أحد مصابي التفجير (الشرق الأوسط)

لا يشبه وجع فاطمة.ج (40 عاماً) والتي خسرت يدها اليمنى جراء انفجار مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس (آب) 2020 أي وجع آخر. فهي خسرت مع يدها ومنزلها الواقع في منطقة الكرنتينا المتاخمة للمرفأ والذي تدمر بالكامل، كل تعلق بالحياة بعدما اضطرت للانتقال مع أولادها الأربعة إلى منزل شقيقتها المتواضع الذي تعيش فيه مع زوجها وأولادها الخمسة ما يجعل ظروفها صعبة جداً.
فاطمة التي تقول إنها اعتادت لبس الألوان والاهتمام بشكلها الخارجي باستمرار، تقر بأنها لم تعد تعرف نفسها إذا نظرت في المرآة. وتضيف في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «فقدت أغلى ما أملك... يدي التي كنت أقوم بها بكل الأعمال الصغيرة والكبيرة... يدي التي أغمر بها أولادي…» لافتة إلى أن خسائرها لم تقتصر على يدها ومنزلها، فهي أيضاً خسرت عملها كمساعدة في إحدى المدارس وباتت اليوم وهي المعيلة الواحدة لعائلتها من دون عمل.
اليأس الذي تغلغل عميقاً في فاطمة طغى على ملامحها وأفكارها... هي تقول إنها لم تعد تفكر إلا بالهجرة مع أولادها «لأن لا أمل في هذا البلد لا بمعرفة الحقيقة ولا بتحقيق العدالة»، وتضيف: «لم تعد تعني لي الحياة شيئاً... أنا شخص يعد الأيام وينتظر الموت».
وتشير رئيسة الاتحاد اللبناني للأشخاص المعوقين حركياً سيلفانا اللقيس إلى أن «عدد الذين أصيبوا بإعاقات جراء الانفجار يبلغ ما بين 800 و1000 شخص، بينهم من أصيب بإعاقات دائمة وآخرين بإعاقات مؤقتة تحتاج علاجاً طويلاً يمكن أن يتحسنوا ولو جزئياً بعده»، موضحة أن «بعض من فقدوا نظرهم مثلاً قد يتمكنون بعد علاج طويل أن يستعيدوه بنسبة معينة، لكن بالمطلق عندما نتحدث عن إعاقات مؤقتة فيعني ذلك العيش بحالة إعاقة أقله لعامين». وتلفت اللقيس في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن أبرز الإعاقات التي تم تسجيلها جراء الانفجار هي فقدان أعين، بتر أطراف، فقدان للسمع، شلل كامل، شلل جزئي، تشوه كلي بالوجه…لافتة إلى الوضع الصعب الذي يرزح تحته المصابون بحيث إن «الدولة غائبة بالكامل عن تغطية تكاليف علاجهم، فلا الضمان الاجتماعي يغطي التكاليف ولا شركات التأمين بحيث يطلب من المصابين دفعها على أن يحصلوا عليها بوقت لاحق وفق تسعيرات أقل بكثير من التسعيرات الجديدة ما يؤدي لتكبدهم فروقات كبيرة». وتضيف اللقيس: «بدلاً من أن تخرج وزارة الصحة لتقول إن كل هذا ليس ضمن إمكاناتها وصلاحياتها كان الحري بها وبالوزارات المعنية أمام كارثة بحجم كارثة انفجار المرفأ أن تدفع باتجاه تخصيص موازنة للجرحى للعلاج والتعويض عليهم» مشددة على أن «القانون 220-2000 المتعلق بحقوق ذوي الحاجات الخاصة بقي حبراً على ورق، وللأسف يتم استخدامه اليوم لتبرير عدم إعطاء الجرحى والمعوقين حقوقهم».
ولحسن حظ عباس مظلوم (44 عاماً) الذي كان يعمل كـ«شيف» في أحد مطاعم بيروت والذي أصيب بشلل جراء الانفجار، فإن رب عمله لم يتخل عنه منذ عام وهو يواظب على إعطائه راتبه الشهري رغم عدم توجهه إلى العمل وانشغاله بعلاجه الطويل. عباس المعيل الوحيد لأولاده الخمسة تحدث لـ«الشرق الأوسط» عن أوجاع لا تفارقه في ظهره ورجليه منذ الصيف الماضي، لافتاً إلى أن أحد الأطباء نصحه بالاعتياد على الوجع والتآخي معه لأنه قد لا يكون هناك أي دواء لحالته. ويضيف مظلوم: «طلبت منه أن يعمد لإزالة أي عضو في جسدي يوقف الوجع لكنه رفض... هناك أطباء قالوا لي إنني قد أستعيد قدرتي على المشي بعد عام ونصف أما آخرون فقالوا إنهم سيصارحونني بالحقيقة المُرة ومفادها أنني لن أمشي من جديد». ولم يعد الراتب الذي يقبضه يكفي لإعالة عائلته ودفع تكاليف العلاج... هو يشعر كما كل جرحى انفجار المرفأ أنهم متروكون لمصيرهم...
وقد أودى انفجار مرفأ بيروت بحياة 214 شخصاً وأصيب فيه أكثر من 6500 شخص، ودمّر أحياءً عدة في المدينة. وعزته السلطات إلى انفجار أطنان من مادة نيترات الأمونيوم المخزنة منذ عام 2014 في العنبر رقم 12 في المرفأ.



انقلابيو اليمن يبطشون بصغار الباعة في ذمار

اتهامات لجماعة الحوثي بتعمد البطش بالسكان في ذمار (إكس)
اتهامات لجماعة الحوثي بتعمد البطش بالسكان في ذمار (إكس)
TT

انقلابيو اليمن يبطشون بصغار الباعة في ذمار

اتهامات لجماعة الحوثي بتعمد البطش بالسكان في ذمار (إكس)
اتهامات لجماعة الحوثي بتعمد البطش بالسكان في ذمار (إكس)

تواصلاً لمسلسل انتهاكات الجماعة الحوثية الذي كانت بدأته قبل أسابيع في صنعاء وإب، وسّعت الجماعة من حجم بطشها بصغار التجار وبائعي الأرصفة في أسواق محافظة ذمار وشوارعها، وفرضت عليهم دفع إتاوات تحت مسميات غير قانونية. وفق ما ذكرته مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط».

وأكدت المصادر أن الحملات التي شارك فيها مسلحون حوثيون مدعومون بعربات عسكرية وجرافات وشاحنات، جرفت المتاجر الصغيرة وصادرت 40 عربة لبائعين متجولين بما فيها من بضائع في مدينة ذمار وعلى طول الشارع العام الرابط بين صنعاء ومحافظتي إب وتعز.

جانب من حملة حوثية استهدفت السكان وممتلكاتهم في ذمار (فيسبوك)

وجاءت الحملة التعسفية بناءً على مخرجات اجتماع ضم قيادات حوثية تُدير شؤون محافظة ذمار، (100 كيلومتر جنوب صنعاء) نصت على قيام ما تسمى مكاتب الأشغال العامة والمرور وصندوق النظافة والتحسين وإدارة أمن ذمار باستهداف صغار الباعة في المدينة وضواحيها قبيل انتهاء العام الحالي.

وبرّرت الجماعة الانقلابية حملتها بأنها للحفاظ على ما تسميه المنظر العام للشوارع، وإزالة العشوائيات والاختناقات مع زعمها بوجود مخالفات.

واشتكى مُلاك متاجر صغيرة، طالهم التعسف الحوثي لـ«الشرق الأوسط»، من ابتزاز غير مسبوق على أيدي مشرفين ومسلحين يجمعون إتاوات بالقوة تحت مسميات عدة.

وذكروا أن مسلحي الجماعة دهموا شوارع وأسواق شعبية في مناطق عدة بذمار، وباشروا بجرف المتاجر ومصادرة عربات البائعين واعتقلوا العشرات منهم عقب رفضهم دفع مبالغ مالية «تأديبية».

وأجبر الوضع المتردي كثيراً من السكان في ذمار ومدن أخرى تحت سيطرة الجماعة على العمل بمختلف المهن، حيث يعجّ الشارع الرئيسي للمدينة وشوارع فرعية أخرى منذ سنوات عدة بآلاف العاملين بمختلف الحِرف جُلهم من الشباب والأطفال والنساء؛ أملاً في توفير لقمة العيش.

انتهاكات ممنهجة

ويصف عبد الله (30 عاماً) وهو مالك متجر صغير، ما يتعرض له صغار الباعة من حرب شعواء من قِبل الجماعة الحوثية بأنه «انتهاكات ممنهجة» بقصد التضييق عليهم ودفعهم إلى الالتحاق ببرامج التعبئة العسكرية.

ويشير مراد، وهو مالك عربة متجولة إلى أنه تمكن من استعادة عربته من بين أيدي عناصر حوثيين بعد مصادرتها مع عربات بائعين آخرين في سوق شعبية وسط المدينة، وأكد أن ذلك جاء بعد استجابته بدفع مبلغ مالي لمسلح يُشرف على تنفيذ الحملة الاستهدافية.

الحوثيون صادروا عربات باعة بزعم التهرب من دفع إتاوات (فيسبوك)

وليست هذه المرة الأولى التي تستهدف فيها الجماعة صغار الباعة بذمار، فقد سبق لها أن نفذت منذ مطلع العام الحالي ما يزيد على 6 حملات للبطش والتنكيل بالمئات منهم؛ بغية إرغامهم على دفع إتاوات.

وكان الانقلابيون الحوثيون أطلقوا قبل نحو شهر حملة استهدفت بالتعسف والابتزاز تجاراً وبائعين في سوق «المثلث» بمدينة ذمار، أسفر عنها جرف متاجر صغيرة ومصادرة عربات وإتلاف بضائع.

وسبق للباعة الجائلين أن طالبوا مرات عدة سلطات الانقلاب في ذمار بتوفير أسواق بديلة لهم، بدلاً من الحملات التي تُشنّ عند كل مناسبة طائفية بهدف جمع أكبر قدر من المال.