الهدوء في فيرغسون لا يزال بعيد المنال رغم استقالة قائد شرطتها

إصابة شرطيين أميركيين خلال مظاهرة احتجاجية في المدينة على تعامل الأمن مع السكان السود

عناصر من الشرطة يسعفون أحد زميليهم اللذين أصيبا قرب مركز الشرطة في فيرغسون أمس (رويترز)
عناصر من الشرطة يسعفون أحد زميليهم اللذين أصيبا قرب مركز الشرطة في فيرغسون أمس (رويترز)
TT

الهدوء في فيرغسون لا يزال بعيد المنال رغم استقالة قائد شرطتها

عناصر من الشرطة يسعفون أحد زميليهم اللذين أصيبا قرب مركز الشرطة في فيرغسون أمس (رويترز)
عناصر من الشرطة يسعفون أحد زميليهم اللذين أصيبا قرب مركز الشرطة في فيرغسون أمس (رويترز)

عاد التوتر إلى مدينة فيرغسون الأميركية أمس مع تعرض شرطيين لإطلاق نار خلال مظاهرة احتجاجية على طريقة تعامل الشرطة مع السكان ذوي الأصول الأفريقية. وجاء هذا الحادث غداة استقالة قائد شرطة المدينة وبعد نحو أسبوع على تقرير لوزارة العدل وثق الممارسات العنصرية للشرطة.
وقال رئيس شرطة مقاطعة سانت لويس جون بلمار للصحافيين في مكان الحادث أمس، إن شرطيا أصيب في وجهه، والآخر في كتفه في نهاية مظاهرة خارج مركز الشرطة في مدينة فيرغسون التابعة لولاية ميسوري. وأوضح أن «الشرطيين كانا يقفان في المكان حين تعرضا لإطلاق نار لمجرد أنهما من رجال الشرطة»، لافتًا إلى أنهما على قيد الحياة لكن إصابتهما خطيرة.
ونقلت شبكة «سي إن إن» عن شاهد عيان ماركوس رورر، أن الأجواء في المظاهرة كانت متوترة وأنه اعتقد في بادئ الأمر أن إطلاق الرصاص ليس سوى مفرقعات نارية. وتابع «حين رأيت الشرطيين يقعان أرضا، أدركت أن الأمر ازداد سوءا». وبحسب بلمار فإن مصدر إطلاق النار لم يتضح على الفور. إلا أن رورر قال إن إطلاق النار جاء من مسافة خلف مجموعة صغيرة من المتظاهرين، وقال: «من غير المنصف تحميل المتظاهرين المسؤولية».
وجاءت حادثة إطلاق النار بعد ساعات على استقالة قائد شرطة فيرغسون توماس جاكسون بعد أسبوع على تقرير لوزارة العدل الأميركية وثق ممارسات عنصرية لشرطة المدينة التي شهدت العام الماضي مقتل الشاب الأسود مايكل براون برصاص شرطي. وجاكسون هو آخر مسؤول في فيرغسون يستقيل من منصبه بعد سبعة أشهر على مظاهرات واسعة شهدتها المدينة احتجاجًا على قتل الشرطي دارن ويلسون للشاب براون، مما أثار أيضا جدلاً واسعًا في البلاد حول العنصرية والأجهزة الأمنية.
وكتب جاكسون في رسالة نشرتها صحيفة «سانت لويس بوست ديسباتش» أول من أمس: «أعلن بحزن استقالتي من منصب قائد الشرطة. كان لي شرف وامتياز خدمة هذه المدينة العظيمة وأن أعمل معكم جميعا».
وأكدت مدينة فيرغسون في بيان التوصل إلى اتفاق مع قائد الشرطة بشأن استقالته التي تصبح سارية المفعول في 19 مارس (آذار) الحالي على أن يحصل على تعويضات نهاية الخدمة وعلى ضمان صحي لمدة عام. ورحبت عائلة براون باستقالة قائد شرطة فيرغسون الذي يشغل هذا المنصب منذ عام 2010. وكانت العائلة أعلنت أنها سترفع دعوى بحق فيرغسون والشرطي دارن ويلسون.
وصرحت وزارة العدل قبل أأسبوع أنه ليس لديها ما يكفي من الأدلة لتوجيه تهم فيدرالية تتعلق بالمساس بالحقوق المدنية لويلسون بشأن مقتل الشاب البالغ من العمر 18 عاما في التاسع من أغسطس (آب) الماضي بعد شجار مع الشرطة في حي سكني هادئ. لكن في المقابل دانت وزارة العدل ممارسات بلدية المدينة والشرطة والمحكمة المحلية العنصرية في التعامل مع غالبية السكان من أصول أفريقية من أجل تحقيق أكبر قدر من عائدات الغرامات. وقال المحامي عن عائلة براون لشبكة «سي إن إن» الإخبارية إن «والد مايكل براون ووالدته يشعران بالارتياح لأنه يجري التحرك بناء على النتائج المقلقة في تقرير وزارة العدل».
وجاكسون هو المسؤول الخامس في فيرغسون الذي يقدم استقالته بعد تقرير وزارة العدل. وكان استقال من قبله قاضي المحكمة المحلية في فيرغسون وقائدان في الشرطة، من بينهما المشرف على ويلسون. كما استقال أمس أيضا جون شو مدير الخدمات في المدينة. كذلك طرد كاتب المحكمة من منصبه بسبب رسائل إلكترونية اتسمت بالعنصرية.
ولا يزال رئيس بلدية فيرغسون جايمس نولز في منصبه، وقد تعهد بإجراء إصلاحات جذرية في المدينة التي تضم 21 ألفا غالبيتهم من أصول أفريقية. وفي مؤتمر صحافي عقده أمس، وصف نولز قائد الشرطة المستقيل بأنه «رجل شريف» أدرك أن «الطريقة الوحيدة للمضي قدما هي بحلول شخص آخر، لذلك قرر المغادرة». واعترف ويلسون بإطلاق النار على براون وقال إن الأخير حاول الاستيلاء على سلاحه. ويصر آخرون على أن براون رفع يديه استسلاما حين أطلق ويلسون النار عليه. وفي نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، قررت هيئة محلفين عدم توجيه اتهامات لويلسون بارتكاب جريمة أو بالقتل مما أثار موجة من الاحتجاجات التي اتسمت بالعنف. ووضعت قوات الشرطة في كل أنحاء البلاد تحت الرقابة بعد قتل عدد من المواطنين من أصول أفريقية، من نيويورك، حيث قتل إريك غارنر أثناء عملية اعتقال، إلى ماديسون وويسكونسن، حيث استمرت المظاهرات أول من أمس بعد إطلاق النار يوم الجمعة الماضي على مراهق اعزل.
وأكد وزير العدل الأميركي إريك هولدر الجمعة الماضي استعداده لتفكيك شرطة فيرغسون إذا لم تلتزم بالإصلاحات. وقال: «إننا مصممون على استخدام كل الصلاحيات التي بحوزتنا، كل القدرة التي نملكها للتأكد من أن الوضع سيتغير هناك. أقول فعلا كل شيء، من العمل معهم حتى التغيير الكامل للبنية». أما نولز الجمهوري الذي انتخب رئيسا للبلدية قبل أربعة أشهر على مقتل براون، فاستبعد أول من أمس تفكيك شرطة المدينة. وقال إن فيرغسون ستعمد إلى «بحث واسع في كل أنحاء البلاد» لإيجاد قائد شرطة جديد ومدير خدمات، في محاولة لأن تصبح «مثالا للمدينة التي تستطيع المضي قدمًا في مواجهة المحن».



بولوارتي تضع البيرو في مواجهة مع حكومات المنطقة

رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
TT

بولوارتي تضع البيرو في مواجهة مع حكومات المنطقة

رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)
رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي قبيل مؤتمر صحافي في ليما، في 24 يناير الحالي (أ.ب)

بعد التدهور الأخير في الأوضاع الأمنية التي تشهدها البيرو، بسبب الأزمة السياسية العميقة التي نشأت عن عزل الرئيس السابق بيدرو كاستيو، وانسداد الأفق أمام انفراج قريب بعد أن تحولت العاصمة ليما إلى ساحة صدامات واسعة بين القوى الأمنية والجيش من جهة، وأنصار الرئيس السابق المدعومين من الطلاب من جهة أخرى، يبدو أن الحكومات اليسارية والتقدمية في المنطقة قررت فتح باب المواجهة السياسية المباشرة مع حكومة رئيسة البيرو الجديدة دينا بولوارتي، التي تصرّ على عدم تقديم موعد الانتخابات العامة، وتوجيه الاتهام للمتظاهرين بأنهم يستهدفون قلب النظام والسيطرة على الحكم بالقوة.
وبدا ذلك واضحاً في الانتقادات الشديدة التي تعرّضت لها البيرو خلال القمة الأخيرة لمجموعة بلدان أميركا اللاتينية والكاريبي، التي انعقدت هذا الأسبوع في العاصمة الأرجنتينية بوينوس آيريس، حيث شنّ رؤساء المكسيك والأرجنتين وكولومبيا وبوليفيا هجوماً مباشراً على حكومة البيرو وإجراءات القمع التي تتخذها منذ أكثر من شهر ضد المتظاهرين السلميين، والتي أدت حتى الآن إلى وقوع ما يزيد عن 50 قتيلاً ومئات الجرحى، خصوصاً في المقاطعات الجنوبية التي تسكنها غالبية من السكان الأصليين المؤيدين للرئيس السابق.
وكان أعنف هذه الانتقادات تلك التي صدرت عن رئيس تشيلي غابرييل بوريتش، البالغ من العمر 36 عاماً، والتي تسببت في أزمة بين البلدين مفتوحة على احتمالات تصعيدية مقلقة، نظراً لما يحفل به التاريخ المشترك بين البلدين المتجاورين من أزمات أدت إلى صراعات دموية وحروب دامت سنوات.
كان بوريتش قد أشار في كلمته أمام القمة إلى «أن دول المنطقة لا يمكن أن تدير وجهها حيال ما يحصل في جمهورية البيرو الشقيقة، تحت رئاسة ديما بولوارتي، حيث يخرج المواطنون في مظاهرات سلمية للمطالبة بما هو حق لهم ويتعرّضون لرصاص القوى التي يفترض أن تؤمن الحماية لهم».
وتوقّف الرئيس التشيلي طويلاً في كلمته عند ما وصفه بالتصرفات الفاضحة وغير المقبولة التي قامت بها الأجهزة الأمنية عندما اقتحمت حرم جامعة سان ماركوس في العاصمة ليما، مذكّراً بالأحداث المماثلة التي شهدتها بلاده إبّان ديكتاتورية الجنرال أوغوستو بينوتشي، التي قضت على آلاف المعارضين السياسيين خلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن الماضي.
وبعد أن عرض بوريتش استعداد بلاده لمواكبة حوار شامل بين أطياف الأزمة في البيرو بهدف التوصل إلى اتفاق يضمن الحكم الديمقراطي واحترام حقوق الإنسان، قال «نطالب اليوم، بالحزم نفسه الذي دعمنا به دائماً العمليات الدستورية في المنطقة، بضرورة تغيير مسار العمل السياسي في البيرو، لأن حصيلة القمع والعنف إلى اليوم لم تعد مقبولة بالنسبة إلى الذين يدافعون عن حقوق الإنسان والديمقراطية، والذين لا شك عندي في أنهم يشكلون الأغلبية الساحقة في هذه القمة».
تجدر الإشارة إلى أن تشيلي في خضمّ عملية واسعة لوضع دستور جديد، بعد أن رفض المواطنون بغالبية 62 في المائة النص الدستوري الذي عرض للاستفتاء مطلع سبتمبر (أيلول) الفائت.
كان رؤساء المكسيك وكولومبيا والأرجنتين وبوليفيا قد وجهوا انتقادات أيضاً لحكومة البيرو على القمع الواسع الذي واجهت به المتظاهرين، وطالبوها بفتح قنوات الحوار سريعاً مع المحتجين وعدم التعرّض لهم بالقوة.
وفي ردّها على الرئيس التشيلي، اتهمت وزيرة خارجية البيرو آنا سيسيليا جيرفاسي «الذين يحرّفون سرديّات الأحداث بشكل لا يتطابق مع الوقائع الموضوعية»، بأنهم يصطادون في الماء العكر. وناشدت المشاركين في القمة احترام مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى، والامتناع عن التحريض الآيديولوجي، وقالت «يؤسفني أن بعض الحكومات، ومنها لبلدان قريبة جداً، لم تقف بجانب البيرو في هذه الأزمة السياسية العصيبة، بل فضّلت تبدية التقارب العقائدي على دعم سيادة القانون والنصوص الدستورية». وأضافت جيرفاسي: «من المهين القول الكاذب إن الحكومة أمرت باستخدام القوة لقمع المتظاهرين»، وأكدت التزام حكومتها بصون القيم والمبادئ الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وسيادة القانون، رافضة أي تدخّل في شؤون بلادها الداخلية، ومؤكدة أن الحكومة ماضية في خطتها لإجراء الانتخابات في الموعد المحدد، ليتمكن المواطنون من اختيار مصيرهم بحرية.
ويرى المراقبون في المنطقة أن هذه التصريحات التي صدرت عن رئيس تشيلي ليست سوى بداية لعملية تطويق إقليمية حول الحكومة الجديدة في البيرو بعد عزل الرئيس السابق، تقوم بها الحكومات اليسارية التي أصبحت تشكّل أغلبية واضحة في منطقة أميركا اللاتينية، والتي تعززت بشكل كبير بعد وصول لويس إينياسيو لولا إلى رئاسة البرازيل، وما تعرّض له في الأيام الأخيرة المنصرمة من هجمات عنيفة قام بها أنصار الرئيس السابق جاير بولسونارو ضد مباني المؤسسات الرئيسية في العاصمة برازيليا.