السفير الأميركي في بغداد يفتح باب المواجهة مع الفصائل المسلحة

تولر أكد تمسك واشنطن بشراكة قوية مع بغداد وحق الدفاع عن النفس

السفير الأميركي في بغداد يفتح باب المواجهة مع الفصائل المسلحة
TT

السفير الأميركي في بغداد يفتح باب المواجهة مع الفصائل المسلحة

السفير الأميركي في بغداد يفتح باب المواجهة مع الفصائل المسلحة

يبدو أن بيان تحالف «الفتح» الذي رحب بمخرجات الحوار الاستراتيجي بين بغداد وواشنطن لا يزال يلقي بظلاله على العلاقة بين مكونات هذا التحالف. «عصائب أهل الحق»، من مكونات الفتح، رفضت نتائج الحوار وزيارة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي إلى واشنطن ووصفت البيان الأميركي - العراقي المشترك بأنه مجرد «خديعة».
الفصائل الأخرى وإن أعلنت رفضها هي أيضا لكنها لم تستأنف ضرباتها على ما تسميه هي أهدافا أميركية، بما في ذلك ما قيل إنها صواريخ على المنطقة الخضراء قبل أيام، لكن ظهر أنه صاروخ كاتيوشا واحد سقط في حي المنصور البعيد عن المنطقة الخضراء بعدة كيلومترات مع أن منطقة انطلاقه وهي شارع فلسطين تعد من الأماكن التي كثيرا ما وجدت القوات الأمنية العراقية فيها سابقا منصات إطلاق صواريخ على موقع السفارة الأميركية في المنطقة الخضراء.
الصمت الذي تبدو عليه الفصائل الرافضة لمخرجات الحوار الاستراتيجي لا تفسير له حتى الآن في وقت تتزايد مساحة التأييد لنتائج زيارة الكاظمي الذي استضاف مساء أول من أمس اجتماعا في القصر الحكومي لعدد من القوى السياسية العراقية بحضور رئيسي الجمهورية برهم صالح والبرلمان محمد الحلبوسي كانت الفقرة الرئيسية فيه هي الحوار الاستراتيجي مع واشنطن، فضلا عن الانتخابات التي أعلنت واشنطن دعمها اللامحدود لإجرائها في موعدها المحدد.
وبينما لا تزال الفصائل تحجم عن الرد، وهو أمر يعزوه بعض المراقبين إلى زيارة سرية قام بها قائد فيلق القدس التابع لـ«الحرس الثوري» الإيراني، إسماعيل قاآني لساعات إلى بغداد، أدت إلى تأجيل المواجهة،، فإن الكاظمي بدا منتصرا أمام من شارك في اجتماع القصر الحكومي وهو يتناول مجريات ما جرى مع الرئيس الأميركي جو بايدن في البيت الأبيض. وطبقا للبيان الصادر عن مكتبه الإعلامي فإن الكاظمي أكد أن «نتائج جولات الحوار الاستراتيجي مع الولايات المتحدة خلصت إلى عدم وجود القوات القتالية في العراق نهائياً في نهاية العام الحالي، وأن تتحول العلاقة بين الجانبين إلى علاقة خاصة بالتدريب، والتعاون الأمني، والاستخباري فقط؛ وبهذا المعنى فإنه في 31 ديسمبر (كانون الأول) من العام 2021 سيعود العراق بعلاقته مع الولايات المتحدة إلى ما قبل الطلب الرسمي بقدوم هذه القوات في عام 2014، والعودة إلى الصيغة الطبيعية للعلاقة التي صوت عليها مجلس النواب العراقي وأُقرت باسم (اتفاقية الإطار الاستراتيجي)».
