نازحون شمال سوريا قلقون من «توطين دائم» بعد بناء وحدات سكنية بدل الخيام

«الشرق الأوسط» تستطلع آراء مشردين قرب الحدود التركية

وحدة سكنية دائمة بنيت في ريف إدلب شمال سوريا (الشرق الأوسط)
وحدة سكنية دائمة بنيت في ريف إدلب شمال سوريا (الشرق الأوسط)
TT

نازحون شمال سوريا قلقون من «توطين دائم» بعد بناء وحدات سكنية بدل الخيام

وحدة سكنية دائمة بنيت في ريف إدلب شمال سوريا (الشرق الأوسط)
وحدة سكنية دائمة بنيت في ريف إدلب شمال سوريا (الشرق الأوسط)

عمد عدد من الجمعيات والمنظمات الإنسانية، بينها تركية وغربية عاملة في شمال غربي سوريا، إلى بناء وحدات سكنية بديلة عن الخيام للنازحين من مختلف المناطق السورية، لتكون قادرة (هذه المساكن) على حمايتهم من الظروف المناخية والعوامل الجوية كالحرارة والغبار في فصل الصيف، وبرد الشتاء، فضلاً عن تعرض الخيام في فصل الشتاء للغرق بسبب الأمطار وتشكل السيول ومعاناة النازحين جراء ذلك.
في المقابل، أعرب نازحون عن القلق من إيوائهم ضمن تجمعات ومبانٍ سكنية بيتونية بالقرب من الشريط الحدودي مع تركيا، بسبب مخاوف من توطين داخل حدود سوريا، ويبدد آمالهم بالعودة إلى ديارهم، مع غياب أي أفق حل سياسي في سوريا، يضمن عودتهم قريباً.
وتنهمك «أم عمر» (40 عاماً)، وهي أرملة وتعيل خمسة أطفال توفي والدهم قبل سنوات، في العمل على تنسيق وترتيب ما تملكه من أدوات منزلية كالبراد والغسالة وبعض الأغطية وأدوات المطبخ، وتركيب بعض البرادي للنوافذ، في منزلها «البيتوني» الجديد المؤلف من غرفتين صغيرتين ومنافع، كانت قد حصلت عليه قبل أسبوع في تجمع السلام السكني بالقرب من منطقة دير حسان شمال إدلب القريبة من الحدود التركية، بعد معاناة وظروف صعبة عاشتها لأكثر من خمس سنوات ضمن خيمة سقفها من النايلون وسط عشرات الخيام العشوائية في مخيم الكرامة بأطمة الحدودي.
وتقول: «على الرغم من صغر مساحة الشقة وأنه ليس لها متنفس أو مساحة سوى بضعة أمتار محيطة بالمنزل الجديد، لكن ذلك يعطيني شعوراً بأنني أمتلك قصراً، مقارنة بإقامتي لأكثر من خمس سنوات ضمن خيمة كان الباب فيها عبارة عن بطانية، وأثناء موسم الشتاء كانت السيول تجري في كثير من الأحيان من داخل الخيمة وتتعرض لأضرار كبيرة، بالإضافة إلى الحمامات المشتركة التي دائماً ما كانت تشهد ازدحاماً، عدا خزانات المياه أيضاً المشتركة، وبالكاد كنا نستطيع الحصول على بضعة لترات من المياه يومياً، أما الآن فكل شيء مختلف في هذه الشقة، حيث كل شيء يحتاجه الإنسان كالحمام والمطبخ وغرفة النوم متوفر فيها، فضلاً عن أن للشقة باباً رئيسياً واحداً مصنوعاً من الحديد، وبإمكاني بعد اليوم أن أذهب وأطفالي لزيارة أقاربي وأنا مطمئنة بعد إقفاله».
من جهته، يقول «أبو بلال»، وهو نازح من ريف حماة، وحصل مؤخراً على وحدة سكنية جديدة في مساكن البركة الحدودية: «على الرغم من أن هذه المباني توفر كل ما يحتاجه الإنسان للعيش الكريم والمؤقت وتوفر الخصوصية للأسر، فإن هناك ثمة معايير لم تؤخذ بالحسبان من قبل الجهات المسؤولة عن بناء الوحدات السكنية، حيث إن هناك كثيراً من الأسر عدد أفرادها يتجاوز 9 أشخاص، وبالطبع غرفتان صغيرتان بمساحة 5 أمتار مربع للواحدة منهما، وهما لا تكفيان لمثل هذه الأسرة، وحتماً سيشكل ذلك صعوبة بالغة ومشكلة بالنسبة لها».
ويقول المهندس براء بابولي، وهو مسؤول في «فريق ملهم التطوعي» عن تنفيذ عدد من الوحدات والتجمعات السكنية للنازحين والمهجرين في شمال غربي سوريا: «انتهى الفريق خلال النصف الأول من هذا العام (2021)، من تشييد ثلاثة تجمعات سكنية، اثنان منها شمال إدلب؛ وهما تجمّع باريشا ويضم 320 وحدة سكنية، وتجمّع طورلاها 176 وحدة سكنية، وتجمّع أعزاز في ريف حلب الشمالي يضم 472 وحدة سكنية، وتضم مرافق عامة كالمسجد والمدرسة ونقطة طبية ومبنى إداري للتجمع، وتم إيواء 968 أسرة مهجرة من مناطق متفرقة في سوريا».
