هل هو الانقراض الجماعي السادس؟

تراجع خطير في التنوع الحيوي

الجفاف في أحد أقنية المياه في ولاية كاليفورنيا الأميركية (أ.ب)
الجفاف في أحد أقنية المياه في ولاية كاليفورنيا الأميركية (أ.ب)
TT

هل هو الانقراض الجماعي السادس؟

الجفاف في أحد أقنية المياه في ولاية كاليفورنيا الأميركية (أ.ب)
الجفاف في أحد أقنية المياه في ولاية كاليفورنيا الأميركية (أ.ب)

شمل تغيير استخدامات الأراضي بفعل النشاط البشري نحو ثلاثة أرباع سطح اليابسة، ما أدى إلى تقييد الحياة البرية ضمن مساحة ضيقة للغاية. وتسبب تدمير الموائل وتغيُّر المناخ والصيد غير الشرعي وتسلل الأنواع الغازية في دفع نحو مليون نوع من الحيوانات والنباتات إلى حافة الانقراض، حتى إن العلماء أخذوا يصفون ما يجري على أنه في سياق انقراض جماعي عالمي سادس. وهو يتميّز عن الانقراضات السابقة في أنه ناجم عن نشاطات بشربة يمكن التحكم بها، بينما كانت عوامل الطبيعة وراء أحداث كبرى كهذه في التاريخ السحيق للأرض.
- ربع الأنواع الحية مهددة بالانقراض
يشير تقرير «الكوكب الحي»، الذي صدر عن «الصندوق العالمي للطبيعة»، إلى انخفاض عدد الحيوانات البرية حول العالم بأكثر من الثلثين في أقل من 50 سنة. ويصف التقرير الحياة البرية بأنها «في حالة من (السقوط الحر)» نتيجة الضرر الذي ألحقه البشر بالموائل الطبيعية للأنواع الحية.
ومنذ سنة 2000، خسرت النُظم الإيكولوجية البرية نحو 1.9 مليون كيلومتر مربع من موائلها الطبيعية، أي ما يزيد على 180 مرة مساحة بلد مثل لبنان. وفي البحر، وجد تقييم أممي أن 3 في المائة فقط من مساحة محيطات العالم لم تتعرض بعد للضغط البشري. وفي المحصّلة، فإن نوعاً واحداً من كل أربعة أنواع حيّة على كوكب الأرض أصبح مهدداً، ويواجه خطر الانقراض خلال عقود.
ويعدّ التنوع الحيوي أمراً بالغ الأهمية للتنمية ورفاهية الإنسان، إذ يعتمد أكثر من نصف الناتج المحلي الإجمالي العالمي، أي نحو 44 تريليون دولار أميركي، على موارد الطبيعة. وترتبط معيشة 70 في المائة من فقراء العالم بما ينتجه الكوكب الحي، سواء كان ذلك عبر الزراعة أو من خلال صيد الأسماك وجمع منتجات الغابات وغيرها من الأنشطة ذات الصلة.
وتتحول هذه الأنشطة إلى صيد جائر وتجارة غير شرعية بالأنواع المهددة بالانقراض في المناطق الهشة، حيث تكون التعديات على الموائل الطبيعية خارج سلطة القانون. في سوريا، تسببت الحرب في إبادة قطعان غزال الرمل والمها العربية وتراجع أعداد الذئاب الرمادية والضباع المخططة والثعالب، كما شمل الضرر التحطيب الجائر لأنواع الأشجار المحمية. وفي العراق، يمثل الاتجار غير المشروع بالطيور المهاجرة، مثل الفلامنغو، شريان حياة لكثير من العائلات الفقيرة بمنطقة الأهوار.
ويتأثر الأمن الغذائي العالمي بفقدان التنوع البيولوجي والتصحر والصدمات الناجمة عن تغيُّر المناخ، حيث يعاني 821 مليون شخص من نقص حاد في الغذاء، ويواجه مليارا شخص سوء التغذية. وفيما تعتمد ثلاثة أرباع محاصيل العالم على الحشرات من أجل تلقيح الأزهار، فإن أعداد هذه الحشرات، التي تشكّل أساس الأمن الغذائي العالمي، تنهار بسرعة.
ولمواجهة هذه التحديات المزدادة، أعلنت أمانة «اتفاقية الأمم المتحدة بشأن التنوع الحيوي» مؤخراً عن إطار عمل لتوجيه الإجراءات من أجل الحفاظ على الطبيعة وحماية خدماتها الأساسية التي تقدمها للناس في جميع أنحاء العالم. وتتضمن الخطة الجديدة 21 هدفاً لعام 2030، تدعو، من بين أمور أخرى، إلى الحفاظ على ما لا يقل عن 30 في المائة من المناطق البرية والبحرية العالمية من خلال أنظمة محمية بفاعلية، ومُدارة على نحو منصف، وممثلة إيكولوجياً، ومتواصلة فيما بينها.
ويوجد حالياً 22 مليون كيلومتر مربع (16.6 في المائة) من النُظم البيئية للأراضي والمياه الداخلية، و28.1 مليون كيلومتر مربع (7.7 في المائة) من المياه الساحلية والمحيطات، ضمن المناطق الموثّقة المحمية والمحافظ عليها. وهي مساحات تزيد بمقدار 21 مليون كيلومتر مربع على مساحات المناطق المحمية في سنة 2010.
ورغم التقدم الحاصل، يعد برنامج الأمم المتحدة للبيئة (يونيب) أن العالم فشل في الوفاء بالالتزامات المتعلقة بجودة هذه المناطق المحمية، ذلك أن ثلث مناطق التنوع الحيوي الرئيسية على الأرض أو المياه الداخلية أو المحيط ليست محمية على الإطلاق. كما أن أقل من 8 في المائة من الأراضي المحمية متصلة تتيح للأنواع الحية التحرك بشكل طبيعي وتسهم في صون العمليات البيئية.
وتقترح خطة «اتفاقية الأمم المتحدة بشأن التنوع الحيوي» خفض معدلات إدخال الأنواع الغريبة الغازية إلى النصف، ووضع ضوابط لانتقال وتفشي هذه الأنواع للقضاء على آثارها أو التقليل منها. وتهدف الخطة أيضاً إلى إنقاص المغذيات، بما فيها الأسمدة، التي تتسرب إلى البيئة بمقدار النصف على الأقل، وإقلال استهلاك مبيدات الآفات بنسبة الثلثين على الأقل، وحل مشكلة النفايات البلاستيكية.
كما تدعو الخطة إلى إعادة توجيه الحوافز الاقتصادية الضارة بالتنوع الحيوي بطريقة عادلة ومنصفة، بحيث يتم إنقاصها على الأقل بمقدار 500 مليار دولار سنوياً، على أن تُلحظ زيادة في التدفقات المالية الدولية من جميع المصادر إلى البلدان النامية بنحو 200 مليار دولار سنوياً. وتدعم الخطة أيضاً تعزيز المساهمات التي تعتمد على الطبيعة في جهود التخفيف من آثار تغيُّر المناخ العالمي لتجنّب مخاطره على التنوع الحيوي.
- الحفاظ على المناخ والأحياء معاً
تلعب النُظم البيئية دوراً مهماً في تخفيف وطأة التغيُّر المناخي عبر التقاط وتخزين غازات الدفيئة. ويمكن للنُظم البيئية السليمة والمعافاة أن تسهم بنحو 37 في المائة من التخفيف المطلوب للحدّ من ارتفاع درجة الحرارة العالمية. وفي المقابل، يؤدي تلف النُظم البيئية، كأراضي الخثّ التي تحتوي كميات كبيرة من المواد العضوية وأشجار المنغروف الشاطئية والغابات المطيرة الاستوائية، إلى إطلاق الكربون بدلاً من تخزينه.
وكان تقرير جديد صدر عن «الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيُّر المناخ» و«المنبر الحكومي الدولي للعلوم والسياسات في مجال التنوع البيولوجي وخدمات النُظم الإيكولوجية»، خلُص إلى أن تغيُّر المناخ العالمي والخسارة غير المسبوقة في الأنواع الحية ناتجان عن مجموعة متماثلة من الأسباب التي يحركها النشاط البشري، ولذلك فإن الحلول التي تأخذ كلتا القضيتين بالاعتبار لديها فرصة أفضل للنجاح.
ويورد التقرير أنه رغم اتفاقية باريس 2015 لإبقاء درجات الحرارة العالمية دون درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل النهضة الصناعية، وأهداف «أيشي» 2010 التي وضعت لحماية الأنواع النباتية والحيوانية المهددة عالمياً، فإن انبعاثات الكربون تتصاعد حتى اليوم بمعدلات تنذر بالخطر، بينما وصلت خسارة التنوع الحيوي إلى حالة مؤسفة مع اقتراب مليون نوع حي من الانقراض. و«أيشي» هي المدينة اليابانية التي استضافت مؤتمراً دولياً عام 2010 تمخض عن استراتيجية عالمية للحفاظ على التنوع الحيوي تتضمن 12 هدفاً.
وفيما يُنظر إلى الحلول القائمة على الطبيعة على أنها وسيلة مهمة لإخراج الكربون من الغلاف الجوي وتوفير موائل مهمة للأنواع الحية المهددة بالانقراض، فإن بعض الحلول التي يجري تسويقها لا تحقق المطلوب. فعلى سبيل المثال، ربما تساعد زراعة نوع واحد من الأشجار في غير موطنه على إنقاص الكربون في الغلاف الجوي، ولكن هذه الممارسة لن تكون ذات أثر معتبر في مساعدة الأنواع المهددة، وقد تمثل عائقاً أمام حمايتها.
خلال السنوات العشر الماضية، أحرز المجتمع الدولي تقدماً في تحقيق عدد من أهداف «أيشي»، بما في ذلك تحسين القدرات العالمية على تقييم اتجاهات التنوع الحيوي، ومضاعفة تمويل حماية الأنواع إلى نحو 90 مليار دولار سنوياً. ويوجد الآن بروتوكول دولي يحكم التقاسم العادل للموارد الجينية المكتشفة في الطبيعة، بحيث يصعب على شركات البلدان الغنية نهبها، ما يعطي البلدان النامية حوافز إضافية لحماية تنوعها الحيوي.
ولكن ما تحقق حتى الآن يصنّف ضمن «المكاسب السهلة»، فيما لا تزال التحديات الأصعب قائمة وتتطلب وقف الأنشطة التي هي أصل فقدان التنوع الحيوي. العالم بحاجة إلى تنظيم أفضل للمواد الكيميائية الخطرة التي تلوث البيئة، وهناك ضرورة لوضع سياسات حازمة تمنع تدمير الغابات المطيرة لصالح إنتاج زيت النخيل وفول الصويا. والأهم من ذلك كله، لا بد من اتخاذ إجراء جذري بشأن تغيُّر المناخ، الذي قد يصبح السبب الأول لفقدان التنوع الحيوي في السنوات المقبلة.
هذه التغييرات المنهجية تتطلب إجراءات فاعلة من الحكومات والصناعات، وكذلك من المواطنين والمستهلكين. وإذا فشل قادة العالم في ضمان استدامة الأسواق لحماية التنوع الحيوي، فإن الخيارات الفردية حول ما يمكن شراؤه وما يجب تفاديه قد تساعد في تحديد ما إذا كانت الأنواع الحية ستزدهر في جميع أنحاء العالم أو تشهد مصيراً مشؤوماً.


مقالات ذات صلة

الأرض «تضمد جروحها» بعد الزلازل القوية

علوم يؤكد الباحثون أن الصدوع التي تقع على أعماق سحيقة في باطن الأرض يمكن أن تلتحم من جديد بعد انكسارها نتيجة الهزات الأرضية (بيكسباي)

الأرض «تضمد جروحها» بعد الزلازل القوية

توصل فريق من علماء الجيولوجيا في الولايات المتحدة إلى أن الصدوع الزلزالية العميقة في باطن الأرض يمكن أن تلتئم في غضون ساعات بعد حدوث الهزات الأرضية القوية.

«الشرق الأوسط» (سان فرنسيسكو)
صحتك الأشخاص الذين مارسوا ما لا يقل عن ساعتين ونصف من التمارين الرياضية أسبوعياً انخفض لديهم خطر الوفاة (رويترز)

المشكلة الشائعة التي تُقلّل من فوائد التمارين الرياضية

معروف أن ممارسة الرياضة بانتظام تُحسّن الصحة النفسية، وتُقلل من خطر الإصابة بأمراض القلب، وتُحسّن محيط الخصر.

«الشرق الأوسط» (لندن)
آسيا أحياء غارقة بكاملها في مدينة نها ترانغ الساحلية بفيتنام جراء الفيضانات (أ.ف.ب)

ارتفاع حصيلة الوفيات من الفيضانات والانهيارات الأرضية في فيتنام إلى 43

أعلنت السلطات الفيتنامية، الجمعة، أن الأمطار الموسمية والانهيارات الأرضية الناجمة عنها أسفرت عن وفاة 43 شخصاً في فيتنام منذ مطلع الأسبوع الماضي.

«الشرق الأوسط» (هانوي)
بيئة طحالب خضراء (أرشيفية - أ.ف.ب)

دراسة: طحالب استطاعت الصمود لمدة 283 يوماً في الفضاء

قال موقع «بوبيلر ساينس» إن الطحالب تمتاز بالقدرة على التكيف حيث إنها تعيش في بيئات قاسية

«الشرق الأوسط» (واشنطن )
آسيا  فيضانات وانهيارات أرضية في فيتنام (د.ب.أ)

مقتل 15 شخصاً جراء فيضانات وانهيارات أرضية في فيتنام

لقي ما لا يقل عن 15 شخصاً حتفهم وأُصيب 19 آخرون، خلال الأيام الثلاثة الماضية، في فيتنام، بسبب الأمطار الغزيرة والانهيارات الأرضية.

«الشرق الأوسط» (هانوي)

ارتفاع الحرارة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بوتيرة أسرع من مثلي المعدل العالمي

عامل يقف تحت أشعة الشمس وسط درجات الحرارة المرتفعة (رويترز)
عامل يقف تحت أشعة الشمس وسط درجات الحرارة المرتفعة (رويترز)
TT

ارتفاع الحرارة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بوتيرة أسرع من مثلي المعدل العالمي

عامل يقف تحت أشعة الشمس وسط درجات الحرارة المرتفعة (رويترز)
عامل يقف تحت أشعة الشمس وسط درجات الحرارة المرتفعة (رويترز)

قالت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية التابعة للأمم المتحدة، في تقرير، إن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا سجّلت أكثر الأعوام حرارة على الإطلاق في عام 2024، حيث ارتفعت درجات الحرارة بوتيرة تزيد بمقدار المثلين عن المتوسط العالمي في العقود الأخيرة.

وأصبحت الموجات الحارة في المنطقة أطول وأكثر حدة، وفقاً لأول تقرير للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية، يركز على المنطقة.

وقالت سيليست ساولو الأمينة العامة للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية: «ترتفع درجات الحرارة بمعدل مثلي المتوسط العالمي، مع موجات حرّ شديدة ومرهقة للمجتمع إلى أقصى الحدود».

وخلص التقرير إلى أن متوسط درجات الحرارة في عام 2024 تجاوز متوسط الفترة من 1991 إلى 2020، بمقدار 1.08 درجة مئوية، فيما سجّلت الجزائر أعلى زيادة بلغت 1.64 درجة مئوية فوق متوسط الثلاثين عاماً الماضية.

وحذّرت ساولو من أن الفترات الطويلة التي زادت فيها الحرارة عن 50 درجة مئوية في عدد من الدول العربية كانت «حارة للغاية» بالنسبة لصحة الإنسان والنظم البيئية والاقتصاد.

درجات الحرارة المرتفعة سجلت أرقاماً قياسية (أرشيفية - رويترز)

وأشار التقرير إلى أن موجات الجفاف في المنطقة، التي تضم 15 بلداً من أكثر بلدان العالم ندرة في المياه، أصبحت أكثر تواتراً وشدة، مع اتجاه نحو تسجيل موجات حرّ أكثر وأطول في شمال أفريقيا منذ عام 1981.

وخلص التقرير إلى أن مواسم الأمطار المتتالية، التي لم يسقط فيها المطر، تسببت في جفاف في المغرب والجزائر وتونس.

وقالت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية إن أكثر من 300 شخص في المنطقة لقوا حتفهم العام الماضي بسبب الظواهر الجوية القاسية، ولا سيما موجات الحر والفيضانات، في حين تضرر ما يقرب من 3.8 مليون شخص.

وأكّد التقرير الحاجة الماسة للاستثمار في الأمن المائي، عبر مشروعات مثل تحلية المياه وإعادة استخدام مياه الصرف الصحي، إلى جانب تطوير أنظمة الإنذار المبكر للحدّ من مخاطر الظواهر الجوية. ويمتلك نحو 60 في المائة من دول المنطقة هذه الأنظمة حالياً.

ومن المتوقع أن يرتفع متوسط درجات الحرارة في المنطقة بمقدار 5 درجات مئوية، بحلول نهاية القرن الحالي، في ظل مستويات الانبعاثات الحالية، استناداً إلى التوقعات الإقليمية الصادرة عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ.


دراسة جينية تكشف مرحلة فارقة في تاريخ استئناس القطط

قطة سوداء تظهر بين قطط أخرى في ملجأ للحيوانات بجنوب إسبانيا (أ.ف.ب)
قطة سوداء تظهر بين قطط أخرى في ملجأ للحيوانات بجنوب إسبانيا (أ.ف.ب)
TT

دراسة جينية تكشف مرحلة فارقة في تاريخ استئناس القطط

قطة سوداء تظهر بين قطط أخرى في ملجأ للحيوانات بجنوب إسبانيا (أ.ف.ب)
قطة سوداء تظهر بين قطط أخرى في ملجأ للحيوانات بجنوب إسبانيا (أ.ف.ب)

تعيش مع البشر مئات الملايين من القطط في جميع أنحاء العالم، سواء أكانت سيامية أو فارسية أو من سلالة ماين كون أو غيرها. لكن على الرغم من شعبيتها كحيوانات أليفة، ظلّ تاريخ استئناسها وتربيتها بالمنازل سرّاً صعباً يستعصي على العلماء.

وتقدم دراسة جينية جديدة نظرة في هذه المسألة، من خلال تحديد التوقيت الزمني لمرحلة رئيسية في تدجين القطط، عندما استُقدمت القطط المنزلية إلى أوروبا من شمال أفريقيا.

ووجد الباحثون أن القطط الأليفة وصلت إلى أوروبا منذ ما يقرب من ألفي عام، في أوائل عصر الإمبراطورية الرومانية، ربما من خلال التجارة البحرية.

ويحتمل أن يكون البحارة قد جلبوا بعض هذه القطط لاصطياد الفئران على متن السفن التي كانت تجوب البحر المتوسط حاملة الحبوب من حقول مصر الخصبة إلى الموانئ التي تخدم روما والمدن الأخرى في الإمبراطورية الرومانية مترامية الأطراف.

تتناقض هذه النتائج مع الفكرة السائدة منذ فترة طويلة بأن الاستئناس حدث في عصور ما قبل التاريخ، ربما قبل 6 إلى 7 آلاف سنة، حينما انتقل المزارعون من الشرق الأدنى والشرق الأوسط القديم إلى أوروبا لأول مرة، حاملين القطط معهم.

قطة (أ.ف.ب)

وقال عالم الجينات كلاوديو أوتوني، من جامعة روما تور فيرجاتا، المؤلف الرئيسي للدراسة التي نُشرت اليوم (الخميس)، في مجلة «ساينس»: «أظهرنا أن أقدم جينومات للقطط المنزلية في أوروبا تعود إلى فترة الإمبراطورية الرومانية وما بعدها»، بداية من القرن الأول الميلادي.

استخدمت الدراسة بيانات جينية من بقايا القطط من 97 موقعاً أثرياً في جميع أنحاء أوروبا والشرق الأدنى، وكذلك من قطط تعيش في الوقت الحاضر. قام الباحثون بتحليل 225 عظمة من عظام القطط، الأليفة والبرية، التي ترجع إلى نحو 10 آلاف سنة مضت إلى القرن التاسع عشر الميلادي، وأنتجوا 70 جينوماً قديماً للقطط.

ووجد الباحثون أن بقايا القطط من مواقع ما قبل التاريخ في أوروبا تنتمي إلى القطط البرية، وليس القطط الأليفة القديمة.

كانت الكلاب هي أول حيوان مستأنس من قبل البشر، إذ انحدرت من فصيلة ذئاب قديمة مختلفة عن الذئاب الحديثة. وجاءت القطط الأليفة في وقت لاحق، منحدرة من القط البري الأفريقي.

قال ماركو دي مارتينو، عالم الحفريات بجامعة روما تور فيرجاتا، والمؤلف المشارك في الدراسة: «دخول القطط الأليفة إلى أوروبا مهم لأنه يمثل لحظة مهمة في علاقتها طويلة الأمد مع البشر. فالقطط ليست مجرد نوع آخر وصل إلى قارة جديدة. إنها حيوان أصبح مندمجاً بعمق في المجتمعات البشرية والاقتصادات حتى المعتقدات».

وحدّدت البيانات الجينية مرحلتين لدخول القطط إلى أوروبا من شمال أفريقيا. فمنذ ما يقرب من 2200 سنة، جلب البشر القطط البرية من شمال غربي أفريقيا إلى جزيرة سردينيا، التي تنحدر قططها البرية الحالية من تلك القطط المهاجرة.

لكن هذه القطط لم تكن أليفة. فهناك هجرة منفصلة من شمال أفريقيا بعد نحو قرنين من الزمان، شكّلت الأساس الجيني للقطط المنزلية الحديثة في أوروبا.

تشير نتائج الدراسة إلى أنه لم تكن هناك منطقة أساسية واحدة لترويض القطط، بل لعبت عدة مناطق وثقافات في شمال أفريقيا دوراً في ذلك، وفقاً لعالمة الآثار الحيوانية والمؤلفة المشاركة في الدراسة، بيا دي كوبير، من المعهد الملكي البلجيكي للعلوم الطبيعية.

وقالت دي كوبير: «يتزامن توقيت الموجات الوراثية لإدخال القطط من شمال أفريقيا مع الفترات التي تكثفت فيها التجارة حول البحر المتوسط بقوة. ومن المرجح أن القطط كانت تسافر لصيد فئران على متن سفن الحبوب، لكن ربما أيضاً كحيوانات ذات قيمة دينية ورمزية».

كانت القطط مهمة في مصر القديمة، وكان ملوك مصر يحتفظون بقطط أليفة، وأحياناً يحنطونها لدفنها في توابيت أنيقة.

ولعب الجيش الروماني القديم، الذي انتشرت مواقعه العسكرية في جميع أنحاء أوروبا، وحاشيته، دوراً أساسياً في انتشار القطط الأليفة في جميع أنحاء القارة، وتشهد على ذلك بقايا القطط التي اكتشفت في مواقع المعسكرات الرومانية.

ويرجع تاريخ أقدم قط مستأنس في أوروبا تم تحديده في الدراسة، وهو قط مشابه وراثياً للقطط المنزلية الحالية، إلى ما بين 50 قبل الميلاد و80 ميلادية من بلدة ماوترن النمساوية، وهي موقع حصن روماني على طول نهر الدانوب.

ومع ذلك، لم تكشف الدراسة عن توقيت ومكان التدجين الأولي للقطط.

قال أوتوني: «تدجين القطط أمر معقد، وما يمكننا قوله حالياً هو توقيت دخول القطط المنزلية إلى أوروبا من شمال أفريقيا. لا يمكننا أن نقول الكثير عما حدث قبل ذلك، وأين حدث».


إسطنبول تتجه لحظر الكلاب الضالة في الأماكن العامة

رجل يحمل كلباً على كتفه (أ.ف.ب)
رجل يحمل كلباً على كتفه (أ.ف.ب)
TT

إسطنبول تتجه لحظر الكلاب الضالة في الأماكن العامة

رجل يحمل كلباً على كتفه (أ.ف.ب)
رجل يحمل كلباً على كتفه (أ.ف.ب)

أصدرت السلطات المحلية في إسطنبول، اليوم (الاثنين)، مرسوماً يقضي بحظر إطعام الكلاب الضالة داخل المدينة في المستقبل، وكذلك منع وجودها في الأماكن العامة بالمدينة.

وقالت السلطات إنه سيتم منع الكلاب الضالة من الوجود على الأرصفة، والمرافق الصحية والتعليمية، والمطارات، ودور العبادة، والمتنزهات، وذلك بهدف منع انتشار الآفات والتلوث البيئي.

ولم يتم تقديم أي تفاصيل حول العقوبات المحتملة، وفقاً لوكالة الأنباء الألمانية.

وتهدف الإجراءات الجديدة أيضاً إلى تسريع عملية الإمساك بالكلاب التي لا مالك لها وتعقيمها، وإيوائها في ملاجئ الحيوانات. وستكون البلديات مسؤولة عن تنفيذ القواعد الجديدة.

وأصبحت هذه القضية محل جدل كبيراً منذ صدور قانون العام الماضي، يسمح في حالات معينة بإعدام الكلاب الضالة. ويمكن الآن إلزام البلديات بإمساك الحيوانات الضالة وإيوائها في ملاجئ خاصة.

وتقوم هذه الملاجئ بالبحث عن مالكين جدد للاعتناء بهذه الحيوانات.