وعند هذه النقطة فإن الكاظمي رمى الكرة في ملعبي سلفيه رئيسي الوزراء السابقين نوري المالكي، الذي لم يحضر الاجتماع وكان دعا في نهايات حكمه عام 2014 الأميركيين إلى العودة، وحيدر العبادي، الذي كان حاضرا الاجتماع وجدد الدعوة الرسمية مما دعا الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما إلى إرسال قوات قتالية إلى العراق لمحاربة «داعش». الكاظمي لم يتوقف عند هذا الحد، فطبقا لما ورد في البيان فإنه حصل من الحاضرين بمن فيهم قادة من كتل مختلفة بينهم الفتح (هادي العامري، وفالح الفياض وهمام حمودي وعدنان فيحان) على تأييد رسمي، حيث أكد المجتمعون ليس على «تأييد نتائج الحوار والنقاط التي وردت في البيان المشترك» فحسب، بل إنهم ذهبوا بعيدا في التأييد حين عدوا ما حصل بأنه «ينسجم مع الثوابت الوطنية العراقية، ومع مقتضيات السيادة الوطنية، والأمن القومي، ومحاربة الإرهاب»، فضلا عن بناء «علاقات وطيدة ومثمرة بين البلدين الصديقين» أي العراق والولايات المتحدة الأميركية.
لا أحد يعرف إن كانت صياغة البيان الحكومي تمت بالاتفاق مع جميع من حضر أي أولئك الذين لا مشكلة لهم مع إقامة مثل هذه العلاقة الوطيدة مع أميركا أو الذين لا يريدون بناء أي علاقة معها وعلى أي مستوى.
المفاجأة جاءت من السفير الأميركي ماثيو تولر الذي قال في تصريحات صحافية له أمس في بغداد مستعرضا الحوارات التي أجراها الكاظمي مع الرئيس بايدن: «ذكرنا في البيان الختامي أننا سنقوم بتغيير وتشكيل القوات الأميركية في العراق، وهذا لا يعني مغادرتها ولكن تحويل مهامها من القتالية إلى استشارية تدريبة»، مبينا أنه «سيبقى جزء من القوات الأميركية في العراق لتقديم الدعم الاستخباراتي وتدريب القوات العراقية وتقديم المشورة لهم». وتبدو عبارة تغيير المهام القتالية أنها لا تعني المغادرة وهو الذي كان موضع الخلاف مع الفصائل المسلحة التي تشكك دائما في نوايا الولايات المتحدة لجهة الانسحاب من العراق.
وعلى صعيد محاربة «داعش» وهو الموضوع الخلافي الآخر مع الفصائل المسلحة القريبة من إيران التي ترى أن أميركا هي من تساعد «داعش» ولا تحاربها، أعلن السفير تولر أن «هناك حوارات مستمرة بين القادة في العمليات المشتركة العراقية والجانب الأميركي لتحديد العمل بدقة في مقاتلة (داعش)، ونناقش أيضا ما هو التهديد وما هي الأمور التي يمكن تقديمها لمساعدة العراق على الخلاص من (داعش)».
وفيما عد تولر الوجود الأميركي في العراق لمواجهة «داعش» بأنه وجود قانوني فإنه قال: «المجاميع المسلحة نعتبرها قوى داخلية هي مشكلة، وبعض من جيران العراق يعتبرون أن الدولة العراقية هي دولة ضعيفة لذا يحاولون التدخل وفرض إرادتها وأجندتها فيها»، مبينا أن «بعض المجاميع المسلحة التي تسمي نفسها مقاومة هي مؤدلجة وممولة من الجارة إيران، وفي الشمال أيضا هناك (حزب العمال الكردستاني). لو كانت هناك دولة قوية لقاتلته ومنعته من الوجود في الأراضي العراقية».
وتابع تولر قائلا إن «المجاميع المسلحة تدعي أنها تقاتل الاحتلال الأميركي، وهذا الاحتلال غير موجود»، مبينا أن «لديهم أجندات سياسية وخارجية طائفية والعراقيون يعرفون ذلك». وبشأن إمكانية المواجهة مع الفصائل المسلحة يقول تولر: «نحن نحتفظ بالدفاع عن النفس عند الضرورة لكننا نتطلع إلى العمل الحكومي في ردع المجاميع المسلحة وإيقاف تلك الهجمات».



مشروع قانون مصري يوسّع مظلة المستفيدين من «الدعم النقدي»

مجلس النواب المصري خلال مناقشة قانون الضمان الاجتماعي الجديد (وزارة الشؤون النيابية)
مجلس النواب المصري خلال مناقشة قانون الضمان الاجتماعي الجديد (وزارة الشؤون النيابية)
TT

مشروع قانون مصري يوسّع مظلة المستفيدين من «الدعم النقدي»

مجلس النواب المصري خلال مناقشة قانون الضمان الاجتماعي الجديد (وزارة الشؤون النيابية)
مجلس النواب المصري خلال مناقشة قانون الضمان الاجتماعي الجديد (وزارة الشؤون النيابية)

عقب «موافقة مبدئية»، يواصل مجلس النواب المصري (البرلمان)، مناقشة مشروع قانون «الضمان الاجتماعي والدعم النقدي»، الذي قدَّمته الحكومة، بهدف «توسيع مظلة الدعم النقدي» للفئات الفقيرة.

وأقرَّ «النواب»، مبدئياً مشروع القانون، الأحد الماضي، في حين واصل أعضاؤه مناقشة نصوصه، على مدار يومَي الاثنين والثلاثاء. وقالت وزيرة التضامن الاجتماعي المصرية، مايا مرسي، إن «القانون يعمل على تحقيق العدالة الاجتماعية، ويستهدف مأسسة منظومة الدعم النقدي، بتحويل المنظومة من مجرد برنامج ومبادرات مثل (تكافل وكرامة) إلى حق ينظمه القانون»، وفق بيان لوزارة التضامن.

وأقرَّت الحكومة المصرية عام 2015، برنامجاً للحماية الاجتماعية باسم «تكافل وكرامة» لتقديم دعم نقدي بشكل شهري للفئات الأكثر فقراً. ويصل عدد المستفيدين منه 21 مليوناً، جرى تخصيص 41 مليار جنيه مصري لهم، في موازنة العام المالي، وفق وزارة التضامن المصرية (الدولار يوازي 49.6 جنيه مصري).

ووفق البيان، عدَّدت وزيرة التضامن، أهداف التشريع الجديد، ومنها «استدامة دعم الفئات الأكثر احتياجاً، وحوكمة الدعم، والتحقق من المستفيدين سنوياً»، إلى جانب «ضمان أن يكون الدعم مقدماً من موازنة الدولة، وليس من خلال قروض ومنح مؤقتة».

وأشارت إلى أن «التشريع الجديد، يلتزم بمعايير حقوق الإنسان، بتوفير الحماية الاجتماعية والتكافل الاجتماعي لكل شخص بالمجتمع».

ومن المواد التي أقرَّها مجلس النواب، الثلاثاء، أن «لكل مواطن تحت خط الفقر القومي، ولا يتمتع بنظام التأمين الاجتماعي، الحق في التقدم للحصول على دعم نقدي»، كما أقرَّ نصّاً بشأن «درجة الفقر للأفراد والأسر بناء على خريطة الفقر والمؤشرات الدالة عليه»، على أن تحدد اللائحة التنفيذية للقانون درجات الفقر، والإجراءات المتبعة لمَن يستحق الدعم النقدي.

ووفق تقرير للبنك الدولي، في مايو (أيار) الماضي، ارتفع معدل الفقر في مصر، من 29.7 في المائة في العام المالي 2019 - 2020، إلى 32.5 في المائة عام 2022.

ويمثل مشروع القانون، «استحقاقاً دستورياً»، وفق وزير الشؤون النيابية والقانونية والتواصل السياسي بمصر، المستشار محمود فوزي، الذي أشار إلى أن «التشريع يستهدف مدَّ مظلة الضمان الاجتماعي، واستكمال الاستحقاقات الدستورية المتعلقة بشبكة الأمان الاجتماعي، والتوسع في مفهوم الفئات الأولى بالرعاية والحماية، باستحداث وضم وشمول فئات جديدة، لم تكن مستفيدة»، وفق إفادة لوزارة الشؤون النيابية.

وكانت الحكومة المصرية، أحالت التشريع الجديد، إلى البرلمان، في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي.

وحسب تقرير لجنة التضامن بالبرلمان المصري، فإن القانون يستهدف «حماية الأسر الأفقر، والأقل دخلاً»، إلى جانب «كفالة حقوق ذوي الإعاقة، وكبار السن، والأيتام»، بجانب «إلزام الأسر المستفيدة من الدعم، بالاستثمار في صحة الأطفال، وانتظامهم في التعليم»، ولا يتوقف القانون عند تقديم الدعم، ولكنه يهدف إلى «التمكين الاقتصادي لهذه الفئات، للخروج تدريجياً من الفقر».

بدوره، يرى عضو البرلمان المصري ومقرر لجنة أولويات الاستثمار بالحوار الوطني، أيمن محسب، أن «التشريع الجديد سيسهم في تحسين شبكة الأمان الاجتماعي وتوسيع مظلته، لتشمل جميع الفئات الأولى بالدعم، وكفالة حقوقهم»، مشيراً إلى أن «القانون يتسق مع خطوات الإصلاح الاجتماعي التي تسعى لها الحكومة المصرية حالياً».

وينصُّ مشروع القانون على نوعين من المساعدات النقدية: الأول، يشمل دعماً نقدياً مشروطاً (تكافل)، ويُقدَّم للأسر الفقيرة، بما فيها الأسر التي لديها أبناء، أما الدعم الثاني فهو غير مشروط (كرامة)، ويُقدَّم للأفراد الفقراء من ذوي الإعاقة والمرضى وقدامى الفنانين والرياضيين والأدباء، وأسند القانون، لرئيس الوزراء، قرار تحديد قيمة الدعم النقدي، على أن تتم مراجعة القيمة كل 3 سنوات.

وقال محسب لـ«الشرق الأوسط»، إن «التشريع الجديد، يمهِّد الطريق أمام الحكومة المصرية، للتحول إلى نظام الدعم النقدي بدلاً من العيني». وأعاد ذلك إلى أن «القانون ينص على حوكمة برامج الدعم المُقدَّمة للحماية الاجتماعية، ويعتمد على قواعد بيانات دقيقة يتم تحديثها بشكل دوري، وسيتم ربطها بالمتغيرات الاقتصادية مثل معدلات التضخم»، عادّاً أن تلك الإجراءات، «من بين خطوات تطبيق الدعم النقدي».

وتتزامن مناقشات التشريع الجديد، مع مناقشات أخرى أعلنتها الحكومة المصرية، داخل «الحوار الوطني» (الذي يضم شخصيات عامة وحزبية وأكاديميين)، مع خبراء ومتخصصين، لبحث التحول من نظام الدعم العيني إلى نظام الدعم النقدي للفئات الأولى بالرعاية.

وتتطلع الحكومة المصرية لبدء تطبيق منظومة الدعم النقدي، مع العام المالي الجديد، بداية من يوليو (تموز) 2025. وقال رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، بداية شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، إن «بلاده قد تبدأ في التحول من دعم السلع الأولية الأساسية، إلى تقديم مساعدات نقدية مباشرة، للفئات الأولى بالرعاية»، وربط البدء في التطبيق «بالتوصل إلى توافق في الآراء بشأن قضية الدعم النقدي في الحوار الوطني».

وتُطبِّق الحكومة المصرية منظومةً لدعم السلع الضرورية منذ عقود طويلة، بهدف خفض نفقات المعيشة للفئات الأولى بالرعاية، ويحصل المواطن على السلع المدعمة من خلال منظومة البطاقات التموينية، لكن الحكومات المتعاقبة تشكو من الأعباء الاقتصادية لمنظومة الدعم على الموازنة العامة، في ظل التوسع في عدد السلع المدعمة خلال السنوات الماضية.

من جهته، ينظر مدير «مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية»، عبد المنعم السيد، إلى مشروع القانون بوصفه «منظماً لسياسات الحماية الاجتماعية في مصر»، مشيراً إلى أن «القانون يختلف في نصوصه عن تشريعات مماثلة في دول أخرى، وفق الأولويات الاقتصادية والاجتماعية في مصر».

ويرى السيد، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن التشريع «يحقق مرونة أمام الحكومة المصرية في تقديم الدعم النقدي خلال الأزمات والكوارث الطبيعية والأوبئة، كما حدث في جائحة (كورونا)»، مضيفاً أنه «يشمل تحت مظلته، فئات تتضرر بشكل مفاجئ مثل العاملين في القطاعات غير الرسمية، والذين يفقدون وظائفهم».