ويضيف أن الوحدات السكنية التي يتم تشييدها من قبل الفريق هي من نوعين: النوع الأول، أرضي، عبارة عن غرفة ومنافعها، بجدران إسمنتية سماكة 15 سم، وسقف مسبق الصنع، بالإضافة إلى أرضية من البلاط على مساحة 24 متراً مربعاً، مخصصة للأسرة الصغيرة. أما النوع الثاني فهو وحدات سكنية طابقية كل شقة غرفتين ومرافقهما على مساحة 32 متراً مربعاً بسقف بيتوني بسماكة 15 سم، وتخصص هذه الوحدات للأسر ذات عدد الأشخاص ما فوق 6 أفراد، لافتاً إلى أنه يجري الآن العمل على تشييد تجمعين للسكن في مدينة إعزاز بريف حلب الشمالي، وكل تجمع يضم نحو 300 شقة سكنية، وسيجري تسليم الوحدة وفق معايير محددة تبدأ بالأرامل والمصابين بإصابات سابقة والأكثر حاجة.
ويقول مسؤول في «هيئة الإغاثة التركية» إنه «تم الانتهاء من تشييد 6 قرى نموذجية خلال الأشهر الأخيرة الماضية في منطقة حزرة والدانا وكفرلوسين وأطمة شمال إدلب، وكل قرية تضم نحو 200 وحدة سكنية؛ وهي عبارة عن غرفتين من البيتون المسلح ومنافع ونوافذ وأبواب، بشكل منظم، بالإضافة إلى طرق فرعية داخل كل قرية، وتم إيواء 1200 عائلة نازحة من ريف حلب الجنوبي ومناطق حماة وإدلب في هذه القرى». ويضيف أنه يجري الآن التخطيط لبناء مشروع «الأمل» السكني ويعد الأضخم، ويتألف من 1400 وحدة سكنية قرية طوقلي شرق مدينة أعزاز شمال حلب، منها 1200 منزل بمساحة 50 متراً مربعاً، و200 منزل بمساحة 100 متر مربع، وسيستفيد منه نحو 9 آلاف شخص مهجر ونازح.
ويقول مسؤول في وزارة التنمية التابعة لـ«حكومة الإنقاذ» في إدلب، إن «عدد التجمعات السكنية في محافظة إدلب تخطّى 40 تجمعاً، منها 15 أقامتها منظمات إنسانية فيما تشرف على البقية جمعيات سكنية ربحية. وقد تخطى عدد الشقق السكنية في هذه التجمعات 41 ألف شقة»، مشيراً إلى أن «عدداً كبيراً من الطلبات وصلت إلينا لإقامة مشاريع مماثلة في إدلب، ويجري الآن دراسة شروطها التنظيمية والقواعد الأساسية والمتبعة في الإعمار وفق مقاييس عالمية وثم تعميمها على الراغبين في بدء مثل هذه المشاريع من منظمات وغيرها».
ويضيف أن عملية نقل النازحين من الخيام إلى مبانٍ سكنية بيتونية منظمة ومجهزة يضمن سلامتهم من العوامل الجوية وأمنهم، لا سيما أن عواصف مطرية وهوائية جرت في فصل الشتاء السابق وتضرر على أثرها أكثر من 33 مخيماً في شمال سوريا، وأدى ذلك لخسارة النازحين أشياء كثيرة من ممتلكاتهم، لافتاً إلى آخر إحصائية تم إجراؤها، نهاية العام الماضي 2020، أن عدد المخيمات الكلي في محافظة إدلب وحدها بلغ 1293 مخيماً تتوزع على شكل شريط قرب الحدود السورية - التركية، من بينها 393 مخيماً عشوائياً، ويقطنها نحو مليون و43 ألفاً و689 شخصاً.
من جهته، يقول جهاد الياسين (55 عاماً) من سهل الغاب غرب حماة، إن عملية نقل النازحين من الخيام والمخيمات العشوائية بعد سنوات من المعاناة، إلى مبانٍ سكنية، ويتوفر فيها مقومات الإقامة المستدامة، هو «أشبه بتوطين السوريين المبعدين عن ديارهم والمهجرين والنازحين على شريط حدودي، ما يبدد ذلك حلم كثير من السوريين أمل العودة إلى ديارهم وبلداتهم ومدنهم، لا سيما مع غياب أي أفق حل سياسي بالشأن السوري يعطي الحق للمواطنين المهجرين بالعودة إلى ديارهم، وحتماً ذلك محزن، ونخشى أن يكون الهدف من هذا التطور في إيواء النازحين ضمن مبانٍ سكنية هو توطين دائم».



الحوثيون يعدون بسداد ديون صغار المودعين خلال 17 عاماً

الحوثيون سيطروا على البنك المركزي وصادروا الدين العام الداخلي والخارجي وأرباحه (أ.ف.ب)
الحوثيون سيطروا على البنك المركزي وصادروا الدين العام الداخلي والخارجي وأرباحه (أ.ف.ب)
TT

الحوثيون يعدون بسداد ديون صغار المودعين خلال 17 عاماً

الحوثيون سيطروا على البنك المركزي وصادروا الدين العام الداخلي والخارجي وأرباحه (أ.ف.ب)
الحوثيون سيطروا على البنك المركزي وصادروا الدين العام الداخلي والخارجي وأرباحه (أ.ف.ب)

أطلقت الجماعة الحوثية التي تختطف العاصمة اليمنية صنعاء ومحافظات أخرى في شمال البلاد، وعداً بسداد جزء من الدين الداخلي لصغار المودعين على أن يتم دفع هذه المبالغ خلال مدة زمنية قد تصل إلى نحو 17 عاماً، وذلك بعد أن صادرت الأرباح التي تكونت خلال 20 عاماً، وقامت بتحويل تلك الودائع إلى حسابات جارية.

وتضمنت رسالة موجهة من فواز قاسم البناء، وكيل قطاع الرقابة والإشراف على المؤسسات المالية في فرع البنك المركزي بصنعاء الخاضع لسيطرة الجماعة، ما أسماه آلية تسديد الدين العام المحلي لصغار المودعين فقط.

وحددت الرسالة المستحقين لذلك بأنهم من استثمروا أموالهم في أذون الخزانة، ولا تتجاوز ودائع أو استثمارات أي منهم ما يعادل مبلغ عشرين مليون ريال يمني (40 ألف دولار)، بحسب أرصدتهم الظاهرة بتاريخ 30 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

عاملة في البنك المركزي اليمني في صنعاء الخاضع لسيطرة الجماعة الحوثية (أ.ف.ب)

وسيتم الصرف - بحسب الرسالة - لمن تقدم من صغار المودعين بطلب استعادة أمواله بالعملة المحلية، وبما لا يتجاوز مبلغ نحو 200 دولار شهرياً للمودع الواحد، وهو ما يعني أن السداد سوف يستغرق 16 عاماً وثمانية أشهر، مع أن الجماعة سبق أن اتخذت قراراً بتصفير أرباح أذون الخزانة قبل أن تعود وتصدر قراراً بتحويل تلك الودائع إلى حسابات جارية، ما يعني حرمان المودعين من الأرباح.

جملة شروط

حدد الحوثيون في رسالتهم التي اطلعت عليها «الشرق الأوسط» موعد تقديم طلب الاستعاضة بدءاً من شهر فبراير (شباط) المقبل، وبشرط الالتزام بالتعليمات، وإرفاق المودع البيانات والتقارير المطلوبة، وضرورة أن يتضمن الطلب التزام البنوك الكامل بتنفيذ التعليمات الصادرة من إدارة فرع البنك المركزي.

وهددت الجماعة بإيقاف الاستعاضة في حال المخالفة، وحمّلوا أي بنك يخالف تعليماتهم كامل المسؤولية والنتائج والآثار المترتبة على عدم الالتزام.

صورة ضوئية لتوجيهات الحوثيين بشأن تعويض صغار المودعين

ووفق الشروط التي وضعتها الجماعة، سيتم فتح حساب خاص للخزينة في الإدارة العامة للبنك لتقييد المبالغ المستلمة من الحساب، ويكون حساب الخزينة منفصلاً عن حسابات الخزينة العامة الأخرى، كما سيتم فتح حسابات خزائن فرعية مماثلة لها في الفروع، على أن تتم تغذيتها من الحساب الخاص للخزينة في الإدارة العامة.

ومنعت الجماعة الحوثية قيد أي عملية دائنة بأرصدة غير نقدية إلى حسابات العملاء بعد تاريخ 30 نوفمبر، إلا بموافقة خطية مسبقة من قبل فرع البنك المركزي بصنعاء.

ويشترط البنك الخاضع للحوثيين تسليمه التقارير والبيانات اللازمة شهرياً أو عند الطلب، بما في ذلك التغيرات في أرصدة العملاء والمركز المالي، وأي بيانات أخرى يطلبها قطاع الرقابة، خلال فترة لا تتجاوز خمسة أيام عمل من بداية كل شهر أو من تاريخ الطلب، مع استمرار الفصل الكامل بين أرصدة العملاء غير النقدية والأرصدة النقدية، وعدم صرف الإيداعات النقدية للعملاء لسداد أرصدة غير نقدية.

ومع ذلك، استثنى قرار التعويض صغار المودعين المدينين للبنك أو الذين عليهم أي التزامات أخرى له.

1.2 مليون مودع

وفق مصادر اقتصادية، يبلغ إجمالي المودعين مليوناً ومئتي ألف مودع لدى البنوك في المناطق الخاضعة لسيطرة الجماعة الحوثية، في حين تقدر عائداتهم بثلاثة مليارات دولار، وهي فوائد الدين الداخلي، لكن الجماعة الحوثية تصر على مصادرة هذه الأرباح بحجة منع الربا في المعاملات التجارية والقروض.

الحوثيون حولوا مقر البنك المركزي في صنعاء إلى موقع للفعاليات الطائفية (إعلام حوثي)

وبحسب المصادر، فإن هذه الخطوة تأتي محاولةً من الجماعة الحوثية للتخفيف من آثار قرارهم بمصادرة أرباح المودعين بحجة محاربة الربا، حيث يعيش القطاع المصرفي في مناطق سيطرة الحوثيين حالة شلل تام بسبب التنفيذ القسري لقانون منع التعاملات الربوية، والذي قضى على مصداقية وثقة البنوك تجاه المودعين والمقترضين، كما ألغى العوائد المتراكمة لودائع المدخرين لدى البنوك، وعلى الفوائد المتراكمة لدى المقترضين من البنوك.

وأدى قرار الحوثيين بشطب الفوائد المتراكمة على أذون الخزانة والسندات الحكومية إلى تفاقم مشكلة ندرة السيولة في القطاع المصرفي؛ إذ تقدر قيمة أذون الخزانة والسندات الحكومية والفوائد المتراكمة عليها لأكثر من 20 سنة بأكثر من 5 تريليونات ريال يمني، وهو ما يعادل نحو 9 مليارات دولار، حيث تفرض الجماعة سعراً للدولار في مناطق سيطرتها يساوي 535 ريالاً.

كما جعل ذلك القرار البنوك في تلك المناطق غير قادرة على استرداد قروضها لدى المستثمرين، والتي تقدر بنحو تريليوني ريال يمني، والتي كانت تحصل على عوائد منها بما يقارب مليار دولار، والتي تبخرت بسبب قانون منع التعاملات الربوية.