يحتدم التنافس التجاري بين شركة «بلو أوريجين» التي يملكها مؤسس موقع «أمازون» جيف بيزوس، وشركة «فيرجين غالاكتيك» التابعة للسير ريتشارد برانسون، على جذب السياح إلى الفضاء من خلال مداعبة أحلام وطموحات أصحاب المليارات حول العالم.
وللبرهنة على أمان الرحلات التي تنظمها الشركتان، حلق برانسون بطائرته الفضائية التجريبية إلى حافة الفضاء على ارتفاع 80 كيلومتراً في 11 يوليو (تموز) الماضي، ثم تبعه بيزوس بعد أيام في رحلة على ارتفاع 107 كيلومترات وراء خط كارمان الفاصل بين المجالين الأرضي والفضائي، في ذكرى هبوط بعثة أبولو 11 على سطح القمر.
وفيما ينظر كثيرون إلى السياحة الفضائية على أنها عرض مبتذل للثروة والقوة وسط العديد من الأزمات العالمية، بما فيها تغير المناخ وانتشار الوباء، لا يتردد مئات الأشخاص في دفع نحو ربع مليون دولار ثمن تذكرة مستقبلية لرحلة إلى حافة الفضاء الخارجي.
وفي مقابل الرحلات القصيرة التي بدأت «بلو أوريجين» و«فيرجين غالاكتيك» بتنظيمها على فترات تتراوح بين 10 دقائق و90 دقيقة، ستوفر رحلات السياحة الفضائية التي تخطط لها شركة «سبيس إكس» التي أسسها إيلون ماسك تجربة أطول من خلال قضاء عدة أيام في المدار. وتعمل «سبيس إكس» على جدولة بعثات خاصة إلى محطة الفضاء الدولية، ووضع برنامج لرحلة حول القمر.
وفيما يفتح سوق السياحة الفضائية الآفاق على تطورات مستقبلية في استكشاف الفضاء وإيجاد طرق جديدة للسفر من مكان إلى آخر بسرعة قياسية، يزداد الجدل حول البصمة البيئية لهذه الرحلات الفارهة المخصصة لتلبية رغبات البعض في خوض المغامرات.
وتستخدم صواريخ جيف بيزوس الهيدروجين والأوكسيجين السائلين كمواد دافعة، ولذلك يفاخر صاحبها بأنها «أكثر خضرة» من محركات الطائرات الفضائية الهجينة التي يسيرها ريتشارد برانسون بالاعتماد على خليط من الوقود الصلب الكربوني وأوكسيد النيتروز ومركبات أخرى. في حين تعمل سلسلة الصواريخ القابلة لإعادة الاستخدام في شركة «سبيس إكس» على الكيروسين والأوكسيجين السائلين.
ويوفر حرق هذه المواد الطاقة اللازمة لإطلاق المركبات نحو الفضاء، لكنه في الوقت ذاته يولد غازات الدفيئة وملوثات الهواء. وفيما ينتج عن صواريخ بيزوس كميات كبيرة من بخار الماء، يؤدي احتراق الوقود في طائرات برانسون وصواريخ ماسك إلى إنتاج ثاني أوكسيد الكربون والسخام وكميات من بخار الماء، كما تتسبب طائرات برانسون في إطلاق أكاسيد النيتروجين. وتساهم هذه المركبات جميعها بتلويث الهواء بالقرب من سطح الأرض وفي طبقات الجو العليا، حيث يمكن أن يستمر أثرها مدة تصل إلى ثلاث سنوات.
كما أن درجات الحرارة المرتفعة للغاية أثناء إطلاق الصواريخ وعودتها تحول النيتروجين المستقر في الهواء إلى أكاسيد النيتروجين التفاعلية، وهي غازات لها العديد من الآثار السلبية على الغلاف الجوي. وفي طبقات الجو العليا، تعمل أكاسيد النيتروجين والمواد الكيميائية المتكونة من تفكك بخار الماء على تحويل الأوزون إلى أوكسيجين، مما يؤدي إلى استنفاد طبقة الأوزون التي تحمي الحياة على الأرض من الأشعة فوق البنفسجية الضارة.
ويمكن أن ينتج عن احتراق الوقود الدافع في الصواريخ أثناء الإطلاق انبعاث أكاسيد نيتروجين تعادل ما بين 4 إلى 10 أضعاف الانبعاثات الناتجة عن تشغيل محطة حرارية باستطاعة 2 غيغا طن خلال الفترة الزمنية ذاتها. وتقدر انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون لأربعة سائحين على متن رحلة فضائية واحدة بنحو 50 إلى 100 مرة مقارنة بالانبعاثات التي تنتج عن نقل راكب واحد في رحلة طيران تجاري طويلة المدى.
وتساهم عوادم ثاني أوكسيد الكربون والسخام الناتج عن احتراق الوقود الدافع في حجز الحرارة ضمن الغلاف الجوي، فتعزز الاحتباس الحراري. وعلى العكس من ذلك، تؤدي السحب المتكونة من بخار الماء إلى عكس ضوء الشمس القادم من الفضاء، فتحدث تبريداً في الغلاف الجوي. كما أن طبقة الأوزون المستنفدة تمتص كميةً أقل من أشعة الشمس الواردة، وبالتالي تسخن طبقات الجو العليا بدرجة أقل.
يتطلب تحديد التأثير الكلي لإطلاق الصواريخ على الغلاف الجوي نمذجة مفصلة لحساب عمليات التسخين والتبريد المعقدة، ولتقييم استمرار الملوثات في الغلاف الجوي العلوي. ولا يقل أهمية عن ذلك وضع تصور واضح لاتجاهات تطور صناعة السياحة الفضائية.
تتوقع «فيرجين غالاكتيك» أن توفر 400 رحلة فضائية سنوياً للقلة الذين يمكنهم تحمل تكاليفها. وفيما لم تعلن «بلو أوريجين» و«سبيس إكس» عن خططهما بعد، فإن إطلاق مئات الصواريخ إلى الفضاء سنوياً كاف لإحداث تأثيرات ضارة تزاحم مصادر التلوث الأخرى، مثل مركبات الكلوروفلوروكربون المستنفدة لطبقة الأوزون، وثاني أوكسيد الكربون المنبعث من الطائرات التقليدية.
ويقترح بعض العلماء التريث في إجازة الرحلات الفضائية السياحية لرصد جميع المخاطر التي لا يزال بعضها مجهولاً حتى الآن، مع الأخذ في الاعتبار تكاليفها البيئية المرتفعة. وتوجد خشية من أن يتسبب ترخيص عمليات الإطلاق في حوادث تصادم مع الأجسام الموجودة في الجو سلفاً، مثل الطائرات. وكانت رحلة لشركة «سبيس إكس» في شهر يونيو (حزيران) الماضي توقفت بعد رصد طائرة عمودية في منطقة الإقلاع.
حتى الآن لا توجد تدابير محددة تخص الأمن السيبراني للرحلات الفضائية السياحية، أو رقابة رسمية تتحقق من إجراءات سلامة الركاب. وبينما تمنح إدارة الطيران الفيدرالية الأميركية تراخيص نقل البشر إلى الفضاء، فهي لا تضمن أن تكون هذه الرحلات آمنة. أما شركات السياحة الفضائية فتكتفي بتحذير زبائنها بالقول: إذا قررت صرف مئات الآلاف من الدولارات لقضاء رحلة ممتعة في الفضاء، فمن المرجح أن تضطر إلى تحمل كامل المسؤولية إذا تعرضت للأذى!
سياحة فضائية خارج الرقابة البيئية
سياحة فضائية خارج الرقابة البيئية